نزاع إقليم الصحراء.. لماذا تحابي إسبانيا المغرب على حساب الجزائر؟

مدريد - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

خلال زيارته الأخيرة إلى مدريد، دعا وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، إسبانيا إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية في نزاع إقليم الصحراء الغربية، مؤكدا أنها لا يمكنها الاختباء وراء الأمم المتحدة لسنوات أخرى.

وعن المنتظر من إسبانيا كمستعمر سابق للصحراء الغربية، قال بوقادوم في تصريحات صحفية: "لست مضطرا لإعطاء دروس، لكن لا يمكن لإسبانيا التخلص من مسؤوليتها التاريخية ويجب أن يكون دورها أكثر وضوحا في هذا النزاع".

من جهتها، شددت نظيرته الإسبانية، أرانشا غونزاليس لايا، على الدور المحوري للأمم المتحدة في حل هذا النزاع الإقليمي، فيما اعتبرت وسائل إعلام لجبهة البوليساريو، أن موقف وزير الخارجية الجزائري بخصوص "ضرورة تصفية الاستعمار"، جاء ردا على "الموقف الإسباني المخيب للآمال".

اتفقت إسبانيا والجزائر، على تطوير العلاقات الثنائية من خلال تنظيم الهجرة القانونية وإحياء قمة ثنائية على مستوى رئيسي البلدين، وبينما طالبت الجزائر بتقرير المصير في نزاع الصحراء، ركزت مدريد على مساعي الأمم المتحدة في هذا الشأن.

ورقة ضغط

في 29 مارس/آذار 2021، أجرى بوقادوم، زيارة عمل رسمية إلى إسبانيا لبحث التعاون بين البلدين وبحث عدة قضايا ذات الاهتمام المشترك مع عدة مسؤولين وعلى رأسهم الملك فيليب السادس، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية.

ونقل بوقادوم إلى الملك فيليب رسالة من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ووفقا لبيان وزارة الخارجية، فإن الزيارة اندرجت في إطار المشاورات التقليدية والمنتظمة بين البلدين اللذين وقعا في عام 2002 "معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون".

شكلت الهجرة أبرز القضايا المدرجة في برنامج اللقاء، وجرى الاتفاق على محاربة الهجرة السرية التي تستعمل القوارب، وطالبت الوزيرة الإسبانية بالتزام كبير من طرف الجزائر في مواجهة ظاهرة القوارب التي تفاقمت خلال السنتين الأخيرتين، ونادت بتطوير الهجرة القانونية التي يستفيد منها الطلبة ورجال الأعمال والعمال، وأكدت انكباب البلدين على دراسة الموضوع.

من جهته، قال وزير الخارجية الجزائري بأن بلاده "تعمل بشكل شفاف ومستمر مع إسبانيا في هذا الموضوع"، مشددا على طبيعة الجزائر كمنطقة عبور للهجرة الإفريقية وليس كونها مصدرا للهجرة.

الوزير تحدث لصحيفة "الباييس" الإسبانية عن الضغط الذي تتعرض له الجزائر من طرف المهاجرين الأفارقة الراغبين في الوصول إلى الأراضي الأوروبية، وأكد أن دول الحوض الشمالي للمتوسط تشكو ضغط الهجرة غير النظامية، إلا أن الجزائر هي أول من تحتضن أراضيها تلك القوافل بعدما تحولت إلى دولة عبور.

وأفاد بأن الأعداد تصل أحيانا إلى 1000 وافد على البلاد يوميا، مؤكدا أن بلاده "لا ينبغي أن تقوم بدور الحارس عن أوروبا"، متسائلا ماذا لو قررت الجزائر انتهاج أسلوب "دعوهم يمرون".

بوقادوم دعا دول الاتحاد الأوروبي للعمل على تقويض أسباب الهجرة في القارة الإفريقية من خلال التنمية بدلا من انتهاج الحل الأمني، فيما اعتبر مراقبون أن رئيس الدبلوماسية الجزائرية استخدم ورقة الهجرة للضغط على إسبانيا.

مسؤولية تاريخية

وسائل إعلام جزائرية، قالت إن نزاع الصحراء حضر في أجندة اللقاء، "للطابع الإسباني كقوة استعمارية سابقة ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو".

في حين شددت وزيرة خارجية إسبانيا على الدور المركزي للأمم المتحدة في البحث عن حل للنزاع، بينما شدد المسؤول الجزائري على مبدأ تقرير المصير.

على هامش الزيارة الرسمية، قال بوقادوم في حوار لصحيفة "الباييس" الإسبانية: "إسبانيا لها مسؤولية، ويجب أن تتدخل. أعلم أن الأمر معقد، لكن لا يمكننا أن نكون على هذا النحو لمدة 40 عاما أخرى".

بوقادوم أكد أنه على إسبانيا المشاركة والانخراط أكثر في مسار تسوية النزاع في الصحراء الغربية، معتبرا أنه "لا يمكن لإسبانيا أن تتجاهل مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب الصحراوي".

وذهب الدبلوماسي الجزائري إلى حد القول: "هناك معارك وقتلى، فالأمر مأساوي لأن جميع الصحراويين لديهم جذور في إسبانيا".

وبدأ النزاع حول الصحراء فعليا عام 1975، عندما وقعت إسبانيا قبل جلائها من الصحراء الغربية، اتفاقية مدريد مع كل من المغرب وموريتانيا، والتي اقتسم بموجبها البلدان الجاران الصحراء.

الصحراويون المسلحون الذين أسسوا جبهة البوليساريو، رفضوا الاتفاقية وواصلوا مطالبتهم بالانفصال، وصعدت الجبهة من وتيرة عملياتها وقامت بالتحريض على المظاهرات المطالبة بالاستقلال، بينما اتجه المغرب وموريتانيا إلى محكمة العدل الدولية.

وحسب تسلسل زمني للأحداث رصدته شبكة "بي بي سي" البريطانية، فقد بدأ الاستعمار الإسباني للصحراء الغربية سنة 1884، وفي سنة 1934 أصبحت الصحراء الغربية إقليما إسبانيا يحمل اسم الصحراء الإسبانية.

وفي 1957 أكد المغرب -حديث الاستقلال آنذاك- أحقيته بالصحراء الغربية، لتطالب الأمم المتحدة إسبانيا في 1965 بإنهاء احتلالها للصحراء، فيما تأسست جبهة البوليساريو سنة 1973.

محاباة المغرب

موقع "هسبريس" المغربي، اعتبر أن بوقادوم "فشل في انتزاع موقف إسباني رسمي داعم لجبهة البوليساريو الانفصالية خلال زيارته إلى مدريد.

وأفاد المصدر ذاته بأن موقف مدريد يخدم مصالح المغرب، على اعتبار أن "مطلب الانفصال الذي تنادي به الجزائر هو مقترح غير مقبول من قبل معظم القوى الدولية، وأيضا من لدن المغرب الذي يرفض التفاوض حول صحرائه".

وحسب ما تسرب من اجتماع بوقادوم مع نظيرته الإسبانية، يقول "هسبريس": "ناقش الطرفان التطورات العسكرية الأخيرة في الصحراء بعد عملية الكركرات".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أعلنت الرباط، استئناف حركة النقل مع موريتانيا، عبر "الكركرات"، إثر تحرك للجيش المغربي أنهى إغلاق المعبر من جانب موالين لجبهة "البوليساريو"، منذ 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

في اليوم نفسه، أعلنت الجبهة، أنها لم تعد ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار، الذي توصلت إليه مع المغرب عام 1991، برعاية الأمم المتحدة. 

وذهب "هسبريس" إلى القول إن "الجزائر كانت تراهن على انتزاع تأكيد إسباني بخصوص اندلاع حرب في الصحراء، كما تدعي جبهة البوليساريو من خلال بلاغاتها الوهمية".

ولا تعترف إسبانيا بـ"الجمهورية الصحراوية"، وتتشبث بدعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة للتوصل إلى حل سلمي في إطار قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ورغم التوتر الذي يعيشه البلدان، والذي يصل في كثير من الأحيان إلى ذروته، يتساءل المراقبون، لماذا تصر مدريد على خطبة ود الرباط؟، ولماذا يحرص المسؤولون الإسبان على إطلاق تصريحات تغازل المملكة المغربية؟.

قد يكون السبب الأحدث هو السباق نحو التسلح الذي بدأته المملكة بعد الصفقة الأميركية الأخيرة، أو قد يكون ملف الهجرة، إذ يعتبر المغرب حارسا للحدود وسدا أمام المهاجرين المتجهين من جنوب إفريقيا إلى أوروبا.

أيضا قد يكون السبب على صعيد العلاقات التجارية بين البلدين، حيث تعتبر إسبانيا الشريك الأول للمغرب، وقد تكون هذه الأسباب جميعا مجتمعة، وفق قول بعض الخبراء والمتابعين.

حرج شديد

الصحفي الإسباني إغناسيو سمبريرو، المعروف بمواقفه المناهضة للمغرب، قال في مقاله بصحيفة "إلموندو" الإسبانية نهاية يناير/كانون الثاني 2021: "الرباط تود أن تحذو الدول الأوروبية حذو الولايات المتحدة الأميركية، التي اعترفت بالسيادة المغربية على المستعمرة الإسبانية السابقة للصحراء الغربية".

وزاد بحسب المقال الذي ترجمته صحيفة "أورينت" الإلكترونية، أن "المغرب لا يتردد في استعمال كل الوسائل لهذا الغرض، بما في ذلك ربما فتح المجال أمام الهجرة غير النظامية نحو جزر الكناري الإسبانية، خاصة وأن الرأي العام في إسبانيا يميل إلى حد ما لجبهة البوليساريو".

في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، "أي في اليوم نفسه الذي قام فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالبادرة نحو المغرب"، يقول سمبريرو، "أجلت الرباط القمة الثنائية مع مدريد إلى أجل غير مسمى بعلة وباء كورونا، وبعد 12 يوما من هذا التأجيل، لم يمنع الوباء الملك محمد السادس من أن يستقبل بالقصر وفدا أميركيا - إسرائيليا يقوده جاريد كوشنر، مستشار وصهر ترامب".

أفاد الصحفي المتخصص في المنطقة المغاربية، أن "الحكومة الإسبانية تجد نفسها في حرج أمام الطلب المغربي، فهي تخشى تصعيد الرباط الذي قد يتسبب في أزمة هجرة كبيرة أو توقف التعاون في مكافحة الإرهاب كما فعلت ذلك في أغسطس/آب 2014".

وقد دعم الاشتراكيون الإسبان لمدة طويلة ضمنيا حل النزاع المقترح من طرف الرباط، يزيد المقال، "حتى وإن كان الاستقلال الذاتي الذي تمنحه للصحراء محدودا جدا مقارنة بذلك الذي تتمتع به المقاطعات في إسبانيا".

واعتبر أنهم "لا يجرؤون على قول ذلك علنا، لأن الرأي العام الإسباني ما زال متعاطفا مع جبهة البوليساريو، كما يواصل حزب بوديموس (المشارك في الائتلاف الحكومي) دعمها، ويؤكد قائده بابلو إيغليسياس بانتظام على حق الصحراويين في تقرير المصير".

قوة استعمارية

أستاذ العلاقات الدولية بالجزائر، البروفيسور عمر بغزوز، رأى أنه بات من المؤكد بأن إسبانيا تتحمل مسؤولية تاريخية في قضية الصحراء الغربية بصفتها قوة مستعمرة سابقة (1884 - 1976).

قائلا: "انسحبت إسبانيا تاركة المجال للمغرب المحتل الجديد للإقليم، الذي لم يكن أرضا بدون سيد بل يسكنه الصحراويون الذين ما فتؤوا يطالبون بحقهم في تقرير المصير سواء تحت الاحتلال الإسباني أو المغربي" على حد تعبير المتحدث.

وأضاف بغزوز لـ"الاستقلال": "إسبانيا لم تلتزم بالقانون الدولي القاضي بواجب الدول احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها بموجب ميثاق الأمم المتحدة كما لم تسهل تجسيد هذا المبدأ على أرض الواقع رغم أنها في 1975 أيدت نتيجتها أمام الأمم المتحدة في إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية".

واعتبر خبير العلاقات الدولية، أن "تعقيد النزاع المغربي-الصحراوي يرمي جذوره في ذلك الاتفاق الثلاثي المشؤوم بالنسبة للصحراويين الذي أبرم في مدريد 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1975، تحت غطاء إدارة الإقليم مؤقتا، والذي أعطى الصحراء الغربية على طبق من ذهب للمغرب وموريتانيا اللذان لم تخفيا أبدا نيتهما التوسعية على حساب الصحراويين".

يرى بغزوز أن "إسبانيا لم تكن متحمسة لتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية باستعمال الآلية القانونية المتمثلة في حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة، لأنها ببساطة كانت تخشى سيناريوهات مماثلة في جزر الكناري، وفي نفس الوقت يمكن النظر إلى اتفاق مدريد وما تبعه كنوع من المقايضة مع المغرب لكي يتغاضى عن الأقاليم المتنازع حولها مثل سبتة ومليلية وجزيرة ليلى".

يجب كذلك التذكير، وفق المتحدث، بأن "إسبانيا هي التي رسمت حدود إقليم الصحراء الغربية بمعية فرنسا في 1912، وكان عليهما بعد استقلال المغرب وموريتانيا أن تسهران على احترام مبدأ قدسية الحدود الموروثة عن عهد الاستعمار وهذا ما تم خرقه عندما وطئت أقدام 350 ألف مغربي أرض الصحراويين في ما يسمى (المسيرة الخضراء) التي مهدت لاحتلال المغرب الإقليم".

وشدد خبير العلاقات الدولية على أن إسبانيا لا تتحمل لوحدها المسؤولية في ملف الصحراء الغربية، لأن هذا السيناريو لم يكن ليتحقق بدون الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأميركية والتأييد الفعال من فرنسا.

لعب على الحبلين

يلاحظ كل متتبع لتاريخ النزاع في الصحراء الغربية، يزيد بغزوز، أن "إسبانيا أدركت أنها لم تحسن التفاوض مع المغرب، عندما استغل هذا الأخير الظروف السياسية المحيطة بمرض وموت فرنكو في 1975 لاحتلال الإقليم.

مضيفا: "وبالتالي تشعر إسبانيا أنها تسببت في ترك قنبلة موقوتة في منطقة المغرب العربي حتى وإن كانت لا تعترف رسميا بتورطها في هذا الوضع المتأزم الذي يحول دون بناء كيان مغاربي مستقر ومندمج". 

وكان لسياستها الخارجية إزاء المنطقة أن تراعي بعد ذلك التوازن بين الفاعلين الكبيرين في الضفة الجنوبية من المتوسط ألا وهما المغرب والجزائر.

وذهب بغزوز إلى أن "القرب الجغرافي والمصالح الاقتصادية كالفوسفات والصيد البحري، الهجرة غير النظامية والجريمة المنظمة والأقاليم المتنازع عليها لا سيما مع الجار المغربي، ناهيك عن البترول والغاز خاصة مع الجزائر، كلها عوامل أدت بإسبانيا أن تمارس تجاه هذين البلدين سياسة برغماتية متوازنة، وأن تضع المغرب العربي عموما دائرة جيوسياسية ذات أولوية في سياساتها الخارجية". 

وأوضح أنه بمجرد انخراطها في الجماعة الاقتصادية الأوروبية سنة 1986، حاولت إسبانيا أن تستغل المظلة الأوروبي لتحقق مصالحها مع المغرب والجزائر بقدرة تفاوضية أكبر، لا سيما في ملفات التعاون الاقتصادي والحوار السياسي، كما حاولت من خلال مبادرات أورومتوسطية كمسار برشلونة 1995 وسياسة الجوار الأوروبية.

وتابع: "لقد عملت مدريد على المحافظة على مسافة من ملف الصحراء الغربية، فلم تعترف بمغربية هذا الإقليم كما تطالب الرباط، وفي نفس الوقت لم تقم بالدور المنوط بها كقوة استعمارية سابقة بإمكانها المساهمة في حل النزاع نهائيا".

وختم المتحدث حديثه بالقول: "من وجهة نظر الجزائر، الحياد الذي تريد إسبانيا انتهاجه إزاء قضية الصحراء الغربية هو في حد ذاته انحياز للطرح المغربي،رغم وجود لوبيات قوية في إسبانيا تساند البوليساريو، وفي هذا المجال لا تفوت الجزائر أي فرصة لتذكر إسبانيا بمسروليتها التاريخية إزاء ملف الصحراء الغربية الذي مازال يحول دون تحقيق آمال الشعوب المغاربية في الازدهار الاقتصادي والأمن والاستقرار".