اليمين المتطرف يفرض رأيه.. هل يثير "قانون الهجرة" أزمة سياسية بفرنسا؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بعد مناقشات صعبة قبل إقراره، أبصر قانون الهجرة في فرنسا طريقه نحو التفعيل، وذلك بدعم غير مسبوق من اليمين واليمين المتطرف، من أجل جعل "النموذج الاجتماعي بهذا البلد أقل جاذبية".

وأقر البرلمان الفرنسي بصورة نهائية في 20 ديسمبر/كانون الأول 2023 مشروع قانون الهجرة بعدما أيده في مجلس النواب 349 نائبا وعارضه 186 نائبا عقب إقراره في مجلس الشيوخ.

وفي ختام مفاوضات طويلة انتهت باتفاق أعضاء الجمعية الوطنية (البرلمان) ومجلس الشيوخ على نسخة مشتركة من النص المثير للجدل.

وصوت اليمين واليمين المتطرف لصالح نص القانون، بينما صوت اليسار ضده، بالمقابل انقسمت حول النص أحزاب الوسط الداعمة للحكومة.

تصعيب اللجوء

وسارع وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان إلى الترحيب بإقرار مشروع القانون.

وقال في منشور على منصة "إكس" (تويتر سابقا) إن "نص الهجرة تم إقراره بشكل نهائي. معركة طويلة من أجل دمج أفضل للأجانب وطرد أولئك الذين يرتكبون أعمالا إجرامية".

ورأى دارمانان أن "القانون يحوي تدابير تحمي الفرنسيين، وحزم ضروري تجاه الأجانب الجانحين، وتدابير قضائية مثل إنهاء احتجاز القاصرين أو تسوية أوضاع العمال غير المسجلين"، وفق قوله.

بالمقابل، ندد بالقرار زعيم حزب فرنسا الأبية (يسار متطرف)، جان-لوك ميلانشون، معتبرا إقراره "نصرا مقززا" تحقق بفضل أصوات اليمين المتطرف.

وقال ميلانشون عبر منصة إكس: "لقد تأسس محور سياسي جديد".

من جانبه، رحب رئيس حزب الجمهوريين (يمين) إريك سيوتي، بـ"انتصار تاريخي لليمين" و"قانون جمهوري لمكافحة الهجرة الجماعية".

وفور إقرار مشروع القانون أعلن الحزب الاشتراكي عزمه الطعن في النص أمام المجلس الدستوري.

وعلى خلفية معارضته قانون الهجرة الذي تبناه البرلمان، أعلن وزير الصحة أوريليان روسو استقالته وتم الاستبدال به "مؤقتا" الوزيرة المنتدبة الحالية المكلفة بالمهن الصحية أنييس فيرمان لو بودو.

وخرج على الفور المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران في إيجاز صحفي بعد اجتماع للحكومة وقال تعليقا على استقالة روسو: "لا حركة تمرد وزارية".

ويدعم نواب حزب "التجمع الوطني" المتطرف الذي تقوده مارين لوبان قانون الهجرة الجديد التي وصفت تمريره بـ"الانتصار الأيديولوجي" لمعسكرها، وكذلك حزب الجمهوريين اليميني المناهضين للهجرة.

بالمقابل، فإن زعيم النواب الاشتراكيين بوريس فالو وصف القانون بـ"لحظة العار"، انسجاما مع القوى اليسارية الأخرى.

وفي فرنسا 5,1 ملايين أجنبي في وضع نظامي أي 7,6 بالمئة من السكان، وهي تستضيف أكثر من نصف مليون لاجئ، بينما تقدر السلطات وجود 600 إلى 700 ألف مقيم بطريقة غير نظامية في البلاد.

وتعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باتباع "مسار جديد" للعام 2024، على أمل بث الحياة في فترة ولايته الثانية التي تمتد لخمس سنوات، خصوصا عبر طي صفحة قانون الهجرة الذي أثار أزمة سياسية داخل حزبه.

وحاول ماكرون، الذي أضعفته عام 2023 التظاهرات التي رافقت تعديل نظام التقاعد، استعادة المبادرة غداة اعتماد قانون الهجرة الذي أدى إلى تشديد شروط استقبال الأجانب في فرنسا.

وتحدث ماكرون في لقاء مع قناة "فرانس 5" في 22 ديسمبر 2023 امتد لأكثر من ساعتين، عن قانون "شجاع" واصفا إياه بـ"الدرع" ضد الهجرة غير النظامية.

قيود جديدة

وباتت هناك بعض القيود المفروضة للحصول على الخدمات الاجتماعية بالنسبة لبعض الأجانب عقب إقرار قانون الهجرة الجديد.

ويهدف القانون إلى تشديد عملية لم شمل الأسرة، وقمع المساعدة الطبية التي تقدمها الدولة، واشتراط إتقان اللغة الفرنسية كشرط للحصول على تصريح الإقامة، من بين تدابير أخرى.

وكانت المادة 3 من مشروع القانون هي الأكثر إثارة للجدل، وتتعلق بمنح تصريح إقامة لمدة عام بشروط معينة للعمال الأجانب غير النظاميين الذين يعملون في "القطاعات المتوترة" التي تعاني من نقص العمالة.

وقال دارمانان في وقت سابق، إن القانون "سيساعد على الاندماج بشكل أفضل والطرد بشكل أفضل".

وينص قانون الهجرة الجدي تشديد القواعد للطلاب الأجانب، وإدخال حصص الهجرة، كما أن مزدوجي الجنسية المحكوم عليهم بارتكاب جرائم خطيرة ضد الشرطة يمكن أن يفقدوا جنسيتهم الفرنسية.

ومن القضايا الحساسة في "قانون الهجرة" اشتراط حد أدنى من الإقامة بشكل قانوني في فرنسا للأجانب غير الأوروبيين حتى يتسنى لهم الحصول على المزايا الاجتماعية.

وكان الجزء الرئيس من مشروع القانون هو أن بعض مزايا الضمان الاجتماعي للأجانب يجب أن تكون مشروطة بقضاء خمس سنوات في فرنسا، أو 30 شهرا لأولئك الذين لديهم وظائف.

واستندت التسوية إلى تمرير قانون للتمييز بين هؤلاء الأجانب اعتمادا على ما إذا كانوا "يعملون" أم لا.

ولا تنطبق القيود الجديدة على الطلاب الأجانب، كما يستثنى من هذه الإجراءات اللاجئون وحاملو بطاقة الإقامة الدائمة.

وأمام تلك المعطيات، فإنه يمثل إقرار القانون في هذا التوقيت انتصارا للأغلبية البرلمانية، لكنه ينطوي على عواقب سياسية خطيرة.

ومما لا شك فيه الآن أن حزب ماكرون الوسطي الحاكم (النهضة) انقسم بشكل عميق، خاصة أن الهدف من مشروع القانون في الأصل كان إظهار أن ماكرون يمكنه اتخاذ إجراءات صارمة بشأن الهجرة مع إبقاء فرنسا مفتوحة أمام العمال الأجانب الذين يمكنهم مساعدة الاقتصاد في القطاعات التي تكافح لشغل الوظائف.

شرخ بالمعسكر الرئاسي

وبالنسبة لماكرون، فإنه يعيش مرحلة حاسمة في ولايته الثانية التي تمتد لخمس سنوات، وهذه اللحظة السياسية بشأن الهجرة تمثل تحولا واضحا نحو اليمين ويهدد بتقسيم المعسكر الرئاسي.

وتُتهم حكومة ماكرون بأنها لا تضبط بما يكفي الهجرة غير النظامية، ولهذا سيعمل هذا القانون على جعل الكثيرين يعيدون التفكير في اللجوء قبل اختيار فرنسا كوجهة لجوء تفضي بالنهاية إلى تحقيق الاستقرار بالنسبة لهم.

ويرى بعض المراقبين أن اليمين المتطرف بدأ يزحف شيئا فشيئا نحو تولي زمام الأمور في فرنسا، عقب انتزاع تمرير مثل هكذا قانون.

ولهذا فإنه حينما أجريت استطلاعات رأي في الشارع الفرنسي حول قانون الهجرة لم يخامرهم الشك في تطبيقه، وبالمقابل لم يتوانوا عن اعتقاد أن "المستفيد الأكبر" من القانون حزب التجمع الوطني المتطرف.

وأمام ذلك، يقول مراقبون إن القانون أدى إلى إحداث شرخ في المعسكر الرئاسي (صوت 59 نائبا ضده أو امتنعوا عن التصويت) كما دفع وزير الصحة أوريليا روسو إلى الاستقالة.

كذلك، أثار القانون احتجاجات داخل المنظمات غير الحكومية وفي بعض الإدارات التي يتولى اليسار إدارتها. 

والنقطة الأبرز عقب إقرار قانون الهجرة هي إعلان حوالي 30 من هذه الهيئات أنها لن تطبق بعض أحكام القانون.

وهذا ما سيدعو ماكرون إلى طي صفحة السجال حول "قانون الهجرة"، ومنع تحول القلق إلى تمرد داخل حكومته، كما حدث خلال رئاسة سلفه الاشتراكي فرانسوا هولاند، الذي كان عليه أن يواجه منذ بداية ولايته معارضة نواب في معسكره.

ولهذا يرى البعض أنه لمنع حدوث انقسام داخل حكومة ماكرون فقد يدعو بعض المسؤولين التنفيذيين في المعسكر الرئاسي إلى إجراء تعديل وزاري كبير في يناير/ كانون الثاني 2024.

لا سيما أن صحيفة "لوفيغارو" المحلية قالت إن واحدا من كل أربعة مشرعين في معسكر الرئيس ماكرون لم يصوت لصالح مشروع قانون الهجرة.

وسيترك ذلك انقساما غير مريح داخل حزب ماكرون بعد اتهامات بأن الحكومة خضعت لضغوط اليمين المتطرف.

ولهذا فإن "الأزمة السياسية حول مشروع قانون الهجرة هي لحظة الحقيقة حيث تجتمع كل نقاط الضعف في ولاية ماكرون" حسبما قالت صحيفة "لوموند" اليومية في افتتاحيتها. 

وقالت نحو 50 هيئة من بينها الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان في بيان مشترك إن هذا "مشروع القانون الأكثر رجعية خلال الـ40 عاما الماضية فيما يتعلق بحقوق الأجانب وظروفهم المعيشية، بما في ذلك أولئك الذين يقيمون في فرنسا منذ فترة طويلة".

ومع ذلك، قالت الحكومة الفرنسية سابقا إن "هذا سيكون بمثابة تشريع العصا والجزرة من شأنه أن يسهل على المهاجرين الذين يعملون في القطاعات التي تفتقر إلى العمالة الحصول على تصريح إقامة، ولكنه سيجعل من الأسهل أيضا طرد المهاجرين غير النظاميين"

وكان الفرنسيون يفخرون منذ فترة طويلة بامتلاكهم واحدا من أكثر أنظمة الرعاية الاجتماعية سخاء في العالم، حيث يمنحون مدفوعات حتى للمقيمين الأجانب، ويساعدونهم على دفع الإيجار أو رعاية أطفالهم بمساهمات شهرية تصل إلى بضع مئات من اليورو.

وقد جادل اليمين المتطرف، والمحافظون في الآونة الأخيرة، بأن هذه الأمور يجب أن تكون مخصصة للشعب الفرنسي فقط. 

ومن شأن "قانون الهجرة" الجديد أن يؤخر حصول المهاجرين العاطلين عن العمل من خارج الاتحاد الأوروبي على إعانات الإسكان لمدة خمس سنوات.

وهناك مخاوف من زيادة عدد عمليات الطرد للاجئين، فضلا عن تعديل النظام الذي يسمح للأجانب غير المسجلين على قوائم الدولة الفرنسية بالإفادة من الرعاية الطبية.

والمساعدات الاجتماعية، باتت مشروطة بخمس سنوات من الإقامة للأجانب، وهي فترة تم تخفيضها إلى عامين ونصف العام "لأولئك الذين يعملون".

وفي المعسكر الرئاسي، يرى كثيرون أن وصول لوبان إلى قصر الإليزيه عام 2027 "ممكن ومحتمل".