سيرا على نهج الصين.. الإمارات تحتفي ببوذا وتخالف تعاليمه

12

طباعة

مشاركة

في 7 أبريل/ نيسان الجاري أطلقت أبو ظبي معرض "الطريق الفني" في نسخته الثانية مستعرضة من خلاله 10 مجسمات عملاقة ثلاثية الأبعاد، من أبرزها مجسم لبوذا (المعبود الصيني سيدهارتا جوتاما)، ويعرض المجسم على طريق أبو ظبي ـ دبي حتى 27 أبريل/نيسان الجاري(1).

وتستدعي الإمارات عبر "الطريق الفني" الذي يطلقه "لوفر أبوظبي" ما تعتقد أنه جزء من تسامحها مع المعتقدات الأخرى، ومن بينها البوذية هذه المرة، متناسية أن الصين التي تنتشر فيها هذه المعتقدات تضطهد أكثر من مليون مسلم من أقلية الإويجور بإقليم تركستان الشرقية (شينجيانج) أقصى غربي الصين.

وفي حين تحتفي أبوظبي بالمعتقدات والديانات المختلفة، مطلقة على هذا العام "عام التسامح"، لكنها باسم "التسامح" ما تزال تزيف الحقائق وتعتقل وتضطهد مخالفيها في الرأي على أرضها، وفي الخارج تحارب ثورات الربيع العربي وتقف ضد رغبة الشعوب الحالمة بالحرية والكرامة، وتعادي الإسلاميين في كل أرجاء الدنيا، مخالفة بذلك تعاليم البوذية التي تحتفل برائدها.

تعاليم بوذا

تنادي تعاليم سيدهارتا جوتاما المعروف باسم بوذا 566 ـ 476 ق.م بتعاليم سامية من بينها "مغالبة المعاناة الناتجة عن ألم نفسي أو جسدي، أو عن تغيير أمور يحبها البشر، أو المعاناة لتعلق بشري بالمتعة للجهل بطبيعة الأشياء، ويأتي العلاج في إيقاف المعاناة بطرقها السابقة، وذلك عبر أقسام سبعة، قد تستغرق أكثر من حياة، والأقسام هي: الفهم الصحيح، والفكر الصحيح، والقول الصحيح، والفعل الصحيح، والارتزاق الصحيح، والجهد الصحيح، والوعي الصحيح، والتركيز الصحيح(2).

وبعيدا عن الاتفاق أو الاختلاف حول تعاليم بوذا ودلالتها، فإن الإمارات تسير على نهج الصين حينما تحتفي ببوذا وتخالف تعاليمه التي تتمثل في التخلص من المعاناة التي يسببها الإنسان لنفسه أو لغيره.

مسلمو الإويجور

منذ العام الماضي تتحدث تقارير دولية ومحلية عن الانتهاكات التي يتعرض لها مسلمو الإويجور على يد السلطات الصينية؛ نظرا لأنهم يُعدون أقلية تسكن شمال غربي الصين، في المنطقة المشتركة حدوديا مع باكستان وأفغانستان.

ورغم أن الإويجور استوطنوا الصين منذ القرن الثامن الميلادي، ويعيش زيادة عن 20 مليون منهم في إقليم شينجيانج الخاضع للحكم الذاتي، وهم يمثلون قرابة 45% منه، بحسب إحصاء 2016، إلا أن الصين لا تتسامح معهم، ولا تتبع تعاليم بوذا، بل لا تنسى محاولتهم إقامة دولة تركستان الشرقية لمدة 10 قرون، قبل انهيارها أمام الهجوم الصيني في 1759م، ولا ثوراتهم الحديثة.

واستغلت الصين أحداث سبتمبر/أيلول 2001 لمطاردة الإويجور، في إطار ما سُمي بالحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، فاعتقلت نشطاء منهم بالتعاون مع دول أخرى كباكستان وكازاخستان وقيرغزستان، وتسعى الصين وما تزال لتغيير ديموغرافي يزيد من عدد عرق "الهان" غير المسلم ليصبح أغلبية على حساب الإيغور.

وفي 31 من أغسطس/آب 2018 صرح تقرير عن الأمم المتحدة عن احتجاز نحو مليون من مسلمي الإيغور في معسكرات "إعادة التثقيف السياسي" الصينية، بدون وجه حق، مطالبة بسرعة الإفراج عنهم، مع احتجازهم بصورة انفرادية وتحفيظهم بالقوة لدعاية الحزب الشيوعي، وإجبارهم على أكل لحوم الخنازير وتناول الخمور، بحسب مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية(3).

رأس حربة

وكما تدين الأمم المتحدة العدوان الصيني على مسلمي الإويجور، تدين أيضا العدوان السعودي ـ الإماراتي على اليمن، كما حدث في 17 من أكتوبر/تشرين الأول 2015 عندما تم قصف مجلس عزاء بصنعاء أسفر عن استشهاد 140 يمنيا(4)، وإصابة 525 آخرين.

كما تسببت الحرب التي تلعب فيها الإمارات رأس حربة في إصابة أكثر من مليون حالة بداء الكوليرا منذ اندلاع الحرب حتى نهاية 2017، بالإضافة إلى حاجة قرابة ثلاثة أرباع سكان اليمن لمساعدات إنسانية.

وكما تحتجز الصين وتسجن الإويجور دون رحمة، تحتجز الإمارات صاحبة ادعاء المسامحة يمنيين قسريا وفي معتقلات سرية، بحسب تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية.

أما تقرير الأمم المتحدة في صيف 2017 فانتهى إلى ارتكاب دول التحالف العربي ومنها الإمارات انتهاكات جسيمة ربما ترقى لجرائم الحرب في اليمن، وبناء عليه مدد مجلس حقوق الإنسان الأممي مهمة لجنة من الخبراء الدوليين للتحقيق في هذه الانتهاكات لمدة عام منذ سبتمبر/أيلول الماضي(5).

إذًا لا الصين ولا الإمارات تنفذان تعاليم بوذا المعروض مجسمه الثلاثي الأبعاد، في معرض "الطريق الفني".

مزاعم التسامح

الإمارات التي تتوسع في مزاعم وشعارات التسامح، تخصص له وزارة، مع ميثاق وطني، بالإضافة إلى مهرجان، وجسر مع التوسع في إنشاء عشرات الكنائس المسيحية، وفي نظير الدعاية للإمارات المنفتحة على العالم، أصدرت حكومة أبوظبي منذ فترة قرارا دعائيا ببناء معبد هندوسي لم يكن الأول من نوعه على أرضها(6).

في ستينيات القرن الماضي، أنشأ المسيحيون أول كنائسهم بالإمارات والتي وصل عددها حتى اليوم 45 كنيسة تخدم 700 تجمع مسيحي(8). ولم تكتف الإمارات بذلك وإنما تتعمد دعم الاحتفالات العامة العامة المسيحية والهندوسية الكبرى ورأس السنة الصينية الجديدة، وكذلك الإعلانات والدعاية للنشاطات الدينية غير الإسلامية على أرضها، وإظهار الحفاوة بمثل هذه الاحتفالات في خارجها.

وفي مقابل ذلك تتوسع الإمارات في اقتناء أنظمة رقمية متطوّرة في مجال الجاسوسية والقرصنة المعلوماتية، وفقا للتقارير الموثّقة التي نشرتها رويترز مؤخرا.

وفي تقرير لصحيفة لوتون السويسرية خلال تناولها زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس للإمارات مطلع فبراير/شباط الماضي، ضمن مؤتمر "الأخوة الإنسانية"، لم تنس الصحيفة القول بأن "كل مظاهر التسامح والتعايش الداخلي والخارجي الذي تحرص الإمارات على نشره، ما هو إلا "للاستهلاك الإعلامي والدعاية الخارجية ولمخاطبة النخب الغربية وصناع القرار، أما في الداخل فالواقع مختلف".

الصحيفة أكدت أنه: "على المستوى السياسي يُعتبر قادة الإمارات ألدّ الأعداء للتعددية السياسية، وكل معارضي النظام يقبعون في السجون والمعتقلات، سواء من الإسلاميين أو الليبراليين، وآخر ضحية لهذه القبضة الاستبدادية الحديدية المدافعون عن حقوق الإنسان، وفي مقدمتهم المواطن أحمد منصور الذي حكم عليه في شهر مايو/آيار 2018 بعشر سنوات سجنا".

وعن الاتهامات الملفقة للمعارضين الإماراتيين على أرض التسامح، قالت الصحيفة الغربية أنها تتراوح بين "التآمر، والتخريب، وتهديد الوحدة الوطنية، وإشاعة الأخبار الكاذبة"، وكل ما سبق وصفته منظمة هيومن رايتس ووتش بـ"المحاكمات الصورية المفتقرة لأدنى ضمانات العدالة".

وشددت لوتون السويسرية على التعذيب في "السجون العلنية والسرية" الإماراتية، بالإضافة لحالات "الإخفاء القسري"(7).

تعزيز النظم الاستبدادية

ولم تكتف الإمارات بكل ما سبق بل راحت تشارك دولا غربية مثل فرنسا، على سبيل المثال في الحرب على الإسلام الوسطي أو الإسلام السياسي، وهو ما يقره كبير مراسلي صحيفة أخرى غربية هي لوفيغارو الفرنسية، هذه المرة، فيقول جورج مالبرونو: "فكل الضربات مسموح بها في نظر أبوظبي في سبيل أن تظل الأكثر شراسة في محاربة الإسلام بصبغته السياسية، ومن ذلك حرب قطر، وجماعة الإخوان المسلمين، بل إن أبو ظبي ترى الإسلام وحشا أسود، ولذلك تعززها الفاتيكان، وزارها البابا".

كما يؤكد مراسل  لوفيغارو تضييق أبو ظبي على خطبة الجمعة، فيما تتسامح مع غير المسلمين، فأحد المسؤولين الحكوميين صرح للفرنسية: "نحن ننظم خطب الجمعة حرصا على الخير المشترك وتجنبا لانتشار خطاب الكراهية، كما رأينا في العديد من البلدان، بما في ذلك أوروبا".

ومن هنا يرى خبراء أن "محمد بن زايد يعتقد أنه في حرب مقدسة هدفها تدمير الإخوان المسلمين حيثما استطاع الوصول إليهم وضربهم: في اليمن وفي مصر وفي ليبيا وفي تونس. لم يزل ذلك هو الهدف المركزي للسياسة الخارجية التي تنتهجها دولة الإمارات، وهو هدف يتقدم على كل هدف سواه.."(6).

وفي تقرير سابق للفاينتشال تايمز البريطانية تأكيد على أن "الإمارات أنفقت الملايين في حربها على الإسلام بجميع أشكاله، مستخدمة المال والإعلام لإجهاض ثورات الربيع العربي لاستشعار أبناء زايد خطورتها عليهم".

مما سبق يتضح أنه لا الصين ولا الإمارات متسامحتان، وإنما تستخدمان الفن وتمثال بوذا لمدارة الطغيان، وبالتالي يتضح كذب الخارجية الأمريكية في أن "الإمارات لديها رسائل واضحة ومهمة من وراء التسامح مع أصحاب الديانات الأخرى وهي: تعزيز فكرة تقول إنَّه في منطقة مزقتها الصراعات، يمكن للأشخاص أصحاب الثقافات والديانات المختلفة أن يجدوا أرضية مشتركة، وأيضاً محاربة التطرف والإرهاب" بحسب صحيفة "وول استريت جورنال"(8).