عبير موسى.. زعيمة الفلول هل تحقق مفاجأة في انتخابات تونس؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الله أحد الله أحد، بن علي ما كيفه حد" هتاف بالدارجة التونسية صاحت به عبير موسى الأمينة العامة المساعدة للحزب الحاكم "التجمع الدستوري الديمقراطي" في يناير/كانون الثاني2011، وهي تقود جمعا من سيدات الحزب، ويعني "بن علي ليس كمثله أحد".

هذا المشهد كمئات المشاهد من مظاهر التمجيد والتطبيل للدكتاتور، طبعت في ذاكرة التونسيين الذين كانوا ساعتها يلملمون جراحهم ويكفنون شهداء ثورتهم الذين سقطوا برصاص نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

8 سنوات بعد الثورة كانت كافية أن تعيد بطلة هذا المشهد إلى واجهة الحياة السياسية مرة أخرى، حيث تسجّل عبير موسى وحزبها الناشئ (الحزب الدستوري الحر) تقدّما في نتائج استطلاعات الرأي وحضورا على وسائل الإعلام التونسية، ما يثير التساؤلات عن سر هذا الصعود وهل سيحقق حزبها مفاجأة في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول المقبلة؟

خليفة المخلوع

لم يكن لعبير موسي ذلك الصيت الكبير في أوساط النظام القديم في تونس، فموسى تقلدت منصب الأمينة العامة المساعدة للتجمع الدستوري الديمقراطي المنحل في 12 يناير/كانون الثاني 2009، أي قبل عامين فقط من اندلاع ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول وفرار الرئيس بن علي.

ورغم توليها هذا المنصب المتقدم في الحزب الحاكم حينها، واصلت موسى ممارستها لمهنة المحاماة، وهو ما جعلها بعد الثورة تتصدّر هيئة الدفاع عن حزب بن علي في المحاكمة التي قضت بحلّه ومصادرة ممتلكاته، لتتحوّل موسى بعدها إلى أكثر شخصيّة سياسية تتباهى بالدفاع عن الرئيس المخلوع والنظام القديم.

التحقت موسى بحزب الحركة الدستورية الذي يقوده الوزير الأول (رئيس الحكومة) السابق حامد القروي، لكن هذه التجربة لم تحظ بقبول شعبي وفشلت في تجميع مناصري النظام القديم لتغادره، وتؤسس حزبا جديدا بدأ يسجّل حضورا في المشهد السياسي التونسي.

صعود قبيل الانتخابات

مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية في تونس في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019، كشفت نتائج سبر آراء لنوايا تصويت التونسيين فيها صعودا لعبير موسي وحزبها، ففي الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة سيغما كونساي ونشرته جريدة المغرب في 19 مارس/ آذار 2019، حلّ الحزب الدستوري الحرّ في المرتبة الخامسة بـ9.2 في المائة.

واحتلّت موسي المرتبة الرابعة في اتجاهات التصويت للانتخابات الرئاسية بـ7.1 في المائة خلف رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد، ورئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي، ومتقدّمة على رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي.

هذا الصعود قد يشكّل مفاجأة لدى عدد من المتابعين للوضع السياسي في تونس، ولكنّه يجد عند آخرين تبريرات واقعية خاصّة لما شهدته الساحة السياسية من حراك خلال السنوات القليلة الماضية.

أنقاض النداء

يبدو أنّ فشل تجربة حركة نداء تونس وتشتت قاعدته الانتخابية بين الأحزاب كان من أهم أسباب صعود أسهم عبير موسي وحزبها، فالحركة التي أسسها الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي قامت من أجل إحداث توازن في الحياة السياسية مع حركة النهضة التي سيطرت على المشهد منذ انتخابات 2011.

كان منسوب التنافس بين الحركتين (نداء تونس والنهضة) مرتفعا جدّا وصل إلى درجة العداء، ما ساهم في تصويت كلّ كارهي النهضة لصالح السبسي وحزبه.

إلاّ أن خيار التوافق والتشارك بين النهضة والنداء مؤخرا كان بمثابة الصدمة لعدد واسع من مناصري الأخير ما فاقم الانقسام داخلها، وهو ما أكده الصحفي والمحلل السياسي زياد كريشان في مقاله بصحيفة المغرب قائلا: "عندما نسأل الذين يعبرون عن نيتهم للتصويت للحزب الدستوري الحر في الانتخابات التشريعية المقبلة عن الحزب الذي صوتوا له في الانتخابات الماضية نكتشف أنّ خمس الذين صوتوا لنداء تونس في 2014 (%20.6) يقولون اليوم أنهم سيصوتون للحزب الدستوري الحر".

ويضيف كريشان "ما يمكن قوله هنا أننا أمام ظاهرة جديدة قوامها أن جزءا من القاعدة الانتخابية للنداء وللباجي قائد السبسي في انتخابات 2014 قد تحول الى عبير موسي وإلى حزبها باعتبارها الأكثر معارضة للإسلام السياسي مع حنين واضح للمرحلة النوفمبرية (فترة حكم بن علي) تحت شعار (البارح كنا خير)".

عدوّة الإسلاميين

لا تخفي عبير موسي عداءها المطلق لحركة النهضة المشاركة في الحكم منذ العام 2011، والتي كانت تعتبر أكبر الأحزاب المعارضة لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، حيث إن موسى تصف الحركة "بجناح التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين".

ولا تفوّت موسى فرصة إلا وتجدد دعوتها لحلّ حركة النهضة، واعدة التونسيين بإعادة "الخوانجية (الإخوان)" إلى المعتقلات، وهو الخطاب الذي قد يستهوي عددا من فلول النظام السابق في تونس.

لا تتوانى عبير موسي على التأكيد على اعتبارها نقيضا وجوديا للحالة السياسية التي تعيشها تونس بعد العام 2011، مطلقة سيلا من الاتهامات لمؤسسات الدولة والهيئات الدستورية والأحزاب السياسية القائمة محمّلة إياهم ما تصفه بـ "الفشل" على المستوى الاقتصادي والأمني.

سبق لموسى أن صرّحت خلال أحد الاجتماعات الشعبية بولاية الكاف شمال غرب تونس: "للحزب (الدستوري الحر) مشروع وطني يرمي أيضا إلى حماية الحقوق الأساسية، في مجالات الصحة والتعليم والأسرة والمرأة، باعتبارها خطوطا حمراء يجب عدم تجاوزها".

وأضافت أن حزبها "سيعمل على مكافحة الإرهاب وعلى وضع سياسة أمنية لحماية الحدود الوطنية، كما أنّه سيعمل على تعديل الدستور بهدف استرجاع هيبة الدولة والأمن القومي والاقتصادي والاجتماعي".

دستور جديد

تمكّن التونسيون بعد حوار وطني واسع من التوافق على دستور جديد للبلاد بعد الثورة نال ثقة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي ومهّد لتنظيم أول انتخابات رئاسية وتشريعية حرة وشفافة في تاريخ تونس، لكن هذا الدستور والنظام الذي أفرزه لم يرق لرئيسة الحزب الدستوري الحر التي أكّدت في أكثر من مناسبة أنّ الهدف الرئيسي من فوز حزبها في الانتخابات القادمة هو تغيير الدستور.

في 20 مارس/آذار 2018 كشفت موسى عن رغبتها في دستور جديد يعيد النظام الرئاسي للبلاد، وهو ما قوبل باستغراب من سياسيين وقانونيين، حيث لا يمكن تعديل الدستور الحالي إلا بغالبية ثلثي أعضاء مجلس النواب واستفتاء شعبي.

صحيفة "الحصري" الإلكترونية نقلت عن الأستاذ في القانون الدستوري جوهر بن مبارك قوله: "ما تدعو إليه عبير موسي لتغيير الدستور في حال فوزها لا يمكن أن يتحقق إلا بأحد أمرين: إما أغلبية برلمانية بما لا يقل عن 145 نائبا وهذا غير متاح، وإما أن يكون أول قرار تأخذه إعلان الأحكام العرفية وتعليق العمل بالدستور؛ وهذا لا  معنى له لأنه انقلاب بالمعنى الحقيقي للانقلاب".