محمد بن سلمان و"سلفاتور موندي".. هذه أوجه التشابه بين الأمير واللوحة

12

طباعة

مشاركة

عام 2017، اشترى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لوحة الرسام والنحات الإيطالي ليوناردو دافنشي، والمعروفة باسم "سالفاتور موندي" بسعر قياسي بلغ 450 مليون دولار.

كان ولي العهد مصمما على دفع مثل هذا المبلغ للوحة الأغلى في العالم، بما أنه كان يفترض أنها لوحة ليوناردو دافنشي الأصلية، يقول مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام" التركي.

وتابع: لكن ومع تزايد الجدل حول العمل الذي يصور النبي عيسى ويسمى أيضا "ذكر الموناليزا"، بأنه لم يتم رسمه مباشرة بيد ليوناردو دافنشي، يلاحظ أنه بدأ ينظر إلى اللوحة التي اشتراها ولي العهد بحوالي نصف مليار دولار، على أنها لم تكن في الواقع بالقيمة المتوقعة وأنها عبارة عن استثمار مكلف.

وبينما تزامن شراء اللوحة مع الفترة التي قدم فيها محمد بن سلمان إلى العالم الغربي كوريث حداثي ذا رؤية من شأنه أن يعمل على تحويل السعودية بشكل جذري، يلاحظ أن صورة ولي العهد في المجتمع الدولي بدأت تسوء أكثر فأكثر في الفترة التي اكتسبت فيها المناقشات حول أصالة اللوحة ثقلا. 

ويتساءل الباحث والكاتب التركي أحمد صفا هدى فيردي: "ما الذي يمكن أن تخبرنا به قصة هذه اللوحة التي بلغ ثمنها نصف مليار دولار عن صورة ابن سلمان الدولية التي سطعت ثم ما لبثت وأن تلاشت؟ وبمعنى آخر، ما الذي ترمز إليه هذه اللوحة بالنسبة للسعودية؟".

بداية الحكاية

ويجيب قائلا: في الواقع، وعند النظر إليها ككل، فإن قصة لوحة سالفاتور موندي تشبه وتوازي قصة صعود ابن سلمان إلى السلطة.

 فبينما اكتسبت لوحة سالفاتور موندي أهمية كبيرة في جميع أنحاء العالم قبل أن تحوم حولها الشبهات بشأن أصالتها، أخفت صورة ابن سلمان الإصلاحية المصقولة، السلطوية في داخلها.

وهكذا، وبينما تمكنت سالفاتور موندي من العثور على عميل دفع مبلغا قياسيا بلغ 450 مليون دولار، بدأ صعود محمد بن سلمان في كوادر الدولة بعدما أصبح والده سلمان بن عبد العزيز آل سعود ملكا للسعودية في عام 2015، وأثار صدى واسعا بحملاته المختلفة في العلاقات العامة خاصة في العالم الغربي.

وقد لقيت خطة ابن سلمان لتحويل المملكة وتحديثها اقتصاديا واجتماعيا ضمن نطاق مشروع "رؤية 2030" ترحيبا كبيرا، خاصة من قبل دوائر الأعمال الدولية؛ وذلك لما تحمله من إمكانيات لتصبح سوقا جديدا وكبيرا مفتوحا للعالم الخارجي. 

تبع ذلك تقديم ابن سلمان في وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية كقائد حداثي ذا رؤية من شأنه أن يكسر الصور النمطية الاستبدادية التقليدية للمملكة العربية السعودية ويجعل البلاد أكثر اندماجا مع العالم الخارجي اقتصاديا واجتماعيا. 

إلى جانب أن الإعلان عن مشروع مدينة تكنولوجية مثل "نيوم" للعالم ساهم أيضا في تشكيل هذه الصورة الحداثية التي بناها ابن سلمان.

وعلى غرار صعود ابن سلمان الأول وترحيب العالم الغربي به، فقد تم تصنيف إعادة اكتشاف لوحة ليوناردو دافنشي، سالفاتور موندي كأعظم حدث فني في المائة عام الماضية وأثارت صدى واسعا في عالم الفن، يقول الكاتب التركي.

ويوضح: فالندرة التي توحي بها حقيقة أن هناك أقل من 20 لوحة تم رسمها بواسطة دافنشي نفسه والتي توجد حاليا في مجموعات المتاحف، جعلت من سالفاتور موندي موضوعا رئيسا للنقاش بأبعاده الفنية والاقتصادية.

وتابع قائلا: وتم اعتبار هذه اللوحة، التي أعلن عنها بشعارات مثل "The Last Da Vinci"، عملا أصيلا لدافنشي من قبل المعرض الوطني في لندن في 2011-2012 وتم تضمينها في معرض ليوناردو للوحاته الباقية. 

ليتم شراؤها بعد ذلك من قبل أوليغارشي روسي مقابل 127.5 مليون دولار، ثم من قبل محمد بن سلمان عبر بعض الوسطاء بمبلغ قياسي بلغ 450 مليون دولار. 

سطوع باهر

واستدرك الكاتب: شراء الملك المستقبلي للسعودية التي تبرز برعايتها الأماكن المقدسة في الدين الإسلامي، للوحة تمثل عيسى المسيح بمبلغ نصف مليار دولار يمثل تناقضا صارخا. 

وبينما أثارت هذه الخطوة استياء كبيرا بين الشعب السعودي، لقيت ترحيبا واسعا في العالم الغربي. 

ويضيف: وقد بدأت الاستثمارات في الأعمال الفنية والمتاحف تبرز كعناصر تلعب دورا مهما في التحول الاجتماعي للمملكة وفي بناء هوية سعودية جديدة. 

فبالإضافة إلى هذا الدور الثقافي، كان من المخطط الكشف عن المواقع الأثرية القديمة مثل مدائن صالح ومدينة العلا بمشاريع مختلفة وتحويلها إلى مركز سياحي، وبناء متاحف جديدة وعرض القطع الأثرية الشهيرة حول العالم فيها؛ لزيادة عائدات السياحة ولتعريف العالم بالبلاد.

وبحسب الكاتب التركي فإن جوهر مشروع محمد بن سلمان "رؤية 2030" يتمثل في تقليل اعتماد الدولة على النفط وتنويع الاقتصاد وخلق فرص العمل من خلال جذب الاستثمار إلى البلاد. 

وشرح ذلك بالقول: يخدم الاستثمار في المتاحف والأعمال الفنية أغراضا مختلفة مثل بناء الهوية الاجتماعية والثقافية واكتساب الهيبة وتحقيق المكاسب الاقتصادية. 

ويمكن القول بأن شراء سالفاتور موندي كان جزءا من هذه الخطة، لما تملكه من قدرة على جذب عدد كبير من السياح إلى البلاد.

وأضاف: لكن وفي النقطة التي وصلنا إليها فإن مصداقية كل من ابن سلمان وسالفاتور موندي قد تضررت في الرأي العام الدولي بشكل كبير وتشوهت صورتهما. 

فلم يتم عرض اللوحة منذ أن قام ابن سلمان بشرائها في أي من متحف اللوفر أبو ظبي عام 2018 أو متحف اللوفر بباريس عام 2019 في المعرض الذي أقيم فيه بمناسبة الذكرى الـ 500 لوفاة دافنشي، الأمر الذي أثار التساؤلات. 

أفول النجوم

ووفقا للكاتب، يركز الفيلم الوثائقي الفرنسي "The Savior for Sale" للمخرج أنطوني فيتكين على هذا الجانب المشكوك فيه من قصة لوحة سالفاتور موندي. 

فيما سلطت سوزان روان كيليهر الضوء على الجدل حول حقيقة اللوحة في مقالها الذي كتبته في مجلة فوربس بناء على الفيلم الوثائقي.

وتابع قائلا: وعليه، وصلت اللوحة إلى باريس في يونيو/حزيران 2019 لتضمينها في معرض دافنشي بمتحف اللوفر، لكن وبعد القيام بالدراسات والتحليلات الفنية هناك، تم الكشف بأن اللوحة لا تخص يوناردو دافنشي بالكامل وأنه قام ببعض الرتوشات فقط. 

ولفت إلى أن ابن سلمان أصر على تقديم سالفاتور موندي في المعرض كعمل أصلي لليوناردو دافنشي ووضعه بجوار الموناليزا على الرغم من النتائج.

 لكن وبما أن هذا الطلب قوبل بالرفض من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد تراجع ولي العهد عن عرض اللوحة. ويزعم أن النتائج التي تحتوي على التحليل العلمي للصورة لم يتم نشرها. 

وقد توصل الناقد الفني "بن لويس" إلى نتيجة مماثلة في كتابه "The Last Leonardo"، وادعى أن سالفاتور موندي خرج من ورشة عمل ليوناردو، لكن عمله اقتصر على بعض الرتوشات فحسب. 

وتشير كل هذه الادعاءات والمناقشات الجديدة إلى وجود شكوك عميقة في كون سالفاتور موندي آخر أعمال ليوناردو دافنشي، على عكس ما تم الإعلان عنه في البداية.

وأردف الكاتب: ذلك ما حدث لابن سلمان أيضا، فقد أدى دوره البارز في المأساة الإنسانية التي خلقتها الحرب الأهلية اليمنية ومقتل الصحفي جمال خاشقجي وانتهاكات حقوق الإنسان المختلفة داخل المملكة، إلى عكس مصداقيته على الساحة الدولية تماما فضلا عن الإضرار بها، مشوهة صورته المصقولة السابقة.

وختم الكاتب مقاله بالقول إنه "أصبح واضحا الآن أن الصورة الحداثية والرؤية المرسومة لابن سلمان مشكوك فيها، وأنه لا يختلف عن القادة الاستبداديين الآخرين في المنطقة، وأن مشروع الرؤية القائم على تنويع الموارد الاقتصادية يهدف في أساسه الحفاظ على بقاء النظام السعودي وحماية مؤسسات الملكية من الضغوط الهيكلية القائمة كضرورة وقائية".

وذلك تماما كما تقوض المناقشات الأخيرة حول سالفاتور موندي من أصالة اللوحة والقيمة الاقتصادية والفنية لها بإثارتها شكوكا عميقة حول ما إذا كانت اللوحة حقا من عمل ليوناردو دافنشي.