كوشنر ـ بن سلمان.. صداقة شخصية أم منافع متبادلة؟

مهدي محمد | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

علاقة شخصية أم مجرد مصالح متبادلة؟ احتار كثيرون في توصيف طبيعة العلاقة بين الشابين اللذين يحكمان أمريكا والسعودية فعليا، لكن الكل أجمع على أن تلك العلاقة المريبة رغم منافعها للشخصين إلا أنها تجلب لهما متاعب لا تنتهي.

جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي وصهره، ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي، لم يتوقف الإعلام الغربي يوما عن كشف حقيقة ما بينهما، ورصد المحطات في سياق مصالحهما سيئة السمعة.

وربما لم يكن أحد يتوقع أن لقاءا على مأدبة غداء سوف يتحول في فترة وجيزة إلى علاقة وثيقة، وصلت ريبتها إلى حد تصاعد التهديدات ضد كوشنر بفقدان نفوذه المتنامي في البيت الأبيض.

تمويل غامض

أحدث فصول انعكاسات تلك العلاقة، ما كشفته صحيفة "الجارديان" البريطانية،عن حصول شركة "Cadre" العقارية التي يشترك في ملكيتها كوشنر، على مصادر تمويل غامضة قدرت بـ90 مليون دولار.

المثير أنه، بحسب الصحيفة، فإن قسما من هذه الأموال تدفقت من السعودية ومن مستثمرين آخرين عبر ذراع استثمارية تابعة لشركة "جولدمان ساكس" في جزر "كايمان"، التي تعتبر ملاذا ضريبيا يضمن السرية للشركات.

الجارديان أشارت إلى أن كوشنر تعرض لانتقادات بسبب علاقته الوثيقة ودعمه لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولا سيما عقب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018.

لم تكن علاقة ابن سلمان وكوشنر مثار جدل إعلامي فقط، بل وصلت إلى أروقة الإدارة الأمريكية ومؤسساتها الأمنية والسياسية، على نحو ربما بات يهدد وجود صهر ترامب في منصبه الحساس.

صحيفة "واشنطن بوست" أشارت في تقرير لها يرجع إلى مارس/آذار 2018 إلى أن أساليب كوشنر "غير التقليدية" التي تركن إلى العلاقات الشخصية بدلا من القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها أغضبت مسؤولي الأمن القومي والمخابرات في الولايات المتحدة، وأن اتصالاته الخاصة مع شخصيات أجنبية كانت سببا في تعذر حصوله على إذن دائم للاطلاع على التقارير الأمنية السرية حتى الآن.

وأضافت، في سياق الحديث عن دور صهر ترامب في إشعال الأزمة الخليجية، أن عددا من المسؤولين في البيت الأبيض تخوفوا من احتمال تأثير المسؤولين الأجانب على كوشنر خلال لقائه بهم، وإمكان أن يسلمهم أسرار دولة بسبب عدم خبرته الدبلوماسية.

وكان كبير موظفي البيت الأبيض "جون كيلي" قرر خفض الصلاحيات الأمنية لكوشنر داخل البيت الأبيض، مُنع بموجبها من الاطلاع على التقارير الأمنية عالية السرية، وكشف مستشار الأمن القومي الأمريكي "هربرت ماكماستر" في حينه أن السبب يعود إلى "اتصالات غير مبلغ عنها عقدها كوشنر مع مسؤولين أجانب دون تنسيق في إطار مجلس الأمن القومي".

عضو مجلس الشيوخ الأمريكي "كريس مورفي" قال: إذا ثبت حرص الإدارة الأمريكية على حماية مصالح عائلة كوشنر المالية بالوقوف إلى جانب السعوديين والإماراتيين ضد قطر فإن ذلك "يستدعي تغييرات كبرى في البيت الأبيض".

وأضاف: "إذا صحت هذه الأنباء فإنها تستدعي كل الإدانة، وتستدعي رحيل جاريد كوشنر من منصبه"، كما اعتبر الحاكم السابق لولاية نيوجيرسي "كريس كريستي" أن تمسك الرئيس الأمريكي بصهره مستشارا يضر به.

شديدة الخصوصية

إنها علاقة "شديدة الخصوصية" كما وصفها الإعلام الأمريكي بدأت تتشكل على مأدبة غداء في البيت الأبيض، حيث كان بن سلمان (ولي ولي العهد حينها) في زيارة لواشنطن في 2017، عندما تأخر وصول ضيف آخر منتظر إلى واشنطن بسبب عاصفة ثلجية.

ونقلت عن مصادر قولها إن كوشنر وبن سلمان تحدثا مرارا في مكالمات هاتفية خاصة، وكانت تقارير صحفية غربية أخرى أوردت أيضا هذه المكالمات وقالت إن بعضها يتعلق بما يعرف بصفقة القرن وكذلك بالأزمة الخليجية.

وفضلا عن هذا الخط الهاتفي الساخن بين "الأميرين الشابين" كما وصفتهما الصحيفة، زار كوشنر الرياض مرتين خلال 2017 مرة بصفته مستشارا للرئيس، ومرة أخرى بصفته صديقا حميما لابن سلمان.

لكن سرعان ما تحولت تلك العلاقة التي بدت عابرة في مهدها ثم حميمية، إلى علاقة أكثر خصوصية دفعت بن سلمان إلى القول إنه وضع كوشنر "في جيبه"، كناية عن سيطرة ولي العهد السعودي على صهر ترامب.

موقع "إنترسبت" كشف أن بن سلمان صرح بأنه سيطر تماما على كوشنر واستخدم عبارة "وضعته في جيبي"، وذلك بعد أن زود كوشنر بن سلمان بمعلومات أمريكية عالية السرية بطريقة غير مشروعة.

ويقول الموقع نقلا عن عدد من المسؤولين - بعضهم سابق- في البيت الأبيض والمخابرات والإدارة الأمريكية إن كوشنر كان قارئا نهما للتقرير المخابراتي اليومي الوارد إلى ترامب، وربما قدم بعض المعلومات التي قرأها هدية لصديقه بن سلمان، بعلم الرئيس أو دون علمه.

وهنا تقول المصادر إن أحد التقارير المخابراتية اليومية تضمن أسماء عدد من الأمراء المعارضين لابن سلمان داخل الأسرة الحاكمة، وهي أسماء أتت لاحقا بين عشرات الأمراء الذين اعتقلوا في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ضمن ما بات يعرف باعتقالات الريتز كارلتون.

ونقل "إنترسبت" عن مصادر متصلة بالعائلة الحاكمة في كل من السعودية والإمارات قولهم إن بن سلمان أبلغ مقربين منه أنه ناقش مع كوشنر أسماء بعض السعوديين "غير المخلصين" له.

وكان كوشنر زار الرياض خلسة أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2017 قبل أسبوع من اعتقالات الريتز، وقالت صحيفة واشنطن بوست آنذاك إنه سهر مع بن سلمان حتى الرابعة فجرا تقريبا مرات عدة وهما يتبادلان القصص ويناقشان الخطط.

وفي إطار هذه العلاقة، تفاخر بن سلمان في أحاديثه مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وآخرين بأنه تمكن من وضع  كوشنر "في جيبه"، وفقا لمصدر دائم الحديث مع مقربين من حكام السعودية والإمارات.

محطة فارقة

لم يتوقف القطار الذي كشف تفاصيل تلك العلاقة المريبة، بل تزايدت سرعته حتى وصل إلى محطة فارقة، أزالت غموضا والتباسا ظلا يعتريان العلاقة بين الشابين، وهي محطة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

أحدث ما ورد على لسان كوشنر فيما يخص قضية خاشقجي، نقلته تصريحات متلفزة أوائل يونيو/حزيران الجاري، حيث رفض بشكل قاطع إلقاء اللوم على ولي العهد السعودي في القضية.

ورغم تقارير الاستخبارات الأمريكية التي أكدت ضلوع بن سلمان في الجريمة من خلال توجيهه لأمر القتل، فإن كوشنر قال إنه ينتظر نتائج التحقيقات الأمريكية، لتوجيه اللوم للشخص الصحيح.

وكانت مجلة نيوزويك الأمريكية ذكرت أن كوشنر وصف خاشقجي بالإرهابي، من خلال ما جاء في كتاب "الحصار.. ترامب تحت النار" لمؤلفه مايكل وولف، وجاء في الكتاب أن كوشنر قال إن خاشقجي "إرهابي متنكر في صفة صحفي"، وأنه كان حلقة وصل بين جهات من العائلة المالكة، وبن لادن".

ورغم الانقلاب الذي أحدثته جريمة اغتيال خاشقجي فيما يخص علاقة ابن سلمان بالسياسيين الأمريكيين، فإن صهر ترامب "ظل وفيا لولي العهد السعودي، حيث أسدى له نصيحة بالصمود أمام العاصفة ووصف له كيفية العمل"، وفق مقال نشرته "واشنطن بوست".

ورأى المقال أن الأمريكيين سيكونون محظوظين إذا كان بينهم صديق مخلص ووفي كوفاء كوشنر لمحمد بن سلمان، إذ لم يعد من الأسرار أن الرجلين ظلا على علاقة منتظمة منذ بدء رئاسة ترامب.

وبعد مقتل خاشقجي استمر كوشنر يتبادل الأحاديث بانتظام مع بن سلمان، ونصحه بالصمود أمام العاصفة بحل صراعاته في المنطقة وتجنب إثارة قلاقل أخرى.

هذا الوفاء من كوشنر لا يثير الدهشة، بحسب المقال، إذا علمنا أن بن سلمان ومستشاريه اجتهدوا كثيرا بعد الانتخابات الرئاسية في استمالة كوشنر لجانبهم، مشيرا إلى أن صحيفة نيويورك تايمز كشفت أن السعوديين استهدفوا كوشنر لمعرفته الضحلة بالشرق الأوسط ولعقليته التجارية ولتركيزه المبالغ فيه على التوصل لصفقة مع الفلسطينيين تحقق تطلعات إسرائيل.

بن سلمان استفاد من هذه العلاقة، التي ساعدته في إزاحة ولي العهد السابق محمد بن نايف من طريقه للصعود، وكذلك في اعتقاله 200 من الأمراء ورجال الأعمال الأثرياء، كما أصبح كوشنر المدافع الأبرز عن بن سلمان داخل البيت الأبيض بعد مقتل خاشقجي.

أما كوشنر، وفقا للمقال، فليس لديه إلا القليل لصالح أمريكا من هذه العلاقة، حيث تقلص مبلغ الـ 100 مليار دولار التي رتب لها مع السعوديين للاستثمار في الاقتصاد الأمريكي، إلى 20 مليار فقط أعلنها السعوديون.

ولجأ كوشنر إلى الاختلاق والضغط على المسؤولين بوزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين لتضخيم صفقة أسلحة مع السعودية إلى 110 مليار دولار حتى بعد أن قال له هؤلاء المسؤولون إن المبلغ المؤكد لديهم لا يتجاوز 15 مليارا.

حلم النووي

لم يقتصر الأمر على ما سبق من تفاصيل تسبر أغوار علاقة غير مسبوقة في تاريخ السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، بل وصل إلى خطة أمريكية لبيع السعودية مفاعلا نوويا يمكن استخدامه في إنتاج أسلحة نووية.

صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، قالت إن كوشنر بحث مع ولي العهد السعودي البرنامج النووي للمملكة ودور أمريكا في تقديم المساعدة في هذا المجال، مشيرة إلى أن فكرة بيع مفاعل نووي للسعودية يقف وراءها مجموعة من المسؤولين بينهم مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين، وأن الخطة تقضي ببناء محطتين نوويتين مبدئيا، وبناء 40 مفاعلا في نهاية المطاف.

وقال ولي العهد السعودي لقناة "سي. بي. إس" التلفزيونية، العام الماضي، إن المملكة ستطور أسلحة نووية إذا فعلت إيران ذلك.

وفي 30 مارس/آذار 2015، أعلن السفير السعودي السابق في واشنطن، عادل الجبير، في حوار مع شبكة CNN الأمريكية، أن السعودية "ستبني برنامجها النووي الخاص" وقد تصنع قنبلة نووية لمواجهة برنامج إيران النووي.

ونشرت شبكة "إن بي سي نيوز" الأمريكية، تفاصيل التقرير الذي أصدرته لجنة الرقابة بمجلس النواب الأمريكي، حول وجود خطة سرية من قبل ترامب، لتزويد السعودية بتقنيات حساسة تسرع من نقل تكنولوجيا طاقة نووية.

وفتحت اللجنة تحقيقا حول مخاوف واسعة من سعي البيت الأبيض، مؤكدة أن خطة ترامب السرية، يمكن أن تزعزع استقرار الشرق الأوسط، وتعزز من رغبة دول عديدة في امتلاك أسلحة نووية.

وفي أواخر 2016 سعت مجموعة من الجنرالات، ومسؤولون سابقون في الأمن القومي الأمريكي، لإحياء فكرة حصول السعودية على تلك التكنولوجيا، لكن هذا تم رغم اعتراضات من جانب مجموعة من المحامين في الإدارة الأمريكية ممن كانوا قلقين من أن يؤدي ذلك إلى انتهاك القوانين الأمريكية التي تهدف لوقف انتشار الأسلحة النووية.

أحد المستفيدين من صفقة النووي مع السعودية شركة "وستنجهاوس إلكتريك"، التي تملكها شركة تابعة لشركة "بروكفيلد" لإدارة الأصول، وهي شركة قامت مؤخرا بتأمين شركة كوشنر وعائلته في صفقة شراء تبلغ قيمتها 1.8 مليار دولار.

صفقة القرن

اللافت للانتباه، أن الحديث عن المشروع النووي السعودي تزامن مع زيارة كوشنر الخليجية، فبراير/شباط - مارس/آذار الماضي، التي استهدفت التسويق لخطة السلام الأمريكية المعروفة إعلاميا بصفقة القرن.

هذا التزامن أثار الشكوك في أن ورقة المفاعل النووي تم توظيفها خلال زيارة كوشنر، كمقايضة مغرية لإجبار الرياض على الانتقال من موقف "نقبل بما يقبل به الفلسطينيون" إلى موقف عملي "لحمل الفلسطينيين على القبول بما تقبل به المملكة".

الصفقة التي أصبح كوشنر عرابها ومروجها الأول كانت مثار حملة تسويقية قادها صهر ترامب بنفسه خلال الجولة الخليجية، وتحتضن العاصمة البحرينية المنامة ما يسمى مؤتمر دعم الاقتصاد الفلسطيني في 25 و26 يونيو/حزيران الجاري، والذي يعد الخطوة الأمريكية الأولى في سياق تنفيذ الصفقة، وسبق أن أكدت السعودية حضوره.

وأعلن البيت الأبيض أن كوشنر التقى خلال زيارته الرياض العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، ويعتبر هذا الاجتماع هو الأول بين كوشنر وبن سلمان منذ مقتل خاشقجي، وبحسب "رويترز" لا يزال كوشنر يركز غالبا على النواحي الاقتصادية على حساب مبدأ "الأرض مقابل السلام" والذي كان على مدى وقت طويل أساسا للموقف العربي حيال تسوية النزاع.

وأشار المصدران إلى أن خطة السلام التي جاء كوشنر بها إلى الخليج لا تراعي المطالب العربية المطروحة سابقا بخصوص وضع مدينة القدس وضمان حق العودة للفلسطينيين، بالإضافة إلى مسألة الاستيطان.

وأضاف أحد المصدرين أن صهر ترامب، بما لديه من خبرة أطول في المجال العقاري أكثر من الدبلوماسي، "يسعى إلى إبرام صفقة أولا، ثم التوافق على تفاصيلها"، لافتا إلى أن مشروع السلام الأمريكي يتطلب استثمارات ملموسة من دول الخليج.

ولعل هذا المسعى يفسر إلى حد كبير طبيعة العلاقة بين كوشنر وبن سلمان، وما يمكن أن تلعبه من دور مؤثر في تنفيذ خطة تستدعي مخاوف عربية شديدة، وتواجه رفضا فلسطينيا واسعا.

صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، قالت إن كوشنر ينظر إلى ولي العهد السعودي على أنه "شخصية أساسية في إطار الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين".

كما تنظر إليه على أنه "ساهم في تغيير رد الفعل السعودي تجاه قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس العام الماضي".

وقالت إن "موقف ترامب يشير بشكل لا غبار عليه أنه يستثمر في وريث العرش السعودي الشاب الذي أصبح نقطة ارتكاز لإستراتيجية الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، بدءا من إيران، وصولا إلى عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية".