المساعدات الأوروبية لعباس.. "لوموند": دعم غير مثمر لسلطة غير شرعية
.jpg)
في صورة مغايرة لما كان يبدو عليه الرئيس الفلسطيني قبل سنوات، وصفت صحيفة فرنسية محمود عباس بأنه "طاغية" يتمسك بـ"قوة وهمية"، داعية أوروبا لوقف دعمها غير المثمر لسلطة اعتبرتها "قمعية" و"غير شرعية".
اليومية الفرنسية "لوموند"، طالبت الاتحاد الأوروبي باشتراط مساعدته للسلطة الفلسطينية بإجراء "الانتخابات"، و"إصلاح الأجهزة الأمنية"، المسؤولة عن ارتكاب انتهاكات جسيمة، في إشارة لقتل الفلسطيني نزار بنات.
الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، هم أكبر الجهات المانحة للسلطة الفلسطينية، في التزام ثابت لم يتأثر بميزانية الاتحاد منذ توقيع الكيان الإسرائيلي المحتل ومنظمة التحرير الفلسطينية على "اتفاقيات أوسلو" عام 1993.
تلك الاتفاقيات، التي تم التفاوض عليها في العاصمة النرويجية، أوسلو، نصت على إقامة "سلطة فلسطينية" في الأراضي التي سيخليها الاحتلال الإسرائيلي.
في حين أن السلطة الفلسطينية هي نتيجة تسوية إسرائيلية فلسطينية فقط، فقد اختار الاتحاد الأوروبي اعتبار هذه السلطة جنينا لدولة فلسطينية مستقبلية وتمويلها يسري وفقا لذلك.
منذ العام 2017، يدفع الاتحاد الأوروبي أكثر من "مليار يورو" كل عام للسلطة الفلسطينية مع احتمال قيام "دولة فلسطينية ديمقراطية ومسؤولة".
تقول الصحيفة الفرنسية، إنه "من المفارقات أن مثل هذه المساعدات السخية هي محل إجماع داخل الاتحاد الأوروبي".
وأوضحت أنها تجمع مؤيدي "حل الدولتين" من جهة، وأنصار الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، الذين يعتبرون السلطة الفلسطينية بالنسبة لهم محض سلطة تأتمر بأوامر الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي.
ومع ذلك ، فإن هذه السياسة الأوروبية لم تعد قابلة للاستمرار في مواجهة الانتهاكات الأخيرة من قبل السلطة الفلسطينية.
رفض الانتخابات
انتخب محمود عباس عام 2005، لرئاسة السلطة الفلسطينية بنسبة 62.5 بالمئة من الأصوات، في اقتراع شهد له من حيث الشفافية والتعددية على مستوى الجماهير الشعبية العريضة في العالم العربي.
كان يمكن لعباس وهو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وأيضا رئيس نواتها الأساسية، "حركة فتح"، الاعتماد على الأغلبية في البرلمان الفلسطيني.
لكن الانتخابات التشريعية لعام 2006، أعطت الأغلبية للإسلاميين في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الحركة السياسية المعارضة لـمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، والتي سيطرت في العام 2007 قطاع غزة.
منذ ذلك الحين، مارس عباس "سلطة" على 40 بالمائة فقط من الضفة الغربية وعلى مايقرب من 2.8 مليون فلسطيني (في مقابل سكان غزة البالغ عددهم مليونا نسمة).
مع ذلك ، قرر الاتحاد الأوروبي زيادة دعم عباس وسلطته الفلسطينية، على أمل أن يؤدي هذا السخاء إلى إقناع حماس بالانضمام إلى عملية السلام.
لم يحدث شيء من ذلك، واستمرت الهوة في الاتساع بين كل من "سلطة فتح" في الضفة الغربية و"سلطة حماس" في غزة.
مضى الآن عقد على انتهاء ولاية رئيس السلطة محمود عباس ونوابه في البرلمان، ومع ذلك، أيد الاتحاد الأوروبي هذا الأمر الواقع غير الديمقراطي إلى حد كبير بما يصل إلى أكثر من مليار يورو سنويا.
وتقول "لوموند"، إن قوى "الطريق الثالث" الفلسطينية، المستقلة عن حركة فتح وحركة حماس ، نجحت أخيرا في التفاوض سنة 2021، على حل وسط يسمح بإجراء انتخابات عامة للبرلمان الفلسطيني في 22 مايو/ أيار 2021، وأخرى في 31 يوليو/ تموز 2021، لرئاسة السلطة الفلسطينية.
هذا التوجه أثار أملا كبيرا بين السكان الفلسطينيين، حيث بلغت نسبة تسجيل الناخبين 93 بالمئة.
عباس (86 عاما) أعلن من جانبه أنه لن يترشح لولاية أخرى وتعهد بضمان انتخابات "حرة وديمقراطية".
لكن في أبريل/ نيسان 2021، تقول الصحيفة الفرنسية: "سلط المستبد الفلسطيني (محمود عباس)، الضوء على رفض إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس الشرقية بغية تأجيل هذه المواعيد النهائية التي طال انتظارها إلى أجل غير مسمى".
ولفتت إلى أن الاتحاد الأوروبي أذعن لعزم عباس على التمسك بالسلطة بدلا من أن يطالبه بإجراء هذه الانتخابات.
وأكدت أن "إغلاق الأفق السياسي بشكل كبير ساهم في تصعيد مايو/ أيار 2021، والصراع الدموي الذي دار رحاه حول قطاع غزة"، في إشارة لمعركة سيف القدس، بين حماس وجيش الاحتلال الإسرائيلي.
قتل نزار بنات
وترى الصحيفة أن "الأزمة الأخيرة كشفت عزلة وعجز عباس، المتمترس في القصر الرئاسي في رام الله، منكبا على قمع الأصوات المعارضة في الضفة الغربية".
وبينما تم سجن خمسة مرشحين أعلنوا ترشحهم في الانتخابات التشريعية، توفي الـ6، وهو نزار بنات، في 24 يونيو/ حزيران 2021، بعد ساعات قليلة من اعتقاله.
تشريح الجثة، خلص إلى أن الوفاة "غير طبيعية" وتكشف عن "إصابات" في "مناطق كثيرة من الجسم بما في ذلك الرأس".
وتتهم عائلة بنات، السلطة الفلسطينية بتعذيب عائلها وأحد المعارضين البارزين حتى الموت من أجل إسكات جميع أشكال التعبير النقدي.
وهتفت المظاهرات الاحتجاجية في الضفة الغربية لأول مرة "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو شعار الانتفاضات العربية لعام 2011، وتنديدا أيضا بـ "الحكم العسكري" للسلطة الفلسطينية.
وتصف "لوموند"، الوضع في الضفة الغربية بأن "القمع شديد ويستهدف الصحفيين وخاصة النساء اللواتي أصبحن ضحايا التحرش الجسدي واللفظي.
وقالت منظمة "مراسلون بلا حدود": إن 35 صحفيا على الأقل تعرضوا لعنف الشرطة خلال الأسبوع الذي تلا وفاة نزار بنات".
وتدعو ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، السلطة الفلسطينية إلى "ضبط النفس".
وقالت إنها تشعر بالقلق إزاء الوحشية التي تمارسها السلطة ضد المتظاهرين من قبل أناس بأزياء مدنية والذين حسب قولها: "يبدو أنهم يتصرفون بطريقة منظمة ومنسقة مع قوات الأمن الفلسطينية".
وبشان رد فعل الاتحاد الأوروبي، أكدت "لوموند"، أنه حتى الآن لم يخرج إلا بتصريح بسيط من ممثليه في القدس الذين طالبوا في أعقاب وفاة بنات، بإجراء تحقيق "مستقل" و"شفاف".
وأضافت مع ذلك، لم يعد بإمكان الاتحاد الأوروبي الاكتفاء بمثل هذا الموقف في مواجهة تجاوزات السلطة الفلسطينية التي تضمن لها "رواتبها" نهاية كل شهر.
وأكدت أنها "لم تعد مسألة تهاون دبلوماسي، بل تواطؤا موضوعيا مع عباس، الذي وصفته افتتاحية حديثة في صحيفة "لوموند" بأنه "طاغية يتمسك بقوة وهمية".
وشددت على أن "الاتحاد الأوروبي، عجز عن ضمان حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم في إطار دولة موحدة".
وألمحت إلى أنه "ومن جهة أخرى نلاحظ طبيعة الدعم غير المثمر لـ(سلطة فلسطينية) قمعية وغير شرعية في الأساس، والسبب في ذلك عائد لغياب أي فعل انتخابي لمدة خمسة عشر عاما.
وختمت الصحيفة الفرنسية قائلة: "إذا ثبت أن الاتحاد الأوروبي غير قادر على جعل السلطة الفلسطينية تحترم الحد الأدنى من قواعد إنفاذ القانون، فمن الأفضل له أن يوقف دعمه لمثل هذه المؤسسات التي فقدت مصداقيتها".