الجولان.. سيناريو متخيّل

خالد أبو صلاح | منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

صديقي لديه نبوءة قديمة حول الجولان، وكلما تحدّثنا عن القصف الإسرائيلي لسوريا، يعود ويكرّر نبوءته، وبعد انتهاء نقاشنا غالبّا ما كنت أختم حديثنا بعبارة  “كل شيء وارد”، تعبيرا مني عن صعوبة تحقّق هذه النبوءة. 

قصفت إسرائيل سوريا عشرات المرات خلال سنوات الحرب التي شنها النّظام على الشّعب السّوري، وكانت ردود أفعاله لا تخرج عن نطاق الكلام، بل أصبحت عبارة “نحتفظ بحق الرّد” مجال تندر بين السّوريين حتى في حياتهم اليومية. 

وعقب كلّ قصف يحتفل أنصار النظام وإعلامه الرسمي بالنصر من خلال “الصمود والتصدي”، وعدم الانجرار إلى معركة فرعيّة تريدها قوى الإمبرياليّة لحرف الجيش العربيّ السّوري عن مهمته الأساسية بتحرير البلاد من العصابات الإرهابيّة! وتنزل بعدها الجماهير إلى الشّوارع وتمارس فعل المقاومة والانتصار على المؤامرة بالدّبكة الشّعبية والخطابات الرّنانة. 

هكذا أصبح الحال بعد كلّ قصف أو قضية تمسّ سيادة البلاد، التي لطالما أحرج النّظام نفسه بإدلاء تصريحات وعنتريات حول المقاومة والسّيادة، والرّد على أيّة عمليات قصف تطاله وبجاهزية دفاعاته الجويّة لإسقاط طائرات الأعداء! 

سارت الأمور على ذلك المنوال و مازالت، حتّى فوجئنا بإعلان رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة دونالد ترامب باعتراف بلاده بضم الجولان لإسرائيل، هذا الإعلان الذي عدّه كثير من المحلّليين عبارة عن مصالح شخصيّة متبادلة بين ترامب ونتنياهو، بحيث يقدم الأوّل هدية انتخابية إلى الثّاني، تعينه في معركته الانتخابيّة القادمة خاصة في ظل ملفات الفساد التي طالته وحكومته، فلجأ إلى ترامب ليعطيه كرتّا رابحّا يواجه به خصومه السّياسيّين في الدّاخل الإسرائيلي، وبالمقابل يضمن ترامب دعم الّلوبي الصّهيوني في الولايات المتحدة له في الانتخابات القادمة بعد عام، خاصّة أن فضائح ترامب باتت تزكم الأنوف ويحتاج دعم هذا الّلوبي المتنفّذ الّذي كان له دور كبير بصعود وهبوط كثيرين في الحياة السّياسية الأمريكيّة. 

وبإعادة انتخاب نتنياهو وفوزه سيتم متابعة عدّة ملفات عالقة في المنطقة يأتي على رأسها ما يسمى “صفقة القرن”، التي مازالت أمامها معوّقات عدّة من بينها الأزمة السّورية والنفوذ الإيراني المتزايد فيها، وقلق شركائها العرب في الصفقة من توسع هذا النفوذ، سيّما بعد فشلهم في إقناع الأسد بالتّخلي عنه.

وبالعودة إلى صديقي ونبوءته بقيام حرب بين نظام الأسد وإسرائيل، باعتبارها آخر محطات النّزاع السّوري، يحقق من خلالها الطّرفان مصالح متبادلة! تطوّر الأحداث وتسارعها يظهر أنّ ما كان نبوءة غير قابلة للتصديق أصبح بالإمكان أن يكون أحد السّيناريوهات الممكنة، على الرّغم من وجود أسباب عديدة لاستبعاده ونقضه.

والسؤال المهم ربّما، ما الذي سيدفعُ الأسد إلى هذا السّيناريو؟ وما الذي سيجنيه؟ 

إنّ حرب الأسد على إسرائيل بهدف استعادة الجولان ستتيح له -حتى و إن لم تحقق هدفها- عدّة مزايا، في مقدمتها استعادة هيبته أمام الجمهور العربيّ -وجزء من المحلّي السوري- التي فقدها نتيجة المجازر والجرائم الشنيعة بحق شعبه، مما يعطيه بعض الشرعية. ثمّ -وهنا مربط الفرس- يستطيع بواسطة هذه الحرب التخلّص من النفوذ الإيراني في سوريا، التي باتت تتحكم بمفاصل حكمه وتعامله كمحافِظ مدينة لا كحاكم دولة، ومع إدراك الأسد نفسه أهمية خروجه من المحور الإيراني المغضوب عليه إقليميًّا ودوليًّا.

ستتولى إسرائيل هذه المهمة، إذ ستعمل على إنهاء التواجد العسكري لإيران داخل سوريا، ويكون هذا ثمن التهدئة التي سترعاها روسيا باتفاق مع الأسد وبقية الدّول العربيّة، وسينتهي نزاعُ النفوذ بعدها بين الروس والإيرانيين ليحسم لصالح الأولى التي ستحرصُ على بقاء المعركة بين النظام وإسرائيل محدودة وضمن نطاق ضيّق يخدم هذه الأهداف ولا يخرج عن نطاق السيطرة. 

يبقى هذا السيناريو بحكم المتخيّل فليس من الصّعب نقضه واستبعاده، وتبقى الحقيقة الواضحة هي عمالة هذا الّنظام لإسرائيل، منذ عهد الأب الذي قدّم الجولان كعربون ولاء لإسرائيل حاز بموجبه على الحكم في سوريا، حتى عهد الابن الذي دمّر سوريا المتاخمة لإسرائيل وأعادها وشعبها خمسين عامًا للوراء، وتوّج ولاءه بإعادة رفات جندي إسرائيلي قتل قبل 37 عامًا هدية لنتنياهو قبيل الانتخابات، بينما لا يعرف السّوريون مكان دفن أبنائهم الذين قتلهم تحت التعذيب، وأفرج بعد ثمان سنوات عن أسمائهم فقط ليبقى سؤال أين رفاتهم؟ حسرة في قلب أمهاتهم.