كيف ساهم ابن زايد والسيسي في التسبب بمجزرة نيوزيلندا؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن عشرات المسلمين يعلمون حينما توجهوا لصلاة الجمعة في مسجدين وسط مدينة "كرايست تشيرش" النيوزيلندية، أنها صلاتهم الأخيرة، فقضوا بطلقات إرهابية من بندقية يميني أسترالي متطرف يُدعى "برينتون تارنت"؛ ليُكتب بدماء طاهرة فصلٌ جديدٌ من فصول العنصرية المقيتة التي يعاني منها المسلمون في الغرب.

ربما لا يمكن لأحد أن ينكر دور ظاهرة الإسلاموفوبيا والعنصرية والدوافع المتطرفة لدى الإرهابي منفذ الجريمة، والتي ظهرت في كتاباته وما دوّنه على سلاحه فيما حدث، لكن أي منصف أو متابع يشتم رائحة تحريض على المسلمين وربط بين الإسلام والإرهاب تنبعث من عواصم عربية، نافس حكامها متطرفي الغرب في تغذية الإسلاموفوبيا.

يأتي هذا بينما يجزم كثيرون بأن هؤلاء الحكام الذين حرضوا على الإسلام والمسلمين متورطون بشكل أو بآخر في تلك الجريمة، فهل تدفعهم دماء "شهداء نيوزيلندا" إلى الاعتذار أو التراجع أو التفكير مجددا، أم يعلق في رقابهم المزيد من الدماء؟ 

إمارات التحريض

في مارس/آذار 2018، أعلنت السلطات الألمانية توثيق 950 هجوما على الأقل على مسلمين ومنشآت إسلامية مثل المساجد في عام 2017، وفق تقرير نقلته صحيفة "نويه أوسنابروكنر تسايتونغ" عن بيانات لوزارة الداخلية الألمانية.

الاعتداءات التي كانت بمعدل 2.6 اعتداء يوميا، قالت وزارة الداخلية الألمانية إنها أسفرت عن إصابة 33 شخصا في الهجمات التي كان 60 منها موجها ضد مساجد ونُفذ بعضها بدماء خنازير.

وأظهرت البيانات أن كل مرتكبي تلك الهجمات تقريبا من المتطرفين اليمينيين، بينما قال "أيمن مزيك" رئيس المجلس المركزي للمسلمين: إن "عدد الهجمات على الأرجح أعلى من ذلك بكثير؛ نظرا لعدم إبلاغ الضحايا في أحيان كثيرة عنها".

المثير، أن تلك الإحصائية جاءت بعد أشهر من تصريحات صحفية لوزير التسامح الإماراتي نهيان مبارك انتقد خلالها "إهمال الرقابة على المساجد في أوروبا؛ مما أدى إلى وقوع هجمات إرهابية"، مشددا على ضرورة إقرار تراخيص لأئمة المساجد فلا أحد "يذهب إلى كنيسة ويخطب فيها ببساطة".

وربط بين تطرف بعض المسلمين في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا بـ"عدم وجود رقابة كافية من السلطات على المساجد والمراكز الإسلامية"، متابعا: "الدول الأوروبية كانت حسنة النية عندما سمحت لهؤلاء الناس بإدارة مساجدهم ومراكزهم الخاصة".

وأردف: "لكنه وفي المقابل يتعين تدريب القادة الدينيين، وأن يكونوا على دراية جيدة بالإسلام، وأن يحملوا ترخيصا بإلقاء خطب في المساجد"، مشيرا في ذلك إلى أنه "لا يمكن لأحد في أوروبا أن يذهب إلى كنيسة ويخطب فيها ببساطة".

لكن الطامة الكبرى ليست في حديث مسؤول بمستوى وزير، وإنما وردت على لسان رأس الدولة وحاكمها الفعلي ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، قبل نحو 4 أعوام.

نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد زيجمار جابرييل – الذي يشغل حاليا منصب وزير الخارجية – قال في تصريحات إن ولي عهد أبو ظبي طلب منه "عدم التغافل عن الشباب المسلم في المساجد الألمانية"، ونصح بتشديد الرقابة عليهم.

ونقل عن ابن زايد قوله: "يتعين على المجتمع الألماني أن يكون متيقظا لمن يخطب في المساجد، وماذا يخطب؟، ولا يجوز أن يكون خطباء من باكستان أو أي دولة معينة في الأرض هم الخيار الوحيد أمام المسلمين في ألمانيا للاستماع إليهم".

التطبيق العملي السريع لنصائح ولي عهد أبو ظبي، أسفرت عن ارتفاع موجة انتشار خطاب الكراهية ضد المسلمين في ألمانيا، متزامنة مع حملات أمنية غير مسبوقة، فأعلنت "هيئة حماية الدستور" في مايو/أيار 2016، أنها بدأت بمراقبة نحو 90 مسجدا في أنحاء البلاد، وأعرب رئيسها "هانز ماسن"، عن قلق بلاده "من وجود جمعيات إسلامية متشددة تتبعها مساجد معينة".

ووفق تقارير إعلامية، فإن مؤسسات حقوقية حذرت من تداعيات انتشار خطاب الكراهية ضد المسلمين في الغرب وخاصة ألمانيا، واتساع رقعة الإسلاموفوبيا وتأثيرها على المسلمين في أوروبا.

هذا التحريض العلني الذي يمارسه حاكم أبو ظبي ضد دين الدولة الرسمي ومعتنقيه، الذي هو واحد منهم، يأتي بينما تسعى الإمارات جاهدة للترويج لشعارات زائفة على شاكلة "دولة التسامح" وغيرها، فتطلق العنان لمعتنقي الديانات الأخرى بمن فيهم الهندوس والبوذيون ببناء معابدهم داخل العاصمة العربية الإسلامية، فيما تحرض على المسلمين في الغرب.

السيسي و"الإرهاب الإسلامي"

وكما لابن زايد دور واضح في تعزيز الإسلاموفوبيا في أوروبا، فإن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي شريك أساسي في التحريض ضد المسلمين، عبر نظرية "الإرهاب الإسلامي"، التي يسعى دوما إلى ترسيخها في أذهان المصريين والعالم، فهو لم يترك مناسبة إلا وأكد فيها قناعته بأن التطرف الإسلامي، هو أصل الإرهاب في العالم، وأنه يجب مواجهة هذا الإرهاب بشتى الطرق.

أحدث مظاهر هذا التحريض الذي يمارسه السيسي، كان في فبراير/تشرين الثاني الماضي عندما تحدث في مؤتمر ميونيخ للأمن، داعيا الدول الأوروبية إلى مراقبة المساجد، في إشارة واضحة إلى الربط بينها وبين التطرف والإرهاب.

الربط فيما قاله السيسي عندما تحدث عن الأسباب الفكرية لظاهرة الإرهاب من منظور ديني، متابعا: ".. اللي احنا طالبنا بيه في مصر إصلاح وتصويب الخطاب الديني، وقلناها بشكل علني وواضح إحنا بنعترف إن عندنا مشكلة، وأنا لما بلتقي مع شركاء أوروبيين أو أي دولة تانية أقولهم من فضلكوا انتبهوا جيدا لما يتم نشره في دور العبادة، ولا تسمحوا للمتطرفين والمتشددين إن هم يعني يوجهوا الناس البسطاء وياخدوهم في اتجاه الغلو والتطرف".

ولا يمكن تجاهل مشهد آخر من مشاهد تحريض السيسي على الإسلام والمسلمين، حيث أعلن ذلك بمنتهى الصراحة في احتفالات ذكرى المولد النبوي في يناير/كانون الثاني 2015، بقوله: "مش معقول الفكر اللي احنا بنقدسه ده يدفع بالأمة بالكامل انها تكون مصدر للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها".

وتابع: "مش ممكن الفكر ده نصوص وأفكار تم تقديسها على مدار مئات السنين، وأصبح الخروج عليها صعب قوي لدرجة ان هي تعادي الدنيا كلها"، متسائلا: "يعني الـ 1.6 مليار هيقتلوا الدنيا كلها اللي فيها 7 مليار علشان يعيشوا هم".

كما ربط السيسي بين الإسلام والتطرف، أثناء مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، في سبتمبر/أيلول 2016، حين قال: إنه "ينبغي تصحيح الخطاب الديني"، مؤيدا استخدام مصطلح "التطرف الإسلامي"، وذلك في رده على سؤال المذيعة حول مدى عدالة استخدام مصطلح "الإرهاب الإسلامي"، فأجاب: "نعم، إنه تطرف، إنه حقًا تطرف، تطرف إسلامي، ينبغي مواجهته، وأنا إنسان مسلم، وصعب علي جدا إني أقول هذا، بس دي الحقيقة".

مشهد آخر عميق الدلالة وشديد الرمزية فاق لغة الكلام تعبيرا، حين ظهر السيسي في يوليو/تموز 2016 بإحدى التدريبات العسكرية، تنفذ فيها طائرات حربية مناورة تحاكي عملية لمحاربة الإرهاب تضمنت قصف "مجسم" لمسجد بحجة أنه يؤوي إرهابيين بسيناء، في ربط مباشر بين الإرهاب والمسجد.

ويبدو أن السياسي الاسترالي فريجر آنينج، لم يجتهد كثيرا حينما حاول تبرير الهجوم الإرهابي على مسجدي نيوزيلندا، فقط سار على نهج السيسي وكرر مواقفه وتصريحاته السابقة، فتعمد الربط بين الإسلام والإرهاب.

وقال السيناتور في بيان عقب الجريمة بساعات: "لنكن واضحين: رغم أن المسلمين ربما كانوا هم الضحايا اليوم فإنهم عادة ما يكونون هم الجناة، إن دين الإسلام هو ببساطة أيديولوجية متطرفة لطاغية من القرن السادس قدم نفسه كزعيم ديني، والحقيقة أن الإسلام ليس مثل أي دين. إنه المعادل الديني للفاشية".

وتابع: "الدين الإسلامي ببساطة.. هو أصل وأيديولوجية العنف من القرن السادس. فقد برر الحروب اللانهائية ضد كل من يعارضه ويدعو لقتل غير المؤمنين به".

الأزهر يعطي الدرس

وعلى الرغم من الخلاف الوارد حول شخصية شيخ الأزهر أحمد الطيب، ومواقفه منذ عهد حسني مبارك وحتى الآن، إلا أن الرجل في سياق الربط بين الإسلام والإرهاب قال كلمته بصوت عال على الهواء مباشرة وفي حضور بابا الإسكندرية تواضروس الثاني.

"بينما يمر الإرهاب والعنف المسيحي واليهودي في بقاع الدنيا بردا وسلاما على العالم الغربي، دون أن تُدنس صورة هذين الدينين الإلهيين، وفي فصل تام بين الدين والإرهاب، إذا بشقيقهما الثالث يُحبس وحده في قفص الاتهام، وتجري إدانته وتشويه صورته حتى هذه اللحظة".

بتلك الكلمات الصريحة والمباشرة، أعلن الطيب خلال مؤتمر "الحرية والمواطنة تنوع وتكامل" في فبراير/شباط 2017، رفضه الواضح لظاهرة الإسلاموفوبيا، والربط الدائم بين الإسلام والإرهاب والعنف.

الطيب قال في كلمته: إن "العالم يكيل بمكيالين في تعامله مع الإرهاب والعنف، حيث يضع الإسلام في جانب، والمسيحية واليهودية في جانب آخر، رغم اشتراك الكل في قضية الإرهاب الديني".

وضرب شيخ الأزهر أمثلة للعنف المسيحي واليهودي في العالم، قائلا: "لننظر جميعا إلى اعتداءات مايكل براي بالمتفجرات على مصحات الإجهاض، وتفجير في تيموثي ماكْفي للمبنى الحكومي بأوكلاهوما، وديفيد كوريش، وما تسبب عن بيانه الديني من أحداث في ولاية تكساس، دع عنك الصراع الديني في أيرلندة الشمالية، وتورط بعض المؤسسات الدينية في إبادة واغتصاب ما يزيد على مائتي وخمسين ألفا من مسلمي ومسلمات البوسنة".

ثم تابع موضحا: "لم أقصد أن أنكأ جراحا أو أذكي صراعا فهذه ليست رسالة الشرق ولا الأزهر الشريف، أردت أن أقول: الإسلاموفوبيا، إذا لم نعمل على التصدى لها ستطلق أشرعتها نحو المسيحية واليهودية عاجلا أو آجلا".

الإسلاموفوبيا.. تاريخ الخوف

"الإسلاموفوبيا"، مفهوم يعني حرفيا الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، إلا أنه في الواقع نوع من العنصرية قوامه جملة من الأفعال والمشاعر والأفكار النمطية المسبقة المعادية للإسلام والمسلمين.

يُرجع مؤرخو الحقبة الاستعمارية أول استعمال لمفهوم "الإسلاموفوبيا" (Islamophobia) -الذي يعني "رُهاب الإسلام" أو الخوف المرضي من الإسلام- إلى بدايات القرن العشرين، وفق دراسة تاريخية.

فقد استعمل علماء اجتماع فرنسيون هذا المفهوم لوصف رفض جزء من الإداريين الفرنسيين ومعاداتهم للمجتمعات المسلمة التي كانوا يتولون إدارة شؤونها في زمن الاحتلال، ويُفترض أن يتعايشوا معها ويندمجوا في أنساقها الاجتماعية، نظرا لما تُمليه المهام الإدارية والسياسية المسندة إليهم.

والواقع أن ذلك الرفض وتلك الكراهية مصدرهما عنصري بالدرجة الأولى، ثم ثقافي ونفسي مردُّه إلى الخطاب الاستعماري نفسه الجاهل بالإسلام والمخوف منه ومن المسلمين، بحكم سابقِ ريادةِ الحضارة العربية الإسلامية للعالم في القرون الوسطى.

يرى جزءٌ آخر من علماء الاجتماع واللسانيات، أن "الإسلاموفوبيا" ازدهرت كمفهوم مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، إذ استُخدم هذا المفهوم ورُوج له من مرجعيات دينية شيعية محافظة لفرضِ ارتداء الحجاب، فوُصم بمعاداة الإسلام أو "الإسلاموفوبيا" كل من يعارض فرض الحجاب في الأماكن العامة، كما وُصمت به النساء الرافضات ارتداء الحجاب لدوافع ثقافية أو اجتماعية.

ازدهر مفهوم "الإسلاموفوبيا" في مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة وتحديدا إثر هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 التي وقعت في الولايات المتحدة وتبناها تنظيم القاعدة، وأحدثت تحولا نوعيا في واقع العلاقات الدولية واحتُل إثرها بلدان إسلاميان هما العراق وأفغانستان.

وقد أعاد ذلك طرح إشكالية المواجهة بين الإسلام والغرب التي بشَّر بها عدد من المفكرين الغربيين المتصهينين منذ نهاية الحرب الباردة، إذ روجوا لبروز الإسلام باعتباره عدوا جديدا للغرب بدلا عن الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفييتي، وروج بعضهم لفكرة انتهاء "الخطر الأحمر" الشيوعي وبروز "الخطر الأخضر" الإسلامي.

في عام 2005، دخل مفهوم "الإسلاموفوبيا" إلى المعاجم الفرنسية بدءا بمعجم ( Le petit Robert) الذي عرف "الإسلاموفوبيا" كالتالي: "شكل خاص من الحقد موجه ضد الإسلام والمسلمين، يتجلى بفرنسا في أفعال عدائية وتمييز عنصري ضد المهاجرين المنحدرين من أصول مغاربية".

إذن، يبدو التداخل جليا بين المشاعر العنصرية ضد العرب والأمازيغ وكراهية الإسلام، ويحيل هذا المعطى على الربط الآلي بين الانتماء العرقي والانتماء الديني.

فالمنحدر من شمال أفريقيا مربوط بالإسلام عضويا، مع أن فئات من هذه المجموعات المهاجرة غير متدينة، وبعضها وهنت روابطه بالإسلام حتى كادت تنعدم؛ نظرا للمثاقفة المترتبة على توالي أجيال عديدة، نشأت وتربت في بيئات المهجر البعيدة في كثير من الأحيان عن التدين عامة وعن الإسلام خاصة.

توظيف اليمين المتطرف

نما مع ظهور الإسلاموفوبيا -في كثير من الأقطار الغربية- خطاب سياسي يميني متطرف يسعى بشكل حثيث إلى استثمار الوضع الدولي المترتب على هجمات 11 سبتمبر/أيلول وما اتسم به من خطاب إعلامي معادٍ للإسلام، والواقع الاجتماعي في الغرب وما يميزه من مشاكل الهوية والاندماج خاصة بالنسبة للمسلمين والعرب.

وفي ضوء هذه العوامل، نشأ شعور عنصري مناوئ للمسلمين والعرب وللإسلام، أذكاه الجهل المستحكم بالإسلام لدى فئات واسعة من المجتمعات الغربية، وخطاب محرض لدى بعض وسائل الإعلام وآخر متهافت وجاهل بالإسلام لدى أكثر المنابر الإعلامية اعتدالا.

وسعت الأحزاب اليمينية المتشددة و"الشعبوية" إلى استثمار المناخ اللاحق على هجمات 11 سبتمبر/أيلول في تكريس الخوف من الإسلام والمسلمين وتوظيفه لغايات انتخابية، فظهرت شعارات منها أسلمة أوروبا والتهديد الإسلامي الخفي، وغير ذلك من الشعارات التي وفرت لليمين المتطرف خطابا مسموعا؛ عوضه عن ضعف خطابه السياسي ومحدودية البدائل الاقتصادية والاجتماعية التي يقدمها.

تجلت نتائج هذا الخطاب في تنامي الأعمال العدائية ضد المسلمين والعرب وفي حق المساجد ومقابر المسلمين التي تعرضت للتدنيس في أكثر من مناسبة، كما ظهرت مجموعات من شبان اليمين تعتدي بشكل منظم ومنهجي على المسلمين في شوارع وأزقة المدن الأوروبية كلما سنحت لها سانحة.

وأججت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2007 موجة الكراهية ضد المسلمين، وبات اليمين المتطرف يروج لفكرة ظالمة مفادها أن الهجرات القادمة من شمال أفريقيا والشرق الأوسط هي سبب الأزمة، وأن هؤلاء المهاجرين باتوا يزاحمون الأوروبيين الأصليين في الحصول على فرص ويُكلفون الميزانية العمومية نفقات باهظة، وفي نفس الوقت يبنون مستقبلهم في بلدانهم الأصلية عبر استثمار ما يجنونه في المهجر.

ومع موجات اللجوء الكبرى القادمة من سوريا والعراق ودول آسيوية عبر تركيا عام 2016، ازدهر خطاب الكراهية من جديد، وكشفت قرارات عدد من الدول بإغلاق حدودها مع اليونان ودول البلقان نزعة دفينة للشعور القومي الذي سبق له أن جر على أوروبا ويلات لا تحصى.

العنصرية المتهم الأول

وفق الدراسة السابقة، تبدو العنصرية هي المتهم الأول والدافع الرئيسي لارتكاب الجرائم الإرهابية بحق المسلمين، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر البلدان التي تشهد جرائم كراهية ضد المسلمين، وقد ذكر مكتب التحقيق الفيدرالي الأمريكي (أف بي آي) في مايو/أيار 2017 أن نسبة تلك الجرائم شهدت ارتفاعا  عام 2015، مشيرا إلى أن عدد المجموعات المعادية للمسلمين في تزايد.

وخلصت دراسة أجراها مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) إلى أن عدد الاعتداءات على المسلمين في 2016 تجاوز ألفي اعتداء مقابل 1400 اعتداء سنة 2015.

كما أن العديد من البلدان الأوروبية الكبرى التي استقر المسلمون فيها منذ عقود، ترفع دوما شعار العنصرية ضدهم، حيث كشف استطلاع للرأي أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية على أكثر من 10 آلاف مسلم في 15 دولة أوروبية، أن نحو 92 بالمئة من المسلمين قيد البحث عانوا من التمييز العنصري بأشكاله المختلفة.

وأوضحت النتائج أن 53 بالمئة من المسلمين في أوروبا واجهوا التفرقة العنصرية عند محاولات العثور على منزل بسبب أسمائهم، بينما عانى 39 بالمئة من التمييز العنصري بسبب مظهرهم الخارجي عند سعيهم للحصول على عمل، وشكلت النساء أغلب تلك النسبة.

كما لفتت الدراسة، التي أجريت بين أكتوبر 2015 ويوليو/تموز 2016، إلى "تعرض نحو 94 بالمئة من النساء المحجبات المشاركات في الاستطلاع، لاعتداءات ومضايقات تراوحت بين الجسدية واللفظية".

وعلى الرغم من تلك الأرقام التي يتحدث الواقع عن أضعافها، فإن أتباع الدين الإسلامي بأوروبا يزدادون بشكل مطرد، فتوقعت دراسة أعدها مركز "بيو" للأبحاث بواشنطن أن تصل أعداد المسلمين في بعض الدول الأوروبية إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050.

وأوضحت الدراسة، أن الهجرة وموجة النزوح تشكلان أهم الأسباب التي أدت إلى تزايد عدد المسلمين في أوروبا، ومن المتوقع، حسب مركز بيو، أن تنتقل أعداد المسلمين في ألمانيا وحدها من 6.1 عام 2016 إلى 19.7 بالمئة عام 2050.

الواقع ليس مبشرا بأي حال من الأحوال في عموم القارة العجوز، ففي السويد قال "توماس أبيرج" مؤسس جمعية "أبحاث جرائم الكراهية في الإنترنت"، بالسويد: إن ثلث جرائم الكراهية المرتكبة بالبلاد عام 2017 استهدفت المسلمين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كشف تقرير لمؤسسة حقوقية بريطانية إن بريطانيا شهدت 608 حوادث مرتبطة بظاهرة الخوف من الإسلام "الإسلاموفوبيا" خلال 6 أشهر، من أصل 685 حادثة متعلقة بالعنصرية.

65.9 بالمئة من الحوادث (401 حادث) وقعت في شوارع المملكة المتحدة، كما أشار التقرير إلى أن 58 بالمئة من حوادث الإسلاموفوبيا استهدفت النساء، بسبب ارتداء المسلمات للحجاب.

وفي سويسرا كان المسلمون على موعد مع مظهر جديد من مظاهر العنصرية، ففي سبتمبر الماضي وافق السويسريون في كانتون "سانت جالن" شمال شرق البلاد في استفتاء على حظر النقاب في الأماكن العامة، ليصبح بهذا ثاني مقاطعة سويسرية تتخذ مثل هذا القرار.

أما في هولندا يستمر خيرت فيلدرز زعيم حزب "الحرية" اليميني المتطرف في بث سمومه العنصرية ضد المسلمين بلا هوادة، حيث قدم في سبتمبر الماضي إلى البرلمان مقترح مشروع قانون لحظر العبارات الإسلامية في هولندا.

وقال: إنه "لسنوات، لم يتم فعل أي شيء لمنع الإسلام، ولهذا السبب اقترحنا مشروع قانون لحظر العبارات الإسلامية في هولندا.. ينبغي أن تُحظر المساجد والمدارس الإسلامية والبرقع والقرآن. آمل أن تحتذي بقية الدول بهذا".

لم تكن إسبانيا هي الأخرى ببعيدة عن مشاهد العنصرية ضد المسلمين، رغم جذورهم التاريخية الضاربة في أنحاء البلاد (الأندلس) التي كانت جزءا من الدولة الإسلامية لعدة قرون، حيث قالت منصة المواطنة الإسبانية حول الإسلاموفوبيا، إن بلادها شهدت في 2017، أكثر من 500 حادثة متعلقة بـ"الإسلاموفوبيا"، بينها حوادث استهدفت نساء وأطفالا ومساجدا.

ولعل أبرز موجات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا، ما شهدته فرنسا العام الماضي، من عريضة تدعو إلى حذف آيات من القرآن الكريم" بزعم أنها معادية لليهود، وقّع العريضة شخصيات سياسية يمينية ويسارية، أبرزها الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي.