إعلان وفاة قابوس بعد حسم ملف السلطنة.. ما سر مخاوف عمان؟

لم يكن الفارق الزمني كبيرا بين الإعلان عن وفاة السلطان العماني قابوس بن سعيد، وإعلان مجلس الدفاع العماني اختيار هيثم بن طارق بن تيمور خلفا له في المنصب، بموجب وصية الراحل قابوس.
بموجب المادة السادسة من النظام الأساسي لسلطنة عمان، فإنه يجب أن يقوم مجلس العائلة خلال 3 أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم.
وإذا لم يتفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطان للبلاد فإن مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه يقومون بتثبيت من أشار إليه السلطان فـي رسالته إلى مجلس العائلة.
ما يعني أن السلطان قابوس كان قد توفي قبل أكثر من 3 أيام من الإعلان عن وفاته، وهذا ما أكده نصا مجلس الدفاع العماني في تلاوته لوصية السلطان قابوس.
وتقول وصية قابوس: (.. فقد حمّلكم النظام الأساسي للدولة أمانة عظيمة وكلفكم مهمة جسيمة بإسناده إلى مجلسكم الموقر مسؤولية تحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم وذلك خلال 3 أيام من شغور منصب السلطان، وحيث أن مجلسكم الموقر لم يتفق على سلطان للبلاد في المدة التي حددها النظام الأساسي للدولة، فإننا بعد التوكل على الله ورغبة منا ضمان استقرار البلاد، نشير بأن يتولى الحكم السيد هيثم بن طارق، وذلك لما توسمنا فيه من صفات وقدرات تؤهله لحمل هذه الأمانة.. الخ).
سر التأجيل
وإزاء هذا الحدث برزت تساؤلات لدى الكثيرين عن سر تأجيل الإعلان عن وفاة السلطان لأكثر من 3 أيام، مع أنه يفترض، بحسب التقاليد الشائعة والقواعد المعمول بها في الممالك الخليجية، أن يتم الإعلان عن وفاة الحاكم، ثم يتم بعد ذلك اختيار الحاكم الجديد، وفق الآليات المعمول بها في كل بلد.ومقابل هذه التساؤلات برزت مزاعم وتفسيرات لدى البعض بأن لدى السلطنة في الأساس مخاوف وتحديات تتعلق بمحاولات جهات خارجية خلط الأوراق والعبث بالشأن الداخلي لعمان، وذلك لمحاولة تغيير نظام الحكم، وتغيير آلية اختيار الحاكم، أي اختراق الأجهزة الحكومية والأمنية وفرض سلطان جديد موال لتلك الجهات، وتجاوز الآلية المعمول بها والتي حددها النظام الأساسي للسلطنة.
هذا ما صرحت به وسائل إعلام عمانية في وقت سابق. ففي نهاية يناير/كانون الثاني 2011، أعلن التلفزيون العماني عن تفكيك شبكة تجسس "إماراتية" تابعة لجهاز أمن الدولة بدولة الإمارات، تستهدف "نظام الحكم" و"آلية العمل الحكومي والعسكري" في السلطنة.
وحسب وكالة فرانس برس، فإن تلك الخلية التي تم تتبعها لمدة 5 أشهر قبل القبض عليها، تقوم بجمع المعلومات حول النشاطات العسكرية والأمنية والاقتصادية في السلطنة وتتلقى مبالغ طائلة من قبل جهاز أمن الدولة في الإمارات العربية المتحدة".
تضيف الوكالة أن "الخلية كانت تركز في نشاطها على مسألة خلافة السلطان قابوس، وعن الشخصية التي يمكن أن تتولى الحكم بعد وفاة السلطان قابوس".
وفي مارس/آذار 2019، أشار وزير الخارجية العماني إلى ضبط سلطات بلاده لشبكة تجسس لإحدى دول الجوار، لم يسمها، غير أن صحيفة الأخبار اللبنانية، كشفت أن تلك الدولة هي الإمارات.
وقالت الصحيفة في تقريرها: "أجهزة الأمن العمانية تمكنت من الحصول على معلومات عن شبكة تجسس إماراتية تنشط ضد السلطنة، وأن الأجهزة تمكنت من الحصول على أسماء الأفراد والشركات المتورطة، وأضافت الصحيفة أن حاكم دبي محمد بن راشد، كان يتدخل بشكل شخصي في ملف الخلية، الأمر الذي تسبب بتوتر كبير بين البلدين".
وأضافت الصحيفة، أن السلطات العمانية قامت بمواجهة أبوظبي بالمعلومات التي حصلت عليها، وخيرتها بين كشف المتورطين بالتجسس قديما وحديثا، أو إخراج الملف للعلن.
تعطيل الميناء
وذكرت الصحيفة أن ابن راشد حاول استقطاب مسؤولين عمانيين وعرض عليهم رشى مالية سخية بالإضافة إلى منحهم الجنسية الإماراتية، مقابل عملهم على عرقلة تطوير مينائي الدقم وصحار، اللذين تخشى منهما الإمارات في تأثيرهما على موانئ دبي وأبوظبي.
بحسب صحيفة "لوبلوغ" الأمريكية، فإن الإمارات تخشى من أن يكون ميناء الدقم منافسا لميناء جبل علي، ويسحب البساط من تحت أقدامها، خصوصا في ظل قلق دولي من إقدام إيران مستقبلا على السيطرة الكلية على مضيق هرمز وإغلاقه أو التحكم بالحركة الملاحية فيه.
وحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فإن العمانيين يفسرون المساعي الإماراتية في السيطرة على جنوب اليمن بالسعي لإضعاف الاستثمارات التي تمولها الصين في ميناء الدقم، وتطويق السلطنة إستراتيجيا بشكل عام، كما هو الحال مع ميناء عدن اليمني.
يذكر أن الإمارات لها تاريخ في شراء الولاءات مقابل العمل لحسابها في عرقلة المشاريع الوطنية، وكانت الإمارات قد اشترت ولاءات مسؤولين يمنيين في جزيرة سقطرى اليمنية ووعدتهم بمنح الجنسيات مقابل عملهم لصالحها في الجزيرة.
وتمكنت الإمارات حتى الآن من تعطيل الموانئ اليمنية، ومن بينها ميناء عدن الدولي، الذي يصنف كثاني أكبر ميناء طبيعي في العالم، بعد ميناء نيويورك، ويعد محطة هامة لتزويد السفن بالوقود.
ملفات إقليمية
تأتي محاولات الإمارات اختراق الأجهزة الأمنية والاستخباراتية العمانية، في سياق أشمل، إذ تشهد العلاقات العمانية الإماراتية توترا غير معلن، بسبب عدم استجابة عمان للضغوط الإماراتية بالانضمام إلى الدول التي قررت محاصرة قطر صيف 2017.
ووفق صحيفة ستراتفور الاستخباراتية الأمريكية، في تقرير لها في أغسطس/آب 2018، فإن السعودية والإمارات تضغطان لإجبار سلطنة عمان على تغيير مواقفها حيال العديد من القضايا، وتبني السياسات التي تتماشى بشكل وثيق مع سياساتهم الخاصة.
وتقول الصحيفة: "رغم التزام سلطنة عُمان الحياد حيال نزاعات الخليج العربي، ومع استهداف الولايات المتحدة إيران بالعقوبات الاقتصادية، فإن السعودية والإمارات تضغطان عليها وتدفعانها لقطع علاقاتها مع إيران".
وأضافت الصحيفة، أن مسقط تستعين بعلاقاتها الواسعة والمميزة مع القوى الدولية والإقليمية لمقاومة الضغوط، واصفا إياها بأنها ذات خبرة في توازن القوى.
وكانت السلطنة قد واجهت ضغوطا هائلة، بحسب "واشنطن بوست"، لجعل قراراتها تنسجم مع قرارات السعودية والإمارات إلا أنها لم ترضخ لتلك الضغوط، وعدّت ذلك محاولة للتحكم بقرارها السيادي.
وفقا لمجلة "إيكونومست"، تعمل مسقط على تشكيل خريطة تحالفات جديدة، بعيدة عن القوى المهيمنة على مجلس التعاون الخليجي، وتضيف المجلة أن سلطنة عمان تعمل منذ سنوات عديدة، على الحيلولة دون سيطرة السعودية على قرارات مجلس التعاون.
ودللت المجلة على ذلك بتعطيل السلطان قابوس، خططا عديدة للرياض لفرض الهيمنة على دول الخليج، من بينها محاولاتها لتأسيس عملة موحدة، كما أن مسقط تخشى تعاظم الطموح السعودي ومحاولته التحكم والسيطرة بقرارها السيادي، كما هو الحال في تلك المحاولات التي نشبت على إثرها الأزمة القطرية.
البوابة الشرقية
بالإضافة إلى ذلك يدور صراع بين مسقط من جهة والرياض وأبوظبي من جهة أخرى، بسبب تنامي الدور السعودي والإماراتي في محافظة المهرة اليمنية، البوابة الشرقية و الامتداد القومي لسلطنة عمان.
في فبراير/شباط 2019، أدلى وزير الخارجية العمانية يوسف بن علوي بتصريح لقناة روسيا اليوم قال فيه: "الإمارات لها تطلعات وطموح في المنطقة، وهذه التطلعات يجب أن تكون محكومة".
وأضاف الوزير العماني: "خلافات بين مسقط وأبوظبي نشأت على خلفية الحرب التي شنّها التحالف السعودي الإماراتي على اليمن، وتدهور الوضع الإنساني هناك".
وحذر الأكاديمي والسياسي العُماني عبد الله الغيلاني، من أن تتسبّب العلاقات، التي قال إنها تشهد توترا غير مسبوق بين عُمان والإمارات، بـ"تهديد إستراتيجي تتجاوز تبعاته الدولتين".
وكشف الغيلاني لمصادر صحفية عن وجود توتر وصفه بـ"الأشد" في تاريخ العلاقات العُمانية-الإماراتية، منذ نشأة الإمارات ككيان سياسي مستقل في 1971، قائلا: "علاقة البلدين تشهد توترا غير مسبوق يوشك أن يتحول إلى مهدد إستراتيجي تتجاوز تبعاته عُمان والإمارات، لتصل شظاياه إلى المشهد الإقليمي".
وقال الأكاديمي العماني: "من شواهد حدة التوتر المسعى الإماراتي لاختراق منظومة القرار المركزي العُماني، الذي أجهضته السلطات العمانية، واليمن هي الساحة الأكثر تعبيرا عن ذلك الصراع الذي لا تزيده الأحداث إلا تغيظا وحدة".
وبرأي الغيلاني، "فإن بدايات مشروعها ذاك، كان بزرع خلية التجسس التي كشفت عنها مسقط في 2011، والتي تعاملت معها الحكومة العمانية بقدر من اللين، أما على المستوى الشعبي فقد أثارت تلك الواقعة مزيجا من الغضب والسخط، وكانت هي الخميرة التي تولد عنها رفض شعبي ظل يتعاظم ويتسع"، حد قوله.
مراكز بحثية
سخرت الإمارات كل أجهزتها في محاولة الإضرار بسلطنة عمان، فبالإضافة إلى الجهاز الاستخباراتي الذي تولى مهمة زراعة خلايا وشبكات تجسس على نظام الحكم العماني والأجهزة الأمنية العمانية، قامت بتوظيف مراكز بحثية إماراتية لممارسة ذات المستوى من الإضرار، ولكن بأدوات أخرى، محاولة تشويه السلطنة، واتهامها بالتآمر على دول الخليج.
وكان الكاتب الإماراتي سالم حميد، مدير مركز "المزماة" للدراسات والبحوث، قد اتهم مسقط بالتآمر ضد الأمة العربية، والتعاون مع النظام الإيراني وميلشياته، والتآمر أيضا مع دولة قطر.
وقال الكاتب المحسوب على أجهزة المخابرات الإماراتية، بحسب تصنيف موقع "إمارات ليكس": إن "عمان تتبنى موقفا يهدد أمن الخليج العربي، وأنها كانت طيلة عقود مضت حليفا وفيا لإيران، وجسر عبور لها".
وأضاف الكاتب: "في ذروة انشغال دول الخليج العربي بالتمدد الإيراني، عبر ميليشياته الإرهابية الحوثية، كانت عمان بوابة لهذا التسلل في عتمة ليل، كالذي يُدخِل اللصوص ليلا إلى دار جاره، ليحظى ببعض المنافع الخاصة"، حد قوله.
وكان الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله المقرب من أبوظبي، قد انتقد زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي لإيران ولقائه نظيره الإيراني جواد ظريف، وقال عبدالخالق في تغريدة على تويتر معلقا على صورة لاجتماع الطرفين: "اجتماع لا ينتج عنه أي خير للمنطقة".
اجتماع لا ينتج عنه اي خير لدول المنطقة. pic.twitter.com/tgC0DLAP4l
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) May 21, 2019
غير أن الأكاديمي الإماراتي نسى فيما يبدو الزيارات السرية المتكررة التي أجراها طحنون بن زايد مستشار محمد بن زايد لإيران.
المصادر
- أكاديمي عُماني يكشف سبب توتر العلاقات بين أبوظبي ومسقط
- Oman is a mediator in Yemen. Can it play the same role in Qatar?
- Oman is benefiting from the standoff over Qatar, for now
- Oman’s Duqm, a new port city for the Middle East?
- Saudi, UAE involvement in eastern Yemen unsettles Oman Read more: https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2018/01/saudi-uae-involvement-eastern-yemen-oman-border.html#ixzz6AzKNaRhx
- مسقط تطيح شبكة تجسّس تديرها دبي: حرب باردة بين عُمان والإمارات
- بن علوي معلقا على التجسس الإماراتي: يحصل بين الجيران
- Oman Will Bend, But Not Break, From Gulf Pressure
- مسقط تلمح لضبط خلية تجسس يقول نشطاء إنها تابعة للإمارات