لماذا تتجه أصابع الاتهام للإمارات في قتل الجنرال اليمني "العبيدي"؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

جريمة في حي "فيصل" الصاخب المزدحم بمحافظة الجيزة المصرية، وقعت في ليلة الجمعة 16 فبراير/ شباط 2024 وحملت الكثير من الدلالات والألغاز والتساؤلات. 

في تلك الليلة، قتل الجنرال اليمني "حسن جلال العبيدي" أحد أهم وأرفع ضباط الجيش اليمني، داخل شقته على يد من أطلقت عليهم وزارة الداخلية المصرية "عصابة إجرامية". 

بيان وتحقيقات الداخلية المصرية أرجعت واقعة تصفية اللواء اليمني "العبيدي" إلى دافع السرقة، وأنها مجرد جريمة جنائية لا أكثر. 

لكن أهمية ووضعية العبيدي داخل الجيش اليمني، ونشاطاته الأخيرة فيما يتعلق بإعادة تسليح القوات المسلحة اليمنية، جعلت من البيان المصري وطبيعة الجريمة، محل تساؤل. 

خاصة أن العبيدي لم يكن أول العسكريين اليمنيين الذي غُدِروا، إذ يأتي موته بهذه الطريقة ضمن مصفوفة عريضة من ضباط وقادة للجيش اليمني، اغتيلوا في عمليات مماثلة على يد فرق خاصة أو بدافع من حكومات إقليمية مناهضة. 

وسرعان ما وجه صحفيون وسياسيون يمنيون أصابع الاتهام إلى دولة الإمارات، كمتورط رئيس في تصفية العبيدي.

فمن هو الجنرال اليمني حسن العبيدي؟ وهل قتل بدافع سياسي أم جنائي؟ ولماذا تتهم الإمارات باغتياله؟ ولماذا أثارت بيانات الداخلية المصرية مزيدا من الشكوك بشأن تصفيته؟

عبقري التسليح

اسمه "حسن صالح فرحان بن جلال العبيدي" ولد عام 1974 بمديرية الوادي محافظة مأرب.

 حصل على البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من جمهورية مصر العربية، ثم عاد ليلتحق بالقوات المسلحة اليمنية ويتدرج في مناصبها القيادية.

أطلق عليه  لقب "عبقري الصناعات العسكرية اليمنية"، وذلك لجهوده في تطوير المدرعات والمصفحات. 

وقد شغل منصب المسؤول عن التصنيع الحربي في وزارة الدفاع اليمنية، وبعدها أصبح مديرا لمركز التصنيع الحربي لقوات الحرس الجمهوري من 2008 – 2011.

وقتها أسهم في إنتاج  نحو 600 مدرعة تحمل اسم "الجلال 1" و"الجلال 2" و"الجلال 3".

وتحدثت بعض المواقع اليمنية المحلية مثل "العاصمة أونلاين" في 21 فبراير 2024، عن ميزة المدرعة "الجلال 3" تحديدا ودورها في المعارك ضد الحوثيين.

وقالت: "صمم اللواء العبيدي المدرعة بأحدث التقنيات والمواد المتطورة، ما جعلها قوية ومتينة في مواجهة الظروف القاسية على الأرض".

وأضاف: "تتميز المدرعة بقدرتها على حماية الطاقم من الرصاص والشظايا والانفجارات، الأمر الذي جعلها خيارا مثاليا للقوات المسلحة".

على المستوى الميداني العملياتي كان للعبيدي إسهامات كبيرة، منها إشرافه على مهام التدخل السريع في جبهة المخدرة وصرواح غربي مأرب.

إذ كان يقود الكتيبة السابعة بالمنطقة العسكرية السابعة، وإلى جانب ذلك يعمل أيضا رئيسا لحركة الانقاذ الوطني.

وقد أظهر الجنرال اليمني بأسا شديدا في المعارك ضد الحوثيين عام 2015، حيث استخدمت مدرعاته مع القناصات 12/7 ملم محلية الصنع في أطراف محافظة مأرب تحديدا، ونجحوا في التصدي لهجوم المليشيات المدعومة إيرانيا.

ومع ذلك فقد خسر ابنه الوحيد أثناء المعارك في محيط مدينة "صرواح" غرب مأرب. 

شبهات وتساؤلات 

لذلك فإن تاريخ العبيدي ونفوذه ودوره في الجيش اليمني، جعل من مصرعه بهذه الطريقة محل شبهات وتساؤلات. 

خاصة أن وزارة الداخلية المصرية قد كشفت عن طبيعة الاغتيال بقبضها على خمسة متهمين بينهم ثلاث سيدات، مؤكدة أن دافع الجريمة هو "السرقة".

لكن وسائل الإعلام المصرية المحلية أوغلت في تفاصيل الحادثة، عندما ذكرت أن المتهمين تعرفوا على العبيدي، الذي دعاهم لزيارة منزله لقضاء "سهرة حمراء"، حسب زعمهم.

وهو ما تم بالفعل، إلا أنهما خططوا لسرقته ووضعوا منوما له خفية بهدف تنفيذ السرقة دون مقاومة.

ووفقا للرواية الأمنية، فإن المتهمين تفاجأوا بالعبيدي وقد كشف أمرهم وقاومهم، ما استدعى قيامهم بربطه ومن ثم طعنه، ما أدى إلى ارتطام رأسه بجسم صلب والتسبب في نزيف أفضى إلى موته.

تلك الرواية البوليسية دفعت نشطاء مصريين لربط الحادثة بواقعة الطالب الإيطالي المقتول قبل سنوات في القاهرة "جوليو ريجيني"، حيث تكاد تتطابق الواقعتان في المقصد والتفاصيل.

ففي 25 مارس/ آذار 2016، قالت شبكة "سي إن إن" الأميركية إن بيان وزارة الداخلية عن الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، أثار عاصفة انتقادات ساخرة. 

وكانت الداخلية المصرية، قد أعلنت العثور على حقيبة بها متعلقات ريجيني، وبينها قطعة داكنة تشبه مخدر الحشيش ومتعلقات نسائية.

وذلك بعد أن تمكنت من قتل عصابة إجرامية مكونة من 4 أشخاص، قالت إنها "متخصصة في انتحال صفة ضباط شرطة واختطاف الأجانب وسرقتهم بالإكراه".

وهو تماما ما حدث مع العبيدي إذ اتهمت عصابة بقتله، وأنه كان يقضي "سهرة حمراء" بها خمور ومواد مخدرة، بينما ريجيني قتلته عصابة أيضا وعثر في حقيبته على "حشيش" و"متعلقات نسائية".

والآن تكشفت حادثة ريجيني عن أن ضباطا كبارا في الداخلية المصرية هم الذين قتلوه وعذبوه حتى الموت.

وفي 20 فبراير 2024، بدأت محكمة الجنايات الأولى في العاصمة روما، إعادة محاكمة ضباط الأمن المصريين الأربعة المتهمين باختطاف وقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.

والمتهمون الأربعة، وهم جميعا ضباط في جهاز الأمن الوطني، هم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كامل محمد إبراهيم، والرائد مجدي إبراهيم عبد العال شريف، والنقيب حسام حلمي.

الأكثر من ذلك أن وكالة "آكي" الإيطالية للأنباء نقلت عن مصادر قضائية أن على رأس قوائم الشهود في القضية، تظهر أسماء كل من رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ماتيو رينزي، ووزير الخارجية الأسبق باولو جينتيلوني، بالإضافة إلى 3 من رؤساء الاستخبارات الذين تولوا المنصب على مر السنوات. 

ومع هذه التفاصيل المتقاربة بدأ نشطاء مصريون يطالبوا بمحاكمة عادلة للكشف عن مقتل "العبيدي" بعيدا عن الرواية الأمنية الدارجة.

اتهامات للإمارات 

وسرعان ما وجه سياسيون يمنيون أصابع الاتهام للإمارات بأنها تقف وراء مقتل اللواء اليمني "حسن جلال العبيدي". 

ونشر الباحث اليمني "أنيس منصور" رئيس مركز وموقع "هنا عدن" للدراسات الإستراتيجية عبر حسابه بموقع "إكس" معلقا على بيان الداخلية المصرية: "فلم هندي ومسرحية سمجة بين الاستخبارات المصرية والإماراتية، سيتم كشف الحقيقة وستبقى القضية حية".

بينما أورد السياسي اليمني علي النسي واقعة قتل ضابط يمني آخر في القاهرة بالتزامن مع مقتل العبيدي، وشكك أن الوقائع لا تنفصل وأن الغرض سياسي. 

وذكر في "إكس": "وفاة العميد علي حسن عبدالرحمن الشرفي بظروف غامضة أثناء توقيفه في قسم شبرا بالقاهرة وقد كان يعمل ضابطا في جهاز الأمن السياسي وتعرض لعدة محاولات اغتيال.. يبدو أن القاهرة لم تعد مكانا آمنا لإقامة الضباط والقادة العسكريين اليمنيين".

بينما أشار موقع "العربي نيوز" اليمني المحلي في 19 فبراير 2024، إلى الأسباب التي قد تكون وراء مقتل العبيدي، وإلى شبهة تورط الإمارات.

ونقل عن مسؤولين في وزارة الدفاع اليمنية المعترف بها أن من حاولوا اغتياله سابقا أرادوا إعاقة استمراره في تصنيع الأسلحة الثقيلة.

وذكرت تحديدا العرض العسكري لقوات الجيش الوطني الذي أقيم في نهاية سبتمبر/ أيلول 2023 بمدينة مأرب.

وأنه كان الدافع الرئيس لبدء تخطيط أعداء الجيش، خاصة الإماراتيين، لعملية التخلص من رئيس دائرة التصنيع الحربي اللواء العبيدي.

ونوهت إلى امتلاك الجيش نهاية سبتمبر، أسلحة ثقيلة، تمكنه من الردع والحسم، بعدما ظل طوال سنوات الحرب محروما منها.

وأفصح المسؤولون العسكريون للموقع اليمني عن طبيعة زيارة العبيدي، للقاهرة، ودافع جريمة اغتياله البشعة بعد تعرضه لاستجواب عنيف قبل قتله طعنا داخل شقته.

وأشارت إلى أن الجهة ذات المصلحة في اغتيال اللواء وإعاقة مهمته هي الإمارات، خاصة أنه عكف منذ أشهر على تنفيذ تحركات واسعة، لتزويد الجيش الوطني بأسلحة ثقيلة تتضمن صواريخ، وأنه أجرى عدة زيارات إلى تركيا في الفترة الأخيرة لأجل هذا الهدف.

وذلك بالتوازي مع نشاطه المكثف أخيرا وعقده لقاءات مع مختلف الأطراف لبلورة رؤية إنقاذية لليمن سياسيا واقتصاديا.

لماذا الإمارات؟

قتل العبيدي واتهام أبوظبي بتصفيته، جاء في وقت نشرت فيه هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تحقيقا في 23 يناير/ كانون الثاني 2024 عن الاغتيالات.

وجاء التحقيق، تحت عنوان "الحرب في اليمن: الاغتيالات السياسية الممولة من قبل الإمارات" وتسبب في انزعاج الدولة الخليجية وغضبها. 

ورغم نفي "أبوظبي" ما جاء في التحقيق البريطاني عن وقوفها وراء موجة من الاغتيالات بدوافع سياسية في اليمن إلا أن كثيرا من الأدلة تؤكد تورط الإمارات في  جرائم الاغتيالات.

خاصة أن تحقيق "بي بي سي" ليس الأول من نوعه، وسبقته كثير من وسائل الإعلام في رصد تلك الاغتيالات.

ففي عام 2018، كشف مركز "هنا عدن" للدراسات الإستراتيجية، عن دور الإمارات في عمليات اغتيال نفذت باليمن، وذكر أن 2016، كان أكثر الأعوام دموية.

وبين المركز اليمني أن عددا كبيرا من ضحايا الاغتيالات هم من أبناء مدينة عدن بالمرتبة الأولى.

ثم يليهم أبناء محافظات أبين ومأرب (بلدة العبيدي)، خاصة الشخصيات العسكرية والأمنية.

وذكر التقرير أن اغتيالات الإمارات شملت القادة العسكريين (مثل العبيدي)، والمسؤولين الأمنيين والقضاة والناشطين والسياسيين وقادة الرأي.

وكذلك ذوو التأثير من مختلف القوى السياسية والتيارات الدينية. ومن أبرز الشخصيات التي اغتالتها الإمارات محافظ عدن اللواء جعفر محمد سعد.

كما أفاد أن رجال الأمن والعسكريين تصدروا قائمة ضحايا الاغتيالات بـ 36 عملية، يليهم المسؤولون المحليون بـ7 عمليات.

ثم السياسيون بـ 4 عمليات، فالصحفيون بـ 3 عمليات، والأكاديميون بعمليتين، وفق تقرير المركز اليمني.