لإنهاء الاحتجاجات الشعبية.. خياران أمام رئيس الحكومة العراقية

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد دخول المظاهرات الشعبية في العراق أسبوعها الثاني، يبدو أن دُفعات الإصلاحات التي أطلقها رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، لم تفلح في تخفيف غضب المواطنين.

رغم إحالته مسؤولين سابقين إلى القضاء بتهم فساد، وإطلاق آلاف التعيينات وإعادة آلاف آخرين مفصولين للخدمة، فضلا عن تغيير عدد من الوزراء، وإحالة ضباط كبار للمحاكمة بتهمة قتل متظاهرين، إلا أن عبدالمهدي رفض دعوات لإقالة الحكومة واعتبرها إعلانا للفوضى في البلاد.

أمام خيارين

عبدالمهدي فتح النار على خصومه وأسلافه من رؤساء الحكومات السابقة، وتحديدا نوري المالكي وحيدر العبادي اللذين ينتميان إلى حزب "الدعوة الإسلامية" بعد انتقادهما لنتائج التقرير الحكومي الخاص بمقتل المتظاهرين خلال الحراك الذي اندلع في الفترة من 1- 7 أكتوبر/تشرين الأول 2019.

المالكي (ترأس الحكومة لدورتين من 2006 إلى 2014) اعتبر نتائج التحقيق: "مخيّبة للآمال" وطالب بكشف قتلة المتظاهرين قنصا. أما العبادي الذي قادة الحكومة قبل الحالية لمدة 4 سنوات، فقد دعا حكومة عبدالمهدي إلى: تقديم استقالتها والاعتذار للشعب، مؤكدا: أن عدم كشف الحقائق يشير إلى وجود جهة مركزية قامت بإعطاء أوامر عليا لقتل المحتجين.

وتساءل عبدالمهدي عَبر خطابه التلفزيوني في 24 أكتوبر/تشرين الأول، قائلا: "هل جرت لجان تحقيق جدية في سقوط الموصل في 2014، وحادثة سبايكر، وحوادث الحويجة والبصرة، وضرب المتظاهرين عام 2016، وسقوط الرمادي في 2015، وغيرها من الأمور لم نسمع لها حسيسا أو نجوى؟".

وأضاف عبدالمهدي: "هذه القضايا بقيت هلامية ولم يحقق بها، واخترقت الدولة ومؤسساتها والإجراءات الأصولية والقانونية، ولم تبنِ حالة سياقية وقانونية يمكن البناء عليها، لذلك مضت كل تلك الأحداث بدون محاسبة وتصويب".

وتابع: "الكثيرون ممن كانوا يرفضون دعواتنا للإصلاح، بحجة وجود مؤامرات يقفون اليوم على رأس المطالبين باستقالة الحكومة دون أن يحملوا أنفسهم مسؤولية دفع الأمور إلى هذه المستويات من نقص الخدمات والبطالة والفساد، واحتكار السلطة، وغيرها من الأمور، هي من الشعارات الرئيسة التي ترفعها المظاهرات الحالية"، في إشارة للمالكي.

وواصل عبدالمهدي مهاجمته للمالكي، بالقول: "الفريق الذي كان يصر على احتكار السلطة وإبقاء رؤوس الفساد، والذين كانوا يصرحون قبل يوم من سقوط الموصل عام 2014 أن الأوضاع بخير، هم من يزايدون علينا اليوم".

وأشار إلى: أن "الجيوش المليونية من العاطلين لم يتراكموا خلال أشهر من عمر الحكومة الحالية، ولا أن نقص الخدمات والماء والمجاري والكهرباء والصحة والمدارس والفساد ومعدلات الفقر التي وصلت إلى 20 بالمئة من السكان هي من فعل هذه الحكومة، وإنما كلها تراكمات".

خطاب عبدالمهدي هذا، فسره مراقبون على أنه حمل رسائل تهديد مبطنة لأسلافه من رؤساء الحكومات السابقة، وتحديدا نوري المالكي، بفتح ملفات  تتعلق بإهدار مئات مليارات الدولارات، وتأصيل الفساد في البلد، والتسبب بسقوط ثلث مساحة العراق بيد تنظيم الدولة عام 2014.

وحسب مراقبين: فإن عبدالمهدي أمام خيارين لإنهاء غضب المتظاهرين، والبقاء في منصبه، الأول: إما أن يفتح ملفات الفساد الكبيرة، ولا سيما التي تخص حقبة المالكي (8 سنوات). والثاني، الاستقالة من منصبه، ومن ثم يؤتى بشخصية أخرى تدير حكومة تصريف أعمال لحين إجراء انتخابات مبكرة.

واستأنف العراقيون الاحتجاجات الشعبية، الجمعة 25 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، للمطالبة باستقالة حكومة عبد المهدي ومعالجة البطالة والقضاء على الفساد، وتحسين الخدمات، التي تشهد ترديا منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وحتى الآن.

الإطاحة بالفاسدين

من أبرز الفاسدين الذين يطالب المتظاهرون بمحاكمتهم، هو نوري المالكي وعدد من الشخصيات في منظومته الحكومية، ورغم تلميحات سلفه العبادي كثيرا وحديثه المستمر عن نيته ضرب الفساد بيد من حديد، لم يحرك ساكنا في محاكمتهم، فالاثنان (المالكي والعبادي) ينتميان إلى حزب "الدعوة الإسلامية".

في مستهل ولاية رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي عام 2014، كشف عن وجود 50 ألف جندي فضائي (وهمي)، كان ضباط متنفذون يستولون على مرتباتهم، في عهد سلفه نوري المالكي، وربما هذا ملف الفساد الوحيد الذي فتحه العبادي ولم يكمله طلية فترة حكمه.

وتشير التقديرات المتاحة عن حجم الفساد في القوات المسلحة فيما يخص موضوع "الفضائيين" أو الجنود الوهميين فقط، يصل إلى 250 ألف منتسب أمني، وتصل مرتبات هؤلاء إلى 2500 مليون دولار سنويا، وهذا يعني أن حجم الأموال المهدرة بسبب الفساد للجنود الوهميين فقط يتجاوز 10 مليارات دولار للسنوات الأربع الأخيرة من حكم المالكي.

العبادي (من اليمين) لم يحاسب المالكي رغم ملفات الفساد الكبيرة

وفي الوظائف المدنية، هناك تصريحات عن وجود 23 ألف متقاعد فضائي (وهمي) يتقاضون رواتب تقاعدية لمدة 5 سنوات على الأقل دون أن يكون هناك وجود حقيقي لهم، ويمكن أن يصل مجموع المبالغ التي تقاضوها طوال السنوات الـ4 أو الـ5 سنوات إلى مليار دولار.

وعلى صعيد المنافذ الحدودية، أعلنت هيئة الجمارك العامة حصولها على 400 مليار دينار (306.5 ملايين دولار) خلال 6 أشهر من العام 2016. هذا المبلغ الضئيل بالمقارنة مع ما يجب أن تكون عليه الحال يؤشر لحجم الفساد في الجهاز الضريبي العراقي، فنسبة الضريبة الجمركية لا تقل عن 10 بالمئة.

ومقابل هذه النسبة، بلغت استيرادات القطاع الخاص وفقا لمبيعات البنك المركزي العراقي من الحوالات الخارجية والاعتمادات المستندية، ما لا يقل عن 30 مليار دولار في العام 2016، الأمر الذي يستوجب أن تصل قيمة الإيرادات الجمركية إلى 1.5 مليار دولار خلال الـ 6 الأشهر الأولى من العام في حين أنها لم تتجاوز مبلغ 306 ملايين دولار. وهذا يعني أن حجم الفساد في الجمارك وحدها يتجاوز ملياري ونصف المليار دولار سنويا.

كان لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، دور كبير في إدارة عمليات الفساد في الدولة، وحسب البرلماني السابق أحمد الجلبي: فإن "رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، أنفق نحو 44 مليار دينار (37 مليون دولار) خارج إطار الموازنة العامة، وبشكل غير قانوني خلال السنوات الأربع الأولى من حكمه".

وأكد الجلبي الذي توفي بشكل مفاجئ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015: أن "الميزانية السرية لرئيس الوزراء الأسبق، تبلغ 7 مليارات دولار، وهذه لا تخضع لرقابة البرلمان أو وزارة المالية، وهي غير مدونة في الموازنة العامة للدولة"، على حد قوله.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال رئيس كتلة "العقد الوطني" في البرلمان رشيد العزاوي: "سمعنا الكثير عن محاربة الفساد ومجلس مكافحة الفساد ولجنة نزاهة، منذ زمن حكومة العبادي الذي أعلن وجود 50 ألف فضائي (وهمي) في الجيش العراقي، لكن أين هؤلاء الفضائيين؟ هل أخرجوا فعلا من الجيش، هل حوسب المتسبب بذلك؟. كانت زوبعة أثيرت في وقتها ولم يحدث شيء بعدها".

بحسب العزاوي: فإن مسألة مكافحة الفساد، أصبحت وكأنها مادة للاستهلاك الإعلامي فقط، وهذه مؤاخذة على رئيس الوزراء الحالي عبد المهدي وسبقه العبادي. ممكن أنهم كافحوا الفاسدين الصغار وأدخلوهم السجن، و"هيئة النزاهة" تقول إنها حققت في 4 آلاف قضية، ولكن معظمها من القضايا الصغيرة جدا وقد تصل مبالغ الواحدة منها بالكثير إلى 10 آلاف دولار.

وأردف: أما قضايا الفساد التي نهبت المليارات لا تزال متروكة، فالشعب ينتظر مكافحة فساد حقيقية يرى فيها رؤوس كبيرة يطاح بها، ولكنهم يخرجون لنا 1000 موظف من وظيفته بسبب الفساد من هؤلاء؟ هل هم من صغار أم كبار الموظفين؟ هذه مؤاخذات على الحكومة الحالية والتي قبلها. عندما يعلن رئيس الحكومة إنه يريد مكافحة الفساد، فيجب أن يكون بصورة علنية وشفافة، ولا يدع الناس تنتظر.

المتظاهرون العراقيون يطالبون عبدالمهدي بالاستقالة

خيار الإقالة

وبخصوص الدعوة لإسقاط الحكومة والذهاب لانتخابات مبكرة وإجراء تعديلات دستوري، ردّ عبدالمهدي في خطابه قبل مظاهرات 25" أكتوبر" بالقول: "كل هذا حق مشروع لا لبس فيه".

لكن عبدالمهدي اشترط أن يتم ذلك: "وفق إجراءات قانونية دستورية، أما الضغط خارج هذه السياقات، فذلك مغامرة دفع العراق ثمنها مرارا. إن استقالة الحكومة بدون توفير البديل الدستوري معناه ترك البلاد للفوضى".

محللون سياسيون يشيرون إلى: أن المتظاهرين هم "من بيئة محتقنة بسبب المظالم والتهميش والإقصاء الذي يعانونه جراء نقص الخدمات والفقر والبطالة ومشاكل كثيرة مجتمعية اقتصادية، كل هذه المشاكل تجمعت مرة واحدة وتراكمت، الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة بالحكومة على مستوى الوعود وعلى مستوى حزم الإصلاحات التي أطلقت".

وحسب التحليلات السياسية، فإن المتظاهرين اتخذوا قرارا بعدم مشروعية هذه الحكومة، فهم الآن أصبح لا يرضيهم صناعة الثقة من جديد، لأنهم بحاجة إلى أن يقتنعوا بأن هذه الحكومة لديها مشروعية في حكمهم.

المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي قال في تصريحات صحفية: "الانسداد الحاصل حاليا في الشارع لا نهاية له إلا باستقالة عادل عبدالمهدي، أو مراجعة الجماهير المحتجة وقرارها في مشروعية الحكومة".

وبخصوص ما إذا كان المتظاهرون يكتفون بإقالة الحكومة أم بتغيير النظام؟ قال الهاشمي: "أغلب الفئة الجماهيرية المحتجة، لا يفهمون الكثير من هذه المصطلحات السياسية في موضوع تغيير النظام".

لكن عبدالمهدي على ما يبدو في رسالته الأخيرة إلى مقتدى الصدر، الذي طالبه بالذهاب إلى البرلمان وتقديم الاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة، قد لوّح بتقديم الاستقالة رغم تحذيره مما أسماه "الفراغ في السلطة" في حال قدمت حكومته استقالته.

العامري والصدر طلبا من عبد المهدي تشكيل الحكومة

وفي بيان للحكومة، قال عبدالمهدي: إنه في حال اتفق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الداعم لائتلاف "سائرون" وزعيم ائتلاف "الفتح" هادي العامري على حكومة جديدة فسأقدم استقالتي‎". وتابع بأنه "ليس بالإمكان إجراء انتخابات مبكرة قبل حل البرلمان‎".

ومنحت حكومة عادل عبدالمهدي الثقة من البرلمان في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد توصل تحالفي "سائرون" و"الفتح" لتسميته كمرشح تسوية، لإنهاء الأزمة التي دخلت فيها الكتل السياسية وعدم مقدرة الكتل الفائزة على تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي يحق لها تسمية رئيس الوزراء.