من الاحتضان لقوائم الإرهاب.. كيف تحولت علاقة الإخوان بآل سعود؟

في المنطقة الخضراء حيث التقارب والاحتضان، كانت تقف دائما العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين (نشأت عام 1928) وحكام آل سعود منذ إعلان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود تأسيس الدولة في بلاد الحجاز عام 1932.
أكثر المتشائمين لم يكن يتخيل أن تصل العلاقة بين الجماعة الإسلامية الأقدم في مصر والعالم العربي (الإخوان) وبين حكام المملكة إلى هذا الحد من التوتر والعداء؛ بعد ثورات الربيع العربي التي انطلقت شرارتها 17 ديسمبر/كانون الأول في تونس واستكملت خيوطها في 25 يناير/ كانون الثاني بمصر.
في سياق تعبيرها عن طبيعة هذه المرحلة من العداء المستحكم بين حكام آل سعود والإخوان نشرت صحيفة "مكة" الجمعة 10 مايو/ آيار الجاري تقريرا بعنوان "40 إرهابيا من جماعة الإخوان"، وكان من ضمن من وصمتهم الجريدة بالإرهاب مؤسس حركة حماس الشهيد أحمد ياسين، بالإضافة للقيادي في الحركة الشهيد عبد العزيز الرنتيسي.
التقرير الذي حذفته الصحيفة بعد ساعات من نشره تضمن أسماء مؤسس الإخوان حسن البنا، والمفكر الراحل سيد قطب، والرئيس المصري السابق محمد مرسي، والشيخ يوسف القرضاوي، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
الجريدة ذكرت أنها نقلت معلوماتها عن موقع يدعى "CEP"، مؤكدة أن الإخوان لديهم روابط أيديولوجية مع الجماعات المتشددة مثل القاعدة والنصرة وتنظيم الدولة وغيرها، كما زعمت أن الإخوان لها أفرع في العالم منذ عام 1928، ما أثر على إفراز عدد كبير من القواعد الإرهابية البارزة، كما حملت الجريدة الإخوان مسؤولية أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وغيرها.
تاريخ ممتد
في 7 مارس/آذار 2014، وتطبيقا لأمر ملكي صدر في عهد الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، اعتبرت المملكة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وهو ما رحبت به مصر بشدة.
وقبل أسبوع من تقرير "مكة" المحذوف، وفي 3 من مايو/آيار الجاري، صرح وزير الشؤون الإسلامية السعودي عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ أن من أخطر وأعظم الأشرار شر جماعة الإخوان التي تغلغل فكرها في كثير من بلاد المسلمين، بحسب زعمه.
آل الشيخ ادعى أن "جماعة الإخوان أخذت تنخر في جسد الأمة، وعم شرها المسلمين وغير المسلمين"، مطالبا "بفضح أساليبهم، وتعرية مخططاتهم، وكشف عوارهم، لحفظ أبنائنا وبناتنا وجميع أفراد المجتمع من شر هذه الفئة الضالة".
كلنا إخوان
حينما طلب مؤسس الجماعة حسن البنا من الملك عبد العزيز آل سعود السماح بإنشاء فرع للإخوان في المملكة رد الأخير قائلا: "كلنا إخوان"، وبالتالي جاء التقارب بين الإخوان والمملكة الوليدة، بعدما رفضت مصر الملكية الاعتراف بالأخيرة.
تم استقبال البنا استقبالا حافلا في المملكة عند زيارته لها خلال رحلة الحج عام 1946، وحينما تم حل الجماعة في 8 ديسمبر/كانون الأول 1948، تلقى البنا دعوة للانتقال للمملكة إلا أن القدر عاجله واستشهد في فبراير/شباط 1949.
إثر ذلك، تواصلت العلاقة بين السعودية والإخوان وسمحت لهم المملكة بعقد اجتماعاتهم خلال موسم الحج من أجل اختيار المرشد الجديد، وسار الملك سعود بن عبد العزيز على نهج والده، وسار المرشد الثاني للإخوان حسن الهضيبي على نهج البنا، واستمرت علاقات التقارب ما بين الطرفين، وترجمت تلك العلاقات في موقف فيصل بن عبد العزيز من الجماعة بصورة واضحة، فالملك ومشروع "الوحدة الإسلامية" كانا في مواجهة "القومية العربية" والفكر الناصري.
ومنذ نهاية الخمسينيات وحتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، تزايد التقارب بين الإخوان والمملكة، وسمح أكثر لكوادر الجماعة التي تعاني من الضغوط في مصر للخروج للمملكة، كما سمح لهم الملك فيصل بصياغة العقلية التعليمية في المملكة بقدر كبير، حتى تم اغتيال الأخير في مارس/آذار 1975.
انقلاب العلاقات
سنوات حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز الأولى لم تكن تختلف عن غيرها نحو الإخوان، حتى جاء الربيع العربي أوائل 2011، وبدأ الانقلاب الكبير في علاقة المملكة مع الإخوان.
بداية التوتر في العلاقة بين الطرفين جاءت بخروج نداءات للإصلاح في المملكة ألصقها حكام آل سعود بالإخوان، وزاد التوتر مع وصول محمد مرسي الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان للحكم في مصر حيث بدأت الحرب تستعر، ولم يهدأ آل سعود إلا بانقلاب الجيش على مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013 والذي باركه الملك، كما بارك ودعم بالمال والإعلام ما تلاه من مذابح عمت ربوع مصر.
ومع تولي الملك سلمان الحكم وصعود نجله الأمير محمد إلى سدة ولاية العهد، أخذت علاقات المملكة بالإخوان منحى أكثر تشددا، إذ اعتبرهم الأمير الجديد السبب في وجود شرخ في علاقات بلاده بمصر، بل تمادى فاتهمهم في لقاء مع الإعلامي داود الشريان بأنهم وراء اغتيال عمه الملك فيصل.
نهضة ومتغيرات
أحد الباحثين المتخصصين في تاريخ الإخوان، رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، يقول عن تاريخ الإخوان مع المملكة: "تأسست الإخوان لمحاربة الاحتلال وفكره التغريبي، ولذلك امتدت، كجماعة تسعى لوحدة الأمة الإسلامية، ومن امتدادها جاءت علاقتها بالدولة السعودية منذ نشأتها، والأخيرة تأسست على قاعدتين: الدينية (منهج محمد بن عبد الوهاب)، والحكم (الملك عبد العزيز) حيث سعى الأخير للنهوض بدولته الناشئة، خاصة بعدما تدفق البترول عبر أراضيه".
ويضيف الباحث: "تدخل الشيخ حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز مؤسس السعودية، لدى الحكومة المصرية لنقل البنا للعمل كمدرس في منطقة الحجاز عام 1928، لكن المحاولة فشلت بسبب عراقيل إدارية، وهو نفس العام الذي أسس فيه البنا جماعة الإخوان في الإسماعيلية".
متابعا: "ظلت العلاقة جيدة بين الطرفين، بل زاد نشاط الإخوان في السعودية بشكل واضح في فترة حكم الملك فيصل، بخاصة حينما استقر كل من الشيوخ: مناع خليل القطان، عشماوي سليمان، مصطفى العالم، وعبد العظيم لقمة وغيرهم في السعودية، كان نشاط الشيخ القطان والإخوان واضحا بالتعليم، وضعًا وتطويرًا للمناهج في مراحله المختلفة، بالإضافة لتبوأهم العديد من المناصب العلمية المرموقة".
قطاع التعليم
الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل السعودي الأسبق تحدث عن القطان بقوله: "لقد تتلمذت على الشيخ مناع القطان في المعهد العلمي، وفي كلية الشريعة، وقد كان له أكبر الأثر في نفوسنا، عندما كنا طلاباً للعلم، وقد غرس فضيلة الشيخ القطان في قلوبنا حب الخير والمعرفة والاطلاع والسعي دائماً بحثاً عن العلم"، حسب الباحث.
ويضيف الباحث: "أيضا سعى الإخوان لتقديم حلول إسلامية وبحوث شرعية معمقة لتمرير مشاريع الدولة التي أعاقها الخطاب التقليدي في السعودية، بالإضافة لمواجهة التنظيمات الحزبية مثل الأحزاب القومية والبعثية والشيوعية والتي انتشرت بين العمال وطلبة الجامعات، وكان الإخوان أفضل من يقوم بمواجهتهم حينذاك، نظرا لخبرتهم بأطروحاتهم ومقدرتها على مقارعتهم بحجج دينية، وهي تجربة لم تنفرد بها السعودية، بل استخدمتها أغلب الدول العربية في مواجهة المد اليساري".
وتابع: "كما نشط الإخوان في مرحلة التعليم الجامعي السعودي، خاصة بعدما التحقت بجامعات الملك عبد العزيز وأم القرى والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة شخصيات استطاعت أن تترك تأثيرها في طلبة ومناهج الجامعة، مثل الشيخ السيد سابق الذي ترأس قسم القضاء في جامعة أم القرى بمكة، والمستشار علي جريشة الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والشيخ محمد الغزالي الذي ترأس قسم الدعوة وأصول الدين بمكة المكرمة.
على المحك
ويذكر الباحث أن يوسف الديني في مؤلفه البحثي "الإخوان وتأسيس السلطة الرمزية.. ابتلاع الحقل التعليمي في السعودية" عدّد الأسباب التي أدت إلى انتشار الإخوان في الجامعات السعودية ومنها انشغال علماء المملكة بالعمل في الحقل الديني التقليدي، وهو ما دفع الإخوان التوجه نحو حقول أخرى شاغرة وبناء شبكات وخلايا فاعلة فيها.
الباحث الإسلامي محمد فتحي النادي يقول عن خسارة المملكة بعداوتها للإخوان: "السعودية كانت في تنافس سياسي مع مصر، ولذلك استفادت المملكة في توطيد زعامتها الإقليمية، عندما اختلف آل سعود مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وعلى هذا الأمر سارت المملكة فتركت العمل للإخوان داخل المملكة في إطار لا يخرجون عنه، ولما تبدلت الأحوال وأراد الفرع السلماني (نسبة لمحمد بن سلمان)، تثبيت ملكه وكأنه تأسيس ثان للمملكة فراح يطلب هذا التوطيد من الولايات المتحدة ومدخل رضا الأخيرة هو إسرائيل".
ويضيف النادي: "لذلك طرقت المملكة، في صورة الملك سلمان، باب الإسرائيليين، وتم تقديم ما يشاءون لهم، في سبيل تسهيل طريق الحكم لابن سلمان، خاصة مع خوف الأخير وبن زايد من ثورات الربيع العربي وامتداداتها، وفي حينهما، ومن قبلهما ناصبت السعودية والإمارات الإخوان (القوة الصلبة للثورات العربية) العداء، وتآمرا على حكمهم".
ويخلص الباحث والمتابع السياسي إلى أن: "الزعامة في السعودية وتولي دور في المنطقة ليست على المحك مثلما كانت الأمور مع نشأة المملكة وتثبيتها، بل صار الكرسي في حد ذاته في خطر، فاستغنوا عن الزعامة بتثبيت ملكهم، فهل ستعد هذه التضحية أبرز مكاسب السعودية أم أكبر خسائرها؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة".
المصادر
- ياسين والرنتيسي ضمن قائمة تضم 40 إرهابيا بصحيفة سعودية
- 40 إرهابيا إخوانيا ـ مكة ـ 10 من مايو/آيار 2019م ـ مادة محذوفة من الجريدة
- صحيفة سعودية تنشر قائمة لـ"40 إرهابيا" بينهم الشيخ ياسين
- السعودية تدرج «الاخوان» على قائمة المنظمات الارهابية... ومصر ترحب
- وزير الشؤون الإسلامية السعودي: جماعة الإخوان المسلمين أعظم شر على الأمة
- الإخوان والمملكة العربية السعودية: بين الماضي والحاضر ـ معهد واشنطن
- تقرير هولندي يروي قصة عداوة محمد بن زايد للإخوان المسلمين
- مذكرات الدعوة والداعية ـ الإمام حسن البنا ـ دار آفاقـ ط.1ـ الكويت ـ 2012م ـ صـ92
- "هذه تجربتي .. هذه حياتي" سعيد حوى، دار عمار، الطبعة الثانيةـ 1988 صـ94