"الحرية والتغيير" السوداني.. لماذا وقفت مع حميدتي ومجازره ضد البرهان؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

عقب انقلاب الجيش والدعم السريع على الرئيس السوداني عمر البشير عام 2019 بعد مظاهرات عنيفة، شكلت قوى يسارية وليبرالية "قوى الحرية والتغيير" الذي شارك في الحكم مع العسكر خلال الفترة الانتقالية.

ورغم معاودة الجيش والدعم السريع انقلابهما معا على هذه القوى المدنية أيضا عام 2021، فقد انحاز هذا التيار لـ"الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" ضد الجيش، بحجة أن هذه المليشيات وعدتهم بالديمقراطية والحكم.

سياق تاريخي

محللون سودانيون أوضحوا لـ"الاستقلال" أن السبب الفعلي لوقوف هذا التيار مع مليشيا حميدتي ضد الجيش لا علاقة له بالديمقراطية، بقدر ما هو مكايدة للجيش الذي تقرب من الإسلاميين عقب انقلاب 2021.

وأكدوا أن تيار "الحرية والتغيير" يكرر نفس أخطاء "جبهة الإنقاذ" المصرية التي ضمت قوى يسارية وليبرالية، تحالفت مع جنرالات الجيش لإعادة حكم العسكر، لمجرد رفضهم مشاركة الإسلاميين في الحكم، ما أدى إلى ضياع الديمقراطية بمصر والسودان وأعاد الحكم العسكري.

وشددوا على أنه بمجرد انتهاء حرب السودان لن يكون هناك أي دور لتيار "الحرية والتغيير" الذي حرق نفسه بدعمه لمليشيا حميدتي، التي قامت بمجازر وفظائع بين المدنيين، ووقوفه ضد غالبية الشعب الذي عانى من جرائم "الدعم السريع".

وسعى حميدتي عقب دخوله حربا مع الجيش للضرب على وتر "عودة الفلول" في إشارة إلى حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم سابقا، المتحالف مع تيارات إسلامية، وزعم أن حربه من أجل منع عودة الإسلاميين، وأعلن تحالفه مع "الحرية والتغيير".

بالمقابل، أعلنت التيارات الإسلامية كافة في السودان دعمها للجيش وشكلت مليشيا شعبية كانت وراء نجاحات الجيش الأخيرة واستعادته أم درمان ومبنى الإذاعة والتلفزيون والتقدم نحو مدينة بحري لاستعادة بقية العاصمة المثلثة بعد الخرطوم وبحري.

وعودة إلى الوراء قليلا، وأثناء المظاهرات التي سبقت الانقلاب العسكري على نظام البشير، المتحالف مع تيارات إسلامية، نشأ ما سمي "تجمع المهنيين" الذي سرعان ما غير اسمه إلى "قوى الحرية والتغيير"، ويرمز له باسم (قحت).

وبرز دورها بشكل كبير في فترة الاحتجاجات السودانية التي اندلعت نهاية عام 2018 واستمرت حتى الإطاحة بحكم البشير.

عقب نجاح إسقاط البشير، جرى دمج "تجمع المهنيين السودانيين" مع "قوى نداء السودان" وشكلوا سويا "تحالف إعلان الحرية والتغيير" من عدة منظمات وأحزاب وحركات يسارية وليبرالية.

ونشأ تجمع المهنيين السودانيين، الذي يضم أكاديميين مهندسين وأطباء وأساتذة جامعات عام 2013 بعد الاحتجاجات التي جرت في سبتمبر/أيلول 2013، وتم الإعلان الرسمي عنه في أغسطس/آب 2018، مع التعتيم على أعضائه لأسباب أمنية.

أما "قوى نداء السودان" فظهر في ديسمبر/ كانون الأول 2014، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وضمت عدة أحزاب وحركات سياسية وتنظيمات معارضة أبرزها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي.

كما ضمت تنظيمات مسلحة مثل الجبهة الثورية المسلحة المكونة من "حركة تحرير السودان فصيل "مني أركو مناوي" و"حركة تحرير السودان" فصيل عبد الواحد نور و"حركة العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم و"الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال" ياسر عرمان.

وأيضا ما سُمي "قوى أحزاب الإجماع الوطني" التي تضم مجموعة من المعارضة أبرزها "الحزب الشيوعي السوداني" و"المؤتمر السوداني المعارض" وحزبي "البعث" و"الناصريين" ومنظمات مجتمع مدني.

الاتفاق الإطاري

واتفقت قوى إعلان الحرية والتغيير مع المجلس العسكري على تقاسم السلطة، وفترة انتقالية وانتخابات، مع استبعاد الإسلاميين من كل المراحل، بزعم أنهم هم "الممثل للشعب السوداني".

وفي يوليو/تموز 2019، دخلت "قحت" في مفاوضات مع المجلس العسكري انتهت بتوقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، سمي بالوثيقة الدستورية.

ونصت الوثيقة على تأسيس "مجلس السيادة" برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وعيّن عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء.

وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن البرهان حالة الطوارئ، وأطاح بحكومة حمدوك وحل حكومته ومجلس السيادة.

عارضت قحت "الانقلاب" الذي قام به البرهان، ودعت إلى مظاهرات شعبية لمعارضته، وتفاوضت معه حتى تم طرح ما عرف بـ"الاتفاق الإطاري" مع قادة الجيش.

إلا أن اندلاع المواجهات في الخرطوم منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش والدعم السريع حالت دون توقيع هذا الاتفاق.

وبسبب سعيهم لاحتكار السلطة وإبعاد الإسلاميين والجيش معا، وقعت خلافات داخل تيار الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، وانشق عنه تيار آخر هو "الحرية والتغيير-الكتلة الديمقراطية" الذي تحالف مع الجيش وانتقد الدعم السريع.

وأيدت هذه الكتلة قرار البرهان بحل حكومة حمدوك، وأعلنت قبولها بمشاركة كل الأطياف السياسية بما فيهم الإسلاميون في الانتخابات المقبلة لانتخاب رئيس وبرلمان ديمقراطي.

وأدي تحالف "قوى الحرية والتغيير" مع الدعم السريع ولقائهم قائدها حميدتي وتوقيع اتفاقات معه لانتشار حالة عداء شعبية ضدهم، وانتشر وسم (#قحت_لا_تمثلني) بين السودانيين.

وخلال لقاء وفد "الكتلة الديمقراطية" مع المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، بالعاصمة المصرية القاهرة في 19 مارس 2024، أكد الوفد السوداني في بيان أنه نقل إلى المسؤول الأميركي تصوره لسبب الحرب الأهلية.

وأوضح أن السبب الرئيس وراء اندلاع الحرب "يعود لمحاولة بعض القوى السياسية احتكار العملية من خلال الاتفاق الإطاري، وإقصاء معظم القوى الأخرى"، في إشارة إلى القوى التي تمثل الحرية والتغيير (المجلس المركزي).

ورفضت "الكتلة الديمقراطية" الاتفاق الإطاري، الذي وقعه الجيش والمجلس المركزي لـ"الحرية والتغيير" في ديسمبر 2022، وقالت إنه "يقصي مكونات سياسية رئيسة، ويحتكر السلطة لقوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي".

ونص الاتفاق الإطاري على فترة انتقالية عامين، وتشكيل سلطة انتقالية مدنية، ومجلس سيادي يمثل رأس الدولة، والنأي بالجيش عن السياسة وممارسة الأنشطة الاقتصادية، ودمج الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش.

"الإقصاء" شعار

عقب الانقلاب على البشير، بعد مظاهرات قادتها "الحرية والتغيير" وتيارات أخرى، كانت هذه القوى تطالب بإقصاء الحزب الحاكم سابقا (المؤتمر الوطني) من أي ترتيبات مستقبلية.

لكن ما جرى أن هذه القوى المحسوبة على التيارات اليسارية والليبرالية، بدأت توسع من سياسة "الإقصاء" لتشمل كل من ينتمي للتيار الإسلامي، حتى من عارضوا البشير واختلفوا معه، رغم أنهم رفعوا شعار الديمقراطية وتداول السلطة.

وفعلوا ذلك لأسباب أيدولوجية، أظهرتها بجلاء تجربة الربيع العربي والثورة المضادة، تتعلق برفض التيار اليساري والليبرالي العربي أي وجود أو مشاركة للإسلاميين، بحجة أن الشعب يتعاطف معهم في النهاية وينتخبهم، وفق محللين.

دبلوماسي سوداني سابق أكد لـ"الاستقلال" أن مشكلة إقصاء الإسلاميين كانت أمرا محرجا للجيش بسبب وجود إسلاميين داخله، أو متعاطفين معهم بحكم أن غالبية تشكيلات الجيش الحالية جاءت خلال فترة حكم البشير للسودان (30 عاما).

وأوضح أن قادة "الحرية والتغيير" أخطأوا بإقصاء التيار الإسلامي الذي له قاعدة شعبية عريضة في البلاد، وحين ناصبوا قوى سياسية عديدة العداء لأنهم طالبوا أيضا بإقصائها بحجة تعاطفهم مع الإسلاميين، رغم أن بعضهم شارك في مظاهرات إسقاط البشير.

وأشار إلى أن أحد أسباب تراجع شعبيتهم هي أنهم قادوا "معركة أيديولوجية" لا سياسية حول الإسلام وعلاقته بالسياسة، واستفز بعضهم المشاعر الدينية بطريقة أغضبت الكثير من الإسلاميين والشعب عموما، مكررين نفس أخطاء التيارات الليبرالية واليسارية في دول الربيع العربي، خصوصا مصر.

وأشار لذلك الأستاذ بجامعة الإمارات، يوسف خليفة اليوسف، عبر منصة "إكس" في 7 يونيو/ حزيران 2019، مؤكدا أن مما أضعف موقف الحرية والتغيير "ممارستهم للإقصاء المطلق، وخسرانهم لتأييد شريحة واسعة من الإسلاميين الذين لا يتحملون مسؤولية مباشرة لممارسات نظام البشير".

قلنا مرارا بان مما اضعف موقف قوى الحرية والتغيير في موجهة العسكر ممارستهم للإقصاء المطلق وخسرانهم لتأييد شريحة واسعة من الإسلاميين الذين لا يتحملون مسؤولية مباشرة لممارسات نظام البشير ... الإقصاء يجب ان يمارس بحكمة وعبر القنوات القانونية والا فان شرعية قوئ التحرير تصبح في تراجع

— Prof Yousif AlYousif (@Prof_Yousif) June 7, 2019

الجيش و"التغيير"

ظل موقف الجيش مؤيدا ضمنا لمطالب تيار "الحرية والتغيير" الخاصة بإقصاء حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم سابقا، لكنه متذبذب من قبول إقصاء الإسلاميين لوجود تعاطف معهم داخل الجيش، وقناعة عسكريين أن الإقصاء لا يحل مشاكل البلاد ويجعل فصيل (اليسار) يحكم وحده السودان.

لكن "الاتفاق الإطاري" الذي وقعه الطرفان لحل مشكلة السودان السياسية، كان غريبا لأنه يُقصي الجيش وبقية القوى السياسية، لصالح تيار يساري وحيد.

لذا توقع مركز "كارنيغي" الدولي في 12 يناير/كانون الثاني 2023 انهياره لأنه بين "تحالفين ضعيفين".

الأول هو الجيش والقوى المؤيدة للانقلاب التي أدركت أنها غير قادرة على حكم بلد يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية وعسكرية، معظمها من صنعها.

والثاني يتمثل في "معسكر منقسم" –الحرية والتغيير- يفتقر إلى دعم قاعدته الانتخابية الرئيسة، والذين يرون الاتفاق "محاولة فاشلة لإرساء حكم مدني".

وفي 11 يناير 2023 قال عضو مجلس السيادة، ياسر العطا، لصحيفة "الشرق الأوسط" أن "الاتفاق الإطاري أتى لخدمة المجلس المركزي للحرية التغيير، ولإقصاء الآخرين والسيطرة عليهم والانفراد بالسلطة".

ثم أطلق تصريحات تشير ضمنا إلى أن الاتفاق الإطاري "غير صالح لأنه يقصي قوى سودانية"، وألمح لرفض الجيش إقصاء الإسلاميين كما كان يطالب تيار "الحرية والتغيير".

وجاءت الحرب الأهلية بين الجيش والدعم السريع في أبريل 2023، وانحياز تيار "الحرية والتغيير" للدعم السريع، لتقضي على هذا الاتفاق الإطاري تماما.

وبدأ جليا أخيرا مع تقدم الحرب رفض الجيش لمشاركة قوى الحرية والتغيير في الفترة الانتقالية لأنه يتهمهما بالوقوف خلف الدعم السريع. 

وفي توضيح قوي لخطط الجيش لمرحلة ما بعد الحرب في السودان، قال ياسر العطا إن "الجيش لن يسلم السلطة إلى المدنيين إلا عبر الانتخابات"، ما يعني رفض عودة تيار الحرية والتغيير لقيادة حكومة مدنية وفق الاتفاق الإطاري.

وجاءت تصريحات العطا في 16 مارس 2024، خلال لقائه مع أحزاب موالية للجيش، ومناهضة لتحالف الحرية والتغيير الذي كان شريكا للجيش والدعم السريع في السلطة قبل اندلاع المعارك في أبريل 2023.

الموقف الأميركي

وفي مؤشر آخر على تخلي الجيش عن "الاتفاق الإطاري" مع قوى الحرية والتغيير، تحدث الجيش في 19 مارس 2024 عن خطة لإنشاء "هيكل سلطة" منافس وانتخاب برلمانات محلية وقومية، وبالتالي رفض فكرة الحكومة الانتقالية التي كانت تقودها "الحرية والتغيير".

وأعلن ياسر العطا أنه سيتم انتخاب لجان من المقاومة الشعبية لتكوين برلمانات على المستوى الولائي والقومي تتولى مسؤولية تعيين رئيس الوزراء وولاة الولايات.

وطالب لجان المقاومة الشعبية المؤيدة للجيش، بانتخاب ممثلين لها على مستوى الأحياء يختارون بدورهم ممثليهم على مستوى المحلية، وأن تنتخب الأخيرة ممثلين لها في برلمان الولاية الذين بدورهم يختارون نوابا لهم في البرلمان الشعبي الاتحادي الانتقالي.

وأضاف "بعدها تجلسون مع الرئيس ونائبه وتقولون هذا هو رئيس الوزراء عينه لنا وهؤلاء هم الوزراء"، وأردف "أليس هؤلاء مدنيين وانتخابات وديمقراطية؟ أين تكمن المشكلة؟".

وأوضح العطا أن "البرلمان الولائي سيختار الوالي ويقدمه للرئيس ثم يقوم الوالي بالمشورة مع برلمان الولاية بتعيين حكومة الولاية".

وبعد ذلك وجه العطا خطابه لقوى الحرية والتغيير قائلا إنه حال رفضهم لهذه العملية، فإن "القوى الخارجية من مصر وعملية جدة أو المنامة أو الإيغاد أو الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن أو الأمم المتحدة لن تجد لهم حلا آخر".

وشدد على أن "الحل عند الشعب السوداني الذي اتخذ قراره وفوض الجيش الذي يقوم بتنفيذ تعليماته".

ويبدو أن الموقف الأميركي بدأ يتغير نسبيا، مع عودة الإسلاميين، عبر القوى الشعبية التي حاربت مع الجيش ضد حميدتي ومن خلفه قوى الحرية والتغيير، وبدأ يقبل بمشاركة الإسلاميين في أي حل مقبل، بعدما ظلت المعارضة اليسارية تستبعد الإسلاميين.

فخلال زيارة المبعوث الأميركي الخاص الجديد بالسودان، بيرييلو، إلى القاهرة في 19 مارس 2024، والتي التقى خلالها مع وزير خارجية النظام المصري سامح شكري، وعدد من القيادات السياسية والإعلامية السودانية في مصر، ألمح إلى ضرورة عدم استبعاد الإسلاميين.

أيضا كان ملفتا أن بيرييلو ألقى باللوم على القوى السياسية التي شاركت في الحكم (الحرية والتغيير) والتي رأى أنها "لم ترتق إلى مستوى الأزمة، وأنها لا تمثل الشعب السوداني".

وقال بيرييلو إن "النظام القديم"، في إشارة لنظام البشير المتحالف مع إسلاميين، إذا كان يتوفر فعلا له سند شعبي "فاتركوا له المجال".

وهو ما يُفهم منه أن الإدارة الأميركية ربما أيقنت ضرورة الحوار الشامل الذي لا يستثني أحدا، وفق موقع "المحقق" السوداني في 19 مارس 2024.

ويشير محللون سودانيون إلى أن "عدم الإقصاء" في الأزمة صار توجها حتميا على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، بعد التأكد من أن طريقة قوى الحرية والتغيير الإقصائية للإسلاميين من الحياة السياسية، "لم تأت أكلها".

وضمن الحلول الأميركية، أشارت الصحف السودانية إلى أن المبعوث الخاص تناول في مباحثاته بالقاهرة أيضا الدعم الإماراتي للدعم السريع، وعده "هو السبب في إطالة الحرب".