فوز قيس سعيد.. لماذا يمثل خيبة أمل جديدة للإمارات؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لعبت الإمارات دورا بارزا في تفخيخ المشهد السياسي في تونس التي عرفت بأنها "مهد ثورات الربيع العربي"، وسعت لقلب الموازين ووأد الديمقراطية، إلا أن فوز قيس سعيد برئاسة تونس يعد خيبة جديدة لدول يطلق عليها الكثيرون "محور الشر" التي تقود التحالف المناهض للثورات، وتعزيز للنفوذ الإقليمي للديمقراطية التونسية، وبداية مرحلة جديدة في المنطقة.

تكشف إبان المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تونس التي جرت في سبتمبر/أيلول الماضي، تدخل الإمارات وتمويلها المشبوه في محاولة للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية، ما أثار قلق الشارع التونسي بشأن تدخل المال السياسي الداخلي والخارجي في حملات الدعاية للمرشحين في الانتخابات فضلا عن الأدوار المشبوهة الأخرى.

محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي

ووجهت شخصيات سياسية تونسية أصابع الاتهام مباشرة للإمارات، متهمة إياها بتعكير الأوضاع في تونس والدفع نحو إحباط التجربة الديمقراطية، والذي يعد اكتمالها بفوز "سعيد" بالجلوس على كرسي الحكم بقصر قرطاج صفعة مدوية للإمارات التي راهنت على فوز منافسه نبيل القروي ودعمته بملايين الدولارات في وقت تمر به بأزمة اقتصادية داخلية.

مخطط وأد الديمقراطية في تونس تحاول الإمارات بمعاونة محور الثورات المضادة تنفيذه منذ سنوات، بهدف السيطرة على الحياة السياسية في أول بلاد الربيع العربي، وإقصاء حركة النهضة الإسلامية، إلا أنها أخفقت طوال السنوات الماضية في إحداث اختراق حقيقي في المشهد التونسي، ونجحت تونس في اختبار الديمقراطية الذي دخلته بعد وفاة الرئيس التونسي السابق الباجي قايد السبسي (92 عاما).

مناهضة "النهضة"

وتمكنت حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي من توجيه صفعة لمحور الشر، بفوزها بـ52 مقعدا في الانتخابات التشريعية التي أعلن نتيجتها الأسبوع الأول من الشهر الجاري، ما يمثل انتصارا للديمقراطية التونسية، وإفشال لمساعي أبو ظبي بإضعاف التيار الإسلامي والحركة وإخراجها من المعادلة السياسية، وعزلهم عنها، والتشويش على القرار التونسي، عبر سلاح المال الذي قاتل به الديمقراطية إلى أبعد مدى.

موقع "موند أفريك" الفرنسي، المختص بالشأن الإفريقي، سبق أن كشف في تقرير له العام الماضي، عن مخطط الإمارات لإحداث انقلاب في تونس، مؤكدا أن من ضمن أولويات الخطة "التخلّص نهائيا، أولا وقبل كل شيء، من حركة النهضة"، والتي حلت أولا في الانتخابات التشريعية التي أعقبت ثورة الياسمين، وتنخرط ضمن تحالف الحكم في تونس.

بالرغم من ذلك تمكنت حركة النهضة من الحفاظ على وجودها كرقم صعب، ولم تندثر مثلما كان مقررا، بل أثبتت قدرتها على الصمود والوقوف بندية كبرى أمام شتى الضغوطات التي تعرضت لها وأمام المافيا المالية وامبراطوريتها الإعلامية التي فعلت المستحيل لإخراجها من السلطة، واستطاعت قلب الطاولة وتحقيق فوز انتخابي "لا غبار عليه" مثلما وصفه رئيسها -بحسب ما قاله الكاتب التونسي نزار بولحية-.

راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية

تخريب الديمقراطية

الإمارات سعت أيضا إلى إقبار الديمقراطية التونسية في مهدها، في محاولة لتكرار السيناريو المصري، إذ حذر حمادي الجبالي المرشح السابق للانتخابات الرئاسية التونسية وأول رئيس حكومة بعد الانتخابات التي عقبت ثورة 2011 حتى 2013، خلال رده على سؤال بشأن رؤيته للعلاقات مع أبو ظبي، من أن: "الإمارات تخرق السيادة الوطنية بالإملاءات والمال والإعلام".

وسبق للجبالي أن اتهم الإمارات  بـ"تخريب ديمقراطية تونس"، ملمحا إلى "تورطها" في اغتيال الزعيم المعارض شكري بلعيد.

قال الجبالي، في حوار على "راديو ماد" مارس/آذار الماضي: "إن الإمارات عملت على ضرب حزب النهضة وإحباط الثورة التونسية"، مؤكدا أنها : "استهدفت تونس لأن تونس وحدها ظلت صامدة وانتصرت للحرية والديمقراطية".

ولفت الجبالي الذي كان قياديا سابقا في حزب النهضة إلى أن: "الإمارات ترصد أموالا مهولة من أجل تخريب الديمقراطية التونسية وضرب الثورة"، قائلا: "ابحثوا عن الدور الإماراتي في تخريب سوريا واليمن وليبيا.. وهي تستهدف تونس التي بقيت وحدها سدا منيعا".

ليس الجبالي وحده من اتهم الإمارات باستهداف الديمقراطية التونسية، فمواقف الرئيس السابق المنصف المرزوقي، عن مؤامرات الإمارات على تونس كثيرة، إذ أكد أن الإمارات تواصل مساعيها لإحباط التجربة الديمقراطية التونسية، وأنه عمل خلال ولايته على "التصدي لمحاولاتها"، واتصل بالأمريكيين لـ"يكفّ الإماراتيون مؤامراتهم عن تونس"، واصفا الإمارات بأنها: "عدوة الديمقراطية والحرية".

وجزم بأن لديه أكثر من دليل على تورط الإماراتيين في عرقلة المسار الديمقراطي، من خلال تمويل الثورة المضادة ومنظومة الحكم السابقة، وشدد على أن: "الإمارات تمول وتسلح في ليبيا وفي اليمن، وفي عدد من الدول التي عاشت ثورات لوأدها".

وشدد المرزوقي إبان مشاركته في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الأخيرة، على وجود دول أجنبية أعطت لنفسها حق شن ما أسماه «حربا مقدسة» ضد الحرية والديمقراطية في تونس بهدف العودة بها إلى مربع ما قبل الثورة، مؤكدا أن هذه الدول هي نفسها التي تقوم بـ"قتل الأبرياء من الشعب اليمني وتسليح الميليشيات في ليبيا".

منصف المرزوقي رئيس الجمهورية التونسية الرابع

هزيمة القروي

كان استهداف انتخابات الرئاسة التونسية ضمن مخططات الإمارات، وحشدت النخب التونسية إلى جانبها في مساعيها لتقليص نفوذ حركات "الإسلام السياسي" والحد من انتشار الأنظمة الديمقراطية في العالم العربي -بحسب ما أشار له مركز ستراتفور الأمريكي للدراسات الإستراتيجية والأمنية-.

وراهنت الإمارات على نبيل القروي الذي كان منافسا مثيرا للجدل أمام قيس سعيد، إلا أن رهانها فشل، وهو ما يذّكر أيضا بفشل الإمارات في إيصال اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى الحكم في ليبيا، فضلا عن دعم أبوظبي قائد الانقلاب العسكري في مصر عبدالفتاح السيسي.

 وزير الخارجية التونسية الأسبق، القيادي في حركة "النهضة" رفيق عبدالسلام وجه اتهامات للإمارات بأنها هي من تكفلت بدفع مليون دولار لشركة علاقات عامة أمريكية لتحسين صورة المرشح للرئاسيات التونسية نبيل القروي.

فيما قال القيادي في حركة النهضة الحبيب اللوز في فيديو نشره في صفحته الرسمية على "فيسبوك": إنه ظل صامتا لفترة طويلة لأنه كان رافضا لسياسة التوافق.

وأضاف الحبيب اللوز: "اليوم أعود مع عودة روح الثورة التونسية ولكن للمفارقة، الإمارات و(محمد) دحلان يعملان على مساعدة الثورة المضادة الممثلة اليوم في نبيل القروي وقلب تونس لإعادة سيناريو مصر وليبيا".

كما نشر القيادي السابق بحركة النهضة رياض الشعيبي تدوينة تحت عنوان "القصة الكاملة لقضية تبييض الأموال…وما خفي كان أعظم"، أوضح خلالها أن تهم التهرب الضريبي وتبييض الأموال ثابتة على القروي لكن هناك تهمة ثالثة أخطر منهما، في إشارة على الأرجح إلى التآمر على أمن الدولة.

وأشار إلى أنه تم اكتشاف أن جمعية رئيسها فلسطيني يصب لقناة نسمة التابعة للقروي 6.5 مليارات (لم يوضح العملة) كل شهر، مؤكدا أن الفلسطيني واحد من جماعة محمد دحلان - المعروف بأنه أخطبوط المؤامرات وذراع الإمارات لتصفية الربيع العربي-، ويتردد كثيرا على دولة خليجية معروفة بأنها وكر الثورات المضادة.

وأضاف "الشعيبي": "بل تبين بكل وضوح أن الجمعية هذي تمولها الإمارات وتستعمل فيها لنقل أموال لصالح جهات معينة أخرى أيضا في تونس، وليس فقط لقناة نسمة".

نبيل القروي المرشح الرئاسي السابق بتونس

الثورة المضادة

الناشط السياسي الإماراتي إبراهيم آل حرم، أكد أن نجاح قيس بن سعيد في انتخابات الرئاسة التونسية يعد فشلا من سلسلة الإحباط والفشل الذي تعاني منه الثورة المضادة التي تقودها الإمارات.

وأشار في حديثه مع "الاستقلال" إلى فشل مشروع الثورة المضادة في أهم ثلاث دول من الربيع العربي والتي تدخلت فيهم بكل ثقلها من ناحية مادية وعسكرية وصرفت المليارات عليها مما جعلها في وضع منهك، مشيرا إلى فشل مليشيا حفتر في دخول طرابلس الليبية، وفي اليمن فشلت ميلشيا الانتقالي التابعة للإمارات من دخول شبوة، وفي مصر ثار الشعب مرة أخرى وكسر حاجز الخوف.

وتوقع "آل حرم" أن: "الأوضاع الاقتصادية غير مستقرة في الداخل الإماراتي والسعودي تجعل دور هذه الدول في دعم الثورة المضادة يقل بشكل كبير في الفترة القادمة وإن كان لن ينتهي ولكن كما قيل فالشعوب أبقى والأنظمة المستبدة إلى زوال".

ورأى أن هذا يحتم على الرئيس التونسي الجديد والذي بدأ ترشحه للانتخابات في الاصطفاف ناحية الربيع العربي أن يكون حذرا، وأن يصنع حوله قوة حقيقية تحمي إرادة الشعب الذي اختاره، لأن هناك قصور في الوعي لدى بعض النخب يعتقد بأن الشعوب ستحمي حقها بنفسها وهذا أمر غير صحيح.

وأضاف الناشط السياسي الإماراتي أن: "الشعوب في الثورات داعمة أساسية تختار رئيسها لثقتها به في حماية حقها، لذلك يجب على هذا الرئيس أن يشكل قوة تحمي حق الشعوب، وإلا سنشهد ما شهدناه في مصر من انقلاب على أول رئيس منتخب يمثل إرادة الشعب".

عزاء الإمارات

واتفق الدكتور يوسف اليوسف، أستاذ الاقتصاد بالإمارات، مع أن نجاح "سعيد" فشل لمخطط ‏بن زايد في التدخل بتونس لوأد التجربة الديمقراطية وإهدار لأموال بلاده، مؤكداً أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ‏وفريقه مستمرون في مخططهم لإحباط الربيع العربي وقد يحققوا انتصارا هنا وهناك ولكن ‏العاقبة ستكون للشعوب وحرياتها.‏

وأضاف في حديثه مع "الاستقلال" أن التحديات كثيرة أمام "سعيد" أهمها الأزمة الاقتصادية، ‏بالإضافة إلى عوامل أخرى داخلية كقدرة الأحزاب في البرلمان على التوافق، مشيراً إلى أن البيئة المحيطة يمكن أن تلعب دورا إيجابيا كحدوث انفراجة في الجزائر وليبيا.‏

وخاطب الدكتور محمود رفعت -الخبير القانوني، بن زايد، قائلاً: "أنفقت يا حاكم الإمارات مليارات لنشر الفوضى والإرهاب في تونس، ‏وكذلك ابن سلمان -ولي العهد السعودي، الذي يتبعك، فرد شعب تونس بوعيه برجل القانون ‏والمبادئ قيس سعيد.‏

وأضاف في تغريدة له على حسابه بتويتر: "اليوم تهزج تونس وتنشد إذا الشعب يوما أراد الحياة ‏فلا بد أن يستجيب القدر، وغدا اليمن وليبيا وغيرهم"، مؤكداً أن الوعي حصن الشعوب.‏

وتابع أن "قيس سعيد لم يكن مجرد مرشح رئاسي بل ‏فقيه قانوني كبير وكلماته الرصينة تعبر عن وجدان الشعب العربي ما سيجعله يواجه ‏النظم المنبطحة وعلى رأسها الإمارات".

وبدوره، قال الكاتب والصحفي ياسر أبو هلالة، في تغريدة له، إن الربيع العربي فاز وفازت الثورة التونسية، مشيراً إلى أن العرس ‏في تونس والعزاء في الإمارات والسعودية وباقي دول الثورات المضادة.‏

واعتبر الكاتب محمد الهاشمي الحامدي فوز قيس سعيد خيبة لحكام الإمارات ومصر والسعودية.‏ وتابع في تغريدة له على حسابه بتويتر، أن فوز قيس الخيار الأفضل، للتجربة ‏الديمقراطية، والتحديات الاقتصادية، مشيراً إلى استمرار معركة تعزيز الهوية الإسلامية للبلاد ‏التونسية.‏‎