الإدارة الأميركية تطلق العنان لشركات السلاح.. هل تقترب من "فخ الحرب"؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

يرى موقع "تيليبوليس" الألماني أن الولايات المتحدة تسقط بشكل متزايد في فخ الحرب، إذ إن الإستراتيجية الصناعية الدفاعية الجديدة لإدارة الرئيس جو بايدن تمثل منحة كبيرة لشركات السلاح الأميركية. 

وفي رأيه، يقود البيت الأبيض الولايات المتحدة إلى "خندق مالي قد لا تتمكن من الخروج منه"، حيث "تعمل إدارة بايدن على تضخيم صناعة السلاح للوفاء بالتزامات الدفاع الخارجية".

وفي هذا التقرير، يفند الموقع تفاصيل الإستراتيجية الجديدة التي تتبعها إدارة بايدن، موضحا التداعيات التي قد تواجه الولايات المتحدة بسببها خلال الأعوام المقبلة.

"تحول جيلي"

في بداية التقرير، يلفت الموقع الألماني إلى أن الإستراتيجية الصناعية الدفاعية الوطنية الجديدة تقترح إحداث تحول جيلي في صناعة السلاح من أجل التعاطي مع اللحظة الإستراتيجية الراهنة.

وهي اللحظة التي تهيمن عليها المنافسة مع الصين ودعم الولايات المتحدة لحرب أوكرانيا ضد روسيا والحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.

فبدلا من إعادة تقييم إستراتيجية الأمن القومي المتطرفة، تعمل إدارة بايدن على تصعيد الأوضاع.

حيث تقترح موجة جديدة من الاستثمار لتوسيع صناعة السلاح التي تفشل بشكل عام في تلبية معايير التكلفة والجدول الزمني والأداء.

وفي نهاية المطاف، فإن الإدارة الأميركية ليس لديها رؤية لكيفية تقليص التكاليف الصناعية العسكرية الأميركية.

ويعود بنا الموقع الألماني إلى وقت انتهاء الحرب الباردة -وهي الفترة الزمنية للصراع والتنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وحلفائهم من فترة منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات-، حيث يسلط الضوء على تقليص ميزانية الأمن القومي. 

ويوضح أن وزير الدفاع آنذاك ليزي آسبن ونائبه ويليام بيري استدعيا قادة الصناعة إلى اجتماع عُرِف فيما بعد باسم (العشاء الأخير) للترويج لتوحيد صناعة الدفاع.

وبموجب هذا الاجتماع، كان يجب على مصنعي الأسلحة توحيد قواهم أو التوقف عن العمل، مما أدى إلى تخفيض عدد المقاولين الرئيسين من أكثر من 50 إلى 5 فقط. 

وبينما اضطر المقاولون إلى تقليص قدراتهم وتكاليفهم الصناعية، فإن الدمج غير المنضبط أدى إلى خلق قطاع الدفاع الاحتكاري الذي نعيشه اليوم، وهو القطاع الذي يعتمد بشكل كبير على العقود الحكومية ويتمتع بقدر كبير من الحرية في التسعير.

وفي العقود الأخيرة، استخدم المقاولون قوتهم الاقتصادية المتنامية للحصول على موطئ قدم في الكابيتول هيل. حيث عززوا نفوذهم الاقتصادي والسياسي لدرء إمكانية تخفيض ميزانيات الأمن القومي في المستقبل، بغض النظر عن أدائهم أو البيئة الجيوسياسية.

فشل على مدى عقود

وبالعودة إلى الوقت الراهن، يقول الموقع الألماني إن توسيع القاعدة الصناعية العسكرية على مدى جيل كامل لن يؤدي إلا إلى تعزيز صناعة السلاح وتعميق الصدع الذي ظلت الولايات المتحدة تغرس فيه نفسها لعقود من خلال الزيادة المستمرة في الإنفاق على الأمن القومي.

جدير بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة تنفق على الأمن القومي أكثر مما تنفقه الدول العشر التي تليها مجتمعة، متفوقة على الصين وحدها بنسبة تزيد على 30 بالمئة.

ومن عجيب المفارقات أن البيت الأبيض يعترف في هذه الإستراتيجية بأن "أمن أميركا الاقتصادي وأمنها القومي يعزز كل منهما الآخر"، وأن "القوة العسكرية للبلاد تعتمد جزئيا على القوة الاقتصادية الشاملة".

وتمضي هذه الإستراتيجية لتقول إن "تحسين الاحتياجات الدفاعية للبلاد يتطلب عادة مقايضات بين (التكلفة والسرعة والحجم)".  

وهنا، يتعجب الموقع الألماني من عدم وجود أي ذكر لـ"جودة الإنتاج الصناعي"، وهو ما يمكن وصفه بأنه أكبر صفقة قدمتها حكومة الولايات المتحدة في مجال المشتريات العسكرية.

وفي هذا الصدد، يدعو لتأمل القاذفة "B-2" والطائرة المقاتلة "F-35" والطائرة "V-22 Osprey"، بالإضافة إلى العديد من الأمثلة الأخرى على فشل المشتريات على مدى عقود من الزمن. 

فكما أفاد مكتب محاسبة الحكومة الأميركية أخيرا بأنه "على الرغم من انخفاض عدد برامج المشتريات الدفاعية الرئيسة، إلا أن التكاليف ومتوسط ​​أوقات التسليم زادت بشكل ملحوظ".

ويتساءل الموقع الألماني: "إذن، ما الذي يجنيه الجيش حقا من إنفاق المزيد والمزيد على الصناعات الدفاعية؟"

لافتا الأنظار مرة أخرى إلى حقيقة أن "إنتاج الأسلحة هو أقل من المطلوب وعادة ما تكون متأخرة وتتجاوز الميزانية وغالبا ما تكون غير فعالة".

وفي هذا السياق، ينقل الموقع توقعات مكتب الميزانية في الكونغرس بأن "يتجاوز الإنفاق على العمليات والصيانة معدل التضخم بشكل كبير على مدى العقد المقبل".

موضحا أن هذه هي المشكلة الأكبر في ميزانية المؤسسة العسكرية، والتي يبدو أنها لا تخطط لتحسين هيكل قوتها أو تقليص تكاليفها الصناعية. 

ويلفت الموقع إلى أن "إستراتيجية بايدن الدفاعية الجديدة تنص على أن الولايات المتحدة يجب أن تعمل بقوة أكبر نحو قدرات الجيل الخامس المبتكرة مع الاستمرار في ترقية أنظمة الأسلحة التقليدية الحالية وإنتاجها بشكل كبير". 

بنية تحتية غير ضرورية

ومن المفارقات، بحسب الموقع الألماني، أن "الجيش أمضى أكثر من عقدين من الزمن في تطوير طائرة "F-35"، وهي تقنية لم يوافق البنتاغون بعد على إنتاجها بشكل كامل".

وبهذا الشأن، يعتقد الموقع أن "ضخ المزيد من الأموال في قاعدة صناعية مكونة من شركات أكبر من أن يُسمح لها بالإفلاس لن يؤدي إلى زيادة كمية أو جودة الإنتاج". 

وهذا هو بالضبط ما تسعى إليه الإستراتيجية، حيث يوضح الموقع أن إحدى الأولويات هي "إضفاء الطابع المؤسسي على سلسلة التوريد".

وفي هذا السياق، يقول الموقع إن ما تسعى إليه الإدارة هدف مهم، لكنه هدف تقترحه على البنتاغون جزئيا من خلال الاستثمار في "الطاقة الإنتاجية الاحتياطية".

وهو ما تعرفها الإستراتيجية على أنها "القدرات الفائضة التي تحتفظ بها الشركة أو المؤسسة بما يتجاوز احتياجات الإنتاج الحالية".

ومع ذلك، يؤكد الموقع على أن "بناء المصانع التي تظل فارغة لا يسهم في استقرار سلسلة التوريد، بل هو إهدار للمال على البنية التحتية غير الضرورية التي تعطي مصنعي الأسلحة دافعا للربح لإنتاج المزيد من الأسلحة". 

كما يشير إلى أن خطط البنتاغون لاستثمار أموال دافعي الضرائب الأميركيين في "القدرة الإنتاجية الاحتياطية" تبدو أشبه بتجاوز مبدأ العرض والطلب.

وفي هذه الحالة، ربما تفكر الولايات المتحدة أيضا في "تأميم صناعة الدفاع"، والتي أصبحت بالفعل غير قادرة على المنافسة وتعتمد بشكل كامل تقريبا على الحكومة. 

وهنا، يتساءل الموقع: "لماذا لا يتم القضاء على دافع الربح؟"، لا سيما أن كسب المال لا يدفع المقاولين إلى إنتاج منتجات عالية الجودة في الوقت المحدد أو في حدود الميزانية.

ورغم سلبيات الإستراتيجية الجديدة الواضحة، تبررها الحكومة قائلة إنه "في "بيئة التهديد المتغيرة" تتغير الأولويات، وهو ما يجعل من الضروري تغيير أداء المقاولين أيضا". 

ولكن، وفق رأي الموقع، فإن الجمع بين المتطلبات المرنة والعدد المتزايد من العقود متعددة السنوات يشكل "وصفة أكيدة للكارثة".

في نهاية التقرير، يقترح أن "يتحد المشرعون ضد إستراتيجية الأمن القومي المتطرفة التي تنتهجها الإدارة".

ومن وجهة نظر الموقع، هذا أمر بالغ الأهمية، لأن جشع صناعة السلاح لا يعرف حدودا".

مشددا على أنه "بدون بدائل أو قيود، يمكن لحكومة الولايات المتحدة أن تجد نفسها، بعد 20 أو 30 عاما، في خندق لا يمكنها الخروج منه".