تركيا وكردستان العراق.. كيف خفف الاقتصاد من مأزق الانفصال؟

منذ ٦ أعوام

12

طباعة

مشاركة

العلاقات التركية مع سلطة الجبل الكردية، تحكمها الكثير من المتغيرات لكن الأساس الذي يجعل هذه العلاقة تمضي بوتيرة لا تزعجها الصراعات السياسية هو الاقتصاد، وخصوصا مع كُرد العراق، فالاقتصاد هو الذي يجعل من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني حليفا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فما القصة؟

كاد حدث استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق في سبتمبر/ كانون الأول 2017 أن يعصف بالعلاقات التركية مع إقليم كردستان العراق بسبب الرفض التركي لإجراء الاستفتاء، حين هددت السلطات التركية باتخاذ إجراءات اقتصادية وعسكرية وسياسية "غير عادية" تجاه الإقليم كَرَدِّ فعل على الاستفتاء.

وكانت المؤشرات تشير إلى أن الجانب التركي سيغلق المعابر الحدودية، وبالأخص معبر "إبراهيم الخليل"، وفرض "سياسة تجويع" على مدن شمالي العراق؛ للضغط على القيادات الكردية لطي صفحة الاستفتاء، فضلا عن ورود أخبار عن تحشيد عسكري للجيش التركي قرب الحدود؛ لشن عملية عسكرية داخل المناطق الكردية في العراق.

هذه الأخبار كانت ضمن ضغط إعلامي، فقد بقي المعبر الحدودي مفتوحاً أثناء الاستفتاء وبعده ولم يكن هناك تدخل عسكري تركي داخل حدود إقليم كردستان العراق، فلماذا لا تريد تركيا خسارة العلاقة مع الجانب الكردي العراقي؟

ما تاريخ العلاقات التركية مع إقليم كردستان العراق؟

في عام 1987 قام مسعود البارزاني بإنهاء التعاون مع حزب العمال الكردستاني المعارض؛ حيث تم توقيع معاهدة تنسيق بينهما عام 1983. كانت تلك البداية الأولى للقيادة الكردية الحالية في فتح علاقات ودية مع السلطات التركية في أنقرة؛ إذ يمثل تواجد حزب العمال الكردستاني مصدر قلق للأحزاب الكردية العراقية، من خلال تواجدهم في المناطق الحدودية الجبلية، وشنهم لعمليات عسكرية داخل تركيا انطلاقاً من العراق.

هذا الأمر جعل تلك المناطق عرضة لعمليات عسكرية تركية تتدخل فيها الطائرات لقصف مواقع حزب العمال الكردستاني، لكن الأمر تطور أكثر عندما قامت قوات البيشمركة الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني في نهايات عام 1992 بشن عمليات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني بمساندة الجيش التركي.

وكانت المناطق التي تسيطر عليها الأحزاب الكردية؛ وهي كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة جلال الطالباني، تتمتع بمناطق حكم ذاتي بعد حرب الولايات المتحدة الأمريكية على العراق عام 1991.

ولم يقتصر التنسيق التركي مع إقليم كردستان العراق على بعض العمليات العسكرية خصوصاً بعد 2003، بل تطور الأمر إلى إنشاء مقرات عسكرية واستخبارية تركية، في سوران قرب أربيل، وقرية كاني ماسي في دهوك، وفي بعشيقة قرب الموصل شمالي العراق. وهي أشبه بقواعد عسكرية ثابتة، فضلاً عن تدريب قوات البيشمركة الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني.

هل تنظر السلطات التركية إلى الأكراد العراقيين ككتلة واحدة؟

لا تتعامل السلطات التركية مع الأكراد في العراق بمنظور واحد، ولـشرح هذا الموضوع يجب تفكيك الخارطة الكردية العراقية من أحزاب وجماعات والمناطق التي تسيطر عليها. ويعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني هو الحزب الأول في إقليم كردستان العراق؛ حيث توجد مناطق نفوذه في أربيل ودهوك، وبعض المناطق المتنازع عليها في نينوى كبعشيقة والحمدانية فضلا عن شيخان.

أما حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان يتزعمه جلال الطالباني قبل رحيله، ويبسط هذا الحزب نفوذه في السليمانية وحلبجة وكركوك، فقد تعرض الى انشقاقات عدة بعد عام 2003 عندما أسس نيشيروان مصطفى حزب التغيير، الذي أخذ حصة كبيرة من نفوذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية.

وهناك أحزاب صغيرة أخرى كالاتحاد الإسلامي الكردستاني، والجماعة الإسلامية، وحزب الجيل الجديد، والحزب الشيوعي الكردستاني.

تنظر تركيا، ومنذ بدء علاقاتها مع الأحزاب الكردية، إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، باعتباره حليفاً استراتيجياً، بخلاف الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يعتبر حليفاً لإيران.

العمق الاقتصادي التركي في كردستان العراق

ذكرت شبكة روداو الإعلامية، التي يملكها نجيرفان البارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، أن حجم التبادل التجاري بين إقليم كردستان وتركيا في النصف الأول من 2017 بلغ 5 مليارات دولار فيما يصل إلى 8 مليارات دولار سنوياً، فيما أشارت الشبكة الى وجود 1300 شركة تركية في كردستان العراق منذ عام 2003.

بدأت الحركة التجارية التركية تنشط في إقليم كردستان في جميع المجالات، حيث دخلت الشركات التركية في قطاع إعمار البنى التحتية لمدن شمالي العراقي، التي كانت تعتبر مدنا بدائية قبل 2003، بدأ العمل من خلال حصول تلك المدن على 17 بالمئة من موازنات العراق السنوية، فضلا عن دخول تلك الشركات في قطاعات النفط والغاز والصحة والمصارف.

وحسب مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى؛ فإن مؤشرات الصادرات التركية التجارية تجاه إقليم كردستان العراق سارت بشكل مرتفع من 2003 وحتى 2007، فقد "احتل الإقليم المرتبة التاسعة عشرة في قائمة أكبر الأسواق المستوردة من تركيا".

وارتفع المؤشر في 2011 ليصبح الإقليم سادس أكبر سوق للصادرات التركية، إلا أن عام 2013 رفع الإقليم إلى المرتبة الثالثة لسوق الصادرات التركية بقيمة 8 مليارات دولار.

وفي حديث سابق مع وكالة الأناضول التركية، قال محافظ أربيل نوزاد هادي: إن أربيل تسعى لتوسيع العلاقات الاقتصادية معها عبر إنشاء معبر حدودي ثالث في أربيل، الذي سيختصر الطريق بين أربيل ومناطق شرقي تركيا، وخدمة التجارة مع مناطق آسيا الوسطى وأذربيجان، بدلًا من العبور عبر إيران.

وأضاف هادي: إن "الشركات التركية كانت لها حصة الأسد في تنفيذ مشاريع الإقليم، والآن أيضا القسم الأكبر من المشاريع تنفذه تلك الشركات، وذلك يتوافق مع برنامج حكومة الإقليم التي تعتبر تركيا جارة قوية ذات قدرات كبيرة".

حلم الدولة الكردية والرفض التركي

انفتح حزب العدالة والتنمية التركي، سياسياً، بشكل كبير على إقليم كردستان العراق من خلال زيارات رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داوود أوغلو، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي افتتح مطار أربيل الدولي عام 2011، وحضور مسعود البارزاني مؤتمر حزب العدالة والتنمية في 2012 فضلا عن وجود قنصلية تركية في أربيل.

لكن أنقرة تقف موقفا حازماً تجاه انفصال إقليم كردستان العراق بالرغم من العلاقات الاقتصادية، وأحد أسباب ذلك الرفض أن الإقليم يرتبط ارتباطاً حدودياً وثقافياً وقومياً مع جنوب شرقي تركيا، ويمتد هذا الارتباط بخط حدودي طوله 700 كيلومتر؛ وبذلك يحصل حزب العمال الكردستاني على ملاذ آمن، حسب التصورات التركية، يقوم عن طريقه بالتأسيس لانفصال المناطق الكردية التركية عن سلطة أنقرة، إلا أن طي صفحة استفتاء الانفصال "مؤقتا" من قبل الأحزاب الكردية شجعت أنقرة على استئناف العلاقات الدبلوماسية؛ من خلال قيام نيجيرفان البارزاني بزيارة تركيا رسمياً. وتصريح الناطق باسم حكومة إقليم كردستان العراق، سفين دزيي، أن تركيا دعت إلى افتتاح "ممثلية إقليم كردستان" في أنقرة، إلا أن الظروف الاقتصادية التي يمر بها الإقليم حالت دون ذلك، حسب تعبيره.