بعد الهجوم على "توساش" التركية.. كيف انقسم هيكل “بي كا كا” إلى 5 أجزاء؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

توقفت التحليلات في الداخل التركي عند سياق التوقيت واختيار الهدف وطريقة الهجوم الذي استهدف منشأة شركة الصناعات الجوية والفضائية (توساش) بالعاصمة أنقرة في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.

ونشر مركز "سيتا" التركي مقالا للكاتب، مراد أصلان، سلط فيها الضوء على أن “هذا الهجوم الإرهابي جدير بالملاحظة من حيث التناقضات داخل حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، فضلا عن حقيقة أنه يتزامن مع مشاركة سياسية جديدة”.

وقال الكاتب التركي إنه "من غير المفاجئ أن يتبنى الجناح المسلح لحزب العمال الكردستاني (قوات الدفاع الشعبي) في قنديل (جبال شمال العراق) الهجوم من خلال بيان صحفي طويل".

واستدرك: "لكن من المثير للاهتمام أن حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) يتظاهر بأنه لم يكن على علم بالهجوم، ومن الواضح أن المنظمة تحاول تبرئة نفسها".

بيئة جديدة

ورأى أصلان أن "الهجوم على شركة توساش التركية، الذي وصفته قوات الدفاع الشعبي بأنه عمل (فدائي)، يبدو أنه جرى بهدف تخفيف الضغط عن قنديل".

ولفت إلى أنه “من المحتمل أن المنظمة أدركت أنها لم تتمكن من إدارة العملية مع زعيم التنظيم المعتقل عبد الله أوجلان، وتسعى حاليا لكسب المزيد من المرونة، ويجب علينا أن نفهم خلفية هذه المبادرة ونحلل حسابات المنظمة”.

وأشار الكاتب إلى أن "مصافحة زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي غير المتوقعة مع نواب حزب المجتمع الديمقراطي (ديم/كردي) في البرلمان، وكذلك دعوته خلال اجتماع حزبه قد تسببت في حدوث زخم سياسي".

واستطرد: "مع تقديم حزب المجتمع الديمقراطي لرسائل إيجابية ظهرت بيئة جديدة تدعو إلى عملية جديدة، لكن هذه التطورات أصبحت موضع تساؤل فجأة بسبب الهجوم الإرهابي على توساش".

وما لفت الانتباه “هو الفيديو الذي نشره الإرهابي مراد قارايلان، القائد العام لقوات الدفاع الشعبي في قنديل، على وسائل التواصل الاجتماعي في نفس الفترة الزمنية للهجوم”.

وأعلن قارايلان بشكل واضح أنهم هم من يديرون "العمليات"، مشيرا إلى أوجلان وموجها درسا لحزب المجتمع الديمقراطي.

وفي الوقت الذي كان يزعم فيه حزب العمال الكردستاني منذ سنوات بأن "الحل في يد أوجلان"، فقد أعطى قارايلان فجأة رسالة مفادها أن "الحل في قنديل".

من جهة أخرى، أدان حزب المجتمع الديمقراطي “للمرة الأولى هجوما إرهابيا لحزب العمال الكردستاني، كما وجه زعيم حزب الشعوب الديمقراطي المحظور صلاح الدين دميرطاش رسالة إلى قنديل بتصريح قال فيه: لن نسمح هذه المرة بقمع صوت من يريدون السلام، بغض النظر عن مصدره”.

وأضاف أن "الرسالة التي أطلقها أوجلان خلال زيارة لأقاربه في 24 أكتوبر، والتي ذكر فيها: لدي القوة النظرية والعملية لتحويل هذه العملية من أرض الصراع والعنف إلى أرض قانونية وسياسية"، يمكن أن تُفهم على أنها دعوة لضرب قنديل لأول مرة".

خمسة أجزاء

واستدرك الكاتب التركي أن هيكل الحزب مقسم إلى خمسة أجزاء: “قنديل، أوجلان، ديم، دميرطاش وشمال شرق سوريا”. 

ورأى أن “قنديل بقيادة مراد قرايلان تقلل من نفوذ أوجلان وتذكر الجماهير بسلطتها”.

بالإضافة إلى أن “القيادة في قنديل تسعى إلى إخضاع الأقطاب الأخرى لسيطرتها لتعزيز هيمنتها وترسيخ نفوذها”.

ورغم ذلك، فإن قنديل غير واثقة من نفسها بعد فشلها في تحقيق "الانتفاضة الشعبية" على مدار 46 عاما. 

وقد يكون هذا هو السبب وراء بيان "قوات الدفاع الشعبي" الصادر في 25 أكتوبر والذي يهدف إلى تعزيز موقف قنديل، وفق أصلان.

وتابع: "من جهة أخرى يعتقد أوجلان، رغم كونه محكوما بالمؤبد المشدد، أنه لا يزال يسيطر على التنظيم. ويذكر بفخر أنه قد صاغ أيديولوجية التنظيم من خلال محور (الفرض والقوة)، حتى لو لم يكن يمارس هذه الأيديولوجية بشكل فعلي".

بينما يسلط قارايلان الضوء في خطابه على مفهومي "النظرية والممارسة"، ويشير إلى أن قنديل تنفذ الأفكار النظرية على أرض الواقع على عكس أوجلان.

ولفت الكاتب التركي النظر إلى موقف حزب المجتمع الديمقراطي التي أدانت الهجوم بشدة، والتي تجد نفسها “في موقف صعب بين قطبين”. 

وقال إن "التحدي يكمن في التوازن بين الولاء لزعيم قديم والبقاء تحت تهديد السلاح". 

لذلك، يجب أن يوازن الحزب بين المسار السياسي وطموحات قنديل، إضافة إلى ذلك لا يمكن تجاهل دور دميرطاش في هذا السياق. 

فإن دميرطاش يسعى لقيادة الامتداد السياسي للمنظمة ويعتقد أنه قد يحظى بدعم شعبي. ورغم حرمانه من حلم أن يكون بديلا لأوجلان، قد يرغب في إطلاق سراحه لضمان عدم تخلفه عن الآخرين.

استقطابات حادة

وأردف أصلان بأن "قنديل حاليا في معركة من أجل البقاء، فرغم ادعائهم بأنهم لا يعطون الأولوية للإجراءات في تركيا بسبب الخيارات الإستراتيجية، إلا أن هناك أربع مشكلات تشغل بالهم".

أولا، الهدف الذي لم يتحقق في تركيا منذ 46 عاما يبتعد عنهم أكثر كل عام، بالإضافة إلى أن المشاركة قليلة، ولا يوجد دعم شعبي، غير أنهم يعتمدون على فئة من السوريين للبقاء.

ثانيا، العمليات الناجحة التي تنفذها القوات المسلحة التركية والمخابرات التركية، فرغم أن قنديل تحاول نشر قصص نجاح لهم، إلا أن كل جزء من السلسلة التي تربط "النظرية بالتطبيق على الأرض" يتعرض للضرب، وهذا يخلق نوعا من جنون الارتياب الذي يصعب تفسيره.

ثالثا، يعد الوضع في شمال العراق أحد المشاكل، حيث اتفقت حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية العراقية مع تركيا، مما جعل وجود حزب العمال الكردستاني في العراق يسبب المزيد من المشكلات. 

ومع انسحاب الولايات المتحدة من العراق، فإن هناك تصورا بأن حزب العمال الكردستاني قد يصبح لعبة في يد إيران.

أخيرا، أصبح حزب الاتحاد الديمقراطي أكثر بروزا في شمال شرق سوريا بدعم أميركي، ولم يعد يرغب في أن يكون تابعا لقنديل. 

كما أن انسحابات حزب العمال الكردستاني من شمال العراق أضعفت مصداقيته في نظر حزب الاتحاد الديمقراطي. 

أما التطبيع مع نظام بشار الأسد، فهو يثير قلقا بشأن المستقبل القريب.

مفاهيم خيالية

وقال أصلان: "يجب فهم النجم الخماسي لحزب العمال الكردستاني على أنه يمثل الاستقطابات بين أوجلان، وحزب المجتمع الديمقراطي، ودميرطاش، وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي". 

وشدد على أن “هناك انقساما عاما بين من اتخذوا موقفا حول من سيدير العملية، وبين من لديهم تردد”. 

وأوضح أصلان أن “المنافسة بين أوجلان وقنديل وحزب الاتحاد الديمقراطي تمثل التنافس، في حين أن حزب المجتمع الديمقراطي ودميرطاش يمثلان التردد”.

ولفت إلى أن “هناك نقطة أخرى تتعلق بالتوتر بين السياسة والقوة المسلحة من حيث المنهج، ففي حين يريد أوجلان وحزب المجتمع الديمقراطي أن تهيمن السياسة على القوات المسلحة، فإن قنديل تفرض وضعا أكثر امتيازا للقوة المسلحة”. 

وأشار الكاتب التركي إلى أنه "إذا خرجت قنديل منتصرة من هذا الاستقطاب، فهذا يشير إلى أن حزب العمال الكردستاني سيؤسس ديكتاتورية حزبية". 

وتابع: “بمعنى آخر، فإن المفاهيم الخيالية مثل (الحكم الذاتي الديمقراطي) قد انهارت بالفعل، وحلم (كردستان المستقلة) ليس سوى ديكتاتورية لحزب العمال الكردستاني، ومن المحتمل أن تظهر لنا السنوات المقبلة صراعا داخليا بين هذه الفصائل والذي سيؤدي إلى أن تستهلك بعضها بعضا”.