انخراط الصين بالمفاوضات النووية الإيرانية.. ماذا وراءه وما تداعياته؟

"هذا التعاون الثلاثي قد يؤدي إلى تسريع إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي بالشرق الأوسط"
التقى نواب وزراء خارجية الصين وروسيا وإيران في 14 من مارس/ آذار 2025 في بكين؛ لتبادل وجهات النظر بشأن الملف النووي الإيراني، وأصدروا بيانا مشتركا بعد الاجتماع.
ورأى موقع "سوهو" الصيني أن هذا الاجتماع الثلاثي "كان غير اعتيادي من حيث التوقيت والمكان وأجندة المناقشات".
وناقش التقرير إمكانية "حدوث اختراق سريع في أزمة الملف النووي الإيراني، عقب انضمام الصين وروسيا إلى جهود الوساطة".
كما تناول تأثير هذا التعاون الثلاثي على المشهد السياسي في الشرق الأوسط، مشيرا في الوقت نفسه إلى أمرين يجب أن تكون حذرة منهما بكين في هذه العملية.
تفصيلة لافتة
استهل الموقع الصيني تقريره بالإشارة إلى "تفصيل لافت للنظر في الاجتماع، ففي لحظة التقاط الصورة التذكارية قبل بدء اللقاء، لاحظ نائب وزير الخارجية الروسي ريابكوف، أنه يقف بعيدا بعض الشيء، فسارع بخطوتين مقتربا نحو نائب وزير الخارجية الصيني ما تشاو شيوي".
وترجع أهمية هذه التفصيلية إلى أنه "في المناسبات الدبلوماسية العلنية، قد يؤدي تموضع الشخصيات في الصور التذكارية إلى تأويلات مبالغ فيها من قبل الأطراف الخارجية"، كما أوضح التقرير.
وبحسب الموقع، فقد "حدث هذا في قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي عام 2022، عندما تعمد رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، إبقاء مسافة بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإظهار نوعا من البرود تجاهه".
وتابع: "أما في ظل التقارب الحالي بين موسكو وواشنطن، فمن الواضح أن روسيا لا ترغب في إثارة أي تأويلات منحرفة حول علاقتها مع الصين".
وبالعودة إلى صلب الموضوع، يرى الموقع أن "توقيت ومكان ومحتوى هذا الاجتماع بين الصين وروسيا وإيران، كان غير عادي".

ووفق التقرير، جاء انعقاد هذا الاجتماع في سياق معقد؛ حيث إن الاتفاق النووي الإيراني سينتهي في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، ما يجعل تجديده مسألة ملحة.
وأضاف: "ورغم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق من طرف واحد، إلا أن الاتفاق مازال قائما، ولم تفعل إيران سوى تعليق التزاماتها بموجبه".
واستطرد: "والأهم من ذلك أن القرار رقم 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالاتفاق النووي، لا يزال ساريا، وهو القرار الذي ألغى بموجبه مجلس الأمن العقوبات المفروضة على إيران".
ورأى أنه "إذا لم يُجدد الاتفاق النووي الإيراني، فسيصبح من الضروري إعادة مناقشة مسألة فرض عقوبات جديدة على إيران داخل الأمم المتحدة".
"فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق بشكل أحادي عام 2018، واصلت إيران تجاوز القيود المفروضة بموجبه، حتى وصلت مخزوناتها من اليورانيوم المخصب إلى مستويات قريبة من الدرجة المستخدمة في تصنيع الأسلحة النووية"، يقول الموقع.
وأردف: "كما أن عودة دونالد ترامب إلى السلطة، أفقدت إيران إلى حد كبير الثقة في إمكانية تجديد الاتفاق".
وأردف: "وعلى الرغم من أن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أبدى رغبته في الحوار مع إدارة ترامب، فإن المرشد الأعلى علي خامنئي، البالغ من العمر 85 عاما، لا يزال متمسكا بموقفه الرافض لأي مفاوضات مع الولايات المتحدة".
وأخيرا، أعلن ترامب أنه بعث برسالة إلى خامنئي، داعيا إيران إلى العودة سريعا إلى طاولة المفاوضات، وتم تسليم هذه الرسالة إلى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، عبر أحد كبار الدبلوماسيين في الإمارات.
وعقٌب التقرير على تلك الخطوة الأمريكية قائلا: "بمعنى آخر، من المحتمل أن إيران أطلعت الصين وروسيا على مضمون الرسالة خلال هذا الاجتماع".
دور حاسم
أما عن المكان، فقد كان "غير اعتيادي"، حيث نقلت وكالة “بلومبيرغ” أن ترامب طلب من بوتين، خلال مكالمة هاتفية في فبراير/ شباط 2025، المساعدة في التواصل مع إيران لإيجاد حل للأزمة النووية، وقد وافق بوتين على هذا الطلب، وهو ما أكده لاحقا الكرملين رسميا.
وأوضح الموقع الصيني أن "بعض المحللين يعتقدون أن روسيا قد تلعب دور الوسيط الأساسي في المرحلة المقبلة؛ لدفع مسار التفاوض بشأن الملف النووي الإيراني".
"غير أن اختيار بكين لاستضافة الاجتماع الثلاثي بين الصين وروسيا وإيران يشير بوضوح إلى أن الصين ستؤدي دورا حاسما في جهود الوساطة القادمة"، كما أشار التقرير.
ويتوقع موقع "سوهو" الصيني أن "تقبل إيران بكل من الصين وروسيا كوسطاء، بحيث تتولى موسكو التنسيق مع الولايات المتحدة، بينما قد تتولى بكين مسؤولية التواصل مع الاتحاد الأوروبي".

علاوة على ذلك، "كان محتوى الاجتماع غير عادي"، فعقب انتهاء الاجتماع، أصدرت الدول الثلاث بيانا مشتركا أكدت فيه ضرورة إنهاء "جميع العقوبات الأحادية غير القانونية".
وأفاد التقرير بأن البيان رأى أن "انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات على إيران أصبح، وفقا للصين وروسيا، تصرفا غير قانوني ولا يتماشى مع القانون الدولي".
كما أكدت الدول الثلاث مجددا أن "الحوار السياسي والدبلوماسي القائم على الاحترام المتبادل، هو الخيار الوحيد الفعال والقابل للتنفيذ".
بالإضافة إلى ذلك، "شددت على ضرورة التزام الأطراف المعنية بمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة الحالية، ورفض سياسة العقوبات والضغوط والتهديد باستخدام القوة".
وبحسب الموقع، "تشكل هذه التصريحات ردا مباشرا على تصريحات ترامب الأخيرة، حيث أضاف، بعد إعلانه عن إرسال رسالة إلى خامنئي، خلال مقابلة صحفية: "هناك طريقتان لحل مشكلة إيران، استخدام القوة العسكرية أو التوصل إلى اتفاق، وأنا أفضل التوصل إلى اتفاق، لأنني لا أريد إيذاء إيران".
وفسر التقرير تصريحات ترامب بأنها "تلويح بتهديد عسكري صريح، لإجبار إيران على القبول باتفاق جديد وفقا للشروط الأميركية".
يُذكر أن ترامب كان قد أكد، في يناير/ كانون الثاني 2025، أن الولايات المتحدة وإيران بحاجة إلى "اتفاق جديد"، في إشارة إلى رفضه العودة إلى الاتفاق النووي السابق.
وأضاف الموقع: "يعد ترامب نفسه (سيد الصفقات)، ومن المرجح أن يفرض شروطا أكثر صرامة في أي اتفاق جديد، وهي شروط تتماشى مع المصالح الإسرائيلية".
إعادة تشكيل
وعن تأثير انضمام الصين وروسيا إلى جهود الوساطة، يعتقد التقرير أنه "من غير المتوقع، في الوقت الحالي، حدوث اختراق سريع في أزمة الملف النووي الإيراني".
وعزا ذلك إلى "إصرار ترامب على التوقيع على اتفاق جديد بشروطه الصارمة، مقابل موقف إيران الرافض لأي تنازلات، قد يؤدي إلى دخول المفاوضات في (دائرة مفرغة) لفترة من الوقت".

وفي هذا السياق، "يبدو أن التعاون بين الصين وروسيا وإيران، يتخذ طابعا دفاعيا أكثر منه تحركات تهدف إلى تغيير قواعد اللعبة"، وفق "سوهو" الصيني.
وتوقع التقرير أن "هذا التعاون الثلاثي قد يؤدي، على المدى البعيد إلى تسريع إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط".
وتابع: "إذا استمر ترامب في نهجه المتشدد تجاه إيران، فمن غير المستبعد أن تسعى الصين وروسيا وإيران إلى إنشاء إطار جديد بديل للاتفاق النووي بعد انتهاء صلاحيته في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، وربما ينجحون في إقناع الاتحاد الأوروبي بالانضمام إليهم".
وأكمل: "ففي عام 2018، عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق، أبدى الاتحاد الأوروبي معارضة قوية لهذه الخطوة، ولم يبدأ في إعادة فرض العقوبات على طهران إلا بعد أن قررت إيران، في عام 2020، تعليق بعض التزاماتها بموجب الاتفاق".
أما بالنسبة للصين، أوصى التقرير أن تأخذ في الحسبان نقطتين أساسيتين في هذه المعادلة: أولا، "تجنب الانجرار إلى صراع مباشر بين الولايات المتحدة وإيران، وهو ما قد يؤثر على علاقاتها مع السعودية وحلفاء واشنطن الآخرين في المنطقة".
وثانيا، "مراقبة التطورات داخل المشهد السياسي الإيراني؛ حيث يزداد الصراع بين التيارات المتشددة والمعتدلة والإصلاحية، لا سيما مع تقدم المرشد الأعلى علي خامنئي في العمر، ما قد يؤدي إلى تغيرات غير متوقعة في السياسة الإيرانية المستقبلية".