تركمانستان تعزز وجودها الأمني على حدودها.. ما علاقة إيران وأفغانستان؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

مهمة غير سهلة يركز عليها جهاز الأمن القومي في تركمانستان، وتتمثل بتأمين الحدود الجنوبية التي تمتد على 750 كلم مع أفغانستان وما يقرب من 1000 كلم مع إيران. 

وتركمانستان الواقعة في آسيا الوسطى، هي دولة صحراوية تقع على شواطئ بحر قزوين وتتمتع بموارد طاقة هائلة وتمتلك رابع أكبر احتياطي من الغاز في العالم وفقا للتقديرات، وتصدر شحنات الغاز بشكل أساسي إلى الصين وروسيا وأذربيجان وأوزبكستان.

تأمين الحدود 

واتخذت تركمانستان إجراءات أمنية شاملة لضمان حماية موثوقة لحدودها البرية والبحرية وتعزيز القاعدة المادية والفنية لوحدات حرس الحدود، حسبما أعلن ذلك رئيس دائرة حدود الدولة، يازجيلدي نورييف، في اجتماع لمجلس أمن الدولة منتصف فبراير/ شباط 2024.

وتعد الجرائم الصغيرة مصدر قلق شائعا للمسافرين الدوليين في تركمانستان، ويمثل الاتجار بالمخدرات من قبل العصابات مشكلة خطيرة في المناطق الحدودية.

ويتميز الوضع الأمني ​​في تركمانستان بمستوى عالٍ من سيطرة الدولة، مما يحد من انتشار المخاطر المرتبطة بالجريمة والاضطرابات والصراع الداخلي.

ومن المعروف أن قطاع الطرق ينشطون في المناطق الريفية جنوب شرق البلاد.

ورغم أن الحدود بين تركمانستان وأفغانستان شهدت اشتباكات مميتة بين مسلحين وقوات الأمن، إلا أن عشق آباد نفسها لا تواجه سوى خطر محدود للصراع بين الدول.

وتجري تركمانستان مناورات عسكرية وتكتيكية منتظمة، ويعد جيشها ثالث أقوى دول آسيا الوسطى الخمس بعد كازاخستان وأوزبكستان، وفقا لتقرير صادر عن مركز أبحاث "غلوبال فاير باور".

ومضى عام على تولي الجنرال التركماني نزار أتاجراييف رئاسة جهاز الأمن القومي الذي يشمل عمله نطاق الاستخبارات.

وكسائر الأجهزة الأمنية في البلاد، يسيطر الرئيس السابق ورئيس مجلس الشيوخ المصطلح عليه في تركمانستان بـ"مصلحة الشعب" قربان علي محمدوف على جهاز الأمن القومي.

علما أن مجلس الشيوخ حاليا هو الهيئة العليا للسلطة في تركمانستان، وترأسه قربان علي بعد أن سلم رئاسة البلاد لابنه سردار بيردي محمدوف عام 2022.

ويبلغ الجنرال أتاجاراييف من العمر 43 عاما تقريبا، وهو أصغر من سردار محمدوف بستة أشهر فقط ويشكل أحد أركان "الحرس الجديد" للرئيس.

ويواجه أتاجاريف تحديا طويل الأمد يتمثل في تأمين حدود تركمانستان، التي تمتد في الجنوب على 750 كلم مع أفغانستان وما يقرب من 1000 كلم مع إيران.

وقبيل تعيينه رئيسا للأمن القومي عام 2023، ترأس جهاز الهجرة الوطنية الذي يتولى مراقبة الحدود مع جهاز الأمن القومي، فيما يعمل الأخير بالتنسيق مع جهاز الحدود الوطنية برئاسة يازجيلدي نورييف.

وفي الوقت الراهن، تتصدر قضيتا مكافحة تهريب المخدرات والسيطرة على تدفق المهاجرين الراغبين في مغادرة البلاد قائمة أولويات الحدود الجنوبية، حيث يرغب كثيرون في الهجرة من تركمانستان المعزولة عن العالم الخارجي بشدة.

وأثناء مراقبة هذه التحركات، تستطيع وحدة الاستخبارات التابعة لجهاز الأمن القومي أيضا تقييم المخاطر المحتملة للصراعات المفتوحة على طول حدودها الجنوبية، من خلال المجتمعات العرقية التركمانية التي تعيش في شمال أفغانستان وإيران.

ضغط داخلي

ويفرض الطول الكبير للحدود الجنوبية لتركمانستان ضغوطا على جهاز الأمن القومي لشراء المعدات المناسبة (الطائرات المسيرة، وصور الأقمار الصناعية) لتسريع عمليات المراقبة وفرض الأمن بشكل أكبر.

لكن البلاد تفتقر إلى الأسلحة اللازمة وغير قادرة على تأمين المنطقة بالكامل. وقد أدى التأخير في تسليم المعدات العسكرية إلى تفاقم المشكلة.

وضمن آخر طلب شراء، طائرات مسيرة من مجموعة "إلبيت للأنظمة" الإسرائيلية.

ويمتلك الجيش التركماني نماذج من مسيرات "سكاي لارك" ووسكاي سترايك" من شركة "إلبيت للأنظمة"، والتي تُستخدم بشكل أساسي في مهام استطلاع الحدود.

ولنفس المهام، يستخدم الجيش مسيرات "بيرقدار 2" التركية، والتي تستخدمها قوات حرس الحدود في جميع دول آسيا الوسطى.

ونهاية عام 2023 استأنفت تركمانستان المحادثات مع شركة صناعة الطائرات بدون طيار التركية "بايكار"، حيث أكدت أنقرة استعدادها لتوسيع التعاون مع عشق آباد لتعزيز قدراتها الدفاعية.

وبحث قربان محمدوف الخيارات مع الشركات التركية المصنعة، ودعا الرئيس التنفيذي لشركة "بايكار ماكينا" هالوك بيرقدار إلى العاصمة التركمانية ومعه رئيس مجلس إدارة شركة "توسيالي القابضة" فؤاد توسيالي، المساهم الأكبر في شركة تصنيع المركبات المدرعة التركية "بي إم سي".

وبحسب مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية، فإنه يمكن لتركمانستان أيضا الاعتماد على دعم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي لتنفيذ المهام الأمنية على الحدود، فهو يعمل منذ فترة طويلة في تركمانستان وآسيا الوسطى بأكملها للحفاظ على النظام داخل ما تسميه روسيا "الخارج القريب".

وذكر تقرير المجلة المنشور في 16 فبراير 2024 أن الأمن الفيدرالي يقدم مساعدة أساسية في مراقبة المعارضين لنظام محمدوف، وهو ما يشبه إلى حد كبير تعاونه مع جهاز أمن الدولة في أوزبكستان واللجنة الحكومية للأمن القومي في قيرغيزستان.

بدوره، يحتاج جهاز الأمن القومي التركماني ووحدته المسؤولة عن مراقبة المنشقين السياسيين برئاسة نائب الجنرال أتاجاراييف، أورازجيلدي ميريدوف، إلى مساعدة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في تسليم المعارضين الروس الذين فروا من تركمانستان.

وأنشئ جهاز الأمن القومي التركماني على غرار جهاز الكي جي بي السوفيتي عام 1991، وهو الجهاز الأمني الأكثر نفوذا في البلاد ويتبع لقربان محمدوف وابنه سردار.

مهام متشابكة

ويعمل الجهاز كوسيلة للسيطرة على كيانات الدولة في مجال النفط والغاز والصناعات الإستراتيجية الأخرى.

ومع ذلك، نادرا ما يبقى كبار ضباط الأمن القومي في مناصبهم لفترة طويلة، فقد شهد الجهاز على مر السنين عشرات الحالات من الترقيات أو خفض الرتب أو الفصل من العمل بناء على أوامر الرئيس. 

ورغم تراجع هذه الظاهرة بعد وصول قربان إلى السلطة بعد تصاعدها أثناء فترة سلفه صابر مراد نيازوف بين عامي 1991- 2006، فيما لا يزال التغيير السريع في التعيينات متكررا حتى يومنا هذا.

وقد تستثني عمليات التطهير هذه بعض الضباط، فوجود أحد هؤلاء على رأس جهاز الأمن القومي قد يكون بمثابة ترقية وظيفية، جوربانميرات أنايف، سلف أتاجارايف الذي قاد الأمن القومي بين عامي 2020 و2022، يرأس حاليا رئيس جهاز الأمن الشخصي لسردار محمدوف. 

بينما يتنقل المخضرم الوزاري يايليم بيردييف بين الأجهزة، حيث خدم أولا كوزير للدفاع بين عامي 2009 و2011، ثم رئيسا لجهاز الأمن القومي حتى عام 2015 قبل أن يعود إلى منصبه الأول، ثم رئيسا للأمن القومي مجددا بين 2018 و2020.

وبذلك أصبح بيردييف نقطة اتصال رئيسة لشركات الدفاع الأجنبية، مثل "تاليس" و"إيرباص"، التي بحثت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن عقود لتقنيات مراقبة الحدود في عشق آباد.

حتى إن وجودها أدى إلى تنافس اقتصادي بين الشركات المصنعة لأقمار المراقبة الأوروبية والآسيوية.

ولهذا تتطلع تركمانستان لزيادة معداتها وتقنياتها لمراقبة الحدود خاصة أنها تعتمد على الأسلحة الأجنبية في تسليح قواتها.

وقد ظهرت أنواع مختلفة من الأسلحة أجنبية الصنع أثناء عرض عسكري أقيم في العاصمة عشق آباد، عام 2021، بمناسبة الذكرى الـ 30 لاستقلال البلاد.

وتم عرض بعض الأسلحة التي اشترتها تركمانستان من دول أجنبية للمرة الأولى، كما هو حال طائرة مسيرة قتالية تركية من طراز "بيرقدار تي بي 2"، وطائرة هجومية برازيلية توربينية خفيفة من طراز A-29 Super Tuсano وطائرة النقل العسكرية C-27J Spartan (إنتاج إيطالي أميركي)، إضافة إلى ست طائرات تدريب إيطالية من طراز M-346.

ومنذ عودة حركة "طالبان" للسلطة بأفغانستان في أغسطس/ آب 2021 شعرت الدول المجاورة في آسيا الوسطى بالتهديد، لأن الخبراء يعدون أن أي وضع أمني متدهور في أفغانستان يشكل تهديدا في ذاته للمنطقة برمتها.

وحاليا تسيطر حركة طالبان على معبر تورغندي وهو معبر حدودي رئيس مع تركمانستان.

وتسعى تركمانستان إلى تطهير الحدود الجنوبية من أي توترات أمنية كونها تمضي قدما في بناء خط أنابيب الغاز الطبيعي بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند وخط نقل الكهرباء بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان.