ملف معقد.. تعرف على إستراتيجية أميركا البحرية لمحاصرة روسيا والصين

12

طباعة

مشاركة

في عام 2007، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن "إستراتيجية التعاون البحري للقرن الحادي والعشرين"، لزيادة فعاليتها في البحار ومحاصرة الصين، القوة القاهرة وروسيا، منافستها القديمة. 

راجعت واشنطن هذه الإستراتيجية في 13 مارس/آذار 2015 كنتيجة لتصورات التهديدات الجديدة والتطورات الحادثة، لتحدد خمسة أهداف رئيسة لهذه الإستراتيجية. 

وأوضح مركز أنقرة لدراسة السياسات والأزمات التركي أنه بالنظر إلى هذه الأهداف يمكن القول إن الولايات المتحدة التي تريد إثبات أنها القوة الوحيدة المهيمنة على بحار العالم بإرسال رسالة قوية إلى كل من العالم الخارجي وشعبها، تحاول إظهار أنها تتحدى منافسيها في البحار.

وبين الكاتب إيرغينيكون سافرون أن الإدارة الأميركية ترسل رسالة إلى الدول الحليفة والصديقة تدعو فيها إلى العمل المشترك والتحرك معا.

صراع القوى

وبين أن الولايات المتحدة تعتبر الصين تهديدا رئيسا عليها وتسعى للحد من نفوذها، وأن البيت الأبيض يكشف النقاب عن عقيدته البحرية والتكتيكية والإستراتيجية والتكنولوجية، بما في ذلك الحرب الإلكترونية.

كما بين أن الولايات المتحدة تعلن أنها ستهتم بالمحيط المتجمد الشمالي بشكل خاص.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الولايات المتحدة عدوا وتستهدفه وتبحث عن الفاعلين الذين ستتعاون معهم ضد العدو التي أعلنته. 

فقد طبق الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش سياسة مماثلة بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول 2001. 

ويضيف الكاتب: يمكن مقارنة توجه الولايات المتحدة لمثل هذه العقيدة بتصريحات المسؤولين البريطانيين الذين أرادوا مقاومة القوة البحرية الألمانية الصاعدة قبيل الحربين العالميتين الأولى والثانية، والإستراتيجيات التي كان من المخطط تنفيذها في تلك الفترة.

خاصة وأن الولايات المتحدة ترغب في منع القوة التجارية والعسكرية الصاعدة للصين، لذا فهي ولأجل هدفها هذا، ترغب في أن تحد من الجهات الفاعلة التي يمكنها إقامة تحالف مع بكين، بمن فيهم روسيا. 

ويكمن خلف انتهاج واشنطن لهذه السياسة هدفها في الحفاظ على مكانتها كقوة عالمية مهيمنة وحيدة. 

باختصار، تظهر الولايات المتحدة أن تملك القدرة العسكرية والقوة النووية لحل أي مشكلة في أي مكان في العالم بحسب الضرورة، بسبب قوتها البحرية.

وأردف الكاتب قائلا: من ناحية أخرى، كشفت التصريحات التي أدلى بها كل من وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو والرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في مؤتمر ميونيخ الأمني ​​الذي عقد في فبراير/شباط 2020، أن العلاقات عبر الأطلسي مهددة عسكريا وتجاريا، وأن هناك خلافات مهمة في الرأي بين الحلفاء.

وهنا تماما وفي ظل هذه الظروف، جاء بومبيو بفكرة "إستراتيجية البحار الثلاثة". وقد كان ما عناه بالبحار الثلاثة: بحر البلطيق والبحر الأدرياتيكي والبحر الأسود. 

ويتمثل الهدف من الإستراتيجية المذكورة أعلاه في حصر روسيا في منطقة ضيقة حولها ومنع الصين من الوصول إلى السوق الأوروبية برا وبحرا في نطاق "مشروع الحزام والطريق"، وفقا للكاتب التركي.

وفي إشارة إلى ما يعني تركيا من المسألة يقول: بالدرجة الأولى يمكن للتطورات المحتملة التي ستنشأ عن كل هذا في المنطقة، أن تخلق مشاكل أمنية بالنسبة لها. 

لذلك تولي تركيا أهمية لأمن البحر الأسود. إضافة إلى أنه لا ينبغي تجاهل أن الولايات المتحدة ترى في أنقرة جهة فاعلة يجب أخذها في الاعتبار إلى جانب الصين وروسيا.

وبحسب سافرون فإن الولايات المتحدة ليست قوية بما فيه الكفاية لتفرض ما ترغب به داخل الاتحاد الأوروبي ومنطقة البحر الأسود بالنظر إلى أن الرئيس الألماني شتاينماير طرح مفهوم "عدم الاهتمام بالغرب" (Westlessness) موجها اللوم لواشنطن وداعيا إلى العودة إلى القيم الأوروبية من أجل تعزيز دور ألمانيا القيادي في الاتحاد الأوروبي.

مصالح متضاربة

ويوضح ذلك بالقول إن الدول الفاعلة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والتي تعتبر اقتصاداتها أفضل بكثير من الأعضاء الآخرين من مثل هولندا وبلجيكا وفرنسا وعلى رأسهم ألمانيا، غير مرتاحة لمكانة وموقع الولايات المتحدة في النظام الدولي. 

كما تستورد ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى العديد من المواد الخام وخاصة الغاز الطبيعي والنفط من روسيا. فيما أبرمت الصين اتفاقيات تجارية ضخمة مع العديد من الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا. ويقول: فعلى سبيل المثال، أدى استئجار الصينيين لميناء بيرايوس في اليونان إلى قلق إدارة واشنطن.

 وفي مقابل هذا، حاولت الولايات المتحدة استخدام "بارانويا الترك" الذي تم ضخه للرأي العام اليوناني منذ سنوات تأسيسها بشكل مصطنع، وذلك لضرب "عصفورين بحجر واحد".

وفي هذا السياق، نفذت الولايات المتحدة مجموعة من التحركات منها اتخاذها لـ 20 قاعدة عسكرية في اليونان مختبرة بذلك أعصاب تركيا وحدودها ومستفزة إياها. 

لكن وعلى الرغم من أن إدارة أثينا راضية عن هذا الوضع على المدى القصير، إلا أنه يمكن التنبؤ بأن اليونان ستتحول إلى دولة استعمارية حديثة على المدى المتوسط ​​والطويل، بحسب ما يراه الكاتب. ويضيف: إن بريطانيا، الحليف الأول للولايات المتحدة تملك أيضا علاقات مهمة مع الصين وروسيا. 

ووفقا لبيانات دائرة الإيرادات والجمارك البريطانية (HMRC) فإن حجم التجارة الثنائية بين روسيا والمملكة المتحدة يحتل المرتبة العشرين في تصنيفات الاستيراد والتصدير العالمية.

وبما أن معظم دول الاتحاد الأوروبي يعتمدون على روسيا بشكل كبير من حيث الطاقة والمواد الخام، تريد الولايات المتحدة كسر سلسلة التوريد هذه. لكن من الصعب جدا على واشنطن تحقيق هذا الهدف، يقول الكاتب. ويشرح قائلا: صعود الصين بسرعة لا يمكن التنبؤ بها يشكل المشكلة الأولى أمام الولايات المتحدة. 

لهذا عقد الرئيس الأميركي جو بايدن أول لقاء رسمي له مع رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا، وجها لوجه على الرغم من تقدمه في السن وتفشي فيروس كوفيدـ19. 

وجاء في البيان الذي أدلى به البيت الأبيض بعد الاجتماع أن واشنطن "مصممة على الدفاع عن اليابان بالأسلحة النووية" بما أنها صنفت طوكيو حليفا في إطار اتفاقية الأمن والتعاون المتبادل لعام 1960.

ويتابع: إن ما تحاول إدارة بايدن فعله في الأساس هو تقوية تحالفها في المحيط الهادئ ضد الصين وكوريا الشمالية. 

لكن من المفارقات أن الولايات المتحدة هي أول دولة في العالم تسقط قنابل نووية مرتين، وأن البلد المستهدف لهاته القنابل كان اليابان، في إشارة إلى الهجوم الذري الأميركي على هيروشيما وناجازاكي.

ويردف قائلا: وقد كان منع التوسع الصيني في بحر الصين الجنوبي والوضع في تايوان من بين القضايا الأخرى التي ناقشها بايدن وسوجا. 

وكما أن مهمة الولايات المتحدة في المحيط الهادئ صعبة جدا، فإن الأمور لا تسير كما تشاء في أوروبا أيضا، والتي كانت تعتبرها ساحة خلفية لحليفها خلال الحرب الباردة. 

خاصة وأن علاقاتها مع تركيا، ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي ليست في المستوى الطبيعي أو المعقول. 

وهو يبين أن ذلك يعود لكون إدارة واشنطن، تقدم الدعم لوحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديموقراطي التي تعتبر امتدادات المنظمة الإرهابية بي كا كا في سوريا والعراق، وتتخذ موقفا مناهضا لتركيا في العديد من الملفات مثل صواريخ إس 400 الدفاعية الروسية وشرق البحر الأبيض المتوسط ​، وبحر إيجة وليبيا.

ملف البحر الأسود

ويرى الكاتب أن التوتر الحالي بين أوكرانيا وروسيا على الحدود في إقليم دونباس، يرتبط ارتباطا وثيقا بالمضائق التركية والبحر الأسود. 

لذلك، فهي تعتبر مسألة حساسة بالنسبة لتركيا أيضا بما أنها تتعلق بأمنها، لأن آثار السلام والاستقرار في البحر الأسود شوهدت إيجابا على أمن أنقرة عبر التاريخ في حال وجودها وسلبا في حال عدمها. 

وينوه إلى أن كون البحر الأسود هو البحر الوحيد التي لا تستطيع أساطيل حلف شمال الأطلسي (الناتو) والعناصر الغربية الأخرى التحرك فيه كما يحلو لها، يشكل النقطة الأكثر أهمية والتي يجب التأكيد عليها في هذه المرحلة.

ويعتبر الكاتب أن الولايات المتحدة وحلفاءها يعتزمون دفع روسيا إلى موقف أكثر عدوانية بشأن البحر الأسود باستغلال الأزمة بين أوكرانيا وروسيا، وذلك من خلال استخدام مواقف موسكو العدوانية وغير العادلة كذريعة. 

لكن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يوفوا بوعودهم لجورجيا في الصراع الروسي الجورجي في أوسيتيا الجنوبية عام 2008.

من ناحية أخرى، يمكن القول إن الولايات المتحدة، التي تريد إبراز السمات التاريخية والجغرافية لشبه جزيرة القرم، تريد خلق صراع تركي روسي بل وحتى اشتباكا في المنطقة. 

وهنا تحمل تركيا مهمة دبلوماسية كبيرة وهامة على عاتقها، خاصة وأن أنقرة تملك القدرة على منع حرب إقليمية من خلال التوسط بين كييف وموسكو، يشدد الكاتب.

ويستدرك: لكن الصعوبة التي تواجهها تركيا تكمن في عدم تراجع كييف التي تجد دعما من الغرب. 

إذ إن تركيا التي ترغب في الحفاظ على علاقات إيجابية مع أوكرانيا، تملك علاقات متعرجة مع روسيا في المجالات التجارية والعسكرية ولا ترغب في إفسادها لأجل كييف.

 وهنا يمكن توقع أن تقوم كييف بتقييم القدرة العسكرية الروسية بشكل منطقي، مع أخذها في الاعتبار حقيقة أن عملية عضويتها في الناتو لم تبدأ بعد.

وباختصار، أصبحت أوكرانيا وروسيا اللتان تنتميان إلى نفس الأمة والدين والمعروفتان باسم "السلاف الشرقيين" في التاريخ، مركزا للصراع على السلطة بين الغرب وموسكو. 

ويرجع اهتمام الغرب المتزايد بأوكرانيا إلى حقيقة كون الأراضي في هذه البلاد خصبة وتحتوي على العديد من مناجم الحديد والفحم، يلفت الكاتب.

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن وجود ورقة رابحة يستغلها الغرب في المنطقة؛ فعلى الرغم من أنهم ينتمون إلى نفس الأصل والجذور، إلا أن كييف أصبحت معادية لموسكو نتيجة للصراعات الدموية وعمليات التهجير التي حدثت في القرن التاسع عشر والحرب العالمية الثانية.

وفي النهاية من المعروف أن افتتاح الجبهة الشرقية للحرب العالمية الأولى، كان بفضل أساطيل الدول التي لا تملك شاطئا على البحر الأسود.

 لذلك، ينبغي على كل دولة أن تدرس الأحداث وتحللها في ضوء الحقائق التاريخية والدولية، بحسب ما يراه الكاتب التركي.