"الاحتياطي الفيدرالي".. ذراع أميركا الطولى في تدوير الاقتصاد العالمي

داود علي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

في 23 أغسطس/ آب 2024، اجتمع أباطرة الاقتصاد العالمي على مدار 3 أيام في ندوة “جاكسون هول”، التي ينظمها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سنويا، في كانساس سيتي بولاية وايومنغ الأميركية.

وخلال فعاليات الندوة، أعلن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول أن “الوقت قد حان لتغيير السياسة المالية”.

وتعليقا على هذا التصريح، قالت وكالة “رويترز”، إن الإشارات القادمة من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تعزز التوقعات بمزيد من الاضطرابات فى الاقتصاد العالمى.

وهو ما أثار تساؤلات عن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ولماذا تتجه إليه أنظار العالم؟

رسائل متشائمة

في 28 أغسطس 2024، نشر موقع "البورصة" المختص بالشأن الاقتصادي، أن التكهنات قاتمة والتوقعات متشائمة، ما بعد اجتماعات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأخيرة.

 وأرجع ذلك إلى أن التنبؤات بنمو الاقتصاد العالمى المبنية على التباطؤ السلس للاقتصاد الأميركي مع انتعاش النمو فى أوروبا، وخروج الصين من حالة الركود، ترتكز على أرضية متزعزعة.

وذلك مع ظهور الشكوك حول احتمالات الهبوط الناعم لاقتصاد الولايات المتحدة، وفشل النمو فى منطقة اليورو فى الانتعاش، ومعاناة الصين من تباطؤ الاستهلاك، بحسب الموقع.

وطوال الشهور السابقة، كان من المتوقع أن يؤدي رفع أسعار الفائدة بقوة للقضاء على أسوأ نوبة تضخم في الاقتصادات المتقدمة منذ الثمانينيات، وهو أمر كان من شأنه أن يكلف الملايين من الناس حول العالم وظائفهم.

ونقل الموقع عن "بيير أوليفييه جورينشاس" كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي، أنه قد تكون هناك حلقات أخرى من التقلبات في السوق.

وأضاف جورينشاس: أصبحت الأسواق في منطقة مجهولة إلى حد ما مع دخول البنوك المركزية الكبرى، على رأسها الاحتياطي الفيدرالي في دورة تخفيف نقدي بعد تشديد السياسة للتعامل مع موجة من التضخم.

بينما أكد مؤسس إستراتيجية الاقتصاد الديناميكي، جون سيلفيا، على التحول الكبير في أولويات مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

ووفقا لسيلفيا، باتت البطالة تشكل نحو 90 بالمئة من اهتمامات الفيدرالي، بينما تراجع اهتمامه بالتضخم إلى نحو 10 بالمئة.

وأضاف أن تحول باول من التضخم إلى البطالة أمر ملحوظ، بالنظر إلى أن الاقتصاد ليس في حالة ركود، ولكنه سينال في جميع الأحوال معظم بنوك واقتصادات العالم.

الاحتياطي الفيدرالي

وبنك الاحتياطي الفيدرالي هو المصرف المركزي للولايات المتحدة، ويقع مقره في واشنطن، ويعد أقوى مؤسسة مالية في العالم؛ حيث أسسه الكونغرس في 23 ديسمبر/ كانون الأول 1913.

بعدها أصبح المسؤول عن السياسة المالية للبلاد، والعملة الوطنية، وتأمين النقود، والتحكم بمعدلات الفائدة على القروض، كما يلعب دور المنقذ للبنوك عبر إقراضها أثناء الأزمات.

وكان السبب الرئيس لتدشين البنك المركزي الأميركي، تلك الأزمات الاقتصادية التي عاشتها واشنطن، تحديدا أزمة عام 1907.

ومع مرور الوقت توسعت أدوار البنك ومسؤولياته وبنيته، ومن الأحداث البارزة التي أدت إلى تغيير في منظومته، الكساد العظيم عام 1930.

وتتأثر كل دول العالم بقرارات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ويتجلى ذلك بقوة عندما يقرر خفض الفائدة أو رفعها.

إذ تتدفق أموال المستثمرين في العالم إلى الاقتصادات الصاعدة عندما ترفع الفائدة في واشنطن بحثا عن الربح، والعكس صحيح.

ويتألف الاحتياطي الفيدرالي من مجلس المحافظين، و12 بنكا احتياطيا فيدراليا (مقرها في مختلف أنحاء الولايات المتحدة)، إضافة إلى لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.

أما مجلس المحافظين، فيشمل الرئيس ونائب الرئيس وخمسة أعضاء، يتم تعيين كل منهم من قبل الرئيس. 

ويأتي دور الـ12 بنكا احتياطيا فيدراليا، حيث يشرف كل منها على منطقته الخاصة، ويدير كل منها رئيس مستقل، يعينه مجالس البنوك المحلية. 

وتتألف اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة من أعضاء مجلس المحافظين وأربعة رؤساء لبنوك الاحتياطي الفيدرالي. 

ويخدم أربعة من رؤساء البنوك الاثني عشر في اللجنة في وقت واحد، ويتناوبون على شغل مناصبهم فيها حتى يحصل كل رئيس على فرصة للخدمة.

وتعد لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية هي الكيان الذي يهتم به معظم المستثمرين، لأن هذه المجموعة تحدد اتجاه السياسة النقدية الأميركية.

وتجتمع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ثماني مرات على الأقل في العام للتصويت على قرارات السياسة النقدية مثل أسعار الفائدة. وبعد كل اجتماع، تصدر اللجنة بيانات اجتماعها وتوقعاتها الاقتصادية.

وعلى هذا النحو، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي، رغم تأثره جزئيا بالسياسة، يحتفظ أيضا بدرجة كبيرة من الاستقلال، وهو أمر مهم لفعاليته.

لماذا يقود اقتصاد العالم؟ 

 الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يؤثر بشكل كبير في النظام العالمي لعدة أسباب رئيسة، على رأسها دوره المحوري في عجلة الاقتصاد الأميركي وبالتبعية تأثير الاقتصاد الأميركي على الاقتصاد العالمي بأكمله.

خاصة أن الدولار الأميركي هو العملة الاحتياطية الأساسية في العالم، ويستخدم في معظم المعاملات الدولية مثل التجارة النفطية والتجارة العالمية. 

وبالتالي فإن سياسات الاحتياطي الفيدرالي تؤثر على قيمة الدولار، وبالتالي تؤثر على اقتصادات الدول الأخرى.

النقطة الأخرى تتعلق بقرارات الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، إذ تؤثر على السيولة المالية العالمية. 

فعندما يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، يؤدي ذلك إلى هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة إلى الأصول المالية الأميركية، مما يؤدي إلى تقلبات في أسعار العملات والأسواق المالية في هذه البلدان.

ونظرا لحجم الاقتصاد الأميركي وأهمية الشركات الأميركية في الأسواق المالية العالمية، تؤدي سياسات الاحتياطي الفيدرالي إلى تأثير كبير على أسواق الأسهم والسندات في جميع أنحاء العالم. 

على سبيل المثال، إذا قرر الاحتياطي الفيدرالي تشديد السياسة النقدية، يمكن أن يتسبب ذلك في انخفاض أسعار الأسهم والسندات عالميا.

ويتفاعل الاحتياطي الفيدرالي بشكل مستمر مع البنوك المركزية في مختلف البلدان، فالبنوك المركزية غالبا ما تنسق سياساتها مع الاحتياطي الفيدرالي لتجنب الصدمات الاقتصادية.

ويتولى البنك الفيدرالي الأميركي إدارة الأزمات المالية، في أوقات الاضطرابات الاقتصادية العالمية.

مثل الأزمة المالية في 2008 وجائحة "كوفيد-19"، وقتها لعب الاحتياطي الفيدرالي دورا قياديا في ضخ السيولة وتقديم الدعم المالي، ما ساعد على “استقرار” النظام المالي العالمي.

وبالحديث عن أزمة 2008 تحديدا، برز دور البنك، وقتها بضخ 700 مليار دولار في النظام البنكي لإنقاذه، وبالتالي إنقاذ الاقتصاد الأميركي برمته والعالمي أيضا.

وهناك أيضا عامل مهم يجعل البنك الفيدرالي الأميركي، بمثابة قطب المال الذي يدير حركة الاقتصاد بشكل مستتر.

فالعديد من الدول والشركات تقترض بالدولار الأميركي، وعندما يغير الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية، يؤثر ذلك على تكاليف خدمة هذه الديون، ما يمكن أن يضع ضغوطا على الدول النامية والشركات الدولية التي لديها التزامات مالية بالدولار.