أبو يعرب المرزوقي: قيس سعيد بلا مستقبل وتصالح الإسلاميين والعلمانيين يسقط المستبدين (خاص)

منذ ٢٤ يومًا

12

طباعة

مشاركة

قال المفكر والفيلسوف التونسي، أبو يعرب المرزوقي، إن “طوفان الأقصى فضح هشاشة الجيش الإسرائيلي وكذب سرديته أمام العالم أجمع، كما سيقرب تحرر العرب من سطوة الهيمنة الصهيونية”.

وأضاف المرزوقي في حوار مع "الاستقلال" أن صورة استشهاد زعيم “حماس” يحيى السنوار أرادوها صدمة لصمود حركة المقاومة الإسلامية، ولكن الله حولها إلى أكبر صدمة لأعدائها.

وفي الشأن التونسي، أكد أن “منقلب تونس” في إشارة إلى الرئيس قيس سعيّد “لم يبق له مستقبل بعد أن فقد الحماية الخارجية العربية والأجنبية، لا سيما من قبل فرنسا وغيرها من وكلاء الصهاينة”.

وشدد على أن سعيّد “لن يستطيع المضي على نهج الراحلين زين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة، وسيسقط هذا الديكتاتور عودة الربيع العربي مجددا في حال توافق الإسلامي والعلماني، وهو ما سيجعل ثورة الياسمين ممكنة”.

ورأى أن الصوت العربي في الرئاسيات الأميركية “ما يزال رمزيا ولن يؤثر على نتائجها حاليا ولا في المستقبل القريب، ولكنه سيفيد الرئيس السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب بعد فوزه كتاجر يسعى لعقد الصفقات وجني الأرباح”.

لا مستقبل له

ما رؤيتكم لمستقبل تونس في ظل الأوضاع الراهنة؟ 

لا شك أنه بالنظر إلى سنن التاريخ، فإن المنقلب قيس سعيّد لم يبق له مستقبل في ظل انهيار الأوضاع الاقتصادية في تونس.. 

وهذا ما يفقده القدرة على المناورة، لا سيما أن الدعم والتمويل الخارجي له تراجع كثيرا سواء فرنسيا أو إيرانيا أو من قبل اللوبي العربي المعادي للإسلام السياسي ووكلاء إسرائيل.. 

كما أن الجزائر منشغلة بمشاكلها مع المغرب ما يجعله يقف وحيدا في الساحة وأضعف مما كان عليه من قبل.

هل تمضي تونس في طريق إعادة إنتاج ديكتاتور جديد يحاكي ابن علي وبورقيبة، وكيف يمكن أن تخرج تونس من تلك المأساة؟

أعتقد أن المنقلب قيس سعيد لن يستطيع المُضي على نهج الديكتاتور ابن علي أو بورقيبة.. 

ويجب على القوى السياسية من مختلف الاتجاهات أن تتحرر من حالة التشرذم والتنازع فيما بينها، وتتحد على هدف التخلص من هذا الديكتاتور وتنظيم صفوفها شعبيا ليتكرر حدوث ربيع جديد هذه المرة وفق إستراتيجية جديدة تشمل جميع القوى السياسية الكبرى في تونس..

وتبدأ تلك الإستراتيجية بمشروع الوحدة الوطنية القائم على التداول الديموقراطي السلمي مع تجاوز العائق الأساسي لهذا المسار بعدم حصر الشرعية السياسية في الوزن الانتخابي الكمي للأحزاب الإسلامية فقط، وبالتالي تُستبعد القوى غير الإسلامية من المشهد ليأسها من الوصول عبر الانتخابات إلى المشاركة في الحكم..

هذا الأمر الذي يدفعها إلى التحالف مع الديكتاتوريات على حساب الديمقراطية نظير فتات موائدها مقابل التنكيل والإطاحة بالإسلاميين..

كما يستعين الاستعمار بهذه النخبة العلمانية ويجعلهم أهم أدواته في تمكين الدكتاتوريات التي تحكم بلاد المسلمين وتضييع سيادتها وثرواتها.

لذلك فأول مجال المصالحة هو تجاوز الصراع الداخلي بين الإسلامي والعلماني حفاظا على المصالح الوطنية ولو بحل مؤقت حتى يتم تجاوز هذه الفجوة؛ وعندئذ يصبح المعيار الوحيد للحكم هو التداول عن طريق الانتخابات بعد استقرار الأوضاع والتخلص من الديكتاتور..

ولكن مؤقتا لا بد من تنفيل وزن العلمانيين من يسار وليبراليين ومستقلين أي (غير الإسلاميين) حتى يستغنوا عن الاحتماء بالأجنبي والديكتاتور ويدعموا تهيئة الشعوب الإسلامية للتداول الذي يكون للجميع فيه نفس الحظوظ في المشاركة في الحكم.

ثورة ممكنة

ما إمكان تكرار ثورة الياسمين التي أسقطت ابن علي للتخلص من الديكتاتور الجديد؟

كما سبق وذكرت أنه إذا توافق الإسلاميون وغير الإسلاميين من القوى السياسية الكبرى في تونس وتركوا جانبا النزاع والصراع الداخلي المدمر بينهم.

ففي هذه الحالة يمكن أن تنبعث ثورة الياسمين مجددا للتخلص من الديكتاتور، ويشارك الجميع في رسم مستقبل البلاد ويشارك في الحكم بوصفه مواطنا تونسيا له نفس الحظوظ، فيستغني عن التبعية والاحتماء بالأعداء الذين يستعبدون الجميع.. 

فمن دون التحرر من هذه العقدة التي تنتهي إلى يأس البعض من المشاركة في الحكم فيلجأ إما إلى الانقلاب العسكري الذي غالبا ما يكون مسنودا من الخارج أو الانحياز للاستبداد..

ولا شك أنه بعد أن يتبين انتصار المقاومة في معركة "طوفان الأقصى" رغم الآلام المبرحة، وعودة ثورات الربيع العربي في موجتها الثانية والتي ستكون هذه المرة أكثر جرأة ولن تبقى محلية، بل ستصبح إقليمية ويمكن إسقاط ديكتاتور تونس وكل ديكتاتور في المنطقة.

ما رؤيتكم لمستقبل الأوضاع في فلسطين بعد مرور عام على معركة طوفان الأقصى؟

أعتقد أن ما حققه الطوفان فضح هشاشة الجيش الإسرائيلي وكشف زيف وكذب السرديات الإسرائيلية عالميا، وهو ما يجعلني متفائلا بمستقبل الأوضاع ليس في فلسطين وحدها، بل في كل الإقليم..

ولأن وضعية إسرائيل بعدهما لن تكون كما كانت قبلهما، وإذا سقط دور إسرائيل بالتوازي معه سيسقط دور إيران وينتهي انقسام العرب إلى من يحتمي بالأولى خوفا من الثانية أو من يحتمي بالثانية خوفا من الأولى، والتي تستفيد منه أميركا وحدها من خلال التحكم في سلوك شرطييها الإقليمين -إيران وإسرائيل- ومن ثم السيطرة على الإقليم..

كما تسعى أميركا بذلك للقضاء على إستراتيجية ظهور القطب الإسلامي العالمي الذي يمكن أن يحرر الأمة من العربدة الأميركية والإسرائيلية وذلك لمواصلة تخويف المسلمين بعضهم من بعض، واحتمائهم بالاستعمار ضد شعوبهم، بدليل تمويلهم قواعد الأميركان في بلادهم بحيث إنها تمول استعمار أوطانها للحفاظ على دكتاتوريات الأنظمة ضد شعوبها للأسف الشديد.

ثمار “الطوفان”

كيف يرى أبو يعرب مشهد استشهاد يحيى السنوار؟

في غمرة الكلام على بطولة القائد الشهيد يحيى السنوار غفل الكثير عن سردية تسعى لتلويثه منذ بداية معركة طوفان الأقصى من قبل عملاء إسرائيل، الذين يخوّفون بعض الحكومات العربية من إيران لتوطيد الاحتماء بإسرائيل.. 

وقاموا بترويج الأكاذيب الإسرائيلية عن السنوار بأنه يحتمي بالمدنيين وبأنه يتخفى في زي نساء ويختبئ في الأنفاق وحوله الأسرى كدروع بشرية وإلى آخر هذه الروايات الكاذبة..

وصدق الله العظيم: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فكان مكرُ الله لصالح الشهيد البطل السنوار، فأضاع على العدو الصهيوني ووكلائه فرحتهم بمقتله.. 

وجاءت صورته دليلا على بطولته وشجاعته، فلم يُقتل مدبرا بل مُقبلا، ولم يكن مختفيا في مغارة بأعماق الأرض، بل كان في صدارة المجاهدين، لذلك كانت صورته فخرا للمجاهدين ونصرا لهم وعلامة على بسالتهم..

كما أنها بشارة النصر الحتمي لأهل الحق والإيمان مهما طال الزمن، وهي من تباشير النصر الذي وعد الله به المخلصين من عباده المجاهدين الصادقين والمقاومين بحق.. 

وهكذا صورة استشهاد السنوار هي ذروة مكر الله لعباده المخلصين حيث أرادوها صدمة لصمود حماس فصارت أكبر صدمة للعدو الصهيوني ولأعداء حماس والمقاومة.

كيف ترى العدوان على لبنان؟ وما تأثيره على الوضع في فلسطين المحتلة؟

في العدوان على غزة يصعب أن تجد إسرائيل أساسا قانونيا تُبرر به ما تفعله، لأن الفلسطينيين على الأقل في نصوص القانون الدولي معهم الشرعية الدولية، لأنهم "شعب محتل ومحاصر يدافع عن حريته وحقوقه".. 

بينما في حالة لبنان يبدو القانون الدولي مع إسرائيل، حيث وقعت الدولة اللبنانية وحزب الله على إنهاء حرب 2006 على نص 1701 الذي يحقق ما تطالب به إسرائيل حاليا لتُضفي الشرعية على عدوانها..

ومن ثم فوضعية حزب الله دون وضعية غزة في مقاومتها، ولما كان القانون الدولي لا يطبق بحق إلا عندما يكون لصالح القوي وضد الضعيف، فإن الغرب يطبقه لصالح إسرائيل في لبنان ويعارض تطبيقه في غزة وكل فلسطين..

وبهذا المعنى فإن ما أخشاه هو أن إسرائيل تستغل ذلك لتضرب عصفورين بحجر واحد، حيث إنها فتحت الجبهة الشمالية في لبنان للتغطية على جرائمها في غزة والضفة، فصارت أفعال حزب الله وإيران خطرا على المعركة الفلسطينية من وجهة نظري، لأنها أنهت الاهتمام الدولي بجرائم إسرائيل في فلسطين..

بل وصار الغرب معنيا بالإيهام بأن إسرائيل في خطر ومعتدى عليها من حزب الله وإيران فأطلقت يدي إسرائيل في الجبهتين، فعاد الحصار القاتل والتصفية العرقية والتجويع التهجير بحق الفلسطينيين أشرس مما كان الآن، بحيث صار معدل القتل اليومي في قطاع غزة 100 مواطن من المدنيين ولا أحد يهتم..

لذلك فإني أرى ما تفعله طهران وحزب الله ليس مساندة لغزة، بل إفسادا لشروط المحافظة على ثمرات الطوفان، لأن إيران تفعل بغزة ما تفعل أميركا بأوكرانيا لإطالة الحرب ولإضعاف العدو بالتضحية بدم من تدعي مساندته وهم الفلسطينيون.. 

كما أن إيران وحزب الله انتقلا من كذبة المساندة لغزة رمزيا دون أدنى فاعلية، لأن سنة كاملة لم تصب فيها قذائف حزب الله وما يسمى بالممانعة إلى أقل من ربع شخص يهودي في اليوم- طيلة سنة للإبقاء على شرط المشاركة في المفاوضات النهائية بعد توقف الحرب. 

ثم حين قررت إسرائيل تخفيف الضغط العالمي على فظاعاتها في فلسطين -غزة والضفة خاصة-توجهت للشمال حتى تُنسى القضية الفلسطينية ومُنجزات الطوفان في 7 أكتوبر 2023..

وبذلك -من وجهة نظري- تكون إيران وحزب الله تساند إسرائيل بشكل غير مباشر وليس غزة، ولذلك فالتفاوض مع واشنطن على قدم وساق لبيان ذلك والحصول على المقابل، وهو المشاركة في تقاسم الإقليم بينها وبين إسرائيل، وهذه المرة بدم مليشياتها التي باعتها مقابل المحافظة على نظامها فصارت إيران حمامة سلام.

ما أهمية جبهات إسناد المقاومة الفلسطينية وما تأثيرها على مستقبل المواجهة مع العدو الصهيوني؟

جبهات المساندة أرى أنها عبء على المقاومة الفلسطينية وليست مساندة لها، لأنها ألهت العالم عما حققه الطوفان من انتصارات؛ فاستفاد منها الـ"نتن ياهو" الذي كاد يسقط، لكنهم بهذا الخداع جعلوه بطلا قوميا حتى ظن أنه يمكن أن يحقق ما فشل فيه خلال السنة الماضية وعاد بقوة إلى سياسة التهجير.

كيف ترى مستقبل المشروع الصهيوني وهو مقبل على العقد الثامن بعد هزيمة 7 أكتوبر؟

التاريخ الفعلي لا يصنعه التخريف سواء كان توراتيا -لأنها مُحرفة- أو كان تأويلا خاطئا لسورة الإسراء بالقراءة العددية التي تبين كذب كل توقعاتها.. ولا تأويل الدجالين للقرآن، ولكن الثابت أنه من سيحرر فلسطين هم أبناؤها بعملهم وعلمهم وجهادهم وليس عن طريق خرافات الدجالين.

الأنظمة وشعوبها

كيف ترى مستقبل الوضع في المغرب العربي في ظل تطبيع المغرب وعداء جارتيها الجزائر وتونس للكيان الصهيوني والداعمتين لغزة ولبنان؟

من الوهم القول إن تونس والجزائر ضد التطبيع، فهي كذبة لا يصدقها عاقل.. 

والمشكل هو أن حضور اليهود في المغرب وازن أكثر منه في تونس والجزائر، ولكن دورهم لا يقل أهمية للنظامين، وهناك تنافس في المغرب العربي بين الأنظمة الحاكمة على ترضية يهود فرنسا وأميركا.

والفرق الوحيد أن المغرب أعلن عن تطبيعه والآخرين لم يعلنا، لأن يهود الغرب فضلوا المغرب عليهما بسبب وزن الكتلة اليهودية فيه وفي إسرائيل.

ومن المعلوم أن كل الأنظمة العربية ونُخبها مُطبعون إما صراحة أو ضمنا، ومن يرفض التطبيع هو إسرائيل وليس العرب، هي تريد أن تبقى كما هي وعليهم هم أن يقبلوا بما لها من سلطان في الإقليم قياسا على سلطانها في الغرب.. 

فمن يسيطر على الغرب يريد أن يسيطر على الشرق بحكم عقيدتهم بأن جميع البشر "جوهيم" وعبيد لهم، وهم قد حققوا شرطي ذلك في العالم كله وليس رافضا لذلك إلا الشعوب الإسلامية -عامتهم وليس نخبهم- وهو ما يسعون إليه عن طريق السيطرة على الاقتصاد والإعلام العالمي. 

بعد طوفان الأقصى.. هل من أمل في تحرك الشعوب العربية والإسلامية؟

عندي أمل بأن يعود الربيع ويشمل كل الإقليم وسيمكن آنذاك تكوين وحدة إسلامية عالمية في حال تحررت البلدان العربية من الاستبداد وتمكنت الشعوب من امتلاك زمام بلادهم، لأنهم هم قلب العالم وجل طاقة العالم بين أيديهم، وكل ممراته البحرية وغالبية المواد الأولية في إفريقيا وآسيا..

كما أنهم يمثلون ملتقى القارات القديمة الثلاثة، فضلا عن حضورهم في المحيطين الهادي والأطلسي، كل ذلك سيفرض هذه المعادلة بمقتضى سنن التاريخ، بحيث إنني على يقين بأن استئناف المسلمين لدورهم في نظام العالم آت لا ريب فيه.

كيف ترى مخططات أميركا لإعادة تقسيم ورسم المنطقة العربية مجددا وهل تنجح في ذلك عبر إفساح المجال لنتنياهو وغيره؟

ليتها تجرب ذلك، فهي ستلغي المعاهدة المشؤومة التي قسمت فيها بلادنا العربية والإسلامية المعروفة بـ"سايكس بيكو" وساعتها لن تستطيع أميركا تغيير التاريخ فتكون بذلك قد أسهمت في استئناف الخارطة التي كانت قبل سايكس بيكو ليستعيد العالم العربي والإسلامي نهضته في هذه الظروف، وهو ما حاولت بيانه في الردود السابقة.

ما تأثير المظاهرات الرافضة للعدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان في الانتخابات الأميركية وهل الصوت العربي الإسلامي فعال؟

ما يزال الصوت العربي في الانتخابات الأميركية رمزيا ولن يؤثر في الوقت الراهن ولا في المستقبل القريب.

ولكنه سيكون له الكثير من الفائدة ربما خلال منتصف عهدة ترامب حال نجح في الانتخابات.. 

لأنه عندما يرى السياق الجديد بعد سقوط سرديات إسرائيل وزوال مليشيات إيران سيكون سلوكه مثل ما فعل أول مرة.. ويتصرف كتاجر وسيضطر للتحالف مع أهل الإقليم والانسحاب كما في أفغانستان وكما حاول التودد لكوريا الشمالية والصين وحتى لتركيا، وسينكفئ على الولايات المتحدة وقد يتخلف نهائيا عن أوروبا والمشرق العربي ليعيد الحلف مع روسيا حتى يعزل الصين.