أدلة غير كافية.. صحيفة إيطالية تكذب مزاعم إسرائيل بشأن مستشفى الشفاء

أجمع المراقبون على أن الأدلة التي قدمها الاحتلال الاسرائيلي بشأن وجود مركز قيادة عمليات لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" داخل نفق مزعوم تحت مستشفى "الشفاء" الأكبر في قطاع غزة "غير كافية وقليلة".
وقالت صحيفة "إيل بوست" إن حصار الاحتلال لمستشفى الشفاء "شكل أحد أكثر المسائل إثارة للجدل منذ بداية العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2023 من النواحي العسكرية والإنسانية وكذلك القانون الدولي".
وتابعت: "لاسيما وأن شن هجوم عسكري على مستشفى مليء بالمدنيين يرتقي إلى جريمة حرب بموجب القانون الدولي".
مقبرة صحية
إلا أن الاحتلال "برر حصاره وهجومه بوجود مركز قيادة رئيس لحركة حماس داخل أنفاق أسفل المستشفى، مقدما أدلة قليلة وغير كافية إلى حد كبير"، وفق الصحيفة الإيطالية.
وأضافت أن "هناك ضغوطا قوية على الكيان المحتل لتقديم المزيد من الأدلة حول استخدام حماس لهذا المرفق الصحي لأغراض عسكرية".
وبدأ الغزو البري لقطاع غزة في 27 أكتوبر 2023 وخلال أيام قليلة تركز العدوان ضد المستشفيات التي يروج الاحتلال كذبا أن عناصر المقاومة تختبئ داخل أنفاق أسفلها.
وركز الاحتلال هجومه بصفة خاصة على مستشفى الشفاء نظرا لحجمه الكبير، مدعيا وجود قاعدة عمليات عسكرية لحماس في الطابق السفلي.
ووصفت الصحيفة الإيطالية هذه الادعاءات بأنها "تمثل مسألة معقدة ومثيرة للجدل"، مشيرة إلى أن "الاحتلال لطالما اتهم المقاومة باستخدام المدنيين كدروع بشرية".
بدورها، تحدثت المخابرات الأميركية عن فرضية وجود مركز عمليات في قبو المستشفى، وهو ما نفته "حماس" وأطباء المستشفى.
وكان جيش الاحتلال قد أصدر في بداية اجتياحه رسما تخطيطيا ثلاثي الأبعاد للمستشفى يظهر شبكة كبيرة وكثيفة من الأنفاق والممرات والغرف المختلفة، زاعما أن حماس تخطط انطلاقا منها في تنفيذ هجماتها.
إلا أنه أخفق في إثبات أن الحركة استخدمت المرافق الطبية لإخفاء مركز قيادة عسكري كبير ومعقد كما كان يروج في بداية العملية، وفق "إيل بوست".
وبحسب الصحيفة الإيطالية، بات الاحتلال مطالبا بتقديم الأدلة الكافية لتأكيد مزاعمه خصوصا وأن القانون الإنساني الدولي ينص على أنه لا ينبغي أن تكون المستشفيات والجرحى هدفا لهجمات عسكرية.
وبحسب اتفاقيات جنيف المعتمدة عام 1949، لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية التي تقدم الرعاية للجرحى والمرضى والعجائز والنساء.
وبعد أيام من الحصار، اقتحم جيش الاحتلال مستشفى الشفاء في قطاع غزة ليلة 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، معلنا أنه سينفذ عملية "مستهدفة".
ووفقا للبيانات الصادرة عن وزارة الصحة في القطاع، كان هناك أكثر من 2000 شخص داخل المستشفى، بينهم مئات المرضى وحوالي 1500 مدني كانوا قد لجؤوا هناك خوفا من عمليات القصف وكذلك مئات العاملين في الرعاية الصحية.
وقالت الصحيفة إن "الوضع داخل المستشفى كان حرجا بالفعل، إذ تسبب نقص الوقود واستحالة توفير الرعاية الطبية في وفاة العشرات من الأشخاص بما في ذلك الأطفال الخدج، وقد وصفت منظمة الصحة العالمية المستشفى بأنه مقبرة".
فيما تم تداول شهادات عن جثث متكدسة لأشخاص لم يتمكنوا من تلقي العلاج ولم يتم دفنهم أو نقلهم إلى بيت الأموات.
ومع استمرار الحصار، توقف المرفق الصحي عن العمل بشكل كامل بسبب نقص الوقود الضروري لتشغيل مولدات الكهرباء.
أدلة ضعيفة
ويذكر أن جيش الاحتلال قام بمجرد اقتحامه المستشفى بتفتيش كل الطوابق واستجواب العديد من الأشخاص بالداخل.
بعد ذلك، نشر أحد المتحدثين باسمه صورا ومقاطع فيديو أظهرت بشكل أساسي أسلحة ومعدات عسكرية أخرى، دون تقديم الكثير من المعلومات حول سياق اكتشافها.
وادعى الاحتلال أيضا قتل عدد من عناصر المقاومة، دون تقديم مزيد من المعلومات.
وأظهرت الصور التي نشرها الاحتلال الإسرائيلي في البداية أسلحة صغيرة وبعض البنادق الهجومية وبعض أجهزة الاتصال اللاسلكية وأجهزة الكمبيوتر.
وبحسب تعليق الصحيفة تشير هذه المعدات من ناحية إلى "وجود مسلح داخل المستشفى، ولكنها بعيدة جداعن تأكيد وجود مركز عمليات عسكري بداخله".
وفي الأيام الموالية للاقتحام، استمر الاحتلال في تقديم أدلة غير كافية، ففي مقاطع فيديو أخرى، عرض أسلحة مخبأة بجوار أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي وأجهزة كمبيوتر يُزعم أنها تحتوي على صور ومقاطع فيديو للرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، لكنه لم يعرضها على الصحفيين الحاضرين.
كما لم تقدم سلطات الاحتلال أي دليل يثبت وجود أنفاق تحت الأرض تستخدمها حماس للاختباء والتحرك والحماية وتهريب الأسلحة إلى القطاع، وهو ما أثار تعليقات كثيرة مشككة فيما يتم الترويج له.
وفي رأي مايكل هورويتز، محلل ورئيس قسم الاستخبارات في شركة الاستشارات الأمنية "لو بيك إنترناشيونال"، الأدلة التي قدمها الجيش الإسرائيلي حول وجود حماس في المستشفى كانت "غير مرضية".
من جانبها، قالت مي السعدني، المديرة التنفيذية في معهد "التحرير لسياسة الشرق الأوسط" (مقره واشنطن)، إن "إسرائيل فشلت في تقديم أي دليل قريب من مستوى الأدلة المطلوبة لتبرير الاستثناء الضيق الذي بموجبه يمكن استهداف المستشفيات بموجب قوانين الحرب".
ومساء 19 نوفمبر، عرض جيش الاحتلال مقطعين مصورين قال إنهما يظهران رهينتين يتم اقتيادهما إلى مستشفى الشفاء بعد احتجازهما في السابع من أكتوبر.
بينما ردت حماس بأن الرهينتين نقلتا لتلقي العلاج في المستشفى جراء القصف الإسرائيلي.
قبل ذلك، قال جيش الاحتلال إنه عثر على نفق طوله 55 مترا يستخدم "بغرض الإرهاب" تحت مستشفى الشفاء.
تأكيد هذه المزاعم سيعتمد بحسب الصحيفة الإيطالية، على "ما يمكن أن تعثر عليه قوات الاحتلال وتعرضه في الأيام المقبلة".
وألمحت إلى إمكانية عثورها وعرضها المزيد من الأدلة المزعومة، لافتة إلى أن ذلك "قد يستغرق وقتا وقد تتعرقل العملية بسبب المعارك".
وتفترض "إيل بوست" أيضا عدم عثور المحتل على أدلة أو أن يستمر في عرض "أدلة ضعيفة وغير كافية، وفي هذه الحالة قد يصبح الاستمرار في تبرير العملية العسكرية ضد مستشفى مليء بالجرحى والمدنيين أمرا معقدا للغاية".
ويزعم الاحتلال أن مقاطع الفيديو التي تم نشرها "كافية" لدعم أكاذيبه بشأن استخدام المشفى لأغراض عسكرية، بينما تلاحظ الصحيفة الإيطالية أن "الاستثناءات التي يحددها القانون الدولي وتسمح بمهاجمة مستشفى صارمة ومحددة للغاية".