مليون يمني في مصر.. عبء إضافي أم رافد اقتصادي؟

غدت مصر ملتقى لكثير من الأسر اليمنية التي تجمعهم بأهليهم المنتشرين حول العالم، لصعوبة العودة إلى اليمن في الوقت الحالي.
مؤخرا ، أعلنت مصر رفعها بعض قيود السفر التي كانت مفروضة على المواطنين اليمنيين القادمين إليها، وذلك ضمن سلسلة تعديلات اتخذتها تجاه بعض الجنسيات العربية، ومن بينها الجنسية اليمنية.
بموجب التعديلات، أصبح بإمكان اليمنيين المقيمين في دول الخليج والولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، الحصول على التأشيرة المصرية من منافذ الوصول.
أما بالنسبة لليمنيين المقيمين في اليمن، أو في الدول التي لم يتم ذكرها في القرار الجديد، فيلزمهم الحصول على تأشيرة مسبقا، وذلك من القنصليات والسفارات المصرية المنتشرة في العواصم العربية والعالمية.
كانت اتفاقية ثنائية، بين مصر واليمن، تتيح لمواطني البلدين الحصول على التأشيرات من منافذ الوصول في البلدين، غير أن السلطات المصرية ألغت العمل بالاتفاقية، إثر اندلاع الحرب في اليمن.
فرضت القاهرة على اليمنيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عاما و45 عاما، الحصول على تأشيرة مسبقة، واستثنت الحالات المرضية التي يتوجب عليها الحصول على تقرير طبي رسمي من الجهات الحكومية في اليمن، ليتسنى لها الحصول على تأشيرة دخول من منافذ الوصول في مطارات ومنافذ مصر.
إنعاش السياحة
برأي مراقبين، فإن ذلك الإجراء سوف يسهم بإنعاش السياحة وسوق العقار والحوالات المالية في مصر، إذ أن معظم اليمنيين المقيمين في الدول الخليجية والولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي من متوسطي الدخل وميسوري الحال، لكنه في نفس الوقت يستمر في التضييق على اليمنيين المقيمين في اليمن وبقية الدول العربية.
يقول أمين الحالمي وهو يمني مقيم في مدينة ديترويت التابعة لولاية ميتشجن الأمريكية لـ"الاستقلال": "سافرت إلى مصر لمقابلة والدتي التي أتت من اليمن، ومكثت في القاهرة نحو 3 أسابيع، أنفقت فيها نحو 12 ألف دولار أمريكي، بمعدل 600 دولار يوميا، أنفقت جزءا منها في إجراء فحوصات روتينية لوالدتي، والبقية أنفقتها في تغطية نفقات يومية وإيجار شقة ومواصلات، بالإضافة إلى برامج سياحية عائلية في عدة مدن مصرية من بينها الغردقة والإسكندرية".
حسب صحيفة الإندبندت العربية، فإن أكثر من مليون يمني يقيمون في مصر، وقد قفز هذا الرقم خلال الفترة من بداية 2018 وحتى منتصف 2019، بعد أن كان حوالي 100 ألف خلال العام 2016، وحوالي 180 إلى 200 ألف حتى نهاية العام 2017.
ويعود سبب الارتفاع المفاجئ لعدد الوافدين اليمنيين إلى مصر، إلى قيام الحوثيين بملاحقة حلفائهم من أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام، بعد قتل حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017.
الخريطة السكانية
يتوزع اليمنيون على مدن أهمها القاهرة والإسكندرية وأسيوط والمنصورة بمحافظة الدقهلية، كما أنهم يتوزعون في أحياء القاهرة، حسب مستواهم المادي، فالأسر الميسورة تسكن في الرحاب والشيخ زايد والتجمع، والأسر المتوسطة تسكن في أحياء مثل الزمالك ومدينة نصر ومصر الجديدة والمهندسين والسادس من أكتوبر، بينما تسكن الأسر الأقل دخلا في أحياء مثل فيصل والأهرام والدقي وأرض اللواء والمنيل، وقد غلب على بعض الأحياء الطابع اليمني بمطاعمها ومقاهيها، وأحيانا حتى بالزي اليمني.
اليمنيون المقيمون في مصر تختلف مستوياتهم المادية، فهناك الطبقة الميسورة، الذين كانوا يمارسون أعمالا تجارية واستثمارية في اليمن، وهناك الطبقة المتوسطة التي تعتمد على الأعمال متوسطة الدخل، كالخدمات السياحية والعقارية والمقاهي، وهناك الأسر المعدمة التي تعتمد على التحويلات المالية للأقارب، فضلا عن وجود آلاف اليمنيين العالقين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى بلدهم.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عشرات من جرحى الحرب الذين يواجهون أوضاعا مادية صعبة، جراء تقصير الحكومة اليمنية في القيام بواجباتها تجاههم، وكذلك الطلاب المبتعثين ضمن برامج التبادل الثقافي، ويواجهون صعوبة حيث تتأخر مستحقاتهم المالية لأشهر طويلة.
الإقامة المجانية
رغم التسهيلات التي قدمتها السلطات المصرية للجالية اليمنية، من ضمنها منح الإقامة المجانية لمدة 6 أشهر، إلا أن اليمنيين مازالوا يواجهون بعض الصعوبات، أحدها أن السلطات المصرية تشترط لتجديد الإقامة، وجود عقد سكن موثق، وهو الأمر الذي يرفضه ملاك العقارات، فيلجأ اليمنيون للبحث عن سماسرة لعمل عقود وهمية، ما جعل أوضاع أغلب الجالية اليمنية غير قانونية، وقد يعرضهم للمساءلة.
ويمنح اليمنيون الذين يمتلكون شققا سكنية تزيد قيمتها عن 50 ألف دولار، وأقاربهم من الدرجة الأولى، إقامة سنوية متجددة، ويمنح الدارسون بالمدارس والجامعات والمعاهد المصرية، وأقاربهم من الدرجة الأولى، إقامة سنوية متجددة حتى الانتهاء من الدراسة، ويمنح أيضا من لديهم أعمال وسجلات تجارية، وأقاربهم من الدرجة الأولى، إقامة سنوية متجددة، وكذلك المستثمرون عبر الهيئة العامة للاستثمار، يمنحون وأقاربهم من الدرجة الأولى إقامة لمدة 5 سنوات متجددة.
بالإضافة إلى ذلك فإن سوق العقار قد شهد ارتفاعا ملحوظا في المناطق التي يقطنها يمنيون، حيث بلغ إيجار الشقة الواحدة (مفروشة) في أحياء مثل فيصل حوالي 7 آلاف جنيه ( 400 دولار) تقريبا، وهو الأمر الذي يشكل صعوبة لدى الأسر محدودة الدخل أو عديمة الدخل.
أنشطة تجارية
يمتلك التجار اليمنيون مشاريع تتركز معظمها في المطاعم اليمنية، وسوق العقار(بيع وتأجير العقارات)، بالإضافة إلى مؤسسات أخرى للخدمات الطبية، وشركات للسفريات والسياحة، وتسهيل إجراءات السفر للخارج، وشركة للخدمات التعليمية والطلابية.
وتستهدف تلك الشركات الجالية اليمنية في المقام الأول، كما لم تسجل مضايقات ملحوظة من قبل مواطنين مصريين تجاه الشركات المملوكة لتجار يمنيين.
وتقدر عدد الشقق المملوكة لتجار يمنيين بنحو 40 ألف شقة، تتراوح قيمتها بين 50 ألف دولار وحتى 100 ألف دولار بحسب اختلاف المناطق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك هيئة تضم التجار اليمنيين تسمى "مجلس أعيان الجالية اليمنية في مصر"، تضم نحو 50 أسرة من نخبة التجار اليمنيين باستثمارات تقدر بنحو 250 مليون دولار.
فهد العريقي رئيس مجلس أعيان الجالية اليمنية في مصر أدلى بتصريح صحفي قال فيه: "إن نحو 20 في المائة من اليمنيين لديهم مشاريع تجارية، و80 في المائة يعيشون على مدخراتهم، والمصدر الأساسي لهذه الأسر هو التحويلات المالية التي يتلقونها من أقاربهم وعائلاتهم من الخارج.
وأضاف: "رغم قسوة الحياة، فإن جميع اليمنيين لديهم حلم العودة إلى وطنهم، ولو انتهت الحرب سيعود جميع اليمنيين خلال شهر واحد".
يشكل الطلاب نسبة كبيرة من أبناء الجالية اليمنية في مصر، ويتوزع الطلاب في مرحلة التعليم الجامعي بين برامج التبادل الثقافي بين مصر واليمن، أي المبتعثين رسميا من قبل الحكومة اليمنية، وطلاب المنح الخاصة التي تمولها جمعيات خيرية يمنية أسستها عائلات كبرى، مثل عائلة هائل سعيد أنعم، بينما يدرس العدد الأكبر من الطلاب على نفقتهم الخاصة، ويمثلون نحو 60 إلى 70 في المائة من إجمالي عدد الطلاب الدارسين في مصر.
أما الطلاب في المدارس الابتدائية وحتى الثانوية، فيدرس عدد منهم في مدارس يمنية خاصة في القاهرة، بينما يدرس آخرون في المدارس المصرية الحكومية.
خبرات منافسة
لا يتمتع العدد الأكبر من اليمنيين بخبرات مهنية منافسة للخبرات المصرية، وهو الأمر الذي أثر على اندماجهم في سوق العمل، وقلل من فرص حصولهم على أعمال ووظائف، لهذا فإن معظم اليمنيين يعتمدون على الحوالات المالية من الأقارب في تغطية النفقات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عددا من اليمنيين العالقين في مصر، الذين لم يتمكنوا من العودة إلى اليمن باتوا يعملون في حرف يدوية، يستهدفون في تسويقها الجالية اليمنية، كحياكة المنسوجات اليدوية، وصناعة المخبوزات والمعجنات المنزلية.
اليمنيون في مصر لا يتلقون مساعدات من الحكومة المصرية، وعدد اللاجئين المسجلين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مصر يبلغ نحو 5770 لاجئا.
ويطمع عدد كبير من اليمنيين، وخاصة الذين يعانون ظروفا مادية صعبة في مصر، بالعودة إلى اليمن، وينتظرون افتتاح المطارات اليمنية وتسهيل إجراءات السفر وتخفيض التذاكر.
المصادر
- اليمنيون في مصر.. حين يفوق وجع الغربة آلام الحرب
- اليمنيون في مصر... رجال أعمال وطلاب ومرضى يحلمون بالعودة
- مسؤول الجالية: ”السكن والتعليم“ أبرز أزمات اليمنيين في مصر
- مصر تمنح اليمنيين تسهيلات لدخول أراضيها
- النازحون اليمنيون في مصر... من كابوس الحرب إلى حلم العودة
- 50 أسرة يمنية تستثمر فى مصر بقيمة 250 مليون دولار..
- لاجئون يمنيون بمصر يعانون من ظروف معيشية صعبة