"المطبخ مكانك".. هل حرر القانون المغربي المرأة من "الذكورية الفجة"؟

وصال طنطانا | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجّر تعليق لمذيع على أثير إحدى الإذاعات المغربية الخاصة، موجة من الانتقادات، بعض "تعليقه الفج" على إحدى المستمعات حين أبدت رأيها في أداء المنتخب المغربي في كأس الأمم الإفريقية، الذي غادر البطولة بعد خسارة قاسية أمام نظيره البنيني.

هاجم المذيع المستمعة قائلا: "مكانك في المطبخ"، فيما عبّر ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي عن غضبهم عبر حساباتهم، وتتبعت الصحافة المغربية الحدث منتظرة من "الهاكا" (الهيئة العليا للاتصال السمعي العربي) إنزال أي عقوبة على الإذاعة أو المذيع.

قررت الهيئة فيما بعد الوقف الكلي لبث إذاعة "راديو مارس" خلال التوقيت الاعتيادي لبرنامجي "علماء مارس" و"قضايا رياضية بعيون الجالية"، لمدة 15 يوما، ووقف البرنامجين المذكورين طيلة نفس المدة، مع إذاعة بيان إخباري بالقرار على أمواج الإذاعة ونشر القرار بالجريدة الرسمية، بعد الضجة الكبيرة التي خلفتها ردود منشطين إذاعيين على نساء على أمواج الإذاعة، اتهموا على خلفيتها بالإساءة للمرأة.


عرفت القوانين التي تخص المرأة في المغرب الكثير من الإصلاحات، لكن هل ترجمت على أرض الواقع؟ وهل يرى المغاربة أن "مكان المرأة هو المطبخ فقط؟".

رأت الرئيسة الشرفية لفدرالية رابطة حقوق النساء  بالمغرب، فوزية العسولي، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه  "بالرغم من كل هذه الإصلاحات لا تزال هناك العديد من التناقضات تحملها هذه القوانين في طياتها، من ضمنها قانون الأسرة الذي لا زال لا يسمح بزواج المسلمة بغير المسلم، كما أنه يسمح بالتعدد". 

من جهته، قال أستاذ علم اجتماع بجامعة "سيدي محمد بن عبدالله" بالمغرب، عبدالرحيم العطري، في حديث مع "الاستقلال"، إن "علينا أن نعترف بأن المشكل لا يكون دائما مرتبطا بالنصوص القانونية، إنما يرتبط بأمرين، أولهما محدودية التمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة المغربية، وذلك بالنظر إلى المؤشرات التنموية المخجلة التي ترتبط بها". 

أما الأمر الثاني، بحسب العطري، فهو مرتبط بمعركة الذهنيات التي ربما لم نشتغل عليها بدرجة كبيرة؛ فما تعانيه المرأة المغربية هو مرتبط أيضا بالتمثلات والتمثلات المضادة وبالذهنيات التي ربما ترى فيها "كائنا أو مواطنا من درجة ثانية".

إنصاف على ورق

تقرّ وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية المغربية، بأن نتائج تمكين المرأة في المجال السياسي تبقى محدودة مقارنة مع مستوى الحضور والمساهمة الحقيقية للنساء في مختلف المجالات. رغم أن نسبة حضور النساء بمجلس النواب انتقلت من 10 إلى 17 بالمئة سنة 2011، ومن 0.56 بالمئة سنة 2003 إلى 12.34 بالمئة سنة 2009 بالجماعات المحلية، بفضل آلية التمييز الإيجابي "الكوتا".  

لم تنف العسولي بأن القانون المغربي أقر بالحقوق السياسية للنساء، وأكثر من ذلك أقر في 2011 دستورا ينص على المساواة بين النساء والرجال في جميع الحقوق، وتنصيب هيئة عليا لمناهضة التمييز كما حظر التمييز بناء على الجنس. 

واعتبر الناشط الحقوقي والباحث المغربي، أحمد عصيد، في مقال له أن "الدستور المغربي المليء بالمفارقات والتناقضات نتيجة رغبة السلطة في سنة 2011 في إرضاء الجميع في الوقت العصيب الذي عرف انتفاضات دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، جاء بمكتسبات للنساء المغربيات لم تعرف طريقها إلى التحقق"

ورغم كل ما قيل عنه خطوة جبارة في طريق إنهاء النزاع في موضوع المساواة بين الجنسين، بحسب عصيد، فالفصل 19 ينصّ صراحة على المساواة بين الرجل والمرأة في كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، غير أن هذه المساواة تقتضي تعديلات وتدقيقات جديدة في مدونة الأسرة حتى تستجيب لتطور الوثيقة الدستورية. 

 ثورة دون مكاسب

صدرت قبل 15 سنة "مدونة الأسرة المغربية" (قانون الأحوال الشخصية)، وصفت بأنها نقطة فاصلة في مسار حقوق النساء بالمغرب، حتى أن الحقوقيات وصفنها بـ"الثورة الهادئة"، لكن اليوم هناك مطالبات بتحيينها وتطويرها. تكفل المدونة للنساء حقوقا أكثر مما تكفله قوانين الأحوال الشخصية في العديد من الدول العربي.

وقالت العسولي لـ"الاستقلال"، إن هناك عدة تغييرات فيما يخص قضايا النساء وحقوقهن، خاصة مناهضة التمييز في إطار القانون، ومدونة الأحوال الشخصية، عندما اعترف المشرع للمرة الأولى بحق المرأة في اختيار الزوج وإنهاء العلاقة الزوجية وتحديد الزواج في 18 سنة، وأيضا منع التعدد إلا في حالات الاستثناء، وكذلك قنن النفقة، وأقر صندوق للتضامن العائلي. 

تم أيضا إصلاح القانون الجنائي وقانون المسطرة المدنية وتشديد العقوبات بالنسبة للعنف في حالات العلاقة الزوجية، كما غير الفصل رقم (427) الذي كان يسمح بتزويج المغتصَبة من الجاني، وشدد أيضا العديد من العقوبات، وقضى في مجال محاربة العنف ضد النساء وسنّ قانونا يجرم ذلك وجرم التحرش الجنسي. 

لكن المدونة، بحسب الحقوقية، استُغلت في تطبيق الاستثناءات خاصة في مسألة زواج القاصرات، حتى أصبح يزداد سنة بعد أخرى، كما أنه يتم استغلال توثيق العقود الزوجية لتزويج القاصرات والتحايل على قانون التعدد.

 ثغرات قانونية

بعد أكثر من عقد من مناصرة منظمات حقوق المرأة المغربية، اعتمد المغرب سنة 2016 القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.

واعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن القانون الجديد يُجرم بعض أشكال العنف الأسري ويُنشئ تدابير وقائية ويُوفر حماية جديدة للناجيات. لكنه يُطالب الناجيات برفع دعوى قضائية للحصول على الحماية، ولا يستطيع سوى القليل منهن فعل ذلك. كما أنه لا يُحدد واجبات الشرطة والنيابة العامة وقضاة التحقيق في حالات العنف الأسري، أو تمويل مراكز إيواء النساء.

وأكدت وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، بسيمة الحقاوي، الثلاثاء الماضي، أن سلوك النساء المعنفات، في 93.4 بالمئة من حالات العنف، هو الإحجام عن تقديم أي شكاية ضد المعنف.

وأفادت الرئيسة الشرفية لفدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب، بأن هناك شق يتعلق بتطبيق القوانين، فيه عدد من الاختلالات الناتجة عن سيادة فكر ذكوري، التي جعلت من بعض الاستثناءات التي سمح بها القانون قاعدة وبالتالي سمحت بتزويج القاصر وعدة خروقات، وأيضا قانون العنف، هناك ثغرات. 

وشددت على أن الإصلاحات لم تمس قانون الميراث، بالرغم من أن المرأة أصبحت مسؤولة تعيل أسرة بكاملها ولا تعيل فقط نفسها، "وبالتالي لم يعد هناك مبرر لاجترار ذلك الحيف تجاه النساء، ومن أجل العدل ورفع الظلم يجب أخذ بعين الاعتبار مقاصد الإسلام السمح التي تتجسد في العدل وتحقيقه"، بحسب العسولي. 

وأضافت: "خصوصا وأن المرأة أصبحت مسؤولة وتشتغل، وأن سن الزواج تأخر إذ أن 8 بالمئة من المغربيات لم يتزوجن، كما أن لا أحد يأخذ النساء بعين الاعتبار لا الأسرة ولا الأخ، إذ أنها أصبحت مسؤولة عن نفسها، وكما أنها تؤدي الضرائب مثلها مثل الرجل، وأيضا هي مواطنة تعمل في جميع المجالات". 

وزادت العسولي في حديثها مع "الاستقلال" قائلة: بالتالي "اجترار هذا التمييز بمبرر الحفاظ على الشريعة هو بالنسبة لنا قراءة ذكورية لا تنصف المرأة ولا تجتهد في مقاصد الإسلام التي أساسا تتجسد في الحفاظ على العدل ورفع الظلم والحيف".

القوانين لا تكفي

يجرم القانون المغربي بعض الأفعال التي تعتبر أشكالا من المضايقة، أو العدوان أو الاستغلال الجنسي أو سوء المعاملة من خلال اتخاذ تدابير لمكافحة المضايقات في الأماكن العامة، بما في ذلك أحكام بالسجن تتراوح بين شهر وستة أشهر أو بغرامة مالية تتراوح بين 180 دولار إلى 900 دولار. هذه العقوبات لا تقتصر فقط على التحرش في الشارع، ولكن أيضا على التعليقات الجنسية التي يتم إرسالها عبر الرسائل النصية القصيرة أو الصوتية أو حتى من خلال الصور.

ويقضي القانون الجديد بعقوبة السجن ودفع غرامة مالية على كل من يتسبب في الزواج القسري. وقد تصل عقوبة السجن إلى ستة أشهر. القانون ينص أيضا على وضع آليات لرعاية النساء من العنف. إلاّ أنّ أرقاما رسمية مفزعة كشفت تفشي ظاهرة العنف ضد النساء والتحرش الجنسي في المغرب.

وترى الحقوقية المغربية، فوزية العسولي، أن الأهم من سن القوانين هو التكوين حول المساواة وتغيير العقليات، وهذا يتطلب إرادة قوية وسياسة عمومية تأخذ بعين الاعتبار كل مظاهر التمييز ضد النساء وتبدأ من كل وسائل التنشئة؛ المدرسة والأسرة والإعلام والثقافة والتوعية، وهي وسائل تنهجها الجمعيات النسائية لكنها تظل محدودة لأن الدولة والحكومة هي التي تمتلك كل هذه الوسائل. 

تحرير الذهنيات

تبقى الوسيلة الوحيدة، بحسب المتحدثة لـ"الاستقلال"، هي التربية على عدم التمييز والمساواة بين الجنسين. هذه أشياء تكمل بعضها إذ لا يمكن الاهتمام بما هو قانوني فقط، ولو أنه مهم لأن القانون هو الذي يضبط السلوك أو يفسده، وبالتالي لا بد أن يكرس القانون المساواة في كل مقتضياته، كما لا بد من الاهتمام بالجانب التربوي والثقافي، فهو الذي يعكس السلوك وتغيير كل مظاهر الحيف والتمييز تجاه النساء. 

وقال عالم الاجتماع، عبدالرحيم العطري، إن الكثير من المكاسب تحققت للمرأة المغربية على مستوى الترسانة القانونية، ويمكن القول بأن الكثير من النصوص التي تم تشريعها والقوانين الدولية التي صادق عليها، تسير كلها في تجاه التمكين القانوني للمرأة المغربية، حتى مدونة الأسرة، وبالرغم من الدعوة إلى مراجعتها، فقد ساهمت في كثير من الأحيان بنصوصها المتقدمة كما ونوعا في التأكيد على مكانة المرأة داخل النسيج المجتمعي. 

لهذا فالاشتغال يجب أن يسير في اتجاهين بشكل متوازي، بحسب العطري، التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة المغربية، ونقلها من وضعية الإقصاء والاستبعاد السوسيو-اقتصادي إلى وضعية الكرامة والحرية والتمكين الأساسي. أما المستوى الثاني، فهو الدخول في معركة ثقافية من أجل تغيير العادات السلبية وتغيير الصور النمطية التي تكرست في المخيلة الاجتماعية عن المرأة المغربية. 

وكل هذه الأمور، يزيد الأستاذ الجامعي، أنها تؤكد أن المغرب نجح فعلا في معركة التشريع القانوني وتوفير عدة وترسانة قانونية مهمة، متقدمة حتى عن بعض الدول التي تشترك معها في الانتماء العربي والإسلامي، لكننا لم ننجح في مستويات التمكين الاجتماعي والاقتصادي ولا في معركة تغيير الذهنيات والعقليات التي لا زالت تصطبغ بحالة من الذكورية الفجة.