"ستبدأ مجددا".. الإندبندنت: لهذا لم تحقق ثورات الربيع العربي أهدافها

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة "الإندبندنت" أن التطورات السياسية الأهم في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة تمثلت في ثورات "الربيع العربي" التي انطلقت عام 2011.

وقالت الصحيفة البريطانية - النسخة التركية، إنه بعد إشعال "محمد البوعزيزي" النار في نفسه (نهاية عام 2010)، بدأ الشعب التونسي، الذي أزعجه ما حدث "ثورة الياسمين".

وأضاف الكاتب "ألتان تان" في مقال له: "أدى التدخل العنيف لقوات الأمن إلى وفيات جديدة، الأمر الذي برر المظاهرات اللاحقة لتسفر عن وفيات جديدة، وقد وحد ما حدث الشعب والمعارضة من جميع الآراء، مؤذنا بنهاية صلاحية النظام لتنتشر بعدها (الثورات إلى العديد من البلدان".

خلفية الربيع العربي

ويعتبر "تان" أنه لا يمكن الادعاء بأن السبب الرئيس لبدء الربيع العربي كان اقتصاديا فقط. وعلى الرغم من صعوبة التمييز بين الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يمكن القول: إن العوامل السياسية (المطالبة بالكرامة والحرية) كانت هي المهيمنة.

وشرح ذلك بالقول: ففي بعض البلدان مثل تونس والأردن والبحرين وسوريا، بدأت المظاهرات من قبل مجموعات مستبعدة لأسباب اجتماعية أو طائفية أو عرقية أو إقليمية. لذلك يمكن تصنيف أسباب بداية الربيع العربي تحت عدة عناوين رئيسة:

وصول البطالة والفساد والرشوة ومشاكل المياه الصالحة للشرب والكهرباء والطرق والصحة والتعليم والتي ظهرت نتيجة تزايد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، إلى أبعاد مخيفة. 

تحول معظم الحكومات التي تتعاون مع الغرب في السلطة إلى ديكتاتوريات واختناق الشعب من الحكم القمعي.

معارضة الهياكل الإسلامية التي تم قمعها ومعاقبتها لأكثر من مائة عام، وميل الشعوب إلى المنظمات والأحزاب الإسلامية نتيجة عدم قدرة الحركات اليسارية الاشتراكية على حل المشاكل الاقتصادية.

رغبة بعض الغربيين الذين يؤمنون بالحاجة إلى هيكلة اجتماعية وثقافية وسياسية جديدة في الشرق الأوسط في التغيير.

وتابع: باختصار، هذه الثورات ليست اشتراكية أو ليبرالية أو إسلامية، بل ظهرت كحركات شعبية مناهضة للنظام. ولم يكن رواد هذه الثورات وقادتها من النخب والمثقفين بل كانوا أبطالا مثل "محمد البوعزيزي"، و"خالد سعيد" الذي تعرض للضرب حتى الموت على أيدي الشرطة المصرية في صيف 2010.

ونوه الكاتب إلى أن "ثورة الياسمين" التي بدأت في "تونس" تحولت إلى "الربيع العربي" بعد انتشارها في مصر واليمن وليبيا والبحرين وسوريا. وشوهت أنظمة الدول التي وقعت فيها الأحداث سمعة المتظاهرين من خلال وصفهم بـ "عملاء القوات الأجنبية" و"الإرهابيين".

وعندما وصلت الأحداث إلى نقطة لا يمكن السيطرة عليها، اضطر "زين العابدين بن علي" إلى الفرار للخارج، في وقت سجن "حسني مبارك" وقتل "معمر القذافي". 

أسباب الفشل

ويضيف الكاتب التركي: "فاز محمد مرسي، أحد أنصار الإخوان المسلمين، في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مصر، ووصلت حركة النهضة الإسلامية إلى السلطة في تونس".

وعندما لم يكن الجيش قادرا على قمع الحراك في البحرين، تدخلت السعودية عسكريا، فيما تحولت الثورة في سوريا إلى حرب أهلية، وفق الكاتب.

وتابع: "برز الدعم الأكثر تنظيما وشعبية في كل هذه الدول تقريبا للمعارضة الإسلامية، فيما بقيت المعارضة اليسارية الاشتراكية والعلمانية والليبرالية في الخلفية".

 لكن "المعارضة الإسلامية" في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن كانت تزداد قوة عما كان متوقعا، الأمر الذي أثار قلق ممالك الخليج والدول الغربية والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

وبدأت بعض القوى الغربية، التي دعمت التغيير في الشرق الأوسط في البداية، في سحب دعمها مع تحول التطورات من المحور النيوليبرالي الموالي للغرب إلى الحكومات الإسلامية المعادية للغرب والمناهضة لإسرائيل.

وأوضح الكاتب: "شوهدت أولى بوادر ذلك في سوريا وليبيا، بينما تمت الإطاحة بحكومة شرعية جاءت إلى السلطة عن طريق التصويت الشعبي بانقلاب عسكري مدعوم من الولايات المتحدة والسعودية في مصر، ليتحول الربيع العربي، الذي بدأ بآمال كبيرة، إلى شتاء إسلامي".

ووفقا لـ"تان" فإن كل من القطاعات والدوائر المختلفة لديها تفسيراتها الخاصة للتحول الدراماتيكي للربيع العربي إلى "شتاء" في جميع البلدان العربية والإسلامية. لكن من الضروري القيام بتحليل شامل وموضوعي للتوصل إلى نتيجة: 

خوف القوى الغربية من الحركات الإسلامية الموجودة في السلطة (مصر، تونس، تركيا..) أو المحتمل قدومها إلى السلطة (سوريا وليبيا والبحرين واليمن...) وتطبيقاتها المعادية للسياسات الغربية ولإسرائيل.

عدم امتلاك الأحزاب والمجتمعات الإسلامية في جميع هذه البلدان تقريبا (باستثناء تركيا) المعرفة والخبرة الكافية فيما يتعلق بالبيروقراطية وإدارة الدولة. 

نقص جاد في الاستعدادات والكوادر اللازمين لحل مشاكل البطالة والاقتصاد والاستثمار والصناعة والتجارة والإسكان والصحة والتعليم، والتي يتوقعها الناس ويطالبون بها.

تورط بعض الكوادر في العلاقات الفاسدة للحكومات القديمة مثل الفساد والرشوة وعدم قدرتهم على التصدي لها.

عدم الكفاءة في فهم العالم والسياسة الخارجية واتخاذ موقف مضاد للولايات المتحدة والدول الغربية وإسرائيل فور الوصول إلى السلطة وتشكيل تهديد لمصالح هذه الدول الاقتصادية والسياسية.

عدم قدرتهم على مشاركة السلطة مع المعارضين العلمانيين والليبراليين واليساريين الذين عملوا مع الإسلاميين ضد النظام القديم باستثناء حركة النهضة التونسية بقيادة راشد الغنوشي؛ فلم يختر حزب النهضة الشعارات الإسلامية أثناء الثورات، بل اختار الشعارات التي يمكن أن يتفق عليها جميع شرائح المجتمع، بدعوته إلى الحرية والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الظلم والفساد.

عدم وضوح واتفاق الحركات الإسلامية في البلدان التي وصلوا فيها إلى السلطة، حول كيفية التعامل مع غير المسلمين والدوائر العلمانية غير التابعة لها. فقد أدى حظر أماكن الشرب (الكحول) والشواطئ وبعض الممارسات المتعلقة بالمسيحيين إلى ردود أفعال.

التحالف الثلاثي

ويلفت "تان" إلى أن غالبية مؤيدي الإخوان المسلمين تتكون من الطبقة الوسطى. لذلك وخوفا من أن يكون للربيع العربي تأثير الدومينو ويتم تصفية جميع الممالك في الخليج، أيدت الممالك الخليجية الفهم السلفي الذي لا يتبناه مسلمو الطبقة الوسطى من أجل إعاقة جماعة الإخوان المسلمين.

وهكذا حصل حزب النور السلفي في مصر والذي تأسس بدعم مالي كبير من السعوديين، على 25 في المائة من الأصوات في الانتخابات وأصبح منافسا قويا للإخوان. 

ونظمت التنظيمات السلفية هجمات بالقنابل على منشآت سياحية في مصر وتونس واستهدفت غير المسلمين، مما أثر بشكل سيء على صورة الحركات الإسلامية، خاصة في مصر وتونس وسوريا، بحسب الكاتب التركي.

وأضاف: "لم تتمكن القوى الإسلامية في تونس ومصر من الحفاظ على مسافة واضحة ودقيقة من السلفيين. واتهم السلفيون، حكام الإخوان بالتعاون مع الدول الغربية والدوائر العلمانية في الداخل والانحراف عن الإسلام".

وأوضح أن الإخوان يمثلون "الإسلام المعتدل" الذي يريده الغرب، لكن ما يثير الاهتمام أن المملكة العربية السعودية كانت أول من ساند الانقلاب العسكري المدعوم من الولايات المتحدة ضد الإخوان في مصر، وهي القوة التي تقف وراء السلفيين الذين اتهموا الإخوان بأنهم موالون للغرب.

وهكذا وفي اليوم التالي للانقلاب، وعدت الإدارة السعودية بتقديم ست مليارات من الدولار لدعم مصر. وادعى رئيس حزب النور المصري السلفي وقتها "ياسر برهامي"، أن معارضة رئيس النظام المصري الحالي عبدالفتاح السيسي لا تجوز وفق الشريعة الإسلامية. 

فيما "كان المحافظون الجدد والحكام الصهاينة لإسرائيل ضد الإسلام المعتدل وسياسة التغيير النيوليبرالية في الشرق الأوسط منذ البداية، وفقا للكاتب.

وشرح ذلك قائلا: فبالنسبة لهم، فإن أي قوة إقليمية في الشرق الأوسط، بغض النظر عن دينها أو لغتها أو طائفتها، ليست سوى تهديد لإسرائيل. ولا يمكن تقسيم الإسلام إلى "راديكالي" و"معتدل". لهذا، يجب دعم أسلوب الإدارة القديم المتمثل في معادلة "فرق-تسد". 

واتبع "السعوديون والمحافظون الجدد والصهاينة" إستراتيجية مشتركة من خلال الاتحاد ضد "الربيع العربي" بشكل خاص وضد التغيير في الشرق الأوسط بشكل عام للأسباب المذكورة أعلاه.

وأردف الكاتب: "حوّل التحالف السعودي-الصهيوني-المحافظون الجدد الربيع إلى شتاء عربي، وبدأت الأنظمة الحالية في اتخاذ الاحتياطات والإجراءات لمنع هياكل المعارضة المختلفة في بلدانهم من التجمع والتوحد، خاصة أن الملكيات العربية تكيفت مع الوضع الجديد في وقت قصير وعادت إلى الأساليب التي أبقت أنظمتها على قيد الحياة لسنوات".

وتماشيا مع مطالب المتظاهرين، أقالوا الوزراء أو الحكومات التي اتهموها، وتعهدوا بالإصلاح الدستوري، كما دعموا المنتجات الغذائية الأساسية والطاقة، وتم خلق فرص عمل جديدة للشباب والعاطلين عن العمل، ووعدوا بالسماح للمرأة بالمشاركة في الانتخابات المحلية وتعيينها في مجلس الشورى كجزء من الجهود الإصلاحية".

واختتم "تان" مقاله بالقول إن "الإسلام المعتدل والربيع العربي وعد "شعوب الشرق الأوسط" بأمرين يتماشيان مع السياسات الليبرالية الجديدة: الديمقراطية والازدهار! لكن أيا منهما لم يتحقق، ولم يبق سوى المزيد من الفقر والبؤس، في ظل ديكتاتوريات وحروب أهلية وحشية أكثر من ذي قبل".

وأشار قائلا: ربما سيكون أكثر دقة أن نصف فشل الربيع العربي بأنه "غير ناجح في الوقت الحالي" بدلا من الحكم عليه بأنه فشل قطعا، فانحلال الأنظمة في الشرق الأوسط وصراعها مع شعوبها أصبح أسوأ من ذي قبل. 

وتابع: "جرى قمع التمرد بدعم من الغرب في الوقت الحالي، لكن لم يتم حل أي من المشاكل التي تسببت في هذه الثورات أيضا. إن مطالب شعوب الشرق الأوسط بالتغيير وإعادة الهيكلة مستمرة، والتغيير حتمي، لقد تم تأجيلها الآن بالقوة ولفترة قصيرة فقط، لكن عاجلا أم آجلا ستبدأ (الثورات) مرة أخرى".