"الجنجويد".. من هم عشاق الدم الذين فضوا اعتصام السودان؟

تسلك قوات الدعم السريع المعروفة بـ"الجنجويد" طرق الخرطوم، في صناديق سياراتهم الصغيرة من طراز "بيك آب تويوتا"، متعجرفين ممسكين بمدفع رشاش ثقيل، يقودون بسرعة ضمن قوافل، وفي كل مفترق طرق وتحت الأشجار ينام البعض منهم على السجاد الذي يفرشونه في سياراتهم، بجانب قاذفات الصواريخ وعلب البنزين الزرقاء الكبيرة.
هكذا وصفت صحيفة "لومانيتي" الفرنسية من أسمتهم بـ"الأشخاص الذين كانوا، تحت طاعة الرئيس السابق عمر البشير، ونشروا الإرهاب في غرب السودان خلال العقد الأول من القرن العشرين، ثم أصبحوا اليوم على رأس السلطة بهدف قمع الثورة السودانية".
وتابع التقرير رسم المشهد، قائلا: "يسيرون اثنين أو ثلاثة، دون مبالاة لا يخشون شيئًا، يضربون الهواء بعصاهم الطويلة التي يستخدمونها لفتح الجماجم وكسر العظام، يرتدون أزياء مموهة ذات لون رملي يروّعون سكان العاصمة السودانية منذ أيام".
أثناء الحلم بسودان جديد
وأفادت الصحيفة بأن "الجنجويد" يتم دعمهم من قبل رجال جهاز الأمن والمخابرات "نيس"، في ملابس مدنية أو رسمية، وكذلك من قبل حزب المؤتمر الوطني (ان سي بي)، القريب من جماعة الإخوان المسلمين، الذين وصلوا إلى السلطة مع عمر البشير قبل ثلاثين عامًا.
وبينت "لومانيتي" أنه يوم الاثنين 3 يونيو/ حزيران، عند الفجر، فض الجنجويد اعتصام الخرطوم في المساحة الشاسعة الواقعة بين مقر الجيش والنيل التي احتلها الثوار منذ 6 أبريل/ نيسان. وبعد شهرين من هذا التجمع السياسي والاحتفالات العائلية والأحداث الدائمة والحلم بفكرة "إنشاء سودان جديد" بفضل حماس عشرات الآلاف من الناس؛ شن الجنجويد هجومهم في الفجر فجأة، بينما كان البعض يتحدث عن اتفاق "في الأيام المقبلة".
وتابعت الصحيفة: "شاهدنا الصور الأولى التي التقطها الشهود من قبل الهواتف المحمولة، قبل انقطاعها بسبب إغلاق الإنترنت، إذ لا يمكن تحمل مشاهدتها، جثث غارقة في دمائها وأخرى محترقة، وآخرون مصابون بجروح في الرأس والبطن".
ولفتت إلى أنه بعد هذا الهجوم مباشرة، أكد أول الناجين من فض الاعتصام -وهو شاب من دارفور يعمل في الخرطوم منذ بضعة أشهر-: "هم يفعلون ما فعلوه بنا في دارفور في الألفية الجديدة"، مشيرا إلى أنه في ذلك الوقت، عندما تحدثنا عن حرق قُرانا ونسائنا المغتصبات، وقتل مواطنينا بالرصاص أو ذبحنا هنا في الخرطوم، لم يصدقنا أحد قط، الآن يعلم الجميع ما مررنا به في دارفور الجميع عرف أنهم من اللصوص والقتلة.
تابعون لرجل واحد
ونوهت الصحيفة بأن الجنجويد، الذين يتألفون من الرزيقات -وهي قبيلة عربية من الرعاة الرحل في غرب البلاد- والقبائل التشادية، صنعوا اسمًا لهم، فمن ميليشيا الحكومة المركزية بالوكالة لقمع تمرد دارفور في منتصف العقد الأول من القرن العشرين، أصبحوا "حرس الحدود"، ثم في عام 2013 أصبحوا قوة الدعم السريع تحت مظلة أجهزة الاستخبارات.
وقال التقرير، إنه تحت دعوى منع تدفقات الهجرة، انضموا نظريًا إلى الجيش السوداني، دون التخلي عن استقلاليتهم؛ إذ لديهم أسلحتهم وتمويلهم الخاص، وهم تابعون لرجل واحد: هو محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي"، الذي أظهر مهارة كبيرة في الجدل والاضطرابات السياسية التي هزت السودان.
وشددت "لومانيتي" على أن قائد الحرس الإمبراطوري للدكتاتور عمر البشير، أصبح في غضون أيام قليلة "حامي الشعب" خلال الثورة، وكان أحد أولئك الذين رفضوا المشاركة بحملة قمع المتظاهرين في بداية ثورتهم، كما ساعد في الإطاحة بالطاغية في 11 أبريل/ نيسان كما يطالب الشارع، وإنشاء المجلس العسكري الإنتقالي، إذ أصبح نائب الرئيس، ولكن بعد ذلك تضاعفت بيانات التهديد ضد الثوريين وشارك رجاله في عدد متزايد من الحوادث، بما في ذلك مع جنود من الجيش النظامي.
وذكرت الصحيفة أنه بحلول 3 يونيو/ حزيران، نشر جنوده وعرباتهم العسكرية القوية حول جميع أنحاء اعتصام الخرطوم، إذ كان من المستحيل الدخول إلى التجمع دون المرور من أمامهّم، وبرباطة جأش كانوا يجلسون بلا مبالاة يلعبون الورق، منشغلين بهواتفهم المحمولة، يرقدون على سجاداتهم، ينعسون تحت الأشجار ويلتهمون وجبة الإفطار، خلال شهر رمضان.
ممّن تلقوا الضوء الأخضر؟
وأوضح مراسل الصحيفة أنه كان يشعر بالقلق إزاء هذا الوجود المسلح بالقرب من خيام الثوار، مندهشا من راحة البال التي أبداها الثوار، وقبل ثلاثة أسابيع من الفض أخبره صديق سوداني: "حميدتي تغير، فقد قرر حماية الشعب والثورة! على أهالي دارفور أن يؤمنوا بتغيره".
كما أن فرح، طالبة علوم سياسية، لا تزال أسرتها بأكملها تعيش في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، قالت له قبل أيام قليلة من الهجوم على الاعتصام: "نطالب بأن يهيمن المدنيون على جميع الهيئات الانتقالية، بما في ذلك المجلس الأعلى، إذ يريد الجيش الاحتفاظ بالأغلبية بسبب أنهم لا يعرفون كيفية إدارة بلد ما، لكننا نقبل أن يبقى حميدتي في المجلس العسكري الانتقالي لقد وعد بحماية الثورة".
لكن ابتسام، وهي شابة تبلغ من العمر 30 عامًا، مسؤولة عن المطبخ هزت رأسها، وأضافت: "لا، يجب محاكمته على جميع الجرائم التي ارتكبها رجاله في دارفور! يجب أن يكون الأمر نفسه بالنسبة لأولئك الذين ارتكبوا جرائم في الخرطوم: قبل بضعة أيام، أحرق الجنجويد الخيام الدارفورية أثناء الاعتصام، تم اكتشاف جثث محترقة في وسط الأنقاض فيما بعد، لقد أُحرقوا أحياء".
وأكدت الصحيفة أن الجنجويد لم يتغيروا بعد جرائمهم التي ارتكبوها في دارفور، بيد أنه هناك فارق واحد هذه المرة، ليس النظام السوداني هو الذي يشجعهم، فربما تلقى حميدتي الضوء الأخضر من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث ذهب عدة مرات في الأيام القليلة الماضية قبل الهجوم.
ولفتت إلى وثيقة مؤرخة بـ 29 مايو/ أيار تتعلق بتسليم 53 سيارة، من ميناء جدة إلى وزارة الدفاع السودانية (41 تويوتا هيلوكس) و (12 تويوتا لاندكروزر موديل 2019)، وفي اليوم التالي للاعتداء، كانت مركبات جديدة من هذا النوع تتجول في الخرطوم، ولا يزال ملصق الاستيراد عالقا على النوافذ.
وأوضحت "لومانيتي" أنه حتى اليوم، يوجد حوالي 10 آلاف من الجنجويد في الخرطوم على المحاور الرئيسية في العاصمة، لكن الشوارع الثانوية محظورة عليهم تقريبًا، إذ أن الغالبية العظمى من السكان قررت مقاومة الانقلاب، فحملة العصيان المدني التي أطلقتها يوم الأحد قوى الحرية والتغيير، وتحالف الحركات وأحزاب المعارضة، ناجحة حتى الآن.
وختمت الصحيفة بالقول: إنه "على الرغم من الإرهاب الذي يحاول الجنجويد فرضه على السودانيين، إلا أنهم بعيدون عن قهر الثورة".