سد النهضة.. ماذا يعني انسحاب مصر والسودان من اتفاقية إعلان المبادئ؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو 10 سنوات، اقتربت إثيوبيا إحدى أهم دول منابع نهر النيل، من تشييد سد النهضة بنسبة 78 بالمئة، وفق تصريح وزير الري سيلشي بيكيلي في 3 يناير/ كانون الثاني 2021، وسط غضب مصري وسوداني.

تجاهلت أديس أبابا عشرات الجولات من التفاوض مع القاهرة والخرطوم وبدأت ملء خزان السد الذي يستوعب 74 مليار متر مكعب من المياه في يوليو/ تموز 2020، بدون توافق مع دولتي المصب، معلنة الملء الثاني للعام الثاني على التوالي منتصف 2021، بدون اتفاق أيضا.

وفي 10 يناير/كانون الثاني 2021، أعلنت مصر والسودان أن الاجتماع السداسي بين وزراء الخارجية والري بمصر والسودان وإثيوبيا، فشل في التوصل لصيغة مقبولة حول سد النهضة، فيما أبدت حينها وزيرة التعاون الدولي لجنوب إفريقيا، جي بندور، "أسفها للطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات".

حلقة مفرغة

الأزمة بدأت بقرار إثيوبي أحادي في فبراير/ شباط 2011، ببناء "سد النهضة"، أو "سد الألفية" بمنطقة بني شنقول على بعد 15 كم شرقا من حدود السودان، على حوض النيل الأزرق الذي يمثل لمصر المورد الدائم لمياه النيل. 

قامت إثيوبيا بدعاية محلية وإفريقية وعالمية واسعة حول السد معلنة أنه أمل الإثيوبيين في النهضة عبر توليد الكهرباء بسعة 6.45 جيجاواطات، وبتكلفة 4.7 مليارات دولار.

وفي المقابل، أعلنت مصر التي لا تملك موارد للمياه غير نهر النيل تخوفها على حصتها التاريخية البالغة 55 مليار متر مكعب التي تقرها اتفاقيات دولية، وكذلك السودان الذي تبلغ حصته نحو 18 مليار متر مكعب.

منذ ذلك الحين، تواصلت جهود التفاوض بين الدول الثلاثة على مستوى وزراء الخارجية والري بدعم من الاتحاد الإفريقي تارة، والولايات المتحدة والبنك الدولي تارة أخرى، دون التوصل لحل نهائي للأزمة.

عقد كامل والمفاوضات تدور في حلقة مفرغة ما أوصل مصر والسودان لحالة من الغضب بدت واضحة عبر تصريحات مسؤولي البلدين، والوسيط الجنوب إفريقي الذي قاد المفاوضات لنحو 7 أشهر.

الخرطوم عبرت عن غضبها وحذرت في 18 يناير/ كانون الثاني 2021، من الملء الثاني للسد قبل التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول الملء والتشغيل يراعي مصالح الأطراف الثلاثة، معلنة أنها لا تقبل بفرض سياسة الأمر الواقع وتهديد سلامة 20 مليون مواطن سوداني تعتمد حياتهم على النيل الأزرق.

ذلك الغضب بدا أشد وضوحا في حديث وزير الري السوداني ياسر عباس، 24 يناير/ كانون الثاني 2021، بقوله: "لا يمكننا أن نستمر في هذه الحلقة المفرغة من المباحثات إلى ما لا نهاية بالنظر لما يمثله سد النهضة من تهديد مباشر لخزان الروصيرص، إذا تم الملء والتشغيل دون اتفاق".

وفي رسالته لأديس أبابا، أكد الوزير السوداني، "أن الحرب ليست خيارا، والجانب السوداني بدأ منذ وقت مبكر تحركا دبلوماسيا لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية من الوعيد الإثيوبي وتهديدها لحياة نصف سكان السودان على النيل الأزرق".

وفي الأسابيع الأخيرة، تصاعد الخلاف الحدودي بين إثيوبيا والسودان، وسط تصريحات متبادلة تحمل لغة التهديد بين العسكريين في البلدين، إثر هجمات تقول الخرطوم إنها "نُفذت من قبل مليشيات إثيوبية مسنودة بقوات رسمية على أراض سودانية"، فيما تنكر أديس أبابا تلك التهم، قائلة إنها "تتابع عن كثب ما حدث بيد إحدى المليشيات المحلية على الحدود الإثيوبية السودانية".

غضب مصري

الموقف المصري الغاضب أيضا من إثيوبيا، جاء على لسان وزير الري محمد عبد العاطي، متهما إثيوبيا بالتعنت، ومعلنا أنها تراجعت عن كل البنود التي تم الاتفاق عليها.

عبد العاطي أشار لرفض أديس أبابا مسودة الاتفاق التي صاغتها الولايات المتحدة، وأنها برغم عقد 9 اجتماعات بعضها برعاية الاتحاد الإفريقي، إلا أنها "تتعنت بالجوانب الفنية والقانونية".

وأمام البرلمان المصري في 24 يناير/ كانون الثاني 2021، أشار عبد العاطي، في عرضه أزمة المياه إلى خطورة موقف مصر، مؤكدا أن 97 بالمئة من المياه تأتي من خارج حدودها وأنها أكثر بلاد العالم جفافا، مؤكدا حاجتها السنوية لـ 114 مليار متر مكعب من المياه.

وزير الخارجية المصري سامح شكري، من جانبه أكد أمام البرلمان يوم 26 يناير/ كانون الثاني 2021 أن مصر لن تقبل المساس بحقوقها المائية، وأنها لن تقبل أن تنجرف في إطالة أمد المفاوضات والمساعي لفرض الهيمنة على النهر أو فرض سياسة الأمر الواقع، لافتا إلى أن "إثيوبيا تتصرف بشكل أحادي وتتعنت في الملف".

مع كل ما سبق من مواقف مصرية سودانية متقاربة، ومؤكدة أن الجانب الإثيوبي مازال يتلاعب بملف المياه، يثار التساؤل حول الحل الأمثل والمتبقي لكل من القاهرة والخرطوم، وهل هو الانسحاب من المفاوضات، ومن الاتفاقية الإطارية لعام 2015، أم هناك خيارات أخرى قائمة؟.

الاتفاقية الإطارية

23 مارس/ آذار 2015، كان يوما فارقا في ملف مياه النيل حيث وقع قادة إثيوبيا والسودان ومصر، هايلي مريام دالسين، وعمر البشير، وعبد الفتاح السيسي، في الخرطوم "إعلان مبادئ" أو "اتفاقية إطارية" تكون مرجعا لحل أزمة مياه النيل.

تلك الاتفاقية اعتبرها السيسي خطوة جيدة، وأعلن خلالها دعمه لحق الإثيوبيين في التنمية وبداية حقبة تعاون ومحبة وثقة بين الشعوب الثلاثة، لكن على الجانب الآخر اعتبرتها إثيوبيا، نهاية لمعاهدة عام 1929، التي منحت مصر حق النقض بشأن أي مشروع على النيل بدول المنبع.

خبير التفاوض السوداني الدكتور أحمد المفتي، أكد في حديثه لوكالة "سبوتنيك"، الروسية على ضرورة "الانسحاب من إعلان المبادئ لسنة 2015، ورفع الأمر لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع"، موضحا أنها خطوة "تجعل كل أعمال سد النهضة حتى الآن غير مشروعة".

وأوضح المفتي أنه "لا توجد أي تداعيات قانونية على مصر والسودان حال إعلان الانسحاب من تلك الاتفاقية، نظرا لأن الجانب الإثيوبي هو من قام بانتهاكها أولا عن طريق العمل منفردا بعيدا عن الأطراف الأخرى، حيث قام منفردا بعملية الملء الأول".

الكاتب والمحلل السياسي السوداني وائل علي نصر الدين، وافق المفتي الرأي حول الانسحاب من الاتفاقية الإطارية، لكنه أوضح أن "الخرطوم تملك نقاطا عديدة يمكن بها التصعيد مع إثيوبيا، بينها فتح القضايا القديمة غير المحسومة بين البلدين مثل الخلاف الحدودي حول منطقة (بني شنقول)، وأيضا دعم المعارضة داخل أثيوبيا".

نصر الدين، أوضح في حديثه لـ"الاستقلال"، أن "إثيوبيا تجبر مصر والسودان على اتخاذ هذه المواقف حيث أنها تعنتت كثيرا"، لافتا إلى أن "الحكومة السابقة أفضل وأكثر عقلانية في التعاون والمفاوضات، وآبي أحمد أحاط نفسه بالمتعصبين القوميين من الأمهرة الذين قادوه لتبني سياسة معادية لبقية الأعراق الإثيوبية، ومعاداة السودان".

طرح الانسحاب 

ويعتقد أن "الموقف السوداني ينقسم إلى شق مدني، يرى ضرورة الانسحاب من المفاوضات وتحويل الملف للاتحاد الإفريقي والضغط على المجتمع الدولي للتدخل، أما الشق الثاني فهو عسكري، ويرى التنسيق مع مصر، والمزيد من التصعيد عبر اتفاقيات عسكرية وثنائية للضغط على إثيوبيا".

المحلل السوداني، يرى أن "انسحاب الدولتين من اتفاقية 2015، أقل رد على التعنت الإثيوبي"، ملمحا إلى أن "آبي أحمد، واقعيا انسحب من الاتفاقية التي تنص على الاستخدام العادل والمنصف، وقال إنه سيقيم تنمية وسيبني السد بدون اتفاق".

وأكد أن "آبي أحمد، خرق الاتفاقية مرة تلو الأخرى عندما حجز مياه الفيضان للملء الأول منتصف 2020، رغم أنه عند توقيع اتفاق واشنطن في فبراير/ شباط 2020، ادعى وجود أزمة داخلية وأنه يستعد للانتخابات، وأصابته كورونا، لاستمرار العمل وإنهاء السد، والآن هو يريد تنفيذ الملء الثاني، وهذا غير مقبول".

خطورة الموقف من أي قرار إثيوبي أحادي، عبر عنه نصر الدين، مذكرا بحدوث "فيضانات لم يشهد لها السودان مثيلا أغرقت مدنا وقرى وتسببت في دمار كبير عندما حجزت إثيوبيا مياه الفيضانات خلف السد في يونيو/ حزيران 2020، كون طريقة حجز المياه لم تتم بدون تنسيق".

وأوضح أن "الموضوع فجر غضبا سودانيا، ولذا الخرطوم ترتب نفسها لأنه إذا تم الانسحاب من اتفاقية 2015، وواصلت إثيوبيا الملء الثاني، فإن السودان لا يلغي اتفاقية 2015 فقط، بل اتفاقية 1902 أيضا، وسيحاول استعادة الأراضي المحتلة مثل (بني شنقول)، و(الحمراء)، و(المتمة)، التي أعطاها الضابط الإنجليزي روبرت هوين للحبشة".

وطالما طالب مصريون برد فعل مصري قوي إزاء التعنت الإثيوبي بينه إلغاء اتفاقية 2015، سيئة السمعة لديهم، والتي زعم الإعلام المصري حين توقيعها بأن "السيسي حلها"، واعتبر خبراء أنها قضت على حقوق مصر بمياه النيل، وألغت الاتفاقيات التاريخية السابقة في 1906، و1929 و1959، التي كانت تؤسس وترسخ لحقوق مصر والسودان التاريخية في المياه وأنه لم يعد لها قيمة الآن.

خيارات أخرى

لكن الخبير المصري في الشؤون الأفريقية الدكتور مصطفى الجمال، له رؤية أخرى بعيدة عن الانسحاب من الاتفاقية الإطارية، قائلا: "نحن أمام 3 شهور حاسمة، ولا مناص من إعلان الدولتين (مصر والسودان) فشل التفاوض، وتأكيدهما أنه لا مساومة مع إثيوبيا في ظل خطر وجودي للشعبين".

مدير مركز البحوث العربية والإفريقية"، قدم في حديثه لـ"الاستقلال"، عدة حلول جازما بضرورة "الإسراع بنقل الملف كاملا إلى مجلس الأمن الدولي، وعدم انتظار الاتحاد الإفريقي مع عدم سحب الملف منه".

وأشار الجمال، لخيارات أخرى عديدة ليس بينها الانسحاب من المفاوضات أو من الاتفاقية الإطارية، مشددا على "ضرورة التلويح علنا بعمل عسكري ضد السد الإثيوبي".

ممارسة الضغوط الدولية عبر أصدقاء مصر والسودان، دعا إليها أيضا الجمال متحدثا عن ضرورة "إجبار الصين ودول الخليج على اتخاذ موقف واضح، والتهديد بسحب مساعداتها لإثيوبيا"، مشيرا لأهمية "تحييد حكومة إريتريا"، القريبة من حكومة آبي أحمد.

من جانبه، أوضح الخبير بملف مياه النيل الدكتور عباس شراقي، أن "التوتر الحدودي بين السودان وإثيوبيا ساعد الخرطوم على أخذ موقف أكثر حسما بمشكلة سد النهضة، وإعلانه رفض فرض سياسة الأمر الواقع بعدما كان يقول إنه لن يفعل شيئا إذا تم الملء دون اتفاق".

أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أشار في حديثه لـ"الاستقلال" إلى أن "الموقف السوداني تغير منذ منتصف 2020، بعد حجز إثيوبيا 5 مليارات متر مكعب من المياه تسببت بتوقف محطات مياه شرب سودانية، وأعقبه فيضانات شديدة وانهيار سد بوط، وخسائر فادحة نبهت السودان لخطورة السد حال تشغيله بصورة منفردة".

وحول سيناريو الحلول المتوقع لفت شراقي، إلى نقل الملف لقيادة الاتحاد الإفريقى الجديدة (الكونغو الديمقراطية) في شباط/ فبراير 2021 ، مشيرا إلى أنه مع ذلك فإن "فرصة الحل هذه تظل ضعيفة نظرا لضعف الاتحاد الإفريقى كمنظمة إقليمية".

وجزم بأن الأمر "يتطلب موقفا موحدا لمصر والسودان بالعودة لمجلس الأمن الدولي، القادر على حل القضايا الدولية، وكذلك المطالبة بعدم اتخاذ أية إجراءات إنشائية من شأنها تخزين مياه أخرى قبل توقيع اتفاق عادل وملزم".