العضو رقم 34.. ماذا يعني انضمام مصر لـ"القوات البحرية المشتركة"؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أعلنت السفارة الأميركية بالقاهرة وقيادة "القوات البحرية المشتركة" التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية في 17 أبريل/ نيسان 2021 أن مصر أصبحت العضو رقم 34 الذي ينضم إلى هذه القوات البحرية المشتركة.

بحسب السفارة الأميركية، فإن انضمام مصر للقوات البحرية المشتركة (CMF) هدفه "تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار".

المهام الرئيسة المعلنة للقوة البحرية التي تأسست في فبراير/ شباط 2002 هي "مكافحة الإرهاب، ومنع القرصنة، والحد من الأنشطة غير القانونية، وتعزيز البيئة البحرية الآمنة". 

إعلان انضمام مصر للقوة البحرية المشتركة التي تقودها واشنطن يتزامن مع تطورات عدة تتعلق بزيادة أنشطة دول القوات البحرية المشتركة في منطقة البحر الأحمر والخليج، وتشابك الصراعات في المنطقة.

فروسيا تسعي لزيادة وجودها في سواحل إفريقيا وأنشأت قاعدة عسكرية في السودان 9 ديسمبر/ كانون الأول 2020، تضاف لقاعدتها بطرطوس في سوريا وتسعى لثالثة في مصر (سيدي براني) بعدما فقدتها عام 1972.

والولايات المتحدة الأميركية تسعى بالمقابل إلى تحجيم هذا الوجود الروسي عبر توثيق علاقاتها العسكرية والبحرية مع مصر والسودان.

كما أن حرب السفن بين إسرائيل وإيران وصلت إلى البحر الأحمر، فيما تتزايد تهديدات الحوثيين في اليمن للملاحة فيه، وتتصاعد أنشطة حركة الشباب المسلحة في الصومال على شواطئه.

يواكب هذا سعي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لمواجهة النفوذ العسكري الصيني المتصاعد في البحر الأحمر، وسعي إدارة جو بايدن لمواجهة نشاط الجيش الصيني المتصاعد. 

أعضاء وأدوار

بحسب موقعها علي الإنترنت، القوات البحرية المشتركة Combined Maritime Forces، هي "تحالف بحري متعدد الجنسيات" تقوده أميركا.

هدفها "تعزيز الأمن والرخاء عبر حوالي 2.5 مليون ميل مكعب من المياه الدولية في منطقة الشرق الأوسط". 

تنقسم القوة البحرية المشتركة الي ثلاث فرق: فرقة العمل المشتركة 150 تأسست فبراير/ شباط 2020 وتركز على عمليات الأمن البحري (MSO) ومراقبة السفن وإيقاف الشحنات المشتبه بها.

وتضم 25 دولة من القوات البحرية المشتركة ومقرها القاعدة البحرية الأميركية في المنامة بالبحرين وتركز على بحر العرب.

وقبل 11 سبتمبر/ أيلول 2001، كانت هذه الفرقة (150) جزءا من تشكيل البحرية الأميركية وتعمل كجزء من القيادة المركزية لقواتها. وبعد ذلك التاريخ، أصبحت قوة دورية في منطقة القرن الإفريقي. 

أعضاء القوات من القوى الغربية: أميركا بريطانيا، أستراليا، بلجيكا، البرازيل، كندا، الدنمارك، فرنسا، ألمانيا، اليونان، العراق، إيطاليا، اليابان، كوريا الجنوبية، هولندا، نيوزيلندا، والفلبين والبرتغال وسيشيل وإسبانيا 

والأعضاء العرب هم: مصر والبحرين والعراق والأردن والكويت وقطر والسعودية واليمن، والإمارات، أما الدول الإسلامية والأسيوية الأعضاء فهي: ماليزيا وباكستان وتركيا وتايلاند وسنغافورة.

تشمل منطقة عمليات CMF بعضا من أهم ممرات الشحن في العالم بما في ذلك الممرات الرئيسة لقناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز، من هنا تأتي أهمية مشاركة مصر.

وأثناء زيارته للإسكندرية 12 أبريل/ نيسان 2021 رحب الأدميرال صمويل بابارو، قائد القوة البحرية المشتركة، وقائد الأسطول الخامس بعضوية مصر.

أشار لأن دورها سيكون "العمل في وسط وشمال البحر الأحمر"، واعتبرها "شريكا هاما في ضمان الاستقرار في المنطقة".

وعلى الرغم من عدم تسمية أي من الجانبين طبيعة الدعم المحدد الذي ستقدمه مصر للقوات، أشاد الفريق بحري أحمد خالد بفرصة التعاون الجديد في "عمليات الأمن البحري المشتركة والأمن السيبراني والتدريب".

أيضا أوضح بابارو دور مصر بأنها ستقدم "ثروة من الخبرة التشغيلية في المنطقة والقدرات البحرية إلى القوات البحرية المشتركة، وتوفر الآن لشركاء التحالف على جانبي البحر الأحمر ممرا مائيا ذا أهمية إستراتيجية كبيرة يمثل 10% من التجارة العالمية".

انضمام مصر يعزز قواتها البحرية وتحالفاتها في البحر الأحمر في وقت تسعى لتعزيز وجودها هناك قبالة سواحل الدول المجاورة لإثيوبيا (أريتريا) مع تصاعد أزمة سد النهضة.

ولمواجهة استمرار إثيوبيا في ملء السد، يجري الحديث عن احتمالات اللجوء إلى حل عسكري يكون مفتاحه البحر الأحمر.

وتشهد سواحل البحر الأحمر تنافسا بين القوى الكبرى والإقليمية على بناء قواعد عسكرية خاصة من جانب أميركا وروسيا والصين.

البحر الأحمر

تزايدت خلال الفترة الأخيرة أهمية منطقة البحر الأحمر في التخطيط الإستراتيجي للدولة المصرية مقارنة بفترات سابقة، تمثلت في افتتاح قاعدة برنيس العسكرية في 15 يناير/كانون أول 2020، حماية وتأمين سواحل وثروات مصر المعدنية جنوبا.

الاهتمام المصري بالبحر الأحمر تمثل أيضا في تنفيذ عدة مناورات عسكرية مع الدول المطلة عليه (السعودية والإمارات والأردن والسودان وجيبوتي)، القوى الدولية المهتمة به (مع فرنسا وإسبانيا).

وكان آخرها التدريب البحري في نطاق الأسطول الجنوبي المصري بمشاركة حاملة الطائرات “شارل ديغول” (14 مارس/آذار 2021). 

فضلا عن انضمام مصر لـ "مجلس الدول العربية الإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن" نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بعدما أنشأته الرياض يناير/ كانون الأول 2020 ويضم ثماني دول، هي: السعودية والأردن ومصر وإريتريا واليمن والسودان وجيبوتي والصومال. 

ويهدف المجلس إلى توثيق التعاون الأمني بين الدول الثماني بهدف الحد من المخاطر والتهديدات التي يتعرض لها البحر الأحمر، وتعزيز أمن وسلامة الملاحة البحرية والحيلولة دون أي تهديد يواجهه أو يعرضه لأية مخاطر.

أما أهمية منطقة البحر الأحمر لمصر خلال المرحلة الحالية فيرجع لثلاثة عوامل، بحسب دراسة لمركز الأهرام للدكتورة إيمان رجب 13 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

العامل الأول هو تنوع التهديدات التي تمثلها هذه المنطقة للأمن القومي المصري، كبيئة حاضنة للتجارة غير المشروعة في السلاح وتهريب البشر وتجارة المخدرات.

وانتشار جماعات مسلحة على ضفافه مثل حركة الشباب في الصومال، والجماعـة الحوثية في اليمن، والخلايا الإرهابية في جنوبه، ما قد يؤدي لتهديد حركة وسلامة الملاحة البحرية في باب المندب الذي يعد المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ولقناة السويس.

العامل الثاني يرتبط بتزايد الأهمية الاقتصادية لمنطقة البحر الأحمر وتحولها لجذب الاستثمارات الدولية لتطوير الموانئ البحرية وممرات النقل، لتسهيل حركة التجارة البحرية من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي.

وسعت العديد من القوى المؤثرة في العالم، ضمن مبدأ "السيطرة على البحار البعيدة"، لتعزيز وجودها العسكري في البحر الأحمر بالتزامن مع إطلاق مشاريع ضخمة في مجال البنية التحتية وتطوير الموانئ.

العامل الثالث يتمثل في أن البحر الأحمر أصبح ممرا لكابلات الإتصالات والإنترنت، والكثير منها يمر بمصر، وتسعى العديد من القوى الدولية والإقليمية، مثل أميركا وأوروبا والصين للاحتفاظ بوجود عسكري في مناطق عبور الكابلات لحمايتها.

في ظل هذه المتغيرات، أصبحت مصر طرفا رئيسا في أي حسابات دولية أو إقليمية خاصة بمنطقة البحر الأحمر وفي أي ترتيبات مطروحة من جانب تلك القوى لتحقيق الأمن والاستقرار فيه.

وتحول البحر الأحمر في الآونة الأخيرة إلى ساحة تنافس إقليمية ودولية في آن واحد، حولته لبحيرة عسكرية، مع لجوء أطراف إقليمية في تلك المنطقة وخارجها لإنشاء قواعد عسكرية على سواحله لحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية.

ظهر هذا في الاتفاقات الروسية مع السودان لإنشاء قاعدة في بورتسودان (ديسمبر/ كانون الأول 2020) وهو ما دفع قيادة القوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) إلى فتح قنوات اتصال مع السودان لإقناعه بالتخلي عن اتفاقاته مع روسيا والتعاون مع الولايات المتحدة. 

أيضا سعت الصين إلى ستغلال موانئها وقواعدها البحرية في البحر الأحمر خصوصا جيبوتي (دشنتها 2017) لخدمة أغراض عسكرية، وفرض نفوذ عسكري هناك، ما أقلق أميركا، ومصر أيضا بسبب صراع القوى العظمى قرب سواحلها.

وغير الجيش الصيني إستراتيجيته بعدم التدخل ومنع الانتشار العسكري في الخارج، وأكد الكتاب الأبيض للجيش الأحمر لعام 2019 دوره في حماية مصالح بلاده ما وراء البحار من جنوب شرق آسيا للخليج العربي والبحر الأحمر.

سد النهضة

هناك جانب هام آخر لانضمام مصر للقوات المشتركة يتعلق بسد النهضة حيث لا يزال التعنت الإثيوبي وتجاهل الحقوق المصرية المكتسبة في مياه نهر النيل مقوضا محتملا لاستقرار المنطقة.

وتصر أديس أبابا على ملء السد حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه مع القاهرة والخرطوم، فيما تصر الأخريان على ضرورة التوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي، لضمان عدم تأثر حصتهما السنوية من مياه نهر النيل.

وفي ظل التباين في الترتيبات السياسية الجماعية في البحر الأحمر وتضارب مصالح الدول والقوى المختلفة، تخشى القاهرة فيتو أميركي ضد أي عمل عسكري مصري تجاه إثيوبيا.

 بيد أن التوافق ضمن هذه القوات المشتركة على مبادئ تتعلق بحماية أمن دول القوة، يخفف من حدة أي فيتو أميركي.

فكما تسعى أميركا ودول القوات المشتركة لحماية مصالحها سواء ضد إيران أو الحوثيين أو غيرهم، ترغب مصر أيضا بحماية مصالحها في مواجهة سد النهضة.

وقد يدعم انضمام مصر إلى القوات المشتركة مصالحها ضد إثيوبيا، ضمن محاولاتها ترتيب وضع أمني قوي في البحر الأحمر يواكب اتساع حدود الإقليم الذي يشمل دولا غير مشاطئة عليه مثل إسرائيل وإثيوبيا. 

وسبق أن اشتكى الجنرال برهانو جولا، نائب رئيس هيئة الأركان رئيس العمليات العسكرية في جيش إثيوبيا سبتمبر/ أيلول 2020 من محاولات مصرية لإقامة قواعد عسكرية في "أرض الصومال"، و"جنوب السودان" لحصار بلاده، وقال إن بلاده أفشلت هذه المحاولات. 

كما سعت مصر، بحسب صحف حكومية للاتفاق مع السعودية على استغلال أو السيطرة على جزيرة فرسان بسبب إطلالها على ثلاث واجهات بحرية هي البحر الأحمر وخليج العقبة والخليج العربي.

وكانت صحيفة أخبار اليوم قالت 16 أبريل/ نيسان 2016، أن "السعودية أعطت لمصر حق استغلال جزيرة فرسان دون قيد أو شرط للدفاع عن الأمن القومي المصري إذا اقتضت الحاجة".

وتحدثت لجان إلكترونية عن إهداء السعودية جزيرة فرسان لمصر "لبناء قاعدة عسكرية تسيطر بها على باب المندب وتراقب سد النهضة".

ومن الناحية الإستراتيجية، تتمتع جزيرة فرسان بأهمية بالغة لأنها البوابة المقابلة لباب المندب؛ المدخل الوحيد للبحر الأحمر قبل إنشاء قناة السويس، وتقع قبالة ساحل إريتريا جارة إثيوبيا.