"دولة أمبازونيا".. رياح انفصال قوية تضرب الكاميرون وتهدد استقرارها

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة إيطالية إن إعلان الأقلية الناطقة بالإنجليزية، جنوبي الكاميرون، الاستقلال الذاتي لدولة "أمبازونيا" المتكونة من منطقتين من مناطق البلاد العشر، أثار رد فعل قوي من الحكومة المركزية بشن حملات اعتقالات، وصفت بالتعسفية والقمعية، فيما يعد انتهاكا لحقوق الإنسان.

وفي هذا السياق، قالت صحيفة "إيل كافي جيوبوليتيكو" إن الأزمة في "أمبازونيا" طغت على الكاميرون منذ عام 2017 ولا تزال تهدد استقرار البلاد.

وفي ظل معارضة حكومة ياوندي الشديدة لادعاءات المتحدثين باللغة الإنجليزية، تتضاءل احتمالات تحقيق السلام.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في ظل التعتيم الإعلامي الدولي، طغى على الكاميرون في السنوات الأخيرة صراع ذو طبيعة انفصالية، حيث تطالب الأقلية الناطقة بالإنجليزية في البلاد، القاطنة باثنتين من مناطق الكاميرون العشر، بالاستقلال عن الحكومة المركزية.

وأضافت الصحيفة أن الصراع في أمبازونيا، الذي تسبب منذ بدايته في أكتوبر/تشرين الأول 2017 في مقتل 3 آلاف ضحية ونزوح نصف المليون، لا يظهر أي بوادر للتوقف.

بل على العكس من ذلك، يستمر بشدة مقوضا الاستقرار الداخلي وأيضا الإقليمي. وتابعت بأن التوترات تصاعدت تدريجيا بين نهاية عام 2020 وبداية عام 2021.

وتحديدا في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وقعت أكثر الأحداث دراماتيكية للصراع، على إثر هجوم شنه مسلحون على مدرسة خاصة تدرس أكثر من لغة في مدينة كومبا، في المنطقة الجنوبية الغربية من البلاد، مما أسفر عن مقتل ثمانية أطفال على الأقل وإصابة العديدين.

وأبرزت "إيل كافي جيوبوليتيكو" أن الهجوم على المدرسة لم يكن عرضيا، وإنما كان مخططا له، خصوصا وأن التعليم يعد من المسائل الرئيسة في خضم التوترات اللغوية بين الأغلبية الناطقة بالفرنسية والأقلية الناطقة بالإنجليزية في البلاد.

ووفقا لما ذكرته مجموعة الأزمات الدولية، تدهور الوضع الأمني في الكاميرون مع بداية عام 2021، نتيجة تصاعد العنف بين القوات الحكومية لياوندي والانفصاليين الناطقين بالإنجليزية، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا من كلا الجانبين. 

علاوة على ذلك، يزداد الوضع الأمني هشاشة في ظل التهديد الذي تشكله جماعة بوكو حرام، ولا سيما على الحدود مع نيجيريا.

جذور الصراع

أوضحت الصحيفة الإيطالية أن الصراع في أمبازونيا له جذور عميقة، إذ تنبع مطالبات الأقلية الكاميرونية الناطقة بالإنجليزية من قرار عصبة الأمم، وهي منظمة سبقت الأمم المتحدة، بتقسيم الكاميرون المستعمرة الألمانية السابقة، بين البريطانيين والفرنسيين بعد الحرب العالمية الأولى. 

تم تقسيم الأراضي التي تسيطر عليها بريطانيا إلى قسمين: جنوب الكاميرون وشمالها.  

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية تحقيق الاستقلال، عرض على الأراضي الكاميرونية الخاضعة للسيطرة البريطانية إمكانية ضمها إلى الكاميرون أو نيجيريا. 

نتيجة لذلك، انضم شمال الكاميرون إلى نيجيريا في عام 1961، بينما اندمج الجنوب في الكاميرون الفرنسية السابقة، التي حصلت على استقلالها عن فرنسا في عام 1960.

تغير اسم البلاد في عام 1972، التي كانت في البداية دولة فيدرالية، لتصبح جمهورية الكاميرون المتحدة. ومنذ ذلك الحين، بدأ حقوق الكاميرونيين الناطقين بالإنجليزية بالتآكل بشكل تدريجي لصالح الأغلبية الناطقة بالفرنسية. 

وذكرت الصحيفة أن الأقلية لطالما اتهمت الحكومة بالتمييز في التعيين داخل الوظائف العامة، واستنكرت أيضا إجبارية استخدام اللغة الفرنسية في جميع أماكن العمل والوثائق الرسمية، مما أدى إلى شعور واسع النطاق بالتهميش الذي نما تدريجيا بمرور الوقت.

أدى التآكل التدريجي لحقوق الكاميرونيين الناطقين بالإنجليزية إلى أول احتجاجات سلمية في عام 2016، على إثر خروج المعلمين والمحامين إلى الشوارع للاحتجاج على سياسات الحكومة لصالح المناطق الناطقة بالفرنسية. 

في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2017، أعلن الانفصاليون من حركة المجلس الوطني للجنوب الكاميروني من جانب واحد استقلال ما يسمى جمهورية أمبازونيا عن الكاميرون.

أفق السلام

على الطرف المقابل، قالت الصحيفة إن حكومة الرئيس بول بيا، الذي يحكم البلاد منذ عام 1982، ردت على الفور بقبضة من حديد. 

وألقت الحكومة القبض على عدد من أعضاء الحركة في يناير/كانون الثاني 2018، وصنفتها كمنظمة إرهابية.

وعلى إثر ذلك، تحولت التوترات إلى حرب عصابات حقيقية، مما أدى إلى اندلاع صراع داخلي حاد. 

بالإضافة إلى ذلك، لمواجهة رياح الانفصال القوية في أمبازونيا، فرضت الحكومة قيود على الحريات المدنية وارتكبت انتهاكات حقوق الإنسان فضلا عن تنفيذ حملات اعتقال عشوائية. 

في سبتمبر/أيلول 2020، وكما ورد في تقرير هيومن رايتس ووتش، دعا الرئيس الكاميروني بول بيا إلى حوار وطني لبحث حل للأزمة بين الأطراف المتنازعة، نتيجة العنف والضغوط الدولية المتزايدة.

انتهى الحوار بالتزام الحكومة المركزية بضمان وضع خاص للمنطقتين الناطقتين باللغة الإنجليزية والإفراج عن السجناء السياسيين الذين جرى اعتقالهم في السنوات الأخيرة. 

وبحسب الصحيفة الإيطالية، على الرغم من هذا القرار، لا يزال تحقيق السلام بعيد المنال لا سيما وأن أمبازونيا لا تتمتع إلى حد الآن بوضع خاص بينما يستمر العنف على الميدان بلا هوادة.

في الختام، نوهت الصحيفة بأهمية مبادرة الكنيسة الكاثوليكية الكاميرونية، المحاطة بسرية كبيرة، في التوسط لإجراء حوار بين الانفصاليين والحكومة. 

وبالنظر إلى الصعوبات في التوصل إلى نقطة التقاء مشتركة على المستوى الرسمي، تعمل الكنيسة على محاولة الوصول إلى اتفاق وتستضيف اجتماعات بين الطرفين على أمل أن يسهم ذلك في أي مفاوضات مستقبلية يمكن أن تنهي النزاع.