"الدموي والمراوغ".. هكذا أنهى تحالف لابيد وبينيت 12 عاما من حكم نتنياهو

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن يعلم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو يشن عدوانه الغاشم على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة في مايو/أيار 2021، أنه يضع المسمار الأخير في نعش حكومته، وولايته التي استمرت أكثر من 12 عاما.

ويستعد نتنياهو للرحيل، فيما يتأهب الحكام الجدد لقيادة حكومة الاحتلال، على رأسهم يائير لابيد، الذي أبلغ الرئيس رؤوفين ريفلين، في 2 يونيو/حزيران 2021، أنه تمكن من جمع الأصوات اللازمة لتشكيل ائتلاف حكومي، الذي من شأنه إزاحة رئيس الوزراء القائم.

وحتى يصل لابيد إلى قيادة حكومة جديدة، اضطر لتوقيع اتفاقيات منفصلة مع 7 أحزاب مختلفة التوجهات، من أجل بناء الائتلاف، الذي يشاركه فيه زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينيت، المعروف بأيديولجيته المتطرفة.

طبقة أرستقراطية

يتميز لابيد بمجموعة من نقاط القوة، التي أهلته للتدافع مع نتنياهو على تشكيل الحكومة، حيث يبرع في استخدام منصات التواصل الاجتماعي، ويتوفر على صفحة في "فيسبوك" وحساب على "تويتر" يحظيان بمتابعة مئات الآلاف، وساهما في تعزيز شعبيته، خاصة وأنه من أوائل السياسيين الإسرائيليين الذين وظفوا التواصل الاجتماعي.

لابيد، رغم كونه من الطبقة الأرستقراطية، وتبلغ ثروته ملايين الدولارات، لكنه يحظى بدعم الشباب، لرفع حزبه "هناك مستقبل"، شعارات العدالة الاجتماعية للطبقة الوسطى تحديدا، مصورا نفسه كـ"ممثل" لها. 

ولد لابيد في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1963، في تل أبيب بالأراضي المحتلة، وهو ابن الصحفي، والنائب، والوزير الأسبق يوسيف لابيد، والأديبة شولاميت، التي شغلت في السابق منصب رئيسة اتحاد الأدباء الإسرائيليين.

تخرج يائير من مدرسة "جيمناسيا" في مدينة هرتسليا، ويقول والده إنه كان شابا متمردا كثير الهروب من المنزل، وتعلم كيف يسكن وحده في ظروف صعبة، وقد يئسا منه حتى التحق بالجيش.

قصة الصعود

بالذهاب إلى التوجه السياسي للابيد الابن، فهو يسير على نفس خطى الأب، حيث كان والده صحفيا ومحللا سياسيا معروفا بتأييده الشديد للعلمانية، ومعارضا للأحزاب السياسية الأرثوذكسية المتشددة في إسرائيل.

بدأ يائير لابيد حياته كمراسل عسكري أثناء خدمته في الجيش، ثم كتب مقالات لمجلة الجيش، وعام 1991 بدأ بكتابة عمود في صحيفة "معاريف" اليومية، وقد أمضى عدة سنوات في "معاريف"، ثم انتقل إلى صحيفة "يديعوت أحرونوت" واسعة الانتشار. 

وفي 1994، بدأت مسيرته في مجال العمل التلفزيوني كمقدم لبرنامج إخباري ثم قدم سلسلة من البرامج الحوارية (توك شو)، كما كتب عدة روايات معظمها ذات طابع بوليسي. 

اشتهر يائير أكثر عام 2008، عندما أصبح المذيع الرئيس لبرنامج "استوديو الجمعة الإخباري" الذي كان يحظى بنسب مشاهدة عالية.

جاء عام 2012 وبعد المصادقة على القانون الذي ينص على وجوب خضوع الصحفيين المعنيين بالانضمام للسياسة لفترة "تبريد"، أعلن يائير تخليه عن عمله في شبكة الأخبار التابعة للقناة الثانية ودخوله معترك السياسة قبيل الانتخابات. 

وحسب وسائل الإعلام، فقد قام بهذا العمل بناء على نصيحة رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، وفي أبريل/نيسان 2012، أعلن لابيد عن إنشاء حزبه الجديد "هناك مستقبل" باعتباره حزبا "صهيونيا ليبراليا".

حزب لابيد 

شهرة يائير كانت سببا في أن يحظى اللاعب الجديد في مسرح السياسة الإسرائيلية باهتمام واسع، ومع ذلك لم يحصل الحزب على شعبية كبيرة في استطلاعات الرأي.

ذلك الأمر دفع لابيد لسلسة من التحركات والتصريحات والتحالفات ليستطيع أن يعبر بحزبه عنق الزجاجة، وبالفعل في يناير/كانون الثاني 2013، وأثناء التحضير للانتخابات العامة، تعهد بخفض تكاليف السكن ومساعدة الشركات الصغيرة، كما دعا إلى الإلغاء التدريجي للقانون الذي يعفي المتدينين اليهود من الخدمة العسكرية.

ثم أعلن خطة الحزب القائمة على 7 نقاط رئيسة حول مستقبل إسرائيل، وهي "تحديث مفهوم الأمن، والسعي من أجل التوصل إلى تسوية إقليمية والانفصال عن الفلسطينيين، وتنظيف النظام السياسي ومكافحة الفساد".

وأيضا دمج القيم اليهودية مع القيم الديمقراطية، وتعزيز نظام إنفاذ القانون، وجعل الاقتصاد الإسرائيلي في الصدارة، وتعزيز التربية والعلوم في إسرائيل"، وذلك بحسب الموقع الرسمي للكنيست.

وبالفعل في انتخابات 2013 تجاوز حزب "هناك مستقبل" أو "يش عتيد" بالعبري، كل التوقعات، بحصوله على 19 مقعدا في الكنيست وأصبح ثاني أكبر حزب في إسرائيل من حيث عدد المقاعد، بعد حزب تحالف "الليكود" و"إسرائيل بيتنا".

أهل ذلك الأمر الحزب للانضمام إلى الائتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو، وتولى لابيد حقيبة المالية، لكن ما لبث أن عزله نتنياهو من منصبه في ديسمبر/كانون الأول 2014.

في أعقاب عزله، بدأت المناوشات تستعر بينه وبين رئيس الوزراء، وكان لابيد قد أثار جدلا عام 2018 عندما أوصت الشرطة الإسرائيلية بإدانة نتنياهو بتهم فساد، وتبين أن لابيد كان شاهدا رئيسا في إحدى القضايا التي كانت تحقق فيها الشرطة مع نتنياهو.

وفي 17 مايو/أيار 2020، بعد رفضه الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو، أصبح زعيما للمعارضة، ومن أبرز وجوهها.

وكان رئيس إسرائيل كلفه في 5 مايو/أيار 2021، بتشكيل الحكومة، وفي 2 يونيو/حزيران 2021، قبل انتهاء المهلة الممنوحة له، أجرى لابيد اتصالا مع الرئيس ريفلين وأبلغه بنجاحه في تشكيل الحكومة.

ومن أبرز مواقف لابيد السياسية، أنه حث على استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين وتقليل الدعم للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.

وفيما يتعلق بإيران، كان لابيد قد أعرب عن دعمه القوي لنتنياهو، الذي حذر مرارا وتكرارا من خطر برنامج إيران النووي.

بينيت "الجدلي"

من أجل الإطاحة بـ"الملك بيبي" وهو اللقب الذي يعرف به نتنياهو، استطاع لابيد عقد تحالف مع جميع الخصوم السياسيين "من أقصى اليمين إلى الإسلاميين العرب" تحت مظلة هدف واحد، هو الإطاحة بنتنياهو. 

ومن أهم حلفاء لابيد، هو الرجل الذي يحمل جدليات كبيرة في آرائه وأفكاره، بينيت، المليونير اليميني، الذي سيقتسم الحكم مع لابيد، كرئيس للوزراء، بواقع عامين لكل منهما.

بينيت الذي يجهر دائما بدعمه للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بدأ مشواره السياسي كحليف مقرب من نتنياهو، وعمل معه كمستشار، وكبير مساعديه، ثم تولى رئاسة أركان جيش الاحتلال، وكذلك وزارتي التعليم والدفاع خلال حكومات نتنياهو المتعاقبة في السنوات الأخيرة.

ويعد بينيت أقرب رجال التحالف القائم، أيديولوجيا إلى نتنياهو، فهو مثله يميني ودائما يقول "أنا فخور بذلك"، بل إنه حسب وصفه أكثر تشددا في بعض الأمور من نتنياهو نفسه، وصرح في حوار سابق مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، "أنا يميني أكثر تشددا من بيبي، لكنني لا أستخدم خطاب الكراهية أو الاستقطاب".

بينيت معروف عنه عنصريته الشديدة ضد العرب، وتصريحاته المثيرة للجدل، ففي إحدى المناظرات التليفزيونية المحلية، أهان نائبا عربيا، حين قال له "كانت لدينا دولة يهودية في الوقت الذي كنت فيه تتعلق وتقفز بين الأشجار".

ويرفض بينيت بشدة حل "إقامة دولة فلسطينية"، إذ يراها بمثابة "انتحار" لإسرائيل، وفي عام 2015، قال إنه "حتى إذا ضغط علينا العالم، لن نقدم على هذا الانتحار طواعية".

ووصل الأمر إلى حدود تصرحات وصفت بـ"الجنونية" عام 2013، عندما قال إنه يجب قتل "المخربين الفلسطينيين"، لا إطلاق سراحهم.

وأعلن أن "الضفة الغربية ليست تحت الاحتلال.. لأنه لم تكن هناك دولة فلسطينية".

وحول تحرير أسرى فلسطينيين، قال بينيت: "إذا اعتقلنا مخربين، بكل بساطة علينا قتلهم"، وزاد مفتخرا: "قتلت الكثير من العرب، ولا يوجد في ذلك أية مشكلة".

ونشأ بينيت كابن لأبوين مهاجرين من ولاية سان فرانسيسكو الأميركية، ومن الغريب في حياة عائلته أنها عادت إلى الولايات المتحدة لفترة عقب حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، عندما انتصر الجيش المصري على جيش الاحتلال، في واحدة من أكثر وأكبر الهزائم في تاريخ الدولة العبرية، ثم عادت أدراجها بعد سنوات.

وبينيت زعيم حزب "يمينا" أتى خامسا في الانتخابات الأخيرة بواقع 7 مقاعد، لكنه لم يحصل على الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة.