كيف يوظف حزب الله مقتل العشرات من عناصره للحفاظ على شعبيته داخل لبنان؟

15532 | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

يوظف حزب الله المدعوم من إيران، عمليات قتل عناصره جراء القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان، في الحفاظ على شعبيته داخل حاضنته خشية حدوث حالة سخط ضده في هذا التوقيت.

ومنذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023 دخل حزب الله في مناوشات محدودة، يتبادل فيها إطلاق النار مع إسرائيل، لكنها لا ترقى إلى فتح جبهة حقيقية.

وقد كانت الضربات الإسرائيلية على مواقعه وتحركات عناصره جنوب لبنان مركزة وذات إصابات دقيقة، خسر الحزب فيها خلال نصف عام كتلة بشرية غير متوقعة، وفق مراقبين.

قتلى الحزب 

إذ بلغت حصيلة قتلى حزب الله جراء الاشتباكات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، 267 عنصرا منذ 8 أكتوبر 2023، وفق رصد وكالة الأناضول حتى 5 أبريل/نيسان 2024.

في المقابل، قتل في الجانب الإسرائيلي 10 عسكريين وثمانية مستوطنين، جراء استهدافات من حزب الله على ما تقول وسائل إعلام عبرية.

اللافت أن إسرائيل تمكنت خلال هذه المناوشات المستمرة، من اغتيال شخصيات مسؤولة في حزب الله، عبر استهداف سياراتهم في لبنان أو خلال وجودهم مع ضباط في الحرس الثوري الإيراني خلال اجتماعات سرية في سوريا.

وبعض قيادات حزب الله جرى التعرف عليهم وعلى دورهم داخل منظومة الحزب العسكرية والأمنية في لبنان.

بينما ساد التكتم من قبل الحزب على اغتيال البعض الآخر، ممن تعرضت سياراتهم الشخصية لقصف مباشر من الطيران الإسرائيلي.

لكن الحدث الأبرز، تمثل بمقتل "وسام طويل"، وهو عضو مجلس الشورى في حزب الله اللبناني والقيادي البارز في وحدة الرضوان (النخبة).

وقتل طويل في ضربة إسرائيلية استهدفت سيارته في بلدة خربة سلم على بعد حوالي 11 كيلومترا من الحدود مع فلسطين المحتلة في 8 يناير/كانون الثاني 2024.

ووقتها نعى حزب الله "طويل" وقال إنه "ارتقى شهيدا على طريق القدس"، وهي جملة يستخدمها في جميع بيانات النعي لعناصره الذين سقطوا منذ الثامن من أكتوبر 2023.

وهذه الجملة ليست بجديدة على الاستخدام داخل أروقة حزب الله الإعلامية لجمهوره في لبنان، بل سبق أن استخدمها عقب عام 2011 حينما تدخل في سوريا وزج بعناصره للقتال إلى جانب قوات بشار الأسد لإخماد الثورة هناك. 

و"طويل" هو القيادي العسكري الأعلى رتبة في "حزب الله" الذي تغتاله إسرائيل منذ بدء التصعيد عند الحدود اللبنانية الجنوبية والذي بقي مضبوطا عسكريا ولم يخرج عن صيغة القصف المتبادل أو قواعد الاشتباك المعمول بها منذ نحو 16 عاما هناك.

ولهذا، ركز إعلام حزب الله على نشر مجموعة صور حصرية يظهر فيها طويل في مناسبات عدة، بعضها مع القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي اغتيل قرب مطار بغداد عام 2020 وكذلك مع القائد العسكري البارز بالحزب عماد مغنية الذي اغتيل بدمشق عام 2008.

وخلال مراسم تشييع طويل الملقب بـ "حاج جواد"، قال عضو المجلس المركزي في حزب الله نبيل قاووق: "تعب السلاح وما تعبت أنت يا حاج جواد، لطالما قلت إنك مشتاق لرفاق الدرب الشهداء واليوم تلتقي بالأحبة قاسم سليماني والحاج عماد والسيد ذوالفقار (مصطفى بدر الدين)".

مراسم التشييع حضرها الآلاف من أنصار حزب الله ووصفها إعلامه بـ “المهيبة”. وفيها عمد مسؤولو الحزب إلى التذكير بأن "طويل" لحق بقادة الحزب، في رسالة واضحة لكسب التعاطف الشعبي.

فعماد مغنية كان يحظى بشعبية كبيرة في لبنان وسط الطائفة الشيعية، إضافة إلى القيادي مصطفى بدر الدين القيادي الذي يعد من الأسماء المؤسسة للحزب والذي أسس حزب الله بالعراق كذلك، قبل أن يلقي مصرعه بانفجار في دمشق عام 2016.

وأيضا في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تمكنت إسرائيل من اغتيال 5 قادة من وحدة الرضوان التي تنتشر عند الحدود وتعد القوة الأبرز في إدارة الملف العسكري هناك.

كما قتل 4 عناصر من حزب الله في 3 يناير 2024 بعد غارة إسرائيلية على منزل في الناقورة جنوب لبنان، كان بينهم حسين يزبك مسؤول حزب الله في منطقة الناقورة.

مواكب التشييع

ويمتلك حزب الله الذي ينتمي لما يسمى "محور المقاومة" بقيادة طهران مئة ألف مقاتل في الوقت الراهن، حيث تراكم إلى هذا العدد منذ تأسيسه على يد الحرس الثوري الإيراني في ثمانينيات القرن العشرين.

وأظهرت حوادث سقوط قتلى من حزب الله وهم بمواقعهم دون أي التحام مباشر مع القوات الإسرائيلية جنوب لبنان حالة مبالغة من الحزب في تشييع هؤلاء من قراهم وبلداتهم.

إذ حرص الحزب على الزج بمسؤوليه من الصف الأول لحضور عمليات تشييع جنوده، وإلقاء كلمات تدعم سياسته ورؤيته العسكرية التي يخالفه فيها باقي الأحزاب السياسية في البلاد.

وترى غالبية القوى في لبنان أن حزب الله يتحكم بقرار السلم والحرب بقوة السلاح الإيراني الذي يمتلكه، وهو يخوض حربا بالوكالة كونها لا تتعدى تبادلا لإطلاق النار ولم تسهم في استعادة شبر واحد من أراضي لبنان المحتلة من قبل إسرائيل.

إذ كشف وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن عن حجم الأضرار الهائلة التي لحقت بالقطاع الزراعي والبيئة الحرجية، ليصل حجم الخسائر في أرقام أولية إلى حوالي 3 مليارات دولار أميركي.

كما نزح نحو 85 ألف لبناني من 46 بلدة وقرية جنوبية منذ الثامن من أكتوبر 2023 بعد تعرضها لقصف إسرائيلي، وغالبية تلك القرى من الموالين لحزب الله.

وتشير التقارير الصحفية إلى أن 520 منزلا دمرت كليا في جنوب لبنان إضافة إلى تضرر 3300 أخرى بشكل جزئي.

وأمام ذلك، استغل حزب الله سقوط قتلى من عناصره ينحدرون من خمس محافظات من بين محافظات لبنان التسع، وأعطى أهمية عالية لمراسم تشييع جنائزهم.

إذ كان جليا حرصه على إقامة الجنائز ومراسيم الدفن في قرى أجدادهم وليس في جنوب بيروت حيث يخدمون في صفوف الحزب.

وهذا ما كان ملاحظا من حملات حزب الله الإعلامية المتعلقة بالقتلى من عناصره، حيث تميّز التصريحات الرسمية بين مكان ولادة العنصر القتيل ومحل إقامته.

كما أن تشييع المقاتل في مسقط رأسه، يجنب حزب الله السخط من أهالي القرى، وفق المراقبين.

ولهذا استفاد حزب الله من طقوس تشييع الجنائز ذات التفاصيل الكثيرة لدى الشيعة، لإبراز نوع من الاهتمام العالي في ذلك، لا سيما أن حزب الله أصبح لديه خبرة في عمليات التشييع وإدارتها؛ نظرا لتاريخه الطويل في تجميد قتلاه واللعب على "وتر المظلومية" من أجل إبقاء القاعدة الشعبية ملتفة حوله.

وكثيرا ما استغلت الطبقة السياسية التابعة لحزب الله أسماء قتلى الحزب في السابق كحامل أساسي لحملات الدعاية خلال الاستحقاقات الانتخابية في لبنان.

فمن خلال رصد مقاطع الفيديو المنشورة عن عمليات تشييع حزب الله التي يركز عليها الإعلام التابع له أو الذي يدور في فلكه، فإنه يتخللها تشييع جنازة أي عنصر من حزب الله بمراسم ثابتة من حمل جموع المشيعيين للنعش والطواف به في أزقة البلدات محمولا على الأكتاف.

وكذلك رش الأرز على الجنائز وحضور فرقة الكشافة وعزف الموسيقى، وبث الأناشيد الشيعية الحماسية.

كما يركز حزب الله على نشر صور القتلى بشكل مكثف في الشوارع والطرقات، والتي لا تخلو من صور المرشد الإيراني علي خامنئي وقاسم سليماني والمرشد الإيراني السابق الخميني.

وتجري كذلك وحدة عسكرية قسما عسكريا أمام الجنائز وتتوعد "بالسير على دربهم والانتقام لهم".

ويحضر نواب من البرلمان من كتلة "الوفاء للمقاومة"، مراسم التشييع وأحيانا يكون على رأسهم زعيمها محمد رعد.

كما لا تغيب قيادات حزب الله الدينية عن مراسم التشييع، من أمثال رئيس المجلس التنفيذي فيه، الشيخ هاشم صفي الدين، ونائبه الشيخ علي دعموش، ورئيس الهيئة الشرعية في الحزب الشيخ محمد يزبك.

كما ينفذ حزب الله نشاطات مكثفة في البلدات والمدن الموالية له "تخليدا لذكرى" قتلاه، لترسيخ فكرة الاهتمام بهم.

كذلك كثف حزب الله الندوات الفكرية داخل المراكز التابعة له والتي تلقي فيها شخصيات دينية من أعلى هرم الهيئة الشرعية في الحزب كلمات تركز حول دوره في مواجهة إسرائيل.

عملية استقطاب

وتلعب "جمعية مؤسسة الشهيد" التابعة لحزب الله والتي تأسست عام 1988 على غرار "مؤسسة الشهيد" في إيران، الدور الأكبر في دعم أسر القتلى منذ عقود.

فهي تُنفق عشرات الملايين من الدولارات سنويا على عائلات قتلى حزب الله، في محاولة لامتصاص أي نقمة "كامنة" لدى تلك العائلات التي فقدت أبناءها في حروب على أراض غير لبنانية مثل سوريا وغيرها، لا سيما أنها تمتلك مؤسسات إنتاجية عديدة، منها سلسلة محطات بنزين "الأمانة" الموزعة في المناطق اللبنانية كافة. وتملك مدارس ومؤسسات صحية واجتماعية، ومنها مستشفى الرسول الأعظم ومركز القلب.

وتُخصص إيران ميزانية خاصة (غير ميزانية حزب الله) لمؤسسة الشهيد، وترتفع أرقامها كلما تضاعف عدد قتلى الحزب.

وبحسب تقرير صحفي نشره موقع قناة العربية السعودية في سبتمبر/أيلول 2019 فإن كل عائلة تتلقى راتبا شهريا ثابتا يبدأ بـ 400 دولار أميركي، ويرتفع بحسب عدد أولاد العنصر القتيل في حزب الله (مئة دولار عن كل ولد). 

ويُضاف مبلغ 5 دولارات إلى الراتب الثابت إذا كانت العائلة أخذت قرضا من البنك.

وأكثر من ذلك، تتولى تلك المؤسسة تعليم أبناء قتلى حزب الله وبناتهم في مدارس خاصة، تابعة للحزب، ولنهجه القائم على عقيدة ولاية الفقيه.

وفي هذا السياق يرى الكاتب المهتم بالشأن الإيراني عمار جلو، أنه "إلى الآن لا توجد نقمة ظاهرة من قبل الحاضنة الشعبية لحزب الله".

وأضاف جلو قائلا لـ "الاستقلال" إن "مراسم تشييع قتلى حزب الله، تعد بحسب فكر الحزب، واجبا دينيا وأخلاقيا وسياسيا، وتعبويا، وهو الأكثر أهمية".

ومضى يقول: “هناك رسائل دينية وسياسية يمررها حزب الله خلال المراسم، عبر كلمات قد توجه لأطراف معينة من قبل مسؤولي الحزب”.

وهذا "إضافة لما تعطيه من شعور للحاضنة باهتمام الحزب بأعضائه أحياء وأموات، عبر رواتب ومساعدات تقدم لعوائلهم، أو مسميات لأسلحة أو أحياء ومدارس وسواهما، بأسماء بعض هؤلاء القتلى".

ونوه جلو إلى أنه "خلال هذه المراسم، وعبر الكلمات أو الشعارات التي يتم إلقاؤها أو المناداة بها، يتم تحشيد وتعبئة الآخرين، وهو أمر لا يجب النظر إليه باستهانة، لا سيما في بعض الحفلات الدينية التي يدعى لها الرادود الذي يردد الأغاني والأشعار الحماسية التاريخية المرتبطة بالشيعة".

وتابع قائلا: "خلال هذه المراسم أو الحفلات يتم استقطاب العديد من الجماهير لصفوف الحزب، وهناك لا بد من الإشارة لتصريحات أو تسريبات تقدر عدد المنضوين للحزب عند رقم معين، تذكر بجانبه عدد يقابله، كاحتياطي، لا يستطيع تسليحه أو الصرف عليه خلال الأوقات العادية".

واستدرك جلو قائلا: “فحزب الله ينظر لمسألة الحاضنة الشعبية كأخطر ساحة لمواجهته، حتى في أوقات الهدوء”.

وختم بالقول: "لذا يعد دخول منظمات أممية لتقديم مساعدتها في مناطق حاضنته، أو لإقامة مشاريع تنموية فيها، أمرا لا يمكن قبوله، في الوقت الذي قد يقبل فيه مواضيع سياسية كمسألة ترسيم الحدود مع إسرائيل".