فصل جديد لعلاقات اقتصادية واعدة بين الجزائر والهند.. الفرص والتحديات

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن العلاقات الجزائرية الهندية بدأت تتدحرج ككرة الثلج لتعيد بعث التعاون التاريخي الذي جمع بين البلدين لما قبل استقلال الجزائر عام 1962، حيث تزايدت وتيرة اللقاءات والاتفاقيات الثنائية منذ زيارة رئيسة الهند دروبادي مورمو للجزائر.

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أنهت رئيسة الهند زيارة دولة هي الأولى من نوعها إلى الجزائر لمسؤول هندي رفيع المستوى منذ سنوات عدة، حيث دامت 4 أيام.

وشهدت الزيارة تنظيم المنتدى الاقتصادي الجزائري الهندي بمشاركة أزيد من 300 رجل أعمال من البلدين، والتي تُوجت بالاتفاق على "تأسيس علاقات أعمال وشراكات مثمرة ومربحة للجانبين"، حسب البيان الختامي.

وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وقعت الجزائر والهند محضر اتفاق في المجال العسكري بين وزارتي دفاع البلدين.

ووقع الاتفاق عن الجانب الجزائري رئيس أركان الجيش، الفريق أول السعيد شنقريحة، وعن الجانب الهندي، رئيس أركان الدفاع الفريق أول أنيل شوهان، الذي قام بزيارة عمل إلى الجزائر على رأس وفد عسكري رفيع المستوى.

مناخ الاستثمار 

وآخر الأنشطة الرسمية التي تضخ مزيدا من الزخم للعلاقات الجزائرية الهندية، مشاركة وزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية بالجزائر، الطيب زيتوني، في افتتاح الدورة الـ29 لقمة الشراكات، المنعقدة بالعاصمة نيودلهي.

وفي 2 ديسمبر 2024، دعا زيتوني، إلى الاستفادة من الفرص الاستثمارية التي تقدمها الجزائر، مبرزا الشفافية والجاذبية التي يتمتع بها مناخ الاستثمار بالبلاد.

وبخصوص العلاقات الجزائرية الهندية، نوه الوزير بالزخم الذي باتت تعرفه، "إثر الزيارة التاريخية التي قامت بها رئيسة الهند إلى الجزائر في أكتوبر، وما تمخض عنها من قرارات اقتصادية وتفاهمات سياسية مهمة، عبر المباحثات التي أجرتها مع الرئيس تبون".

وفي 3 ديسمبر 2024، أجرى زيتوني، محادثات مع رئيس كونفدرالية الصناعة الهندية سانجيف بيري، على هامش مشاركته في الدورة الـ29 لقمة الشراكات بنيودلهي، حسب بيان صادر عن الوزارة.

وأكد الوزير زيتوني في هذا اللقاء "أهمية التعاون بين البلدين في المجالات ذات الأولوية"، مشيرا إلى "استعداد الجزائر لتقديم التسهيلات كافة للشركات الهندية المهتمة بالاستثمار في السوق الجزائرية".

وتراوح حجم التبادل التجاري بين الجانبين خلال السنوات الماضية عند عتبة ملياري دولار وفق الأرقام الرسمية، في حين بلغت ذروته عام 2018 بقيمة 2.9 مليار دولار. 

قبل أن ينخفض عام 2021 إلى حدود 1.5 مليار دولار، بسبب تأثير جائحة كورونا، وقرارات الحكومة الجزائرية تقييد الواردات بسبب أزمة النقد الأجنبي. وسجل حجم التبادلات عام 2022 ارتفاعا بنسبة 24 بالمئة، إلى حدود 2.1 مليار دولار.

وبلغت صادرات الهند إلى الجزائر عام 2022 أكثر من 613 مليون دولار، وارتفعت في العام 2023 إلى أكثر من 848 مليون دولار. 

وتشمل تلك الصادرات الأرز والمنتجات الصيدلانية واللحوم والأدوات والمواد الأولية للأدوية والمواد الكيماوية، وأجهزة ولواحق الكمبيوتر والبصريات، والعديد من المنتجات الغذائية كالحبوب والشاي. 

وعلى الجانب الآخر، بلغت صادرات الجزائر إلى الهند في 2022، 1.5 مليار دولار، قبل أن تتراجع عام 2023 إلى أكثر من 885 مليون دولار. 

وتشمل تلك الصادرات الزيوت البترولية والغاز الطبيعي المسال وفوسفات الكالسيوم الطبيعي والميثانول المشبع واليوريا.

اعتراض هندي

"الصفحة الجديدة" التي يسعى البلدان لفتحها، يأتي حسب متتبعين، عقب تفاعلات قضية عدم انضمام الجزائر إلى منظمة "بريكس"، حيث هاجمت وسائل إعلام جزائرية حكومية وغير حكومية، الهند، على خلفية ما قيل عن اعتراضها على انضمام الجزائر إلى هذه المنظمة. 

وظهر ذلك في تصريحات تبون، الذي ألمح دون ذكر الهند بالاسم، قائلا إن "من حاول منع دخول الجزائر إلى بريكس عليه أن يعرف أنه لم ولن يؤثر في الجزائر.. والمستقبل كشاف". 

كما اتهمت صحيفة "المجاهد" الحكومية بشكل أوضح دولة عضو في "بريكس" بأنها عرقلت انضمام الجزائر إلى المنظمة، مشيرة إلى أن هذه الدولة تصرفت بناء على "أوامر من إمارة خليجية صغيرة"، في إشارة للإمارات التي تتعرض باستمرار لهجوم حاد من إعلاميين وسياسيين جزائريين.

لكن يبدو من خلال تزايد وتيرة الزيارات الرسمية والاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية، أن البلدين يحاولان تجاوز خلاف "بريكس" وإعادة استئناف المستوى العالي من العلاقات الجزائرية الهندية كما كانت عليه في حقبة السبعينيات والثمانينيات، قبل أن تتراجع نسبيا في العقود الأخيرة.

ولم تتبادل الهند والجزائر الزيارات على مستوى الرؤساء منذ آخر زيارة قام بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى نيودلهي، في يناير/كانون الثاني 2001، ضيفا رئيسا في احتفال يوم الجمهورية.

 كما كانت آخر زيارة لمسؤول جزائري رفيع إلى الهند في يناير 2019، حيث زارها وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، بينما كانت آخر زيارة رفيعة المستوى لمسؤول هندي في أكتوبر/تشرين الأول 2019، عندما زار نائب الرئيس الهندي شهري حميد أنصاري الجزائر.

وتعود جذور العلاقات ما بين البلدين لما قبل استقلال الجزائر عام 1962، إذ أكدت حينها على حق الجزائر في الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، وهو ما تعزز بعد استقلالها في مساندة البلدان بعضهما البعض في المنظمات الدولية، لا سيما ضمن إطار منظمة عدم الانحياز والأمم المتحدة.

الانحياز الانتقائي

وعن خلفيات تزايد وتيرة اللقاءات والزيارات الرسمية بين البلدين، وصف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، زهير بوعمامة، التوقيت السياسي لإعادة تفعيل وبعث الفعالية والحركية في العلاقات بين الجزائر والهند، بأنه “جد مناسب، خاصة في الظروف الدولية الحالية”.

وأضاف بوعمامة، لقناة "الجزائر الدولية" الرسمية، أن "إعادة تعزيز العلاقات مناسب للبلدين على تقدير أنهما يدركان أهمية كل طرف للآخر".

وأبرز أن "العلاقات الثنائية بين البلدين ليست جديدة، وإنما الجديد هو قرار إعادة العلاقات بين البلدين إلى أفضل حالاتها من خلال إعادة بناء الجسور التي كانت تاريخية بينهما". 

ورأى بوعمامة، أن هناك قاعدة تاريخية متينة موجودة بين البلدين، مبينا أن تقدير الموقف الإستراتيجي لكل بلد جعله يصل إلى استنتاج ضرورة إعادة بعث العلاقات الثنائية. 

وسجل أن البلدين يتشابهان في توجهاتهما الخارجية فيما يتعلق بالتأكيد على "الاستقلالية الإستراتيجية" بمعنى الحرص على استقلالية القرار الخارجي وعلى الدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب.

وخلص بوعمامة إلى أن "الهند تشكل فرصة حقيقية للجزائر على أساس أنها قوة صاعدة تُسيل لعاب القوى الاقتصادية الكبرى التي تراهن عليها وتريد أن تستعملها في الجانب الإستراتيجي لمواجهة الصين الصاعدة بقوة أيضا".

من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية، إسماعيل حمودي، أن توجه الهند إلى الجزائر يأتي في سياق تميز بالتوتر بين البلدين، عقب فشل الجزائر في الانضمام إلى منظمة "بريكس". 

وأضاف حمودي، لـ"الاستقلال"، أن "الصحافة الجزائرية حملت الهند مسؤولية تعثر انضمامها إلى بريكس"، مردفا "بل اتهمت الهند بأنها تصرفت بناء على توجيهات ما سمته دولة خليجيه صغيرة في إشارة إلى الإمارات، وفي ذلك إساءة جزائرية للهند وللإمارات معا".

واعتبر حمودي، أن "رئيسة الهند ربما سعت إلى إرضاء الجزائر، وإعادة هيكلة العلاقات بين البلدين، بحسب ما نقلته الصحافة الجزائرية"، مستدركا: "لكن يجب أن ندرك أن رئيسة الهند ليست سلطة تنفيذية، كما أن صلاحياتها رمزية، وكل ما يمكن توقعه من زيارتها يبقى رهينا بموافقة الحكومة الهندية ورئيس وزرائها".

وخلص حمودي، إلى أن الهند تسعى إلى سياسة جديدة في علاقاتها الدولية، إذ تقدم نفسها "صوت عالم الجنوب"، وتتبنى مقاربة جديدة عمادها  "الانحياز الانتقائي" حسب المصالح.

ورأى أن هذه المقاربة تسمح لها بالتصرف تبعا لمصالحها، مبينا أنها "مقاربة تسمح لها بعدم الاصطفاف إلى جانب أي محور عالمي، غربي أو شرقي".

تنويع الشركاء

بدوره، أكد الباحث السياسي الجزائري ورئيس "الجمعية المغاربية للسلام والتعاون والتنمية"، وليد كبير، أن “توجه الجزائر نحو الهند مرده إلى محاولة النظام الجزائري تنويع شركائه خصوصا أن الهند كانت تربطها خلال العقود الماضية علاقات جيدة مع الجزائر”. 

ويرى كبير، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "النظام بالجزائر اقتنع أنه بات من الضروري إعادة التعاون مع الهند رغم أنها حليف إستراتيجي لإسرائيل".

وسجل كبير، أنه رغم أن "الحاكم الفعلي في الهند هو رئيس الوزراء وليس الرئيسة التي لها منصب شكلي نوعا ما، فإن الغاية من الزيارة الأخيرة لرئيسة الهند، هو الدفع نحو علاقات أكثر متانة". 

وخلص كبير إلى أن "النظام الجزائري ارتأى أنه بات من الضروري تنويع شركائه، ولهذا التفت إلى الهند التي اتهمها ضمنيا عبر صحيفة المجاهد بأنها كانت وراء عرقلة انضمامه إلى منظمة البريكس". 

أما رئيس مركز الدراسات الإسلامية بنيودلهي، ذكر الرحمن، فرأى أن تزايد وتيرة الزيارات الثنائية بين البلدين "يفتح فصلا جديدا في علاقاتهما يتميز بالتركيز على تنمية الملفات الاقتصادية".

وأضاف الباحث الهندي في مقال رأي تحت عنوان "زيارة تعزّز العلاقات الهندية الجزائرية"، أن أحد المحاور الرئيسة في المحادثات بين الهند والجزائر ركزت على سبل تنمية التجارة والاستثمار بين البلدين. 

وسجل أن "الهند لم تكن من بين أول الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الجزائر فحسب، بل كانت أيضا في مقدمة الدول التي دعمت تحررها عبر فتح مكتب تمثيلي لحكومة الجمهورية الجزائرية المؤقتة في نيودلهي عام 1959".

كما دعمت الهند، وفق رئيس مركز الدراسات الإسلامية بنيودلهي، حركة التحرير الجزائرية منذ نشأتها، مشيرا إلى أنه "كان لجبهة التحرير الوطني الجزائرية، مكتب في الهند منذ أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات. 

وخلص إلى أنه رغم أن هناك العديد من الشركات الهندية التي تعمل في الجزائر، في القطاعين العام والخاص، فإن "مما لا شك فيه أن العلاقات التجارية والاقتصادية ظلت دون مستوى إمكانياتها الحقيقية، وأن هناك الكثير مما ينبغي فعله بين البلدين".