في ذكرى "رابعة".. ماذا أصاب مصر بعد 6 سنوات من مذبحة السيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"ألا أيها المستبشرون بقتلهم.. أطلتْ عليكم غمة لا تفرج".. كلمات خالدة دونها العالم السعودي المعتقل سلمان العودة عن مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة في مصر، التي وقعت في 14 أغسطس/ آب 2013.

في الذكرى السادسة للمذبحة، التي خلّفت قتلى وجرحى بالمئات، تجلت كلمات العودة في واقع سياسي واقتصادي مزري تعيشه البلاد، مدعوما بأرقام ووقائع يلمسها المواطن في ظل حكم نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي يحكم قبضته على البلاد، منذ 3 يوليو/ تموز 2013.

في 6 أغسطس/ آب 2016، نشرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية تقريرا بعنوان "تدمير مصر"، قالت فيه: "إن السيسي أثبت أنه أشد قمعا من حسني مبارك الذي أُطيح به في الربيع العربي".

ووصفت المجلة نظام السيسي بالمفلس، وأكدت: "أنه يعيش فقط على المنح النقدية السخية من دول الخليج، وبدرجة أقل على المعونات العسكرية من الولايات المتحدة".

أكثر سوءا

ومع أن المجلة تعزو بعض متاعب الاقتصاد المصري إلى عوامل خارج سيطرة الحكومة مثل تدني أسعار النفط والحروب وظاهرة الإرهاب، فإنها ترى أن السيسي يجعل الأمور أكثر سوءا.

وبدلا من كبح جماح الروتين الحكومي (البيروقراطية) ليطلق العنان لمواهب شعبه، فإن السيسي يغدق أموال دافعي الضرائب على مشاريع "فخمة" مثل توسعة قناة السويس التي تدنت إيراداتها.

وأضافت: "حتى أن ممولي السيسي العرب يبدو أن صبرهم قد نفد، فالمستشارون القادمون من الإمارات عادوا أدراجهم بعد أن ضاقوا ذرعا من بيروقراطية متحجرة وقيادة غبية تظن أن مصر ليست بحاجة إلى نصائح من دول خليجية مستجدة النعمة تملك أموالا "مثل الرز" على حد تعبير المجلة التي استعانت بوصف أطلقه السيسي في تسجيل مسرَّب من قبل.

ومع كل تلك الانتقادات، فإن إيكونوميست تخلص إلى أنه لا مناص للغرب من التعامل مع السيسي "إذ ينبغي لدول الغرب أن تتعامل معه بمزيج من الواقعية العملية والإقناع والضغط".

وتؤكد المجلة أنه ينبغي على الغرب أن يتوقف عن بيع نظام السيسي "أسلحة باهظة التكاليف ليس بحاجة لها ولا يقوى على احتمال نفقاتها..".

وبرأي المجلة، فإن "الضغوط السكانية والاقتصادية والاجتماعية التي ترزح مصر تحت وطأتها تتفاقم بلا هوادة حتى أن السيسي لن يستطيع إرساء استقرار دائم لها".

تسريح الموظفين

في مؤتمر رؤية مصر 2030، على مسرح الجلاء بتاريخ 24 فبراير/ شباط 2016، قال عبد الفتاح السيسي "لدينا 7 ملايين موظف، ومصر تحتاج إلى مليون فقط".وهي كلمة عبرت بقوة عن تصور الإدارة الحاكمة ورؤيتها المستقبلية للتعاطي مع الموظفين.

وأشارت نشرة إحصاءات العاملين بالحكومة إلى انخفاض عدد العاملين بالحكومة بنحو 116 ألف موظف بالعام المالي 2105 /2016، ثم مواصلة التراجع بنحو 749 ألف، ليصل عدد العاملين في الحكومة 5 مليون و23 ألف موظف في يونيو/حزيران  2017 بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وهي النسبة القريبة من عدد الموظفين الحكوميين قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، التي شهد القطاع الحكومي بعدها تعيينات كبيرة وانفراجة على جميع المستويات.

وفي يونيو/حزيران 2018، جاءت تصريحات وزيرة التخطيط القومي هالة السعيد لأعضاء البرلمان المصري أن الجهاز الإداري يضم موظفا لكل 22 مواطنا، والمستهدف هو الوصول إلى موظف لكل 80 مواطنا فقط في إطار خطة الحكومة لتخفيض عجز الموازنة.

وطبقا لأرقام الوزيرة المصرية، أكد خبراء النظم الإدارية أن الحكومة بذلك تستهدف الاستغناء عن 75 بالمئة من موظفيها، وهو نفس ما أكده رئيس البرلمان علي عبد العال الذي دعا الحكومة لتقليص عدد موظفيها، البالغ عددهم 5 ملايين موظف، منهم 5 آلاف بالبرلمان وحده.

فقر وانتحار

في 22 مايو/ آيار 2019، كشف البنك الدولي، تضاعف نسب الفقر في مصر خلال 5 سنوات من 30 إلى 60 %، وأكد البنك أن إجراءات الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة، أثرت بشكل مباشر على الطبقة الوسطى التي تواجه ارتفاعا بتكاليف المعيشة، في ظل دخل محدود.

وجاء الإحصاء الأخير في وقت حدد فيه البنك الدولي، الفقر المدقع على مستوى العالم بنحو 1.9 دولار للفرد يوميا، ما يعادل 1026 جنيها مصريا، وتم تحديث خط الفقر بمصر في بحوث الإنفاق والدخل عن عام 2017، ليتراوح بين 700 و800 جنيه شهريا، بدلا من 482 جنيها شهريا ببحوث 2015.

ورغم أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يجري بحوث الإنفاق والدخل مرة كل عامين، فإن آخر رقم معلن كان في يوليو/تموز 2016 ووصلت نسبة الفقر إلى 27.8% من السكان.

حسب التقديرات المنشورة عن موازنة عام 2018-2019 فإن فوائد الديون ستصل إلى 540 مليار جنيه، وهو ما يمثل 55% من الإيرادات العامة، ونحو 38% من النفقات، بينما الاستثمارات العامة ستكون بحدود 100 مليار جنيه فقط، وهو ما يعادل 7% فقط من إجمالي الإنفاق العام البالغ 1.4 تريليون جنيه.

وظل المواطن المصري حتى الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013 ينظر للحديث عن الموازنة العامة للدولة على أنه حديث لا يعنيه، حيث لا يلمس شيئا من تلك الأرقام المبهمة والمتزايدة بشكل سنوي، بينما يعاني هو الفقر والفاقة ومزيدا من البطالة وغياب الأمل في غد يحمل آفاقا إيجابية لأبنائه.

ومع تولي حكومات الانقلاب العسكري، زاد اهتمام المواطن المصري بأمر الموازنة العامة، ولكن في صورة سلبية، حيث ينتظر في أول يوليو/تموز من كل عام ما ستحمله له الموازنة من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، أو تقليص الدعم، أو فرض الضرائب، وهو ما أدخل شريحة كبيرة من المصريين تحت خط الفقر، وقلص الطبقة الوسطى، وأدى إلى زيادة معدلات الانتحار.

لا توجد إحصاءات رسمية سنوية بأعداد المنتحرين في مصر، بالنظر إلى أن أهل المُنتحر يرفضون الإعلان عن ذلك، ولذا لا توثق أغلب الحالات، وفق تصريحات مسؤولين بوزارة الصحة.

لكن مركز السموم التابع لجامعة القاهرة أصدر تقريرا عام 2016 يفيد أن مصر تشهد نحو 2400 حالة انتحار باستخدام العقاقير السامة سنويا.

بينما كشف مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والاجتماعية في تقرير أن مصر شهدت 4000 حالة انتحار بسبب الحالة الاقتصادية، في الفترة من مارس/آذار 2016 إلى يونيو/حزيران 2017.

وحول معدلات الانتحار في 2015، أكدت منظمة الصحة العالمية وقوع مصر بالمرتبة 96 عالميا، وسجلت محاضر وتحقيقات الشرطة والنيابة العامة 30 حالة انتحار في يوليو/تموز 2018، في 15 محافظة، وسجلت محافظة القاهرة 5 حالات منها 3 بالقفز أسفل عجلات مترو الأنفاق.

إعدام وتصفية

منذ 3 يوليو/ تموز 2013، لأول مرة في التاريخ المصري يحيل القضاء بشقيه المدني والعسكري أوراق نحو 2553 مواطنا إلى المفتي، ليتم تثبيت أحكام الإعدام على 956 منهم في 70 قضية مختلفة، منها 10 قضايا نظرت أمام دوائر عسكرية.

تم الحكم فيها على 111 مدنيا بالإعدام، ومن بين تلك الأحكام استنفدت 50 منها درجات التقاضي لتصبح نهائية، وتم تنفيذ الحكم بشكل فعلي في 42 متهما.

وحسب وكالة رويترز الإخبارية، أظهرت بيانات وزارة الداخلية في الفترة من أول يوليو تموز 2015 حتى نهاية 2018، أنه لم يبق على قيد الحياة سوى 6فقط من المشتبه بهم من بين 471 رجلا في 108 وقائع.

في الأول من يوليو/تموز 2015، كانت أول عملية تصفية تنفذها السلطات الأمنية أثارت ضجة كبيرة، حيث أعلنت الشرطة تصفية 9 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين داخل شقة بمدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة).

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان سابق حول حقوق الإنسان في مصر: إن "هناك عدة حوادث بدا أنها عمليات قتل خارج القضاء، شملت أشخاصا كانوا قد احتجزوا سابقا خلال إطلاق نار مُدبّر".

كفر دلهاب 

الناشط الحقوقي عبد الرحمن الشرقاوي، قال: "الوضع في مصر أشبه بالمسلسل الرمضاني المصري (كفر دلهاب) الذي عرض عام 2017، وبإسقاطه على الأحداث السياسية، وعبد الفتاح السيسي، فسنجد تشابها كبيرا بينهما، خاصة وأن لعنة الدم قد حلت على مصر مثلما حلت على كفر دلهاب".

وأضاف الحقوقي المصري، لـ"الاستقلال": "الأكثر بشاعة من القتل هو استمراء الدم واستباحته، أكثر ما خلفته جريمة فض رابعة في نفوس المصريين أنهم ألفوا مشاهد الموت وتعودوا عليها".

وتابع: "اصطفاف الجثث في مشرحة زينهم، ومسجد الإيمان، ومسجد الفتح في رمسيس، بالإضافة إلى الحرق، والتصفية العشوائية للمدنيين، أدت إلى تعود الشعب على المذابح، بعدما كان المصري تروعه تلك الحوادث، أصبحت عادية، وبالتالي رأينا أن انفجار (معهد الأورام) في قلب القاهرة، لم يزلزل الناس كما السابق، وكذلك حريق محطة مصر في ميدان رمسيس، وجميع الكوارث الكبرى خلال عهد عبد الفتاح السيسي مرت مرور الكرام". 

وأكد الشرقاوي: "الأرض بطبيعتها لا تشرب الدم، والمجتمعات عندما تتساهل في دماء أفرادها، تدفع الثمن غاليا من حريتها واستقلالها، وفرض إرادتها.. المصريون الذين خرجوا في ثورة 25 يناير 2011، وضعوا شروطهم في حياة كريمة، وحرية، وعدالة اجتماعية، لكن الحكم العسكري حطم أحلامهم وحولها إلى سراب".

وضرب مثلا: "لننظر إلى الأنظمة القمعية التي نشأت من قبل في الأرجنتين، وشيلي، وتركيا، كيف انتهى بهم الحال؟.. إلى الزوال والمحاكمات وعادت الشعوب مرة أخرى إلى حريتها وإرادتها".

واختتم الشرقاوي حديثه: "الديكتاتورية القائمة في مصر حاليا بقيادة السيسي، إن توقعت أنها في مأمن من التغيير القادم فهي واهمة، الشعب وحده لا يدفع الثمن، بل سيأتي اليوم الذي تدفع فيه السلطة ثمن ما فعلته، مثلما حدث في ثورة يناير".