يتحكم بسيناء ومعبر رفح.. ماذا يفعل إبراهيم العرجاني في ليبيا؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

إبراهيم العرجاني، رجل أعمال سيناوي، مقرب من جهاز المخابرات العامة المصرية، برز اسمه أخيرا بقوة على الساحة بسبب أدواره الداخلية والخارجية.

العرجاني صاحب النفوذ السياسي والاقتصادي يمسك بزمام "اتحاد قبائل سيناء" القوة المسلحة القبلية المدعومة من الجيش.

اتسع نطاق "البيزنس" الخاص به بالتعاون مع جنرالات الجيش في سيناء ليصل إلى قطاع غزة "ما قبل العدوان" والتحكم في من يدخل ويخرج من معبر رفح عبر شركة "يا هلا"، ثم بدأ نفوذه وسطوته حاليا تتمدد إلى ليبيا، الجارة الغربية لمصر. 

فأدوار الرجل الملقب بـ "غول سيناء" باتت ملحوظة في ليبيا بشقيها الشرقي التابع للحكومة المشكلة من قبل البرلمان، أو الغربي المحكوم بحكومة عبد الحميد الدبيبة، المعترف بها دوليا. 

في كل الأحوال ستجد أن العرجاني ينفذ زيارات، ويعقد صفقات، ويحصل على مشاريع إعمار، وكذلك يشد إليه الرحال من قبل مسؤولين وقادة ليبيين.

فما هي شبكة علاقات العرجاني في ليبيا؟ وما الذي يفعله هناك؟ ومن مهد له الطريق لينفذ إلى البلد الواقع تحت ظل صدامات طاحنة منذ أكثر من عقد زمني؟ 

العرجاني والدبيبة 

في 14 مارس/ آذار 2024، غرد الصحفي الليبي "خليل الحاسي" عبر حسابه الموثق بمنصة "إكس" قائلا: "وباء العرجاني يضرب ليبيا بأكملها.. كيف تغلغل أكبر مهرب سيئ السمعة وقائد الميلشيات في كل مكان في البلاد انطلاقا من سيناء مرورا بدرنة وبنغازي ووصولا  إلى طرابلس؟"

وأضاف: "كيف سمح الليبيون على اختلاف مصالحهم ومواقفهم لهذا الفيروس الفاسد بالانتشار كما يريد داخل ليبيا؟ وهل يعقل أن تذهب مليارات النفط الليبي إلى أكبر مهرب وسمسار وميليشياوي وبلطجي في المنطقة؟"

بعدها في 15 مارس/آذار كشفت صحيفة "الوسط" المحلية الليبية أنه للمرة الثانية يزور إبراهيم الدبيبة إبراهيم العرجاني الملقب بغول سيناء. وتحدثت عن قصة تحالف ما أطلقت عليه "الإبراهيمين" المصري والليبي.

وإبراهيم الدبيبة رجل أعمال ليبي، يشغل منصب المستشار السياسي لرئيس حكومة الوفاق الوطني عبد الحميد، فضلا عن كونه ابن أخيه. 

وأضافت الصحيفة الليبية: "لا شك أن قائد المليشيات العرجاني غني عن التعريف أمام الجمهور العربي، لكن هناك إبراهيم آخر لم يسمع به الكثيرون، هذا الإبراهيم يقود القرار المالي والسياسي في عاصمة أهم الدول المصدرة للطاقة في إفريقيا". 

وأتبعت: "قبل أكثر من عام احتضنت سيناء اجتماعا ضم العرجاني مع إبراهيم نجل (علي الدبيبة) الذي كان اسمه على قوائم الإنتربول حتى وقت قريب والمتورط حتى هذه اللحظة في أكبر تحقيقات القضاء الإسكتلندي بخصوص قضايا غسل الأموال".

وأكملت: "كان الاجتماع الأول تعارفيا استكشافيا للنوايا بين رجلين لديهما خبرات مختلفة لكنها على الأرجح ستكون متكاملة إذا نجح التعاون المنشود". 

وأوضحت أن أكثر ما أثار اهتمام العرجاني خبرة إبراهيم الدبيبة الواسعة في غسل الأموال ونقلها للخارج وتسجيل وإغلاق الشركات بواجهات مالية أجنبية أو باستخدام ليبيين يحملون جنسيات أوروبية بحكم دوره الجوهري في عائلة الدبيبات.

كما أن لديه تجربة متواضعة في تجارة المخدرات وآخرها صفقة وصلت من سوريا عام 2018. 

ونوهت إلى اللقاء الثاني بين الرجلين قبل أشهر، والذي جرى وسط تكتم كبير في توقيت متوتر يشهد تأهبا لتنظيم الدبيبات وتجهيزات دفاعية ضد التحالف الذي ينوي إسقاطهم.

وتساءلت: "ماذا سيقدم العرجاني لحليفه إبراهيم الدبيبة في هذه المحنة التي تضع أمام الدبيبات عنوانا واحدا فقط: إما أن نكون أو لا نكون".

طبيعة العلاقة 

العلاقة بين العرجاني وإبراهيم الدبيبة، تأخذنا إلى الظهور الأول والمثير لرجل الأعمال المصري المدعوم استخباراتيا داخل ليبيا. 

ففي 18 مايو/أيار 2023، عقد رئيس حكومة الوحدة الليبية، عبدالحميد الدبيبة، اجتماعا مع وفد مصري رفيع المستوى، ضم رجال أعمال، ومسؤولين من جهاز المخابرات المصرية.

كان الهدف الرئيس المعلن من اللقاء، الكشف عن ملامح مقاربة مصرية جديدة في ليبيا، تقوم على ركنين أساسيين، أحدهما أمني والآخر اقتصادي.

لكن اللافت في اللقاء الذي جمع الدبيبة بالمسؤولين المصريين، ظهور رجل الأعمال المصري، المقرب من الأجهزة الأمنية، إبراهيم العرجاني الذي تنفذ شركاته الكثير من المشروعات الخاصة بتلك الأجهزة داخل وخارج مصر، لا سيما في قطاع غزة. 

وقتها أعلن المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة في طرابلس، أن الدبيبة تابع مع الوفد المصري، خاصة مسؤولي جهاز المخابرات المصرية، نتائج أعمال اللجنة المشتركة المصرية الليبية، التي بدأت أعمالها قبل عامين، عقب زيارة رئيس الوزراء إلى القاهرة حينها، للقاء رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.


 

كان واضحا أن تلك الأجهزة ستمد أذرعها الاقتصادية في الغرب الليبي، وأن شركة العرجاني ستضع أوزارها هناك. 

لذلك قامت علاقة وشراكة بين العرجاني، والرجل النافذ في غرب ليبيا إبراهيم الدبيبة.

ومما يدلل على مدى نفوذ الدبيبة ما نشره موقع "إفريقيا إنتليجنس" في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، إن إبراهيم الدبيبة، رجل الأعمال الذي كان له اليد العليا في وصول عبدالحميد إلى السلطة، وهو الذي يسيطر على مجريات الأمور في إدارة المنطقة الخاضعة لسيطرة الوفاق.

وبدأ عمل العرجاني داخل غرب ليبيا في 5 أغسطس 2023، وحينها كشفت مصادر إعلامية ليبية مثل (أخبار ليبيا- ليبيا برد)، أن إبراهيم الدبيبة اشترط على أي شركة تتقدم لاستكمال مشاريع "ليبيا الغد" توقيع عقود جديدة، يحصل هو بموجبها على عمولة 12 بالمئة.

وهو الشرط الذي وافقت عليه الشركات المصرية منها شركة العرجاني، وقدرت قيمة التعاقدات بين الدبيبة والشركات المصرية، بـ 19 مليار دينار، أي أن الدبيبة حصل على 2.3 مليار دينار (الدولار = 4,84 دينارا ليبيا)، بحسب وسائل الإعلام الليبية. 
 

طائرة الذهب 

لكن زيارة وفد المخابرات برفقة العرجاني إلى غرب ليبيا، ولقاءهم عبد الحميد الدبيبة، لم يكن منتهى القصة. فبالتزامن مع تلك الزيارة تفجرت فضيحة "طائرة زامبيا" المعروفة بـ "طائرة الذهب".

حينها تم تتبع رحلاتها، ليكتشف أن العرجاني ووفد المخابرات، قد استخدموا تلك الطائرة التي حطت رحالها في طرابلس.

وتتعلق قضية "طائرة زامبيا"، باحتجاز لوساكا في 14 أغسطس/آب 2023، طائرة مصرية كانت تحمل ملايين الدولارات وأسلحة وذخائر وسبائك تبدو ذهبية.

وقتها اتهم ناشطون عصام نجل العرجاني، بأنه طيار تلك الرحلة، خاصة أن له صورا نشرها على مواقع التواصل بجوار الطائرة نفسها، ما جعل من وجودها في ليبيا أمرا مثيرا ويحمل دلالات متعددة. 

ومن غرب ليبيا إلى شرقها، للعرجاني نفوذ وشبكة علاقات خاصة في تلك المنطقة، التي يحكمها فعليا الجنرال خليفة حفتر، الحليف الوثيق لنظام عبد الفتاح السيسي، وقائد الجيش الذي حاول أن ينقلب على العملية الديمقراطية ويحكم ليبيا، لكنه فشل وهزم في معركة طرابلس عام 2020.

وكان الظهور الثاني للعرجاني في الأجواء الليبية، تحديدا الشرق، بعد العاشر من سبتمبر/أيلول 2023، عندما ضرب الإعصار المتوسطي "دانيال" مناطق شرق ليبيا التي تخضع لسيطرة قوات حفتر.

وقتها حدث دمار غير مسبوق لمدن بنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، وكانت درنة هي أكثر المدن تضررا، بعدما تسبب الإعصار في انهيار سد وادي درنة الضخم، ما أسفر عن فاجعة بشرية هائلة بفقدان الآلاف من الأرواح.

حينها تم تعيين بلقاسم، النجل الأصغر لخليفة حفتر، رئيسا لصندوق إعادة إعمار درنة، وقد تصاعدت أصداء الجدل حول هذه الخطوة، مما زاد من حدة التساؤل حول وجود محاباة تجاه الحاكم الفعلي للشرق الليبي.

ولم تقتصر الجدلية على التعيين فقط، بل اتسع نطاقها مع توقيع الصندوق عقودا لإنشاء 11 جسرا جديدا، بالتعاون مع شركة نيوم المصرية، التي تعود ملكيتها لرجل الأعمال المصري، المدعوم استخباراتيا، إبراهيم العرجاني.

متعدد المهام

الصحفي الليبي عمر الحاسي، تحدث لـ "الاستقلال" عن طبيعة عمل العرجاني في ليبيا شرقا وغربا.

وقال: "إن وجود رجل كالعرجاني في الصفقات التي تتعاقد معها القاهرة سواء في طرابلس أو بنغازي، يكشف أن الأمر يتجاوز إعادة الإعمار، إلى محاولة فرض هيمنة أمنية واستخباراتية، يكون واجهتها زعيم مليشيات".

وأضاف: "معروف أن للسيسي أطماعا في النفط الليبي، ويسعى لتأمين وجوده في سائر ليبيا، بصفتها الحديقة الخلفية التي يمكن أن تثير قلاقله وتهدد نفوذه الإقليمي كما حدث في الفترة من 2014 إلى 2021". 


 

وعقب الحاسي: "ليبيا الآن محكومة بأنظمة تشبه العصابات والمافيا في زمن اللا دولة، الجميع فيها يبحث عن المال والاستفادة من عقود البترول والإعمار".

وبالتالي دخلت القوى الأجنبية للاستفادة المطلقة، سواء في القاهرة أو أبوظبي، ولا أستبعد إسرائيل، خاصة أن إبراهيم الدبيبة يعد عراب التطبيع الأول في ليبيا، وفوق الحاسي.

وأردف: "إبراهيم الدبيبة هو الذي أشرف على اللقاء المثير الذي جمع بين (وزيري الخارجية السابقين الليبية) نجلاء المنقوش و(الإسرائيلي) إيلي كوهين".

ولعل العرجاني والدبيبة يتفقان في مسارات متعددة منها القرب من إسرائيل، والتحكم بالمليشيات المسلحة، بحسب الصحفي الليبي.