حزب الله يصعّد باستهداف منزل نتنياهو.. إلى أين تتجه المعركة؟

خالد كريزم | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

دخل حزب الله اللبناني مرحلة جديدة في مواجهة إسرائيل، عبر إدخال أسلحة إلى الخدمة لأول مرة وتصعيد قصف الأراضي المحتلة ومحاولة استهداف المستوى السياسي في تل أبيب.

وجاءت محاولة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صباح 19 أكتوبر/تشرين الأول 2024 بعد ساعات من بيان لحزب الله يتحدث عن مرحلة تصاعدية من القتال لينذر ببدء مرحلة مختلفة من المواجهة.

نتنياهو مستهدف

وبعد ساعات من منع الرقابة العسكرية أي تفاصيل، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن مسيّرة أطلقت من لبنان استهدفت مقر إقامة نتنياهو في قيساريا.

وجاء ذلك بعدما أفاد جيش الاحتلال الإسرائيلي عن "إصابة منشأة" في هذه المدينة الساحلية الواقعة بوسط الأراضي الفلسطينية المحتلة بنيران مسيّرة.

وأورد مكتب نتنياهو أن "رئيس الوزراء وزوجته لم يكونا في مسكنهما ولم يوقع الحادث أي ضحايا"، فيما أفادت وسائل إعلام عبرية بأن انفجار الطائرة المسيّرة أحدث دويا كبيرا. 

وانفجرت الطائرة رغم مطاردة مروحيات عسكرية إسرائيلية لها طيلة الوقت، وفق ما أظهرت مقاطع فيديو.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن "المسيّرة حلّقت مسافة 70 كيلومتراً من لبنان وأصابت مبنى في قيساريا بشكل مباشر".

وأوضحت القناة 13 العبرية أنه جرى إطلاق 6 طائرات مسيرة من لبنان والجيش اعترض بعضها، قبل أن تصل واحدة إلى هدفها.

وتزامنا مع ذلك، بدأ حزب الله بتنفيذ هجوم واسع بالصواريخ على عدد من المدن والمستوطنات في حيفا وعكا وطبريا والجليل الأعلى والغربي وكريات شمونة وبلدة شلومي وغيرها.

وأعلن جيش الاحتلال أنه رصد إطلاق نحو 60 صاروخا من لبنان باتجاه مناطق الشمال أصاب بعضها مبان ومركبات، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 14 آخرين.

فيما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إنه جرى رصد إطلاق 150 صاروخا منذ صباح 19 أكتوبر من لبنان على مناطق في صفد وحيفا.

وجاء ذلك بعد ساعات من بيان لحزب الله في 18 أكتوبر أعلن فيه "الانتقال إلى مرحلة جديدة وتصاعدية ضد العدو ستتحدث عنها أحداث ومجريات الأيام القادمة".

وكشف بيان صادر عن غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان أن المقاومة نجحت في تدمير 20 دبابة ميركافا و4 جرافات عسكرية وآلية مدرعة وناقلة جند، إضافة إلى إسقاط طائرتين مسيرتين.

كما أعلنت المقاومة أن “خسائر العدو بلغت نحو 55 قتيلا وأكثر من 500 جريح من ضباط وجنود” (منذ بداية المعركة في أكتوبر/تشرين الأول 2023).

وكشفت كذلك أنها استخدمت مختلف أنواع الصواريخ، وبينها "صواريخ دقيقة" تستخدم للمرة الأولى، في "استهداف القوات الإسرائيلية في المواقع والثكنات العسكرية على طول الحدود.. وفي المستوطنات والمدن المحتلة في الشمال".

وجاء هذا البيان بعد ساعات من إعلان جيش الاحتلال عن مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس يحيى السنوار في اشتباكات وقعت في جنوبي قطاع غزة في 16 أكتوبر.

كما يأتي هذا التصعيد على الرغم من تكبد الحزب خسائر فادحة مع مقتل الكثير من قياداته العليا في الأسابيع الأخيرة وأبرزهم أمينه العام حسن نصر الله، مع ادعاء جيش الاحتلال القضاء على الكثير من قدراته العسكرية.

فشل أمني

ويشير هذا الاستهداف إلى فشل أمني واختراق خطير لدفاعات جيش الاحتلال وصعوبة في صد الطائرات المسيرة التي وصل بعضها إلى وسط إسرائيل.

فهذه هي المرة الثالثة خلال نحو أسبوع التي تنجح فيها طائرة مسيرة أطلقت من لبنان في الوصول إلى عمق إسرائيل، وفق صحيفة معاريف.

وأوضح مصدر عسكري لإذاعة الجيش الإسرائيلي أن أجهزة الأمن ترى في وصول المسيرة إلى قيساريا فشلا أمنيا خطيرا جدا، وأنه يجرى التحقيق في الثغرات الأمنية.

وأرجعت الإذاعة الفشل إلى أن صعوبة اعتراض بعض أنواع المسيرات. وقالت إنها من طراز تلك التي أصابت معسكر غولاني جنوب حيفا في 13 أكتوبر، وقتل فيها 4 جنود وأصيب أكثر 67 بينهم 8 حالتهم خطرة للغاية.

وبعد حادثة غولاني، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية، إن سبب العجز عن إسقاط تلك المسيرات هو أنها لم تظهر على الرادار؛ لأنها كانت تحلق على ارتفاع منخفض.

وبينت أنه لم يتم إطلاق صفارات الإنذار؛ لأنه كان من المفترض أن المسيرات قد تحطمت أو تم اعتراضها بمجرد اختفائها عن الرادار.

فيما أكد خبراء تحدثوا إلى موقع "واللا" العبرية أن قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلي قصيرة المدى تعاني من بعض أوجه القصور الخطيرة في التعامل مع التهديد الذي يتقدم بسرعة أكبر بكثير من قدرة إسرائيل على مكافحته.

ونقل الموقع عن ضابط احتياط كبير قوله في 17 أكتوبر: "لم يعمل سلاح الجو الإسرائيلي على بناء قوة مناسبة للتعامل مع تهديدات الطائرات بدون طيار على هذا النطاق الواسع، على الرغم من النجاحات الكبيرة في الشمال".

وتابع: “لقد انتهى بنا الأمر في وضع حيث تطارد أربع طائرات مقاتلة وسفينة صواريخ - في أفضل الأحوال - طائرة واحدة بدون طيار”.

وذكرت أن “سلاح الجو طور قدراته القتالية بعيدة المدى بشكل مثير للإعجاب، باستثناء قضية اختراق الحدود (عبر الطيران المسير)”.

ومما زاد من حدة الانتقادات والإحباط أن سلاح الجو الإسرائيلي حدد هوية الطائرة المسيرة، وتتبع مسارها، وحاول اعتراضها، واعتقد أنها سقطت في البحر، ثم فوجئ باكتشاف أنها اخترقت طبقات الدفاع.

وهو ما تكرر في حادثة منزل نتنياهو، حيث جرى اعتراض عدد من الطائرات التي تقدر وسائل إعلام عبرية أنها كانت تمويهية، دون التمكن من اكتشاف واحدة منها وصلت إلى منزل رئيس الوزراء.

ويرى الخبير العالمي في الطائرات بدون طيار والباحث في جامعة تل أبيب “ليران عنتيبي” أنه "لا يوجد نظام دفاعي محكم الإغلاق تمامًا، حتى مع التقنيات المتقدمة".

وأوضح لصحيفة جيروزاليم بوست العبرية في 17 أكتوبر أن إسرائيل “بحاجة إلى تحسين آليات التحذير لتوفير فرصة للدفاع. في بعض الحالات، لا يمكن اعتراض الطائرة بدون طيار أو المركبة الجوية غير المأهولة لأنها تحلق على ارتفاع منخفض للغاية”.

ويرى أن “محاولة اعتراضها أيضا على ارتفاع منخفض قد تزيد من المخاطر والأضرار المحتملة"، مبينة أنها ”مهمة صعبة للغاية تكنولوجيا وثقافيا، حيث يتعلم الجانب الآخر عنا ويتكيف بسرعة مع التغيرات، ولذلك نحن نتخلف عن الركب"، وفق تقديره.

وواصل القول: “حتى لو وصلنا إلى قمة التقدم التكنولوجي والعلمي ووضعناه موضع التنفيذ، فإن هذه العمليات تستغرق وقتا. وفي الوقت نفسه، يعمل الجانب الآخر على الارتجال وتحقيق قدرات كانت في السابق حكرًا على الدول الرسمية، ودمجها بطرق تتحدى أنظمتنا الدفاعية”.

دلالات الاستهداف

وعن دلالات هذا الاستهداف وخطورته، علق المحلل السياسي أحمد رمضان بالقول إن ما يجرى “تطورٌ كبير في مسيرة الحرب المتدحرجة في غزة ولبنان”.

وبين في تغريدة على إكس أن هذا الحدث كبير يحمل عدة مضامين أبرزها أن الحرب أصبحت وجودية للجميع وأنها في مرحلة اللاعودة وكسر العظم.

ولفت إلى وجود "اختراق أمني سهَّل الوصول إلى منزل نتنياهو المحصَّن في قيساريا، ووفَّر معلومات غاية في السِّرية".

ورأى أن نتنياهو "لن يتمكن بعد اليوم من التجوُل بحرية، وسيضطر للاختباء وعقد لقاءاته في أماكن تحت الأرض، وسيحيط تنقلاته بسرية تامة حتى عن حكومته ومقربين منه".

كما أوضح أنها "رسالة لأعضاء المستوى السياسي، الذين يمكن أن يتحولوا إلى أهداف لاحقة، والجميع سوف يقلٍّص من حركته العلنية".

وبالفعل، رفعت إسرائيل حالة التأهب حول كل رموز السلطة في إسرائيل عقب استهداف منزل نتنياهو، وفق ما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية.

ورأى المحلل السياسي الفلسطيني محمد الأخرس أن "استهداف منزل نتنياهو يُعد ضربة نوعية، وربما غير مسبوقة في تاريخ الصراع مع المشروع الصهيوني".

وأوضح في تغريدة على إكس أنه "يمكن النظر إليها كضربة تحذيرية واستباقية في ظل الحديث عن استعداد العدو لتوجيه ضربة إلى إيران، تشمل مقرات حكومية وأماكن  وجود قيادات ومسؤولين إيرانيين من الحكومة والحرس".

وهو ما تحدثت عنه القناة 12 التي نقلت عن مسؤول في الحكومة الإسرائيلية قوله إن "إيران حاولت اغتيال رئيس وزراء إسرائيل".

ورأى آخرون أن الحرب أصبحت وجودية مع عدم استعداد نتنياهو ووزرائه لإنهاء عدوانهم على غزة ولبنان، رغم اغتيالهم الكثير من قادة حماس وحزب الله، إضافة إلى تهديدهم المستمر بضرب إيران.

وعلق الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات “لقاء مكي”، بالقول إن توصيف القناة 12 الإسرائيلية بأن إيران حاولت اغتيال نتنياهو هو “تمهيد واضح، لرد فعل إسرائيلي يتضمن قصف مقر إقامة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي”. 

وأضاف عبر إكس: “لن يكون مطلوبا قتل المرشد، فالهدف رمزي وتصعيدي بالدرجة الأساس، لكن تعرف إسرائيل أن استهداف مقره، سيجعل إيران مجبرة على رد قوي، وهو ما يريده نتنياهو لجر الولايات المتحدة للحرب”.

أما الكاتب السياسي اللبناني حسن الدر فرأى في تغريدة على إكس أن "استهداف منزل نتنياهو ليس رسالة (من إيران)، بل قرار بالذّهاب بعيدًا جدًّا في حرب الوجود".

محاولات سابقة

وهذه ليست المرة الأولى التي تجرى فيها محاولة لاغتيال نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين، من قبل حركات المقاومة في فلسطين ولبنان.

ففي أغسطس/آب 2024 أعلن جهاز الأمن العام “الشاباك” اعتقال إسرائيلي بتهمة التعامل مع إيران والتخطيط لاغتيال نتنياهو ووزير جيشه يوآف غالانت ورئيس ذات الجهاز المذكور، رونين بار.

وذكر الشاباك أن الرجل المتهم -وهو رجل أعمال إسرائيلي- ثبت إجراؤه اتصالات مع جهات اتصال استخباراتية في الأراضي الإيرانية التي دخلها مرتين عبر الحدود التركية، وهناك ناقش تفاصيل خطط الاغتيال مع الإيرانيين مقابل مبلغ مالي.

كما كشفت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن حزب الله اللبناني كان يسعى لاغتيال وزير الجيش الأسبق موشيه يعالون.

وقال جيش الاحتلال في 17 سبتمبر 2024 إنه أحبط محاولة حزب الله اغتيال شخصية أمنية رفيعة بواسطة عبوة ناسفة، دون الكشف عن هويتها.

لكن قالت القناة 13 الإسرائيلية إن خلية تابعة للحزب وضعت عبوة ناسفة في منتزه اليركون بتل أبيب ليلة رأس السنة الماضية (2023)، بهدف اغتيال يعالون، وهو ما أكدته وسائل إعلام عبرية أخرى.

كما أعلن “الشاباك” في أبريل/نيسان 2024، تفكيك خلية تتألف من فلسطينيين من الأراضي المحتلة عام 1948 والضفة الغربية، كانت تستهدف اغتيال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي يسكن في كريات أربع (مستوطنة قرب الخليل)، عبر إطلاق صاروخ آر بي جي كانوا يحاولون الحصول عليه.

وبدوره، تعرض وزير الجيش الأسبق موشيه ديان لمحاولة اغتيال عام 1968 بتخطيط من جماعات ومنظمات عربية كانت تستهدف وقتها عددا من المسؤولين الإسرائيليين، بحسب توثيق للمكتبة الافتراضية اليهودية على موقعها.

وفي 3 يونيو/حزيران 1982، تعرض السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أرغوف لمحاولة اغتيال بالمملكة المتحدة، على يد مجموعة تابعة لمنظمة أبو نضال المنشقة عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح.

وأصيب وقتها بجروح بليغة بعد أن استقرت رصاصة في رأسه، أدت إلى شلله ودخوله في غيبوبة لـ3 أشهر. وعقب 21 عاما من الرعاية الطبية للسفير الإسرائيلي في مشفى بإسرائيل، توفي متأثرا بإصاباته من الهجوم في فبراير/شباط 2003.

وإلى جانب رغبتها بإنشاء شريطة أمني لإبعاد المقاومة الفلسطينية، استخدمت إسرائيل محاولة الاغتيال ذريعة لاجتياح لبنان بعدها بثلاثة أيام.

أما أشهر محاولة اغتيال، فنفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ردا على اغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى عام 2001.

فقد اغتال 3 أعضاء من الجبهة وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي بـ3 رصاصات داخل فندق حياة ريجنسي في منطقة التلة الفرنسية بالقدس، لتنطوي صفحة الاغتيالات منذ ذلك الوقت.