7 لقاءات في 6 سنوات.. هذه رسائل "الكونغرس اليهودي العالمي" للسيسي

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

للمرة السابعة منذ 2015 يلتقي رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي رئيس الكونغرس اليهودي العالمي رون لاودر، حيث اجتمع الاثنان في 21 أبريل/ نيسان 2021، وناقشا "مكافحة الفكر المتطرف ومشروعات السلام".

لم يسبق لرئيس مصري أن احتفى بهذه المنظمة "الأهلية" بمثل هذه الطريقة أو بحث معهم قضايا الشرق الأوسط والقارة الإفريقية بحسب المتحدث الرئاسي، كما فعل السيسي.

ما يزيد الغموض أنه في كل لقاء برئيس الكونغرس اليهودي، يحضر مدير المخابرات العامة، ما يطرح تساؤلا حول علاقة المخابرات المصرية بالمنظمات الأجنبية اليهودية؟!.

"لاودر" يلتقي السيسي مرة سنويا على الأقل، باستثناء عام 2016 الذي التقى فيه السيسي وفدا من المنظمات اليهودية، في حين أنه لم يلتق برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو منذ 3 سنوات.

الكونغرس اليهودي

بحسب الموقع الرسمي لـ"المؤتمر اليهودي العالمي"(WJC)، هو "منظمة أهلية يهودية بأهداف عالمية"، تأسست عام 1936، وتعتبر "الذراع الدبلوماسية للشعب اليهودي".

يقولون إنها "منظمة دولية تمثل المجتمعات والمنظمات اليهودية في 100 دولة حول العالم"، و"تدافع نيابة عنهم أمام الحكومات والبرلمانات والمنظمات الدولية وممثلي الأديان الأخرى".

لذلك يتغلغل المؤتمر منذ ثلاثينيات القرن الماضي بالمؤسسات الدولية، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، واليونسكو، ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة الدول الأميركية، والمجلس الأوروبي، وغيرها.

يقع مقره الرئيس في مدينة نيويورك، وله مكاتب في العديد من دول العالم، ويعتبر دعم إسرائيل من أبرز أنشطة الكونغرس اليهودي العالمي.

له فروع ومراكز نشطة في دول عربية وإسلامية عدة بينها مصر وتركيا وتونس والمغرب وأذربيجان والبوسنة، إضافة للإمارات والبحرين بعد اتفاقات التطبيع الأخيرة، ما يؤكد دوره في التطبيع.

كان الهدف من تأسيسه كما هو محدد في دستوره "ضمان بقاء الشعب اليهودي وتعزيز وحدته"، ويرأسها منذ عام 2007 رجل الأعمال الأميركي رونالد لاودر.

عمل "لاودر" سابقا في عدد من الوظائف الرسمية في الحكومة الأميركية، فيما بين عامي 1983 و1986 شغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون أوروبا وحلف شمال الأطلسي.

وفي عام 1986 عينه الرئيس الأميركي ريغن سفيرا للولايات المتحدة الأميركية في النمسا، ويعرف عن لاودر تبرعاته السخية لليهود في مختلف أنحاء العالم.

المنظمة أنشئت أصلا لمواجهة تصاعد الفكر النازي في أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي، ولكن عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية عملت على تحصيل تعويضات عما سمي بـ "المحرقة اليهودية".

لاحقا، قاد المؤتمر حملة لتهجير أكثر من 800 ألف من اليهود العرب نحو فلسطين، تضمنت الضغط على الولايات المتحدة لتسريع هذا الملف خوفا من "إبادة اليهود على أيدي المسلمين" وفق زعمهم.

ثم تحول دورها حاليا للعب أدوار سياسية لنصرة ودعم الدولة الصهيونية وقيادة التطبيع العربي الصهيوني وضمان إخضاع القادة العرب لتل أبيب مقابل حمايتهم لدى الباب العالي الأميركي.

علاقة حميمية

في تل أبيب يقرون بأن "الحميمية بين السيسي ولاودر تخدم مصالح إسرائيل الإستراتيجية بشكل هائل"، كما يقول المحلل الفلسطيني الدكتور صالح النعامي.

النعامي قال إن أحد قادة اليهود الأميركيين الذين حضروا أحد لقاءات السيسي ولاودر، قال إنه فوجئ بحديث السيسي عن "حكمة وذكاء نتنياهو وأنه قادر ليس فقط على حل مشاكل المنطقة بل حل مشاكل العالم"!.

يتساءل مغردون مصريون عن سر حرص السيسي على لقاء الكونغرس اليهودي رغم أنه ليس رسمية، وفي حضور عباس كامل، هل لأن هذا الكونغرس يمثل "رئيس مجلس إدارة العالم"؟.

ولأن "الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب"، كما يقول خبراء السياسة في مصر، اعتمد السيسي منذ صعوده للرئاسة على تعزيز العلاقات مع إسرائيل، والتوسع إلى لقاءات مستمرة مع مسؤولي الحركة الصهيونية العالمية.

7 لقاءات

كان أول لقاء بين السيسي، ولاودر، ونائبه موشى رونين، في 19 يناير/ كانون الثاني 2015، وقيل إنه للإشادة بما تضمنه خطاب السيسي حينئذ "من أفكار تحض على التسامح وقبول الآخر، ومحاربة الأفكار المتطرفة.

في هذا اللقاء قال لهم السيسي: "أنا أول من حذرت من خطورة الفهم الخاطئ لصحيح الدين الإسلامي وقيمه وثوابته، وحذرت من ظاهرة المقاتلين اﻷجانب حتى باتت تهدد أوروبا".

التقى السيسي أعضاء الكونغرس اليهودي للمرة الثانية في 25 مارس/ آذار 2017، بحضور خالد فوزي، رئيس المخابرات العامة السابق، ثم التقاهم للمرة الثالثة بعد 7 أشهر في 17 أكتوبر/ تشرين أول 2017.

اللقاء الرابع بين السيسي، ولاودر بحضور عباس كامل رئيس المخابرات العامة كان 29 يوليو/ تموز 2018، أما اللقاء الخامس فتم في 11 يونيو/ حزيران 2019، والسادس 17 سبتمبر/ أيلول 2020، والسابع 21 أبريل/ نيسان 2021.

ما تعلنه مصر رسميا عن هذه اللقاءات لا يخرج عن بحث 3 قضايا هي: السلام في الشرق الأوسط، محاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي، التباحث بشأن عدد من القضايا الإقليمية (دون تحديدها).

هذا الغموض والتكرار المعلن عن لقاءات تجري بشكل منتظم سنويا يثير شكوكا ويرجح تكهنات مراقبين أن دور رئيس الكونغرس اليهودي هو نقل رسائل أو تكليفات أو نصائح للسيسي وقادة عرب آخرين.

وتشير معطيات اللقاءات المتكررة التي نشرت أعوام 2017، 2018 و2019 و2020، 2021 إلى أن قضية السلام في الشرق الأوسط كانت أبرز الملفات التي تداولها السيسي ولاودر، إضافة إلى تطوير العلاقات المصرية - الأميركية، ودور مصر في التصدي للإرهاب والتطرف، وسعيها للضغط على حركة "حماس".

ربما تكون مشاركة اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصرية في هذه الاجتماعات، لها علاقة بدوره في التفاهمات مع غزة للتهدئة مع إسرائيل، حيث واكبت زيارة لاودر للمنطقة عام 2020، موجة التطبيع العربية لأربع دول مع الاحتلال، التي كان السيسي أول المرحبين بها، لذا يعتقد أنه لعب دورا فيها.

تكهنات أخرى

هناك تكهنات أخرى تشير إلى أن الأمر له علاقة بالبيزنس لأن رونالد لاودر، رئيس المجلس اليهودي العالمي، هو رجل أعمال شهير وصاحب شركة "إستي لاودر" لمستحضرات التجميل، Estée Lauder ذائعة الصيت بالعالم العربي.

وخلال استقبال السيسي له 29 يوليو/ تموز 2018 أشاد رئيس المؤتمر اليهودي العالمي "بالنجاح الاقتصادي الذي حققته مصر في فترة وجيزة"، مؤكدا أن "التنمية التي تشهدها ستساعد في جذب الاستثمارات الأجنبية وإستعادة اقتصاد مصر".

البعض يشير إلى أن الهدف هو الحماية اليهودية لنظام السيسي الذي يشارك المؤتمر اليهودي في توفيرها خصوصا أن بعض اللقاءات تمت عقب تصاعد الاحتجاجات والغضب الشعبي والضغوط الأميركية على مصر.

كان ملفتا دعوة "لاودر" للسيسي في لقائهما الأول عام 2015 إلى "ضرورة محاربة الإرهاب ليس بالكلام فحسب، بل بالأفعال أيضا"، بحسب صحيفة "وورلد جويش كونغرس" 12 يناير/ كانون الثاني 2015.

قد تكون أفكار مثل السعي لنشر الثقافة الفرعونية بديلا للقومية والإسلامية، والحديث عن تعليم الهيروغليفية الفرعونية في المدارس، وتدريس اليهودية ضمن منهج "القيم المشتركة" جزءا من هذه الأفعال التي طلبها "لاودر" ونفذها السيسي.

خلال هذا اللقاء أيضا دعا السيسي إلى "حشد الجهود الدولية ضد الإرهاب ليس فقط على مستوى الجيش والشرطة ولكن أيضا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا"، بحسب الصحيفة اليهودية.

ضمن هذا التعاون المصري الصهيوني يأتي، التنسيق لمواجهة "الإرهاب" و"التطرف الإسلامي" وسماح مصر للجيش الإسرائيلي بالقيام بعمليات في سيناء عبر الحدود.

وكذا سماح تل أبيب للقوات المصرية بدخول المناطق منزوعة السلاح في سيناء بأعداد تتجاوز المسموح بها في معاهدة السلام 1979، بحسب موقع "أتلانتيك كاونسل" الأميركي 20 أبريل/ نيسان 2021.

"من الصعب القول بأنه كانت هناك فترة أفضل في العلاقات الإسرائيلية المصرية منذ وصول السيسي إلى السلطة عام 2014، ووصول التعاون الأمني ​​بين القدس والقاهرة إلى مستويات غير مسبوقة"، كما تقول الصحيفة الأميركية.

ويرجع الأكاديمي المصري الدكتور ممدوح المنير، لقاءات السيسي بالكونغرس اليهودي إلى أن "المؤتمر اليهودي العالمي هو بمنزلة اللوبي الصهيوني الذي يتحكم في كثير من توجهات السياسة الأميركية والأوروبية، من خلال أذرعه الإعلامية والاقتصادية وشبكات علاقاته المتنوعة".

ويقول مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية بإسطنبول لموقع "عربي 21" 19 سبتمبر/ أيلول 2020: "السيسي يدرك أن ما يبقيه في السلطة حتى الآن ليس شعبيته الجارفة، لكنه الرضا الأميركي الصهيوني عنه، ومفتاح ذلك يعود لرضا المؤتمر اليهودي العالمي".

ويعتقد أنه "لذلك فالسيسي يقابلهم من فترة لأخرى ليقدم تقارير عما تم إنجازه ويعرف المطلوب منه لاحقا".

سفير إسرائيل

لا تقتصر لقاءات الملياردير الصهيوني رونالد لاودر المكوكية على السيسي، لكنه أيضا ينقل رسائل عدة إلى قادة ورؤساء عرب، لذا هو يقوم بدور "سفير إسرائيل الدولي" للعالم.

ارتبط اسمه على مدار السنوات الأخيرة بملفات مختلفة في المنطقة محركها الرئيس تحقيق مصالح إسرائيل. وكمثال على دوره، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، حطت طائرته المروحية في مقر المقاطعة برام الله، قادمة من الأردن ثم غادرته بعد فترة قصيرة تلبية لدعوة من الرئيس محمود عباس.

بعد الزيارة بحوالي شهر، أعلنت السلطة الفلسطينية استئناف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال بعد أن كانت قد أوقفته احتجاجا على مشروع الضم الإسرائيلي لأراض بالضفة الغربية.

دفع هذا البعض لتوقع أن يكون "لاودر" ساهم، بالإضافة إلى عوامل وأطراف أخرى، في دفع السلطة للنزول عن الشجرة، والعودة للتنسيق الأمني ضد المقاومة.

لم يكن ذلك اللقاء الأول بين لاودر وعباس، ولا المرة الأولى التي ظهر فيها مبعوثا لنقل رسائل أميركية وإسرائيلية إلى السلطة فقد التقاه عدة مرات، مثل السيسي.

لعب الكونغرس اليهودي دورا أيضا في اتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية عام 2020، وكان من أوائل المحتفلين والمباركين بها بعدما لعب على مدار سنوات، دورا واسعا في الدفع نحو علاقات عربية إسرائيلية علنية، من خلال مراكزه وفروعه.

إضافة لدوره كسفير لإسرائيل، عمل "رئيس الكونغرس اليهودي" أيضا كوسيط بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية ومسؤولين عرب، بذريعة "حوار الأديان". وأشهر مثال على ذلك لقاؤه بملك السعودية السابق عبد الله بن عبد العزيز عام 2008، وزياراته المتكررة للبحرين والاجتماع بولي عهدها.

ضمن دعمه لإسرائيل أيضا، يركز الكونغرس اليهودي على تتبع عمل حركة مقاطعة الاحتلال BDS، ويحارب نشاطاتها حول العالم وفي أميركا، وسبق أن نظم بالشراكة مع البعثة الإسرائيلية للأمم المتحدة عام 2016 قمة للتصدي لحركة المقاطعة.

ويقود هذا "الكونغرس" أيضا لواء تعويض اليهود عن ممتلكاتهم التي تركوها وراءهم قبل الهجرة للاستيطان في فلسطين. حيث شارك في التسعينيات في تأسيس "المنظمة اليهودية العالمية للتعويضات" (WJRO)، وتشكيل 17 دولة أوروبية لجانا خاصة للتعويض، منها صندوق بقيمة 5 مليارات يورو من ألمانيا، ومليار دولار من البنوك السويسرية.

وفي 2002، شارك المؤتمر بتأسيس "منظمة العدالة لليهود من الدول العربية" (JJAC)، التي تطالب مصر، إيران، ليبيا، تونس، المغرب، العراق، سوريا، اليمن، الجزائر ولبنان، بمبلغ 250 مليار دولار تعويضات لليهود عن ممتلكاتهم.