العراق يوقف تصدير النفط إلى الأردن.. إجراء شكلي أم ضغط مليشياوي؟

يوسف العلي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

يواجه الأردن تحديا نفطيا بعد إيقاف العراق تدفقاته النفطية، الأمر الذي دفع عمان إلى مطالبة بغداد بالإسراع في استئناف ضخ الكميات التي تصل من 10 إلى 15 ألف برميل يوميا، وتشكل ما نسبته 7 بالمئة من احتياجات المملكة من الخام العراقي.

ويستورد الأردن النفط من العراق بأسعار تفضيلية، أقل من السعر العالمي بـ16 دولارا للبرميل الواحد، لكن هذا الفارق يذهب منه نحو 10 دولارات لتغطية مصاريف أخرى، منها رسوم المعاينة والنقل وغيرها، حسبما ذكر وزير الطاقة الأردني صالح الخرابشة عام 2022.

توقف النفط عن المملكة جاء بالتزامن مع ارتفاع أصوات عراقية في 25 أبريل/ نيسان 2024 تدعو إلى وقف تزويد الأردن بالنفط بـ"أسعار تفضيلية"، على أساس أن ذلك يمثل "هدرا لموارد البلاد"، وذلك بعد بيان أردني كويتي مشترك بشأن تنظيم الملاحة والحدود بين العراق والكويت.

ضغط مليشياوي

في 12 مايو/ أيار 2024، كشف خبير الطاقة الأردني عامر الشوبكي، أن توريد النفط العراقي إلى الأردن متوقف منذ 22 أبريل ولغاية اليوم، مؤكدا “وقوع أضرار وفوات منفعة على الجانبين العراقي والأردني جرّاء هذا التوقف”.

وأوضح الشوبكي عبر تدوينة على منصة "إكس" أن “هذا الاتفاق النفطي بين العراق والأردن، وأي اتفاق اقتصادي يربط بين الجانبين، كان يجابه بمعارضة من فصائل سياسية داخل العراق (لم يسمها) تنفذ أجندات خارجية، وأن الأخيرة تنشط حسب شدة المخاطر الجيوسياسية في الإقليم”.

ولفت إلى أنه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، استطاعت هذه الفصائل إيقاف النفط عن الأردن لمدة أسبوع، وعاودت أخيرا جمع تواقيع في البرلمان العراقي للتصويت على قرار بوقف تصدير النفط للأردن.

وأردف “هذه الفصائل تحاول إظهار أن الجانب العراقي خاسر، وأن المصلحة هي فقط للأردن ببيعه النفط بسعر تفضيلي، مع إغفال كلفة نقل وتخزين وتحميل وتصدير نفط كركوك من شمال العراق إلى ميناء البصرة النفطي في أقصى الجنوب، بينما يجري تصدير النفط إلى مصفاة البترول الأردنية بشكل مباشر، عدا تشغيل نصف أسطول النقل من الشاحنات العراقية حسب الاتفاق بين البلدين”.

وفي فبراير/ شباط 2024، جمع النائب العراقي عن الإطار التنسيقي، مصطفى سند، تواقيع نواب لإصدار قرار يوقف تصدير النفط للأردن. 

وسبق ذلك تصريحات من البرلمانية زينب الموسوي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، قالت إن "مواقف الأردن دائما عدائية تجاه العراق، خصوصا مع هيئة الحشد الشعبي".

خبير الطاقة الشوبكي دعا الحكومة العراقية إلى زيادة الكمية المصدرة للأردن والاستمرار في هذا الاتفاق بدل إيقافه، خاصة بعد فشل التوصل لاتفاق إعادة تصدير النفط عبر تركيا، وتقديرا للحاجة الاقتصادية الماسة لبلد يعتمد اقتصاده كليا على القطاع النفطي.

وتوقف تدفق النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي، بعد قرار صدر عن هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية، في 24 مارس/ آذار 2023، بالقضية التي رفعها العراق ضد تركيا منذ العام 2014، بشأن تمرير الأخيرة صادرات نفط إقليم كردستان، عبر جيهان دون موافقة بغداد.

لكن وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، أصدرت بيانا بعد ذلك في 12 مايو، أكدت فيه أن توقف استيراد النفط الخام العراقي جاء بالتزامن مع انتهاء العمل بمذكرة التفاهم بين عمّان وبغداد والموقعة بين حكومة البلدين في 4 مايو 2023.

ولفتت مدير النفط والغاز الطبيعي الأردني، إيمان عواد، إلى أن وزارة الطاقة خاطبت نظيرتها العراقية للموافقة على تمديد مذكرة التفاهم لمدة 3 أشهر إضافية وبالشروط نفسها، وذلك من تاريخ انتهاء مذكرة التفاهم بين الجانبين؛ لغايات استكمال نقل الكميات التعاقدية للمذكرة الحالية.

وأكدت عواد أن العراق أبدى موافقة مبدئية على التمديد، وأنها تنتظر الموافقات الرسمية والمرجح صدورها قريبا، حسبما نقلت إذاعة "حسنى" الأردنية في 12 مايو. 

"إجراءات شكلية"

وفي الوقت الذي لم يصدر فيه أي توضيح رسمي من الجانب العراقي يبيّن أسباب توقف صادراته النفطية إلى الأردن حتى 12 مايو، فإن خبيرا نفطيا عراقيا أكد عدم وجود قرار حكومي أو برلماني لإلغاء تجديد الاتفاقية بين بغداد وعمّان الخاصة بتصدير النفط.

وقال الخبير النفطي العراقي حمزة الجواهري، لـ"الاستقلال" إن "تأخر تدفق النفط في الوقت الحالي إلى الأردن سببه إجراءات شكلية ليس أكثر، بمعنى أنه لا يوجد قرار عراقي لإيقاف النفط عن الجانب الأردني".

ولفت الجواهري إلى أن "العراق لا يأبه كثيرا بالكميات التي يصدّرها للأردن كونها تعد قليلة نسبة إلى إنتاجه اليومي، لذلك فإن تأخر تجديد الاتفاق أمر يتعلق بالحكومة العراقية وليس وزارة النفط، وهو في طريقه إلى الحل، لأنه في كل مرة عند التجديد تتأخر من أسبوع إلى أسبوعين، لذلك ما يحصل هو شيء اعتدنا عليه".

وأشار إلى أن "العراق يصدّر النفط الخام إلى الأردن بأسعار تفضيلية، وهذا الشي متبع منذ زمن النظام العراقي السابق (بقيادة صدام حسين)، حتى إن المملكة كانت تطمح إلى أكثر من ذلك، وهو إنشاء خط أنبوب البصرة-العقبة، والذي يوصل إليه نحو 200 ألف برميل يوميا".

ونوه الجواهري إلى أن "الأردن أراد الاستفادة من أنبوب البصرة-العقبة، لتحقيق منافع أخرى عبر مرور النفط من خلاله، مع تحمّل العراق تكلفة إنشائه التي تبلغ نحو 28 مليار دولار، إضافة إلى المنافع الأخرى التي لا يستفيد منها الجانب العراقي إلا بالشيء القليل".

وتابع: "رغم أنه كانت هناك موافقة مبدئية من الحكومة العراقية السابقة (ترأسها مصطفى الكاظمي) وغيرها من الحكومات، لكن الضغط الشعبي العراقي حال دون المضي بإنشاء الأنبوب، لأن العراق أحق بهذه المبالغ كونه لا يزال مدمرا وبحاجة إلى مئات المليارات من الدولارات لإعادة إعماره".

وأكد الخبير أن "توقف تصدير النفط للأردن يسبب خسارة مالية للعراق، لأنه من حصة الإنتاج التي يصدرها البلد من ضمن كميته المخصصة له من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، لذلك هذا الشي ء لا يمكن تعويضه، لأن العراق ملتزم مع الأخيرة بكمية إنتاج يصدّرها".

لكن الجواهري، أكد أن "الخسارة المالية للعراق لا تُعد كبيرة جدا، وإنما تمثل رقما متواضعا، ذلك لأن النفط المصدّر إلى الأردن هو بأسعار تفضيلية يختلف عمّا يجري تصديرها إلى باقي بلدان العالم".

وينتج العراق أكثر من 4.5 ملايين برميل من النفط يوميا وتمثل واردات القطاع أكثر من 94 بالمئة من الناتج المحلي للبلاد، في الوقت الذي يُعد فيه ثاني أكبر دولة في حرق الغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا، وبخسائر تقدرها الحكومة بنحو 6 مليارات دولار سنويا.

ويتطلع الجانب العراقي إلى زيادة احتياطاته النفطية إلى 160 مليار برميل، مع حسم انطلاق التراخيص الخامسة والسادسة لاستثمار واكتشاف آباره النفطية والغازية، وسط تفاؤل بحسم موضوع استيراد الغاز عبر إنتاجه محليا في السنوات الخمس المقبلة.

تاريخ الاتفاقات

وعن التعامل النفطي العراقي الأردني، أوضح المستشار الاقتصادي والمالي للحكومة العراقية، مظهر صالح، أن "الأردن يستورد النفط العراقي منذ عشرات السنوات، ويعود تنظيم اتفاقيات في هذا الشأن إلى ما قبل عام 2003".

ونقل موقع قناة "الحرة" الأميركي في 25 أبريل 2024، عن صالح قوله إنه منذ عام 1980 وحتى 1990، كان الأردن يحصل على حصص "بآلاف البراميل من النفط شهريا، والتي كانت تنقل برا، ضمن مساعدات من بغداد لعمّان، إذ كان العراق حينها ودول الفائض النفطي العربي يقدمون المساعدات النفطية للدول غير المنتجة".

وأشار صالح إلى أنه "خلال الأعوام بين 1990 و2003، كان العراق يخضع لحصار اقتصادي فُرض من جانب مجلس الأمن الدولي (بسبب غزو الكويت)، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة"، موضحا أن الأردن كان البلد الوحيد الذي سُمح له بعقد اتفاقية "البروتوكول العراقي الأردني".

واستطرد قائلا: "سُمح بتبادل كميات من النفط الخام تنقله الشاحنات الأردنية بأسعار تتضمن خصما 15 بالمئة عن الأسعار العالمية، إضافة إلى نحو 30 ألف برميل يوميا ترسل مجانا للأردن"، وكان سقف البروتوكول لمقايضة النفط بالمنتجات الأردنية بحدود 450 مليون دولار سنويا.

وبعد عام 2003، أي بعد تغيير النظام السياسي في العراق، يقول صالح، ظلت "مصفاة التكرير الأردنية تعتمد على تكرير الخام العراقي بنوعية محددة، وكان ينقل من العراق للأردن عن طريق الشاحنات وبخصم على الأسعار بنحو 15 بالمئة، والتي كان يبلغ متوسطها 250 ألف برميل شهريا".

وخلال 2006، وقّع الجانبان مذكرة تفاهم تقضي بتزويد 10 آلاف برميل نفط يوميا للأردن، بخصم يبلغ 18 دولارا عن السعر العالمي. 

وفي عام 2008، جرى تعديل مذكرة التفاهم لتصبح نسبة الخصم 22 دولارا للبرميل.

وخلال الأعوام 2015 وحتى 2019، توقفت شحنات النفط العراقي الخام برا عبر الصهاريج، بعد سيطرة “تنظيم الدولة” على مناطق غربي العراق عام 2014 حتى 2017.

وفي فبراير/ شباط 2019، وقّع الأردن مذكرة تفاهم تستورد بموجبها المملكة النفط العراقي الخام، من حقول كركوك، بواقع 10 آلاف برميل يوميا، شكّلت 7 بالمئة من الاحتياجات الكلية للمملكة حينها.

وأواخر 2019، عادت شحنات النفط العراقي للوصول إلى الأردن، بموجب مذكرة التفاهم التي تسمح للمملكة بشراء النفط الخام من حقول كركوك بأسعار تعادل خام برنت، على أن يحسم منها كلفة النقل وفرق المواصفات التي تتراوح في 16 دولارا للبرميل الواحد أقل من السعر العالمي.

وفي مارس 2023، وافق مجلس الوزراء العراقي، برئاسة محمد شياع السوداني، على تجديد العمل بمذكر التفاهم التي تزود الأردن بالنفط الخام بالأسعار التفضيلية، والتي انتهت صلاحيتها في 4 مايو 2024.