السلطة وطلاب حماس بجامعات الضفة.. ملاحقات واعتقالات وحظر نشاطات

عدنان أبو عامر | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ تأسيسها في عام 1994 والسلطة الفلسطينية كغيرها من الأنظمة العربية تتطلع للسيطرة على قطاع التعليم، سواء رغبة بترويج مواقفها السياسية، أو رهبة من تحول الجامعات بؤرا ساخنة تطالب بالتغيير السياسي.

لتحقيق ذلك سعت السلطة للتغلغل والسيطرة على الجامعات بواسطة أدوات عدة، على رأسها: التحكم بالتمويل، تعيين رؤسائها ومجالس الأمناء، سن قوانين وتشريعات لإحكام قبضتها عليها، تغلغل أجهزتها الأمنية داخل الجامعات، وتحكمها بكثير من الأحيان في توظيف المحاضرين، وترقياتهم، فيتقدم أصحاب الولاء على حساب ذوي الكفاءة.()

الأسابيع الأخيرة في مارس/آذار الماضي، وأبريل/نيسان الجاري شنت السلطة الفلسطينية سلسلة ملاحقات أمنية وأصدرت عدة قرارات إدارية ضد الكتلة الإسلامية (الجناح الطلابي لحركة حماس في الضفة الغربية)، سواء باعتقال بعضهم، أو إلغاء مشاركاتها في انتخابات مجالس الطلاب ببعض الجامعات، أو حظر نشاطها النقابي بجامعات أخرى، وتتوج ذلك باعتقال عدد من ممثليها الطلاب وسط المدن الفلسطينية، وفي ساعات النهار.

صراع سياسي

تضم الضفة الغربية عددا من الجامعات وهي: الخليل، القدس، القدس المفتوحة، بوليتكنك فلسطين، بيت لحم، بيرزيت، العربية-الأمريكية، فلسطين التقنية-خضوري، الاستقلال، وعددا آخر من الكليات المتوسطة، ووصل عدد مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 50 جامعة وكلية جامعية ومتوسطة، وبلغ عدد طلابها قرابة 210 آلاف طالب وطالبة، يتخرّج سنويًا 40 ألفا.

تضم الجامعات العديد من الكتل الطلابية التي تمثل التوجهات السياسية، ومن أهمها: الشبیبة الطلابیة (فتح)، الكتلة الإسلامیة ( حماس)، الرابطة الإسلامية (الجهاد الإسلامي)، جبهة العمل الطلابي التقدمیة (الجبهة  الشعبیة لتحریر فلسطین)، الوحدة الطلابیة (الجبهة الديمقراطية لتحریر فلسطین)، اتحاد الطلبة التقدمیة (حزب الشعب الفلسطیني)، نضال الطلبة (جبهة النضال الشعبي الفلسطیني)، الاستقلال (حزب فدا)، تجمع المبادرة الطلابیة (المبادرة الوطنیة الفلسطینیة)، الوعي الطلابي (حزب التحریر الإسلامي).

ومنذ حصول الانقسام الفلسطيني في 2007، والصراع السياسي بين فتح وحماس ترك تأثيره على ممارسة الحركة الطلابية لنشاطاتها بالضفة الغربية، وحسب كلام رائد نعيرات أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية بنابلس، ورئيس المركز المعاصر للدراسات وتحليل السياسات، لـ "الاستقلال" "هناك جامعات لا تنظم انتخابات، وبعضها تشهد انتخابات موسمية، ونوع ثالث تجري انتخابات وفق معطيات ليست طلابية، بل سياسية ، والكتلة الإسلامية تدفع ثمن هذه الخلافات السياسية، وهي بذلك مستهدفة من إسرائيل والسلطة الفلسطينية معاً".

تزوير الانتخابات

في 5 أبريل/نيسان الجاري أسفرت انتخابات مجلس طلبة جامعة الخليل عن فوز قائمة فتح وتراجع منافستها قائمة حماس، مما شكل خيبة أمل كبيرة للأخيرة، رغم أن الكتلة الإسلامية رصدت خروقات وتجاوزات عديدة شابت أجواء الانتخابات.

من بين هذه التجاوزات دخول أعداد كبيرة من غير الطلبة، وعناصر وضباط الأجهزة الأمنية إلى ساحات الجامعة ومبنى الاقتراع، على مرأى ومسمع من إدارة الجامعة التي لم تحرك ساكنا، وحصول عمليات تزوير وتلاعب بالاقتراع وفرز الأصوات.

ورافق هذه الانتخابات وسبقها حملات من القمع والملاحقة والترهيب والاعتقال السياسي، والتهديد لأعداد كبيرة من طلاب الجامعة، من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، مما مثل مؤشراً خطيراً على تردي واقع الحريات الطلابية بالضفة الغربية، وألقى بظلاله السلبية على سير الانتخابات ونتائجها.

انتخابات جامعة الخليل كشفت عن الواقع المعقد الذي تعمل فيه الكتلة الإسلامية بالضفة الغربية المليء بالمعوقات والملاحقة والتهديد والمخاطرة، وعسكرة المنافسات الطلابية، وإدخال السلاح لحرم المؤسسات الجامعية، وإطلاق النار في الهواء، من قبل مسلحي الأجهزة الأمنية الفلسطينية وكوادر فتح.

عضو المجلس التشريعي عن حماس نايف الرجوب من الخليل، قال لـ "الاستقلال": "السلطة الفلسطينية تحظر أي نشاط لحماس بالضفة الغربية، ولو كان طلابياً داخل أسوار الجامعات، لأن سياسة الإقصاء تغلب على قراراتها بالتعامل مع باقي الأطراف الفلسطينية، لأنها قائمة على نفي الآخر، وتهميشه، والاستفراد بالقرار، والهيمنة عليه".

عسكرة الجامعات

في 6 أبريل/نيسان الجاري أعلنت الكتلة الإسلامية بجامعة القدس-أبو ديس، مقاطعتها لانتخابات مجلس الطلبة عشية قيام اللجنة التحضيرية بإقصائها من الانتخابات، بعد ضغوط مارستها فتح على الجامعة، مما حرم الكتلة من المشاركة في الاستحقاق الانتخابي.

وفي 7 أبريل/نيسان شارك عناصر جهاز المخابرات العامة بالزي المدني والعسكري باعتقال الطالب موسى دويكات، أمام مقر جامعة النجاح، وتخللها اعتداءٌ عليه بالضرب في الشارع، وانتشر مقطع فيديو يوثق الحادثة، وكانت له ردود فعل شعبية غاضبة.

في نفس اليوم اعتقلت أجهزة أمن السلطة إبراهيم شلهوب ممثل الكتلة الإسلامية بجامعة النجاح، ورافق اعتقاله اقتحام همجي وتفتيش منزله ومصادرة متعلقاته الشخصية، في ظل استمرار حلقات مسلسل استهداف الكتلة، ومحاولات إقصائها.

سبق اعتقال شلهوب، إعلان الشبيبة الطلابيّة التابعة لفتح بجامعة النّجاح يوم 17 مارس/آذار، حظر الكتلة الإسلاميّة، وإغلاق مقرّاتها، بزعم أنّها لن تسمح بأن يكون في الجامعة امتداد لحماس، وتلقت الكتلة بلاغاً من إدارة الجامعة بحظر أنشطتها، دون مبرّرات، معتبرة أنّ القرار استجابة لضغوط من أمن السلطة الفلسطينيّة.

وفي 14 أبريل/نيسان، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي سكن طلبة جامعة بيرزيت بمدينة رام الله، وألصق منشورات تحذيرية تحذر الطلاب من التعامل مع الكتلة، وكتب على الصورة "العمل لصالح الكتلة الإسلامية، يخرب مصالحك، ويؤثر على رزقك".

وتتّهم الكتلة الإسلامية بجامعات الضفّة الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة بعرقلة عملها عبر ملاحقة عناصرها، وتجاوز عدد طلاّبها المعتقلين لديها الـ400 طالب.

محمد فروانة رئيس الكتلة الإسلامية في فلسطين قال لـ"الاستقلال" إن "نشاط الكتلة بجامعات الضفة وصل حالة شبه ركود بفعل الإجراءات القمعية والممارسات الضاغطة من السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وتبادل أدوارهما".

الإجراءات القمعية تشمل: اعتقال الطلبة، شن الهجمات على نشطاء الجامعات وهيئات الطلبة، الضغط على إدارات الجامعات لمنع طلبة الكتلة من ممارسة نشاطهم، فرض العقوبات على الطلبة المنتمين للكتلة، وآخر هذه العقوبات الإبعاد عن الحرم الجامعي ستة أشهر بحق من يمارسون نشاطا للكتلة".

وأضاف فروانة أن "الكتلة الإسلامية تتعرض بين حين وآخر لحملات أمنية، تشمل اقتحام سكن الطلبة، ومصادرة مقتنيات الطلاب من أجهزة حاسوب ورايات وأعلام وقرطاسية والمعارض الخدماتية، وتوزيع ملصقات تهدد من يتعامل مع الكتلة من أصحاب المكتبات والمطابع".

مصادر الكتلة الإسلامية تتحدث أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تنسق بشكل مكثف مع أجهزة أمن الاحتلال لاعتقال أبنائها، حيث يتم استجوابهم في مقرات مخابرات السلطة، ثم يتم اعتقالهم بعد أيام من الاحتلال الإسرائيلي وفق المعلومات التي تم الحصول عليها من أمن السلطة.

حظر العمل النقابي

ساري عرابي، الكاتب الفلسطيني المقيم بالضفة الغربية، قال لـ "الاستقلال" إن "إطار حماس الطلابي بالضفة هو الأكثر فاعلية من بين أطر حماس المتعددة، ولذلك فإن النشاط الأمني والسلطوي لاستهدافه مكثف ومركز، من السلطة الفلسطينية وإسرائيل معاً، خاصة بعد هيمنة السلطة على الجامعات، وإحكام الحصار على الإطار الطلابي لحماس، بجانب ملاحقة إسرائيل أمنيا وقانونيا للكتلة الإسلامية الذي يعد الانتماء إليها جريمة يحاسب عليها القانون الإسرائيلي".

حماس تعلم جيّداً أنّ الكتلة الإسلاميّة بجامعات الضفّة هي منابرها المتاحة حاليّاً، بسبب الملاحقة الأمنيّة التي تتعرّض لها من إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة، مما يجعل من الكتلة إطاراً خصباً لنشر أفكار حماس، واستقطاب الأنصار لصفوفها.

ولهذا، عملت حماس على تفعيل أنشطة الكتلة لزيادة نفوذها بالضفة، وبالتّالي، تصبح هذه الكتلة محلّ استهداف السلطة الفلسطينيّة وأجهزتها بصورة ممنهجة، وهو ما تعتبره الكتلة طعنة في خاصرة الحركة الطلابيّة، لأنّه مؤشّر على توجّه لتجاوزها، وإلغاء دورها كممثّلة للطلاّب.