ربط سكك حديدية مع إيران.. لماذا أقره الكاظمي ورفضته حكومات العراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم وعود كثيرة أطلقها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بتنفيذ مشروع ميناء الفاو الكبير في البصرة وتذليل كل ما يعيق إنشاءه، أعلن إكمال اتفاقية ربط السكك الحديدية بين العراق وإيران، الأمر الذي اعتبره مختصون بأنه سيجهز على ميناء الفاو.

الكاظمي، خلال تصريحات أطلقها من مقر وزارة الخارجية العراقية في 15 مارس/آذار 2021 قال: "أكملنا اتفاقية ربط السكك الحديدية بين العراق وإيران، ما سيربط البلاد بشمال الصين ويخلق فرصا اقتصادية واسعة له"، وذلك في إشارة إلى مشروع الحرير الصيني.

خطوة الكاظمي هذه لم تتخذها جميع حكومات ما بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، كونها تصطدم بغضب شعبي في كل مرة، إذ يعتبرون أنها تهدد بإقصاء موانئ العراق، ما أثار تساؤلات عدة عن أسباب قبول الاتفاقية، وانعكاسها على ميناء الفاو الذي لم يكتمل العمل فيه حتى الآن.

أهداف انتخابية

على ضوء الاتفاقية، حذر مختصون من أبعاد ذلك على الاقتصاد العراقي في المستقبل، مشيرين إلى أن توقيت توقيعها من الكاظمي تقف خلفه أهداف سياسية، إضافة إلى ضعف في فهم مشروع طريق الحرير الصيني.

وقال المختص في الشأن الإيران الباحث العراقي، فراس إلياس، إن "إيران سعت ومنذ عام 2011، إلى إنجاز مشروع الربط السككي، بين مدينتي المحمرة الإيرانية والبصرة العراقية، ليرتبط بعدها بشبكة السكك العراقية حتى الشام السورية، ومن ثم الوصول لخليج العقبة الأردني".

وأضاف إلياس خلال سلسلة تغريدات عبر "تويتر" في 20 مارس/آذار 2021 أن "مشروع الربط السككي سيضر ببغداد أولا وأخيرا، على اعتبار أنه سيخدم الاقتصاد الإيراني بامتياز، حيث سيكون خط ناقل لبضائعها وممنوعاتها إلى سوريا عبر العراق".

ولفت إلياس إلى أن إيران تحاول الاستفادة من ضعف الإجراءات الأمنية والجمركية في العراق، وتحاول عبر مشروع الربط السككي، نقل 20 مليون مسافر سنويا بين البلدين، فضلا عن خفض استثمار خفض التكاليف.

ونوه إلى أن إيران تسعى لتعويض انخفاض قيمة صادراتها إلى سوريا، بفعل العقوبات الأميركية، حتى مطلع هذا العام بلغت قيمة الصادرات 75 مليون دولار، ولذلك تخطط عبر إنجاز مشروع الربط السككي مع العراق، إلى رفع قيمة الصادرات إلى 400 مليون دولار.

وفي 14 مارس/ آذار 2021، كشف عضو لجنة شؤون الإعمار البرلمانية الإيرانية مجتبى يوسفي، عن قرب بدء التنفيذ لمشروع الخط والربط السككي بين الشلامجة الإيرانية ومحافظة البصرة في العراق.

وقال مجتبى إن "انجاز مشروع الخط السككي بين الشلامجة والبصرة في العراق يساهم في تسهيل تنقل 20 مليون مسافر سنويا بين البلدين، فضلا عن خفض التكاليف".

وأضاف: "التوقيع على اتفاق مشروع الخط السككي بين الشلامجة والبصرة في العراق، هو إنجاز كبير على صعيد توظيف الطاقات والإمكانيات في المنطقة".

أما المحلل السياسي العراقي، كريم بدر، فقد رأى خلال مقابلة تلفزيونية في 18 مارس/ آذار 2021 أن "خطوة الكاظمي هي سياسية أكثر منها فنية، لأن الانتخابات اقتربت وبدأت مثل هذه الدعوات (ربط السكك) بالظهور للعلن، وهذا يدل على أن الرجل لم يفهم طريق الحرير على الإطلاق".

وأضاف أن "الكاظمي كان منذ البداية يتحرك ضد المشروع بالكامل وسحب الأموال الموجودة في صندوق الصيني العراقي التي تركها سلفه عادل عبد المهدي، وبددها، ومنع الصين من الاستثمار في الفاو وكذلك الاستثمار بالطرق، ومنعها أصلا من الدخول إلى العراق".

وأشار بدر إلى أن "الكاظمي أكد في حينها أنه لا توجد اتفاقية صينية عراقية وكان غير دقيق في كلامه، وبالتالي حديثه عن الاتفاقية (الربط السككي مع إيران) هو للاستهلاك الانتخابي، لأن هناك حالة من عدم الفهم لمشروع حزام وطريق الحرير الصيني".

وفي 19 سبتمبر/ أيلول 2019، وقع العراق والصين 8 اتفاقات ومذكرات تفاهم في ختام مباحثات بين وفديهما في بكين، برئاسة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي ورئيس مجلس الدولة الصيني "لي كه تشيانغ".

وكشف مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، خلال تصريحات صحفية في 15 يناير/ كانون الثاني 2020 أن الاتفاقية بين العراق والصين تتضمن مبادلة عائدات النفط بتنفيذ مشاريع.

ولفت إلى أن حكومة بلاده فتحت حسابا ائتمانيا في أحد البنوك الصينية، لإيداع عائدات النفط البالغة 100 ألف برميل يوميا، ضمن الاتفاقية الصينية.

وأوضح أن مهمة الحساب، ستكون استقبال قيم عائدات النفط وصرف المستحقات المالية للشركات الصينية التي تنفذ مشاريع في العراق.

وتابع: "الاتفاقية ستركز على مشاريع البنى التحتية، كالمدارس والمستشفيات والطرق والكهرباء والصرف الصحي، يتم تحديدها من خلال وزارة التخطيط وبالتنسيق مع مجلس الوزراء".

وأفاد بأن الاتفاقيات، ستوفر فرص عمل للعاطلين، ومنح فرصة لشركات القطاع الخاص العراقية، والاعتماد على المنتجات العراقية في تنفيذ المشاريع كالإسمنت والرمل وغيرها.

وتمتد الاتفاقية بشأن استبدال العائدات بالمشاريع، 20 عاما، بحسب صالح، الذي شدد على أن الاتفاقية ستنهض بالبنى التحتية للعراق التي ما زالت مدمرة منذ أربعة عقود.

"قتل الفاو"

وبخصوص تأثير الربط السككي مع إيران على ميناء الفاو، قال الخبير فراس إلياس إن "خطط الربط السككي مع إيران ستؤدي الى إضعاف مشروع ميناء الفاو الكبير الذي صرفت عليه مبالغ طائلة، مقابل الحفاظ على قيمة ميناء الإمام الخميني الإستراتيجية والاقتصادية، المقابل لميناء الفاو على شط العرب".

وفي السياق ذاته، رأى المختص في مجال النقل الخبير الاقتصادي العراقي، أحمد صدام، أنه "إذا حصل الربط السككي مع طهران، فإن هذا سيعزز القدرة التنافسية للموانئ الإيرانية على حساب ميناء الفاو الكبير الذي ننتظر اكتماله في المستقبل، وبالتالي يعني فقدان فرص عمل كبيرة". وفرص استثمارية".

وأضاف صدام خلال مقابلة تلفزيونية في 17 مارس/آذار 2021 أن "الاتفاقية ستفقد العراق ميزة استثمارية كبيرة تتمثل في وجود ميناء الفاو وما يحققه من تكاليف الانتاج وتشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار في مدينة البصرة".

وأردف: "بالتالي فإن الربط السككي مع إيران يعني قتل مشروع ميناء الفاو الكبير وتحويله إلى ميناء محلي لا يحقق المصالح والأهداف المرجوة منه كميناء حديث على مستوى الاقتصاد العراقي، ولا يحقق في المستقبل جذب شركات استثمارية ومشاريع صناعية مستقبلية".

من جهته، قال عضو لجنة الخدمات والإعمار في برلمان العراق، جاسم البخاتي، إن "مشروع ميناء الفاو ذاهب الى المجهول وهناك تذويب لموضوعه وللأسف يغلب البعض المصلحة الإقليمية على المصلحة الوطنية التي يمثلها المشروع الإستراتيجي للعراق".

ورأى البخاتي خلال تصريحات صحفية في 17 مارس/آذار 2021، أن قرار الحكومة بالربط السككي بين العراق وإيران أو مع الكويت "لا ينفع الميناء"، مشيرا إلى أنها "خيانة وستؤدي إلى ضعف مشروع ميناء الفاو الكبير الذي صرفت مبالغ طائلة".

ولفت إلى أن "الشروع في إنشاء القناة الجافة الرابطة من الفاو إلى تركيا وأوروبا ستدخل ميزانية إضافية، حيث ستفرض على الطن الواحد من البضائع المارة عبر العراق نحو 200 دولار وهي مبالغ طائلة".

وتابع البخاتي، قائلا: "البرلمان مطالب بدعم مشروع ميناء الفاو عبر تخصيص الأموال اللازمة والذي تقدر حجم أرباحه بعد 20 عاما بنحو 100 مليار دولار وهي تعادل ميزانية العراق النفطية".

وأضاف "أتوقع بعد حل البرلمان (الانتخابات البرلمانية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) وتحول الحكومة الحالية إلى تصريف أعمال سيكون هناك مماطلة بتنفيذ المشروع وربما توقفه لحين تشكيل الحكومة الجديدة المقبلة".

وكانت وزارة النقل، وقعت في 30 ديسمبر/كانون الأول 2020، عقدا مع شركة دايو الكورية لإنشاء خمسة مشاريع للبنى التحتية ضمن مشروع ميناء الفاو الكبير بعد موافقة وتخويل من مجلس الوزراء.

وبينت أن "يتضمن إنشاء قناة ملاحية بطول (14) كم، تمتد إلى عرض البحر وإنشاء الحوض الخاص بالبواخر التي سترسو في الميناء، إضافة إلى نفق تحت الماء، وهو الأكبر من نوعه، حيث سيربط ميناء الفاو الكبير بخور الزبير وطريق يربط بين الأرصفة والنفق".

وأشارت وزارة النقل العراقية إلى أن "عملية حفر مرسى الميناء والقناة الملاحية، بعمق 19 مترا و80 سم بحاجة إلى رفع 110 ملايين متر مكعب من الترسبات الطينية".

وعلى نحو مماثل، أعلن مدير شركة الموانئ فرحان الفرطوسي، خلال تصريحات صحفية في 2 فبراير/ شباط 2020 عن مباشرة شركة دايو الكورية الجنوبية أعمالها بميناء الفاو الكبير ضمن 3 مشاريع.

وقال الفرطوسي إن "الشركة باشرت بمشروع الطريق وعملية كسح الألغام ومشروع النفق حيث باشرت بإجراء المسوحات من قاع القناة والطريق الساحلي وباشرت بالتسوية الخاصة به".

وفي مايو/ أيار 2011، حذر وزير النقل الأسبق عامر عبدالجبار من أن "الربط السككي مع إيران أو دول الخليج، يعني أن تنتقل بضائع هذه الدول إلى العراق وشمال العراق ترانزيت، ولا يجني العراق منها إلا عمولة الترانزيت”، مشيرا إلى أن “الموانئ العراقية بهذه الطريقة ستنتهي".

وأضاف: لكن إذا احتكر العراق الربط السككي بشبكة ترتبط بالموانئ و(الحدود)، سنجبر دول المنطقة لنقل بضائعهم بالسفن إلى الموانئ العراقية، ومن ثم تنقل بالقطار العراقي إلى تركيا وشمال أوروبا (مايسمى بالقناة الجافة)، وهذا سيدر عوائد إرساء السفن وعمولة السكك الحديدية وغيرها.