كيف أحدث نظام السيسي التعبئة القصوى لتمرير تعديلات الدستور؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 23 أبريل/ نيسان 2019، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات في مصر، نتيجة التعديلات الدستورية التي أقرها النظام المصري، بتمريرها بعد موافقة الناخبين بنسبة 88.8 بالمئة، الأمر الذي يتيح لعبد الفتاح السيسي البقاء في السلطة حتى عام 2030، وفقا للمادة 241 التي تنص على التمديد للسيسي مدة عامين، مع إمكانية ترشحه مرة أخرى في عام 2024، لفترة رئاسية تمتد لست سنوات.

وشهد الاستفتاء حالة معتادة من الكرنفالية، والفانتازيا الشعبية كالرقص والاحتفال أمام مقار اللجان الانتخابية في سائر أنحاء القطر المصري، في مشاهد غير دارجة عالميا، حرص النظام المصري على إقامتها، وتصدير صورتها.

وقد حشدت الدولة إمكانياتها الأمنية والدعائية، لتمرير "نعم" للدستور، بداية من الدعاية الانتخابية التي ملأت الشوارع والميادين الكبرى، إلى التعبئة الإعلامية، إضافة إلى الضغط على المواطنين، والموظفين داخل القطاع العام والخاص، للذهاب إلى الانتخابات والموافقة على التعديلات الدستورية، ما جعل الأمر أشبه بحالة "هيستيريا" لقول "نعم".

وتخفي السلطة المصرية وراء مظاهر الفرحة العارمة، باطنا من العذاب بحق معارضيها، حيث تزج بعشرات الآلاف في السجون، وكذلك إقدامها على تنفيذ سلسلة إعدامات لمناهضي الانقلاب العسكري الذي تم في 3 يوليو/ تموز 2013، وتحديد وسائل الإعلام وجعلها في اتجاه تأييد النظام بشكل أحادي، ما يجعل من وجود مبدأ تكافؤ الفرص معدوما، وإمكانية ترجيح خيار غير خيار السلطة بعيد المنال.

"اعمل الصح"

أكثر من ستين شخصية جماهيرية من المجالات الفنية والإعلامية والرياضية، جيّشها النظام للمشاركة بحملة أطلقها تحت عنوان "اعمل الصح"، وفي 13 أبريل/ نيسان 2019، تم الإعلان عن مقطع ترويجي يدعو لقبول التعديلات الدستورية التي تمنح عبد الفتاح السيسي صلاحيات أكثر، وتمدد من سنوات فترته الرئاسية.

ومن مشاهير المجتمع المصري الذين ساهموا في مقطع " اعمل الصح"، محمد هنيدي، وهاني شاكر، وسما المصري "الراقصة المثيرة للجدل"، التي لعبت دورا في تشويه السياسيين فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، ونهال عنبر، وأحمد آدم، وأحمد بدير، والمطربة أنغام، وشعبان عبدالرحيم، ونبيلة عبيد، وسمية الخشاب، ومن الإعلاميين أسامة منير ومن الرياضيين عصام الحضري، ومحمد زيدان، ومدير الكرة بالنادي الأهلي سيد عبد الحفيظ، الذي يتهمه خصومه وتحديدا رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور بانتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وتمثل مجموعة الفنانين أداة من أدوات الدولة العميقة في مصر، حيث تم استخدامهم لمعارضة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، والتمهيد للإطاحة به، وقد نزلوا بقوة وبشكل جمعي إلى المظاهرات والمسيرات، وفي احتجاجات 30 يونيو/ حزيران 2013، توجهوا نحو ميدان التحرير، وحملوا لافتات مكتوب عليها "مصر بدون إخوان، لا للدستور المعيب، مصر ستبقى مدنية".

إعلام المصريين

شركة "إعلام المصريين" المملوكة لجهاز المخابرات العامة، وتمتلك فضائيات (دي إم سي - الحياة - سي بي سي - أون تي في)، عملت بقوة على الترويج للاستفتاء، والدعوة إلى النزول، والتصويت "بنعم"، وعلى إظهار ما أسمته إنجازات عبد الفتاح السيسي.

ومن أعجب وقائع تناول الإعلام للاستفتاء، ما أقدم عليه الإعلامي المصري عمرو أديب، على شاشة قنوات "أم بي سي"، في برنامجه "الحكاية" بتاريخ 14 أبريل/ نيسان 2019، أي قبل إعلان نتيجة التعديلات بقرابة 10 أيام، عندما قال: "إن على قوى المعارضة أن تجتمع على شخص وتسانده في الانتخابات الرئاسية 2024"، وبذلك اعتبر أن "نتيجة الاستفتاء الذي لم يتم بعد قد حسمت لصالح النظام المصري، وعقّب: "من الآن أنا أقول إن كل القوى التي ترغب في الترشح أمام عبد الفتاح السيسي من الآن سواء كنتم معارضة أم غير معارضة فاستعدوا، أمامكم ثلاث سنين يعني أنت لن  تقرر ترشح نفسك قبلها بشهر".

ومن قبل الاستفتاء ومن بعده، تعامل الإعلام المصري التابع للنظام، بمبالغة شديدة مع الحدث، ففي برنامج على مسؤوليتي للإعلامي أحمد موسى، على قناة "صدى البلد"، في حلقة بتاريخ 23 أبريل/ نيسان 2019، قال معبرا عن فرحته بتمرير الاستفتاء: "مليون نعم ومليون مبروك لمصر"، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما صرح "بأن النتيجة هي الأكبر بتاريخ مصر، ولم تتحقق بأي دولة من قبل".

أما الصحفي المؤيد للنظام مصطفى بكري، خلال مداخلته مع برنامج الحدث اليوم على قناة الحدث بتاريخ 23 أبريل/ أبريل نيسان 2019، اعتبر أن وجود 3 مليون رافض للتعديلات الدستورية، ومليون آخر أصواتهم باطلة، هي ظاهرة تستحق الدراسة.

وكعادته الدارجة ذهب إلى نظرية المؤامرة، واستحضار المعارك، عندما قال: "إن دلالة نتيجة الاستفتاء تؤكد أن المصريين قادرون ويبعثون رسالة لكل من يتآمر على مصر".

وجه مظلم

في 15 أبريل/ نيسان 2019، كشف موقع "نت بلوكس"، عن قيام النظام المصري بحجب نحو 34.000 ألف موقع إلكتروني، في إطار تقييده لدعوات المعارضة الإلكترونية للترويج لحملة "باطل" للدستور.

وقال الموقع: "يمنع مزود الإنترنت في مصر الوصول إلى ما يقدر بنحو 34.000 مجال إنترنت في محاولة واضحة للقضاء على حملات معارضة بدأت الأسبوع الماضي"، مؤكدا أنه "من بين هذه المواقع عشرات من الشركات الناشئة البارزة في مجال التكنولوجيا، والمنظمات غير الحكومية الأمريكية والدولية، ومواقع المساعدة الذاتية، وعشرات من مشاريع التكنولوجيا مفتوحة المصدر".

ويقول الإعلامي المصري المعارض أحمد سمير: إن "نتيجة استفتاء التعديلات الدستورية، والطريقة التي أخرجت بها مهينة للمنطق، وللشعب المصري، حيث قام نظام الانقلاب العسكري، بحشد الآلة الإعلامية لمحاولة تغطية القصور الكبير في نسبة الحضور والمشاركة في الاستفتاء عن طريق، التركيز على لجان بعينها في مدن رئيسية مثل القاهرة والجيزة والإسكندرية".

وأكد سمير لصحيفة "الاستقلال" أن "نظام السيسي لم يكتف فقط بتزييف التغطية الإعلامية، بل قام بتوزيع (كرتونة) معونة على المواطنين من أجل حثهم على دعمه، وفي سبيل ذلك أجبر رجال الأعمال، وكبار التجار، على دفع تكلفة هذه المعونات، كما أجبر أصحاب المحال التجارية على تعليق لافتات عليها صورة السيسي، وتؤيد بقائه".

وعقّب الإعلامي المصري، أن "النظام استخدم الفنانيين، لتوجيه الرأي العام، فهم بلا شك الأذرع الإعلامية التي صنعت على عينه، ويعتمد عليها في هذه المستجدات، فكل إعلامي من هؤلاء يخضع بشكل كامل لإرادة السلطة التي تمتلك (ملفات) خاصة لكل واحد منهم، والذين خرجوا عن مسار السلطة مثل بعض الفنانين، الذين أيدوا ثورة 25 يناير، أو رفضوا وجود عبد الفتاح السيسي على رأس النظام، ليس لهم مكان في البلد، ويتم اضطهادهم، فنحن أمام نظام قمعي، ينتقم من الجميع بلا استثناء".

ضحك أم بكاء

في 20 أبريل/ نيسان 2019، فتحت لجان الاستفتاء على التعديلات الدستورية، أبوابها أمام المواطنين، لمدة ثلاثة أيام، وكان لافتا الأجواء الاحتفالية التي حرصت الحكومة المصرية على إقامتها وتصديرها، وإبراز مشاهد الرقص والغناء أمام اللجان، وإقامة سرادقات وفراشة، وأظهرت بعض المقاطع حضور طواقم طبية لحملة "100 مليون صحة" لتحليل فيروس سي وحث الناخبين على الاطمئنان على صحتهم خلال الإدلاء بأصواتهم على التعديلات الدستورية.

وعلى جانب آخر، نشرت مجلة "موند أفريك" الفرنسية، تقريرا بتاريخ 24 أبريل/ نيسان 2019، تحدثت فيه أن "مصر تشهد أسوأ أزمة لحقوق الإنسان في تاريخها".

وقالت المجلة على لسان مدير قسم الشرق الأوسط مايكل بيج: إن "مصر تضيق الخناق على المعارضة وتسحق المجتمع الحيوي لحقوق الإنسان، ونحن نعلم أنه لا يسمح للعديد من المنظمات المصرية والدولية بالعمل بحرية وأنه لا يمكنها التعبير عن قلقها دون تعريض نفسها لأعمال انتقامية خطيرة من قبل الحكومة".

وأكدت "موند أفريك"، أنه "منذ حصول السيسي على فترة ولاية ثانية في مايو/ أيار 2018، من خلال انتخابات افتقرت للنزاهة والشفافية، كثفت الأجهزة الأمنية من حملة الترهيب والعنف والاعتقالات التعسفية ضد خصومها السياسيين والناشطين وغيرهم ممن عبروا عن انتقاداتهم للحكومة".

وهو ما يكشف عن طبيعة التناقضات والمفارقات التي أحدثها نظام عبد الفتاح السيسي في المجتمع المصري، فالصورة التي أراد لها أن تخرج مثالية لحدث الانتخابات، بدت ساخرة وهزلية أكثر من أي وقت مضى، والأجواء الصاخبة لم تغط صوت أنين المعارضين في السجون، والمواطنين الذين يعانون الفقر تحت وطأة الإجراءات الاقتصادية القاسية.