عام على الطوفان .. كيف عزز هجرة اليهود العكسية من إسرائيل؟

خالد كريزم | a month ago

12

طباعة

مشاركة

تُعطي مغادرة حفيدة رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين لإسرائيل وبشكل نهائي، صورة واضحة عن واقع الهجرة العكسية من الكيان الإسرائيلي، في خضم حرب على عدة جبهات منذ عام.

فقد أعلنت نوعا روثمان (47 عاما) مطلع سبتمبر/أيلول على إنستغرام، مغادرتها لإسرائيل مع زوجها وأطفالهما الثلاثة والعيش في نيويورك، قائلة: “ليس لدي منزل آخر وأنا غير آسفة (على الرحيل)”.

قصص المهاجرين

وروثمان هي حفيدة رابين الذي ولد في القدس عام 1922 لأبوين هاجرا من روسيا إلى الولايات المتحدة، وكانا من أعضاء حركة "عمال صهيون" هناك.

ومنها هاجرا إلى فلسطين عام 1917 ضمن المهاجرين اليهود الأوائل الذين وصلوا إليها في تلك الفترة، والتحقا بالعصابات الصهيونية المعروفة باسم “الهاغاناه”.

وللمفارقة فإن رابين الذي تغادر حفيدته اليوم، استقبل في الفترة بين 1951 و1952 نحو 100 ألف مهاجر يهودي قدموا من مختلف الدول للاستقرار في الكيان الوليد.

ووقتها عمل رابين على توفير معسكرات الإيواء لاستقبال هؤلاء، بعدما أسس مع قادة قوات البالماخ الصهيونية التي أصبحت بعد ذلك الذراع الضاربة للهاغاناه، نواة الجيش الإسرائيلين وأصبح قائدا فيه.

وقالت روثمان في منشورها المشار إليه: ”ذهبنا إلى نيويورك وبدأت الفتيات الدراسة في مدرسة يهودية إسرائيلية رحّبت بهن بشكل جيد للغاية. لم أعش في الخارج مطلقا، وهذه فرصة لا تعوض. حتى إن الطقس هنا أكثر إنسانية أيضا، وليس الناس فقط.".

ومضى عام كامل على عملية طوفان الأقصى التي زعزعت ثقة اليهود حول العالم في الشعور بالأمن والاستقرار والتفوق، والذي اختفى داخل إسرائيل في صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

فبعد العملية التي تحولت إلى مواجهة على عدة جبهات أبرزها لبنان، ما زال يفر اليهود الذين جرى جمعهم خلال العقود الماضية من مختلف أنحاء العالم وتوطينهم فيما يزعمون أنها “الأرض الموعودة”.

وبموجب ما يعرف باسم "قانون العودة" الذي صدر في إسرائيل عام 1950، يحق لليهود وبعض أقاربهم الانتقال إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها.

ويبلغ عدد سكان إسرائيل حاليا نحو 10 ملايين شخص، حسب إحصاءات رسمية عام 2024. ولكن يتوقع أن ينقص العدد في ظل تراجع القادمين وازدياد المغادرين.

والإسرائيلية درور سادوت (29 عاماً)، هي مثال آخر على أولئك الذين يغادرون في حالة من اليأس بعد أن كرست حياتها لمحاربة الظلم والتمييز، والدعوة لإنهاء الاحتلال. 

ومن بين المناصب الأخرى، عملت سادوت كمتحدثة باسم منظمة بتسيلم الإسرائيلية المناهضة للاحتلال، وفق ما تروي قصتها صحيفة “جويش إندبندنت” في 16 سبتمبر.

تقول من منزلها الجديد في برلين، في إشارة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها حكومة نتنياهو لإضعاف المحكمة العليا: "كانت الانتخابات الأخيرة والاحتجاجات ضد الإصلاح (الانقلاب) القضائي نقاط تحول".

وشهدت إسرائيل، منذ بداية عام 2023، موجة احتجاجات على تشريعات كانت تدفع بها الحكومة لتعديل القضاء، فيما عدتها المعارضة "انقلابا على الديمقراطية" كونها تحد من سلطات المحكمة العليا.

وبسبب هذا الانقلاب الذي لم ينجح نتنياهو بتمريره على وقع مظاهرات غير مسبوقة، بدأت موجة هجرة عكسية من إسرائيل، لتأتي لاحقا عملية طوفان الأقصى وتزيد أعداد المغادرين بشكل غير مسبوق.

وتابعت سادوت: “بينما احتشد الجميع من أجل الديمقراطية، كان القليل منهم على استعداد لمعالجة قضايا الاحتلال، أو الافتقار إلى الحقوق الفلسطينية أو التساؤل عن نوع الديمقراطية التي نناضل من أجلها بالفعل”.

ورأت أن “المبادئ الأساسية لليسار  أصبحت من المحرمات. لقد أدت الحرب في غزة فقط إلى تسريع هذا التحول وازدياد أعداد المهاجرين”.

انخفاض القادمين

وتظهر آخر الإحصائيات، أن الهجرة إلى إسرائيل خلال أول 8 شهور من عام 2024، شهدت انخفاضًا بنسبة 42 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023.

ووفقا للوكالة اليهودية، فإنه من يناير/كانون الثاني إلى أغسطس/آب 2024، وصل 23 ألفا و183 مهاجرًا، وهو انخفاض حاد من 39 ألفا و857 شخصا قدموا خلال نفس الفترة من العام السابق.

وهذه الوكالة هي هيئة يهودية عامة بمنزلة الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية، لتشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين وبعد الإعلان عن تأسيس الكيان عام 1948 أصبح اسمها "الوكالة اليهودية من أجل إسرائيل".

وبحسب ما قالت الوكالة في 15 سبتمبر 2024، فإن غالبية المهاجرين الذين وصلوا خلال العام جاءوا من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وأبرزها روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا.

وانخفض الواصلين من تلك الدول بنسبة 49 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2023. 

وبالعموم، منذ بداية الحرب، كان هناك انخفاض بنسبة 19 بالمئة في عدد ملفات الهجرة المفتوحة مقارنة بالعام 2023، بإجمالي 30 ألفا و763 ملفًا. 

وفي روسيا، انخفض عدد ملفات الهجرة المفتوحة بنسبة 45 بالمئة، وفي المقابل، زادت الهجرة من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.

وارتفع عدد المهاجرين من أميركا بنسبة 11 بالمئة، حيث وصل 2202 مهاجر حتى الآن خلال 2024، مقارنة بـ 1931 في نفس الفترة عام 2023. 

وشهدت الهجرة من فرنسا أكبر زيادة، حيث وصل العدد إلى 1456 مهاجرًا، مقارنة بـ 827 مهاجرًا عام 2023.

وجرى تسليط الضوء على انخفاض الهجرة خلال مناقشة في 15 سبتمبر للجنة العليا والاستيعاب والشتات في الكنيست (البرلمان)، برئاسة العضو عوديد فورر (من حزب إسرائيل بيتنا)، حول حالة الهجرة في ظل حرب الإبادة على غزة.

وانتقد عضو الكنيست فورر سياسات الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالهجرة. وقال: "كانت السياسة المعلنة هي تشجيعها من الدول الغربية وإهمالها من دول ما بعد الاتحاد السوفييتي".

ولكن لم تكن هذه المشكلة الوحيدة، فقد كشف النقاش أيضًا أن حرب الإبادة على غزة ساهمت في انخفاض الطلب على مقابلات الهجرة. 

وأظهر النقاش أن المهاجرين المحتملين من دول ما بعد الاتحاد السوفييتي أجلوا خططهم بسبب المخاوف الأمنية.

وعلى الرغم من التحديات، حث فورير الحكومة على زيادة الاستثمار في الترويج للهجرة وتحسين عملية استيعاب المهاجرين من جميع أنحاء العالم. 

ازدياد المغادرين

وإلى جانب انخفاض أعداد القادمين إلى إسرائيل، ارتفعت كذلك أعداد المهاجرين منها فيما يعرف بالهجرة العكسية.

وأظهرت بيانات أصدرها المكتب المركزي للإحصاء بإسرائيل في 22 سبتمبر أنه بسبب الحرب، كانت هناك زيادة بنسبة 59 بالمئة في عمليات الانتقال خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024 مقارنة بعام 2023. 

وفي كل شهر، غادر حوالي 2200 إسرائيلي أكثر من عام 2023، مع عدم وجود خطط للعودة في المستقبل القريب.

وبسبب الانقلاب القضائي، شهد عام 2023 أيضًا زيادة في عدد الإسرائيليين الذين يغادرون البلاد، بنحو 55 ألفا و300 شخص. وبالمقارنة بعام 2022، فإن هذه زيادة بنسبة 46.4 بالمئة.

وبحسب المكتب المركزي للإحصاء، فإنه من بين المغادرين طويلي الأمد لعام 2024، كان 40.6 بالمئة في الفئة العمرية 20-30 عامًا. 

ويتميز الأشخاص المهاجرون بمستوى تعليمي أعلى من مستوى السكان عمومًا في إسرائيل. 

ومن بين المهاجرين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و90 عامًا، كان لدى 53.7 بالمئة 13 عامًا أو أكثر من التعليم. 

وبالعموم، تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الانقلاب القضائي وعملية طوفان الأقصى وما تبعها من تصعيد عسكري بالمنطقة، تسبب حتى الآن بهجرة أكثر من نصف مليون إسرائيلي.

وأكدت صحيفة “زمان إسرائيل” العبرية في 23 يونيو/حزيران 2024 أن ذلك الهروب ليس مؤقتا كما هو معتقد، بل بات اتجاها متناميا داخل البلاد.

وتثبت صحة هذا الافتراض، عبر عقد مقارنات بين عدد القادمين إلى إسرائيل، وعدد المغادرين منها. 

ووفقا لبيانات سلطة السكان والهجرة، فإنه في المجمل خلال عام 2023، خرج 575 ألف إسرائيلي أكثر ممن عادوا.

وتقول الصحيفة إنه يبدو أن طول أمد الحرب المستعرة، ليس في صالح إسرائيل، إذ دفع التوتر المزيد من الأشخاص للهرب إلى الخارج.

وذكرت أنه "في الشهور الأولى من الحرب، كان عدد العائدين إلى إسرائيل أكبر من عدد الذين غادروا البلاد؛ لكن بعد ذلك تغيرت المعادلة".

وتكشف بيانات وزارة الهجرة والاندماج “انكماش الهجرة إلى إسرائيل، حتى قبل الحرب”، مع انخفاض جاذبيتها بسبب الأوضاع الأمنية وسياسات حكومة حكومة بنيامين نتنياهو التي تعد الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان.

فلم تعد إسرائيل بمثابة واحة للاستقرار الذي روجت عليه على مدار عقود، بفعل المعارك مع غزة ولبنان ووصول الصواريخ إليها من اليمن البعيد.

تحذير بينيت

وفي 30 أغسطس/ آب 2024، حذر رئيس وزراء إسرائيل السابق نفتالي بينيت، من أن سياسات حكومة نتنياهو دفعت العديد من الإسرائيليين إلى التفكير في الهجرة.

وقال بينيت، عبر منصة إكس: "قبل هجوم 7 أكتوبر، كان جزء من الجمهور (الإسرائيلي) يشعر بأن الحكومة تكرهه، إلا أن الهجوم تسبب في ظاهرة معاكسة، وهي النضال من أجل البلاد"، وفق حديثه.

وأضاف مستدركا: "لكن مع مرور الشهور، عاد اليأس يتسلل إلى نفوس قطاعات واسعة من الإسرائيليين حيث أدت سياسات الحكومة إلى جعلهم يفكرون بالهجرة الدائمة".

وتساءل مستنكرا: "لماذا وزراء الحكومة مشغولون بأنفسهم ليل نهار، ولا يتوقفون عن الشجار مع بعضهم، وتشويه سمعة قادة الجيش الإسرائيلي؟".

كما تساءل مستنكرا: "لماذا هناك قطاع كامل من الإسرائيليين (في إشارة للمتدنيين اليهود) لا يتجند في الجيش؟ وكيف جعلتنا حماس نبدو غير كفوئين؟".

ولفت بينيت الانتباه إلى "تفاقم الإحباط في صفوف الإسرائيليين"، مشيرًا إلى أن شعورًا عامًا يسود بينهم بأن "الحكومة تتعمد اتخاذ قرارات تهدف إلى إلحاق الأذى بشريحة واسعة من الشعب".

وأضاف بينيت أن السياسات الحالية تساهم في تفاقم الأزمات بدل حلها، معتبرا أن "الفشل في إدارة الأزمة الأمنية والاقتصادية أدى إلى شعور بالانهيار وانعدام الأمل".

كما أشار  إلى أن "عشرات الآلاف من الإسرائيليين من مناطق الشمال يعيشون لاجئين"، منتقدًا عدم وجود خطط حكومية لإعادتهم إلى منازلهم.

وبحسب وسائل إعلام عبرية، جرى إجلاء نحو 120 ألف إسرائيلي من الشمال (الجبهة مع لبنان) والجنوب (الجبهة مع غزة) منذ بداية حرب الإبادة على غزة إلى فنادق في أنحاء مختلفة بإسرائيل.

ورأى بينيت أن حكومة نتنياهو "تتجاهل بشكل كبير التحديات الداخلية وتفشل في تقديم الحلول اللازمة لمشاكل السكن والأمن والاقتصاد".