سياسات ترامب تجاه المؤيدين لفلسطين تثير غضب يهود أميركا.. لماذا؟

منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

تثير سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن مكافحة ما يسمى "معاداة السامية"، قلق اليهود الأميركيين أكثر من غيرهم؛ حيث تتصاعد الحملة لتنال المؤسسات التعليمية والأفراد المؤيدين لفلسطين.

فقد أفاد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) بأن الحملة أثارت أيضا جدلا داخل المجتمع اليهودي، متسائلا: كيف ينبغي لإسرائيل أن ترد؟

وشارك في كتابة التقرير الباحثان في المعهد التابع لجامعة لتل أبيب، ثيودور ساسون، وأفيشاي بن ساسون جورديس.

وقال المعهد: "جعلت إدارة ترامب من مكافحة معاداة السامية محورا أساسيا في سياستها الداخلية، مع تركيز خاص على أوضاع الطلاب اليهود والإسرائيليين في مؤسسات التعليم العالي".

وشملت الإجراءات محاولات لترحيل ناشطين مؤيدين لفلسطين، وفرض إصلاحات على الجامعات "المعادية للطلاب اليهود والإسرائيليين"، وفق تصنيف ترامب.

كما تضمنت تقليصا واسعا في تمويل الأبحاث، خاصة في جامعات مرموقة مثل كولومبيا وهارفارد، وحظرا على تأشيرات الطلاب الدوليين في الجامعة الأخيرة، وتهديدا بفرض ضرائب على صناديق دعم الجامعات.

وعلى نطاق أوسع، أعلنت الإدارة عن خطط لفحص حسابات وسائل التواصل الاجتماعي لجميع المتقدمين لتأشيرات الدراسة، إضافة إلى حظر سفر الزوار من 12 دولة تعدها مصدر تهديد أمني.

وتأتي حملة إدارة ترامب القمعية في ظل تصاعد "معاداة السامية" بعد حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي تهمة جاهزة تطلقها الولايات المتحدة وإسرائيل على كل من ينتقد السياسات الاحتلالية والعدوانية للأخيرة.

ووفقا لـ "رابطة مكافحة التشهير" -التي تُحصي الحوادث المعادية للسامية- فإنه في عام 2024، كان هناك 6552 حالة مضايقة، و2606 حادثة تخريب، و196 اعتداء.

وذلك بزيادة إجمالية قدرها 344 بالمئة مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، و893 بالمئة مقارنة بالسنوات العشر السابقة.

ولأول مرة في عام 2024، كانت معظم الحوادث "المعادية للسامية" (58 بالمئة) مرتبطة بإسرائيل أو الصهيونية. 

وعلى المستوى الميداني، يعبّر يهود أميركيون وإسرائيليون مقيمون في الولايات المتحدة عن شعور متزايد بعدم الأمان.

رفض يهودي

وتابع المعهد: "ولعلّه من المدهش، بالنظر إلى نطاق المشكلة، أن أعربت المنظمات اليهودية الأميركية الرائدة في مكافحة معاداة السامية عن مواقف متباينة تجاه سياسة ترامب".

فقد وصف رئيس رابطة مكافحة التشهير جوناثان غرينبلات، إجراءات الحكومة للضغط على الجامعات بأنها "جريئة ومهمة".

 لكنه في الوقت نفسه انتقد ما عده تجاهلا لإجراءات التقاضي السليمة في عمليات ترحيل عدد من الناشطين المؤيدين للفلسطينيين من غير المواطنين الأميركيين.

وحاول تيد دويتش، رئيس اللجنة اليهودية الأميركية، وهي من أبرز منظمات الحقوق المدنية، أن يسلك نهجا وسطا بين الدعم والمعارضة. وفي منتدى اللجنة العالمي الذي عُقد في أبريل/نيسان 2025، شرح توجه المنظمة.

وقال: "نؤيد استخدام الرئيس لجميع الأدوات القانونية لضمان أن تتخذ الجامعات، التي لم تحمِ الطلاب اليهود بعد أحداث 7 أكتوبر، الإجراءات اللازمة لحمايتهم الآن".

واستدرك: "في الوقت نفسه، عندما تخفض الحكومة تمويل الجامعات من جانب واحد بطريقة تُعرّض الأبحاث الضرورية للخطر، أو تسعى لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بمكافحة معاداة السامية، فإنها تُعرّض المجتمع اليهودي-الأميركي لرد فعل عكسي"، مؤكدا: "سنواصل رفضنا لذلك".

علاوة على ذلك، أظهرت منظمات يهودية تنتمي إلى الطيف الليبرالي انتقادات أكثر حدة.

 ففي بيان مشترك صدر في مايو/أيار، قال كل من "مجلس العلاقات العامة اليهودية"، والحركات الإصلاحية والمحافظة، وعدد من الجماعات الليبرالية الأخرى، إن خفض إدارة ترامب لتمويل الأبحاث الجامعية، وانتهاكها للحقوق المدنية، يجعل اليهود أقل أمانا.

وجاء في البيان: "نرفض أي سياسات أو إجراءات تُذكي معاداة السامية أو تستغلها للإضرار بالمعايير والحقوق الديمقراطية، بما في ذلك سيادة القانون، والحق في الإجراءات القانونية الواجبة، و/أو حريات التعبير والصحافة والاحتجاج السلمي".

وتابع: "من الممكن والضروري في آنٍ واحد مكافحة معاداة السامية، في الحرم الجامعي، وفي مجتمعاتنا، وفي أنحاء البلاد، من دون التخلي عن القيم الديمقراطية التي مكّنت اليهود، وغيرهم من الأقليات الضعيفة، من الازدهار".

وتُردد العديد من التصريحات العلنية هذا الرأي القائل بأن إجراءات الإدارة تُهدد القيم الديمقراطية والمؤسسات الليبرالية وسيادة القانون.

ويشمل ذلك بيانا صدر في أبريل/نيسان عن مجموعة بارزة من القيادات اليهودية ورؤساء سابقين لمنظمات يهودية كبرى. ومع ذلك، فإن رؤساء المنظمات الحاليين -مثل غرينبلات- كانوا أكثر تحفظا في انتقاداتهم.

ويبدو أن الجمهور اليهودي في الولايات المتحدة منقسم أيضا بشأن إستراتيجية إدارة ترامب لمكافحة "معاداة السامية"، وفق المعهد.

ففي استطلاع وطني أجري في مايو أعرب 62 بالمئة من المستطلعين عن "قلق شديد" من معاداة السامية. 

وعلى الرغم من أن هذه النسبة تبقى مرتفعة مقارنة بالماضي، فإنها تعكس انخفاضا عن نسبة 79 بالمئة التي عبرت عن نفس مستوى القلق في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

في نفس الاستطلاع، رجح معظم المستجيبين اليهود أن تزيد سياسات إدارة ترامب من معاداة السامية بدلا من أن تحد منها.

على سبيل المثال، رأى 61 بالمئة أن "اعتقال وترحيل الناشطين المؤيدين للفلسطينيين والمقيمين بشكل قانوني" سيزيد معاداة السامية، مقابل 20 بالمئة يعتقدون أنها قد تقللها.

وبالمثل، يعتقد 49 بالمئة أن "حجب التمويل عن الجامعات" سيزيد معاداة السامية، بينما ظن 25 بالمئة أنه سيقللها.

وفي استطلاع وطني آخر أجري في نفس الفترة، عارض 56 بالمئة سياسات الإدارة لمكافحة معاداة السامية، مقارنة بـ 31 بالمئة أبدوا دعمهم لها.

ميول حزبية

وقال معهد دراسات الأمن القومي: "إلى حد ما، تعكس مواقفهم ميولهم الحزبية، حيث إن معظم اليهود الأميركيين يعرّفون أنفسهم كديمقراطيين، وصوّتوا لكامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية 2024. ومع ذلك، هناك ثلاثة أسباب إضافية لتحفّظهم".

الأول، أنهم يؤمنون أن إدارة ترامب تسعى لإضعاف النظام القانوني والمؤسسي والثقافي الليبرالي الذي أسهم اليهود الأميركيون في بنائه، ومكّنهم من الازدهار في المجتمع.

ويشمل هذا النظام حماية الحقوق المدنية والأقليات، وفصل الدين عن الدولة، واقتصادا يعتمد على الجدارة ويثمن المعرفة والخبرة المهنية.

وأكد المعهد أن "العديد من رؤساء الجامعات، الذين كانوا الأكثر معارضة لإجراءات إدارة ترامب، هم أنفسهم يهود".

وتابع: "كثير من اليهود الأميركيين يرون حملة ترامب ضد معاداة السامية ذريعة لهجوم شعبوي على المؤسسات والقيم الليبرالية".

 لذلك، يرون أن سياسة الإدارة في مكافحة معاداة السامية تهدد مكانتهم كأقلية صغيرة ضمن مجتمع يغلب عليه البيض والمسيحيون.

ثانيا، يقلق اليهود الأميركيون من معاداة السامية القادمة من اليمين وكذلك من اليسار، ويرى بعضهم أن الرئيس، خاصة عددا من مؤيديه، يمثلون أذرعا لهذا النوع من العداء.

وعلى الرغم من أن لترامب ابنة وأحفادا يهود، فقد  بدا كثيرا ما يوافق على "معاداة السامية"، وفق وصف المعهد.

ومن ذلك وصفه لمتظاهري النازيين الجدد في مدينة "شارلوتسفيل" بأنهم "أناس طيبون جدا"، واستضافته لمُحرِّفٍ بارزٍ للهولوكوست في "منتجع مار-أ-لاغو" خلال الحملة الانتخابية.

ووصف ترامب اليهود الذين يواصلون دعم الديمقراطيين بأنهم غير أوفياء لإسرائيل، كما وصف السيناتور تشاك شومر - زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ وأعلى مسؤول يهودي منتخب، والذي أتم أخيرا كتابا عن معاداة السامية- بأنه "لم يعد يهوديا… بل فلسطينيا".

ثالثا، يخشى العديد من اليهود الأميركيين ردود فعل عكسية. وقد تتجلى هذه في زيادة معاداة السامية، مثل تحميل اليهود مسؤولية تدمير الجامعات، وقمع حرية التعبير، والاعتداءات على التيارات الليبرالية.

وقد تظهر أيضا في تسييس معاداة السامية، وتحويلها إلى قضية "جمهورية"، بحيث يمكن لإدارة رئاسية ديمقراطية مستقبلية أن تلغي ببساطة سياسات إدارة ترامب، وفق المعهد.

وأردف: "هذا سيكون سهلا جدا، لأن معظم تدخلات ترامب نُفذت بقرارات تنفيذية وليس بقوانين مكتوبة، مما يجعلها عرضة للإلغاء من قِبل رؤساء قادمِين، كما كانت بعض سياسات سابقة جو بايدن تجاه الرئيس الحالي".

وقال المعهد: "نظرا لقلقهم من ردود الفعل العنيفة والقيم الليبرالية والتحزب السياسي، يجد العديد من اليهود أنفسهم معارضين للعديد من الإجراءات التي تهدف ظاهريا إلى مكافحة معاداة السامية".

ولهذا أوصى بأنه "ينبغي على المسؤولين الإسرائيليين في وزارة الخارجية، ووزارة شؤون الشتات، ومكتب رئيس الوزراء، مراعاة مواقف المنظمات اليهودية الرسمية، والطوائف الدينية الرئيسة، وأفراد المجتمع اليهودي العادي، عند صياغة ردودهم على سياسات إدارة ترامب بشأن معاداة السامية".

وختم بأنه "مع تزايد تسييس المعركة حول معاداة السامية في الجامعات وانخراطها في المواجهة الأوسع حول مسار الجمهورية الأميركية، فمن الأفضل، أن تمتنع إسرائيل قدر الإمكان عن الظهور بمظهر الداعم أو المشجع لحملات القمع في الجامعات التي تتم، جزئيا على الأقل، باسمها".