حرس اقتصادي جديد.. لماذا يسعى نظام الأسد لتقوية أمراء الحرب في سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الضربة ما قبل الأخيرة لنهاية إمبراطورية رامي مخلوف، ابن خال رأس النظام بشار الأسد في سوريا اقتربت.

تلك التوقعات تأتي بالتوازي مع خلق طبقة "أمراء الحرب" الجديدة بهدف إدارة اقتصاد البلاد الذي يتحكم به الأسد وزوجته أسماء.

وجه بشار، صفعة جديدة لابن خاله مخلوف، تعادل الأولى منذ تصاعد الخلافات بينهما حينما حجز احتياطيا على أمواله، وأموال زوجته، وأولاده، في مايو/أيار 2020.

الصفعة الجديدة، تمثلت بإسقاط عضوية شركة "راماك للمشاريع التنموية والإنسانية المساهمة المغفلة القابضة الخاصة"، المملوكة لمخلوف، من عضوية مجلس إدارة شركة الاتصالات "سيريتل" المشغل الخليوي الأول، في البلاد والمملوكة أيضا لمخلوف.

شركة "راماك" والتي يرأس مجلس إدارتها رامي مخلوف تساهم في شركة "سيرتيل" بنسبة 40 بالمئة من أسهمها.

القرار الصادر بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2021، ألغى المركزين اللذين كانت الشركة تشغلهما في مجلس إدارة "سيريتل"، وهما مركز رئيس مجلس الإدارة، ومركز عضو مجلس الإدارة.

ووفقا لموقع "الاقتصادي" المحلي، فإن شركة "سيريتل" التي تأسست عام 2001، وأدرجت ضمن "سوق دمشق للأوراق المالية" نهاية 2018، يبلغ رأسمالها حاليا "3.35" مليار ليرة سورية.

صافي الربح العائد إلى مساهمي "سيرتيل" بلغ نحو 80.73 مليار ليرة سورية بالعام 2020، في حين ربحت نحو 60 مليار ليرة خلال 2019.

وتوجد في سوريا شركتا اتصالات خليوية هما "سيريتل" و"MTN"، وخلال عام 2020، طالبت هيئة الاتصالات التابعة لحكومة الأسد "سيريتل" و"MTN" بدفع "233.8" مليار ليرة مستحقات لخزينة الدولة، قبل أن يتم فرض الحراسة القضائية عليهما لرفضهما دفع المبلغ.

لكن مخلوف، أظهر حنقه من التضييق الجديد إذ خرج في تسجيل مصور ردا على قرار "الحارس القضائي"، داعيا أنصاره المتضررين من الحجز على ممتلكاته في مناطق نفوذ النظام السوري إلى الوقوف بجانبه والاستعداد لمواجهة محتملة مع من سماهم "أثرياء الحرب" في سوريا.

التسجيل الذي بثه عبر "فيسبوك" في 30 يونيو/حزيران 2021، حمل اسم "الرد على المرتد".

وقال إنه سيقود معركة "مواجهة أثرياء الحرب"، وأن النهاية ستكون مستقبلا في البلاد "كمعجزة نبي الله موسى" كما حصل مع آل فرعون ومن وقف معهم في إشارة واضحة إلى "الأسد وزوجته".

الحرس الاقتصادي

تحجيم رامي مخلوف، دل على وجود رغبة داخل دائرة الأسد الضيقة لتقويض هيمنته على الاقتصاد السوري، لصالح شخصيات تتبع أسماء الأسد، لا سيما أن مخلوف شرح ذلك في سلسلة تسجيلات مصورة.

بدا واضحا من الضربة الجديدة لمنظومة مخلوف، الاقتصادية رغبة النظام السوري بطوي ملفه وتعبيد الطريق أمام طبقة "أمراء الحرب" الاقتصاديين للبدء بالاستثمارات والمشاريع الجديدة.

كما أن محطات الصراع الدائر بين مخلوف، والأسد، وزوجته، وصلت المرحلة النهائية، التي يسعى لها النظام والمتمثلة بخلق طبقة من رجال الأعمال أشبه بحرس اقتصادي جديد، وفق مراقبين.

ولهؤلاء مهمة أساسية واحدة هي إدارة اقتصاد البلاد في المرحلة القادمة، ومنعهم من تكرار تجربة مخلوف، والتغلغل بعمق الاقتصاد الداخلي بحيث تصبح عملية الإطاحة بهم أكثر سهولة.

وهذا ما أشار إليه الباحث في "معهد الشرق الأوسط بواشنطن"، كرم شعار، بقوله: "إن درجة تغلغل مخلوف في الشبكة الاقتصادية السورية كانت كبيرة وبالتالي لم يكن سهلا تفكيك شبكته دفعة واحدة من دون إحداث ارتدادات كبيرة في الاقتصاد الداخلي".

شعار، في حديثه لـ"الاستقلال"، رأى أن "مخلوف حاول المناورة منذ العام 2011، وتهرب من دفع كل ما حصل عليه في مساندة الأسد، وخاصة أنه يعتقد ضمنيا أنه جلب أساليب إدارية حديثة وجلب خبراء للعمل معه وأنه لعب الدور الأكبر في الثراء".

واستدرك بالقول: "لكن ذلك غير صحيح وخاصة أننا نعرف أنه لولا الغطاء والدعم السياسي من بشار الأسد لما صنع مخلوف، تلك الثروة".

 وألمح شعار، إلى أن "النظام السوري اليوم بدأ يتعامل مع طبقة رجال أعمال مطيعة أكثر كـ(آل إبراهيم) المقربة من أسماء الأسد و(آل قاطرجي)".

ونوه الباحث في معهد الشرق الأوسط إلى طبيعة الدور المكلف به هؤلاء موضحا ذلك بقوله: "إن العلاقة بين هذه الطبقة الجديدة وبين بشار الأسد غير معقدة كونها تقوم على اعتبار هؤلاء واجهة اقتصادية يؤدون أدوارهم ويتم تقاسم الأرباح فقط".

مربع الاقتصاد

وعلى الرغم من أن المعركة بين أسماء الأسد، ورامي مخلوف، لم تعرف أسبابها الحقيقية بشكل دقيق، إلا أن التكهنات حامت حول كشف نية مخلوف لتهريب الأموال خارج سوريا أو أنه كان يخطط للتحالف ضد الأسد.

لذلك صدر قرار الإطاحة برامي، وفق ما يرى الكثير من المراقبين بعكس الطريقة التي أطاح بها حافظ الأسد بأخيه رفعت، الذي حاول الانقلاب عليه واستلام السلطة، إذ اكتفى بإبعاده خارج سوريا عام 1984.

وحول هذه الجزئية رأى الخبير الاقتصادي السوري في "مركز جسور للدراسات" الدكتور خالد تركاوي، أن "مخلوف كان يدير أغلب الاقتصاد السوري ولمصلحة النظام السوري وليس لمصلحته لوحده".

وأضاف لـ"الاستقلال": "إلا أن مخلوف تنامى وأصبح رقما اقتصاديا كبيرا لكن خروجه من مربع الاقتصاد إلى الظهور كوجه سياسي في سوريا جعله في مواجهة مع الأسد الذي لا يريد رجلا اقتصاديا قويا من طائفته العلوية".

وانطلاقا من حالة تعامل بشار الأسد مع ابن خاله لفت تركاوي، إلى أن رجال الأعمال الذين طفوا على السطح حاليا في سوريا: "يعملون بتسهيلات من النظام بإصدار قوانين تصب في مصلحتهم إضافة إلى العامل الأساسي وهو تأمين الحماية لهم".

فلك أسماء الأسد

وعمل النظام السوري على تنظيف الساحة الاقتصادية السورية من "حيتان مالية" ضخمة كانت تتحكم وتحتكر التجارة والاستيراد والتصدير والمشاريع المتوسطة والعملاقة في البلاد وكل ذلك بتيسير من النظام.

إذ شهدت مناطق نفوذ النظام السوري على مدى عام حملة كبيرة جرى خلالها الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة، لعدد من رجال الأعمال الكبار في ترتيب مدروس لحالة الاقتصاد المستقبلية التي يرسم لها الأسد.

وفي نهاية إبريل/ نيسان 2021 أصدرت وزارة المالية في حكومة الأسد قرارا بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لرجل الأعمال أيمن جابر، الذي يعد أبرز "أمراء الحرب" والمقرب من أحد أفراد عائلة الأسد في سوريا.

وشملت أيمن، الذي ينحدر من ريف اللاذقية العقوبات الأوروبية حيث أسس مليشيا "صقور الصحراء" مع شقيقه محمد، الذي قاد تلك المليشيا قبل أن يؤسس مجلس الحديد والصلب و"الشركة العربية لدرفلة الحديد".

ووفقا لـ موقع "سيرياستيبس" المحلي، فقد صدر 25 قرارا من حكومة الأسد، في يونيو/حزيران 2020، بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لـ"36" شخصية في محافظات عدة بذريعة "مخالفة قوانين الاستيراد عن طريق التهريب".

مقابل ذلك جرى تعويم رجال أعمال جدد بشكل مفاجئ وأصبحت الكلمة الاقتصادية في البلاد لهم، حتى جرى إطلاق الألقاب عليهم من السوريين كرجل الأعمال الصاعد "خضر علي طاهر" المقرب من أسماء الأسد والذي لقب بـ "أمير المعابر".

إذ بدا غريبا وصول "خضر" بسرعة لقائمة أثرياء سوريا، كما لم يسلم من قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2020، التي شملت 11 شركة يملكها تعمل في قطاعات متنوعة تشمل الإعلام والسياحة والاتصالات والتعهدات والفنادق والمعادن والتجارة والاستثمار.

وكذلك رجل الأعمال حسام قاطرجي الذي سرعان ما أصبح "أمير حرب"، وشكل مليشيات تابعة له في دير الزور والرقة والحسكة، لتسيير أعماله في مجال التهريب.

 وتعد شركة "قاطرجي" من أشهر الوسطاء لنقل النفط والقمح، كما يمتلك شركة لحفر الآبار النفطية في المناطق والقطاعات البرية والبحرية وتجهيزها للإنتاج.

وكذلك برز اسم "ياسر إبراهيم" كواجهة للأسد وزوجته، كذراع اقتصادي كبير وأحد مستشاري بشار، الذي شملته عقوبات "قانون قيصر" في أغسطس/ آب 2020.

وذلك نظرا لاستخدام "شبكاته الممتدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه لإبرام صفقات فاسدة تثري الأسد، بينما يموت السوريون من نقص الغذاء والدواء"، وفق ما جاء بنص العقوبات.

مجلة "إيكونوميست" البريطانية، نشرت تقريرا مطولا عن أسماء الأسد المولودة عام 1975 بآكتون غرب لندن حمل عنوان: "المصرفية، الأميرة، أميرة الحرب: الحياة المختلفة لأسماء الأسد".

التقرير الصادر في مارس/آذار 2021، شرح الطريقة التي تحولت فيها فتاة نشأت في الغرب، إلى كبيرة مستشاري زوجها الاقتصاديين.

وهذا ما أكده وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة الدكتور عبد الحكيم حسين المصري، لـ"الاستقلال"، بأن "الأسماء التي برزت على ساحة الاقتصاد السوري مغمورة ولم يكن يسمع بها من قبل".

وبين أن جميعهم يدور في "فلك أسماء الأسد بدلا من رامي مخلوف سابقا".

وبين الوزير أن "أمراء الحرب الجدد سيكون لهم توجهات معينة تتناسب مع من يديرهم، كالإيرانيين مثلا وخاصة في ظل تقاسم المناطق بين روسيا وإيران وإعطاء الأخيرة بعض الامتيازات المحدودة في سوريا".