"لسنا الإمارات".. لماذا يصر المغرب على أنه استثناء حتى في التطبيع؟

سلمان الراشدي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ إعلان الرئيس الأميركي "دونالد ترامب"، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، عن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، تصر الرباط على أن ما أقدمت عليه يختلف عن مسار الإمارات والبحرين، لاعتبارات تراها المملكة أنها "استثناء".

جدد المغرب تأكيده على ذلك، خلال توقيع اتفاق التطبيع مع الوفد الإسرائيلي برعاية أميركية، في القصر الملكي بالعاصمة الرباط، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020.

هذه "الاستثناءات" يلخصها الخطاب الرسمي في أن "خطوته الصادمة" ليست تطبيعا، وإنما استئناف لعلاقات رسمية تم تجميدها عام 2002، وأنه وقع على "إعلان ثلاثي" وليس "اتفاقا" ضمن مسار "معاهدة اتفاق إبراهيم للسلام".

وأمام هذا الجدل المتداخل الذي تلتقي كل تفاصيله المتشعبة في نقطة واحدة هي "وضع اليد مع إسرائيل"، يُطرح سؤال مستفز، لماذا يصر المغرب على أنه "استثناء" حتى في التطبيع؟.

مسار خاص

في حديث مع "الاستقلال"، قال الباحث في العلوم السياسية أمين الإدريسي: إن "المغرب يحاول أن يضع مسافة فاصلة بين تطبيع الإمارات والبحرين، خاصة أن النظام المغربي ليس له موقف مبدئي ضد التطبيع، والدليل أنه بدأت الآن تنكشف، أن علاقته ظلت مستمرة مع إسرائيل حتى بعد إغلاق مكتب اتصالها في الرباط عام 2002".

وشدد على أن "تطورات المنطقة آنذاك، وخاصة بعد الانتفاضة الثانية، وتنكيل إسرائيل بالفلسطينيين بطريقة أصبحت تشكل حرجا أخلاقيا على دول عربية (منها المغرب)، كانت تقيم علاقات دبلوماسية مع "تل أبيب"، هي التي دفعته لإغلاق مكتب الاتصال، ما يؤكد أن "المغرب" لم يكن له موقف رافض للتطبيع على عكس بعض الدول".

ولفت الإدريسي إلى أن "المغرب في تطبيعه، لم يدخل في اتفاقات إبراهيم، بل خط مسارا خاصا به، والخطاب الرسمي كان يركز بدرجة كبيرة على ما يسمى باليهود المغاربة في إسرائيل، ويعتبر أن هذه العلاقة لها خصوصيات تاريخية، من بينها أن هدفه من هذه الخطوة، هي صلة الرحم مع الجالية اليهودية المغربية".

وسُمّيت اتفاقيتا التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل رسميا باسم "معاهدة اتفاق إبراهيم للسلام"، وهما الاتفاقان اللذان رعتهما الولايات المتحدة وأعلنت عنهما في 11 سبتمبر/أيلول 2020.

من جهتها، قالت صحيفة "هآرتس" العبرية: "المغرب أخبر إسرائيل في الأيام الأخيرة، بأنه لا ينوي التوقيع على اتفاق "تطبيع العلاقات" كما فعلت الإمارات والبحرين مع إسرائيل".

وأضافت "الصحيفة" في مقال نشرته في 21 ديسمبر/كانون الأول 2020: أن "الرباط لا تعتبر موافقتها على تطبيع العلاقات مع إسرائيل برعاية أميركية، جزءا من اتفاقات إبراهيم التي وقعت عليها من قبل الإمارات والبحرين".

وأشارت إلى أن "المغرب يفسر رفضه لتوقيع اتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على أنه بالفعل أقام علاقات دبلوماسية علنية مع تل أبيب في الماضي".

يشار أن المغرب بدأ عام 1993، علاقات مع إسرائيل على مستوى منخفض بفتح مكتب اتصال، بعد توقيع اتفاقية "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وتل أبيب، لكن الرباط جمدت تلك العلاقات عام 2002، في أعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى).

تطبيع بالمقابل

وعن أسباب تهرب المملكة من إقحامها في قطار المطبعين الجدد (أبوظبي والمنامة والخرطوم)، أكد الإدريسي أن "المغرب رفض أن يستأنف علاقته مع إسرائيل عن طريق الإمارات، وكأنه يريد أن يقول: إن الطريق إلى إسرائيل نحن أسبق منكم (للمطبعين الجدد) لها، وبالتالي أراد أن يستأنف التطبيع بلمسة مغربية".

وأشار إلى أن "المغرب لم يرد أن يكون تطبيعه مجانيا، أي مقابل السلام كما قالت الإمارات والبحرين، بل كان مشروطا، ورغم محاولة المغرب نفي الربط بين إعلان ترامب بمغربية الصحراء واستئناف العلاقات مع إسرائيل، لكن لا يمكن لأي متابع أو باحث أن ينطلي عليه هذا التبرير".

ولفت الإدريسي إلى أن "هناك خطين حول التطبيع، الأول أميركي إسرائيلي يدفع العلاقات في اتجاه فتح سفارة وقنصلية، والثاني حدده المغرب في 3 مستويات، فتح الرحلات الجوية، وعودة مكاتب الاتصال، والاتفاقات الاقتصادية".

وتابع: "وبالتالي المغرب يتحرك بحذر، كما لو أنه يقول: لن أتقدم خطوة في التطبيع إلا إذا تقدمتم خطوة في الاتجاه المعاكس، أي أميركا واعترافها بالصحراء، من خلال فتحها قنصلية في مدينة الداخلة (بإقليم الصحراء)، والعمل على تنزيل مقتضيات هذا الاتفاق عمليا، كما لو أن هذا التطبيع مشروط بتقدم أميركا خطوات في اتجاه الدفاع عن مغربية الصحراء".

الخطوات التي تحدث عنها المحلل الإدريسي، أكدها وزير الخارجية المغربي "ناصر بوريطة"، في مؤتمر صحفي عقب توقيع الاتفاق بين الأطراف الثلاثة، حيث وقعه عن المملكة رئيس الحكومة "سعد الدين العثماني"، وعن أميركا مستشار ترامب "جاريد كوشنر"، وعن إسرائيل مستشار أمنها القومي "مئير بن شبات".

وأوضح "بوريطة" أن "الاتفاق يتضمن التزامات كل من الرباط وواشنطن وتل أبيب، تتعلق باعتراف أميركا بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، وفتح مكتبي اتصال بين إسرائيل والمغرب في كل من الرباط وتل أبيب، وذلك تنفيذا لعناصر المكالمة بين الملك محمد السادس وترامب في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020".

وأكد "بوريطة" أن "فتح مكتبي الاتصال سيتم خلال الأسبوعين المقبلين، فيما سيتم الاتفاق على تعاون في قطاعات اقتصادية متعددة".

شكليات الإعلان

وعقب هبوط طائرة الوفد الإسرائيلي الأميركي بمطار الرباط، في رحلة مباشرة هي الأولى من نوعها، التي تربط تل أبيب بالمملكة في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020، بدا الاستقبال الذي خصصه المغرب للوفد في المطار عاديا، خاصة مع غياب الوزراء أو مسؤولي الدولة الكبار، لكنه حظي بحفاوة كبيرة في القصر الملكي، خلال توقيع "الإعلان الثلاثي".

وعلى هامش الإعلان، تم توقيع "4 اتفاقيات" تتعلق بمذكرات تفاهم، تهم مجالات الاقتصاد والتجارة والسياحة، وتتعلق الأولى بـ"الإعفاء من إجراءات التأشيرة بالنسبة لحاملي الجوازات الدبلوماسية وجوازات الخدمة"، والثانية، بمذكرة تفاهم في مجال الطيران المدني.

أما الاتفاقية الثالثة حول "الابتكار وتطوير الموارد المائية"، والرابعة بشأن إنعاش العلاقات الاقتصادية بين البلدين من خلال التجارة والاستثمار، بالإضافة إلى التفاوض حول اتفاقيات أخرى تؤطر هذه العلاقات، بحسب بيان لوزارة الخارجية المغربية.

وفي تعليق على إصرار المغرب على تسمية الاتفاق بـ"الإعلان"، قال الباحث الحقوقي عزيز إدامين: "الإعلانات وفق القانون الدولي، ولا سيما اتفاقية فيينا لسنة 1969، فهي لا ترقى لمستوى اتفاقية، بقدر ما هي إعلان نوايا، ووثيقة ذات طبيعة إلزامية من الناحية المعنوية فقط".

وأوضح في تدوينة عبر "فيسبوك" أن "لكل طرف أن يلتزم وفق ما هو مستطاع منه، ولا يمكن المحاججة به أمام المحاكم الدولية والوطنية، ولا يخلق أي أثر قانوني دولي أو إقليمي أو وطني".

وأشار إلى أن "توقيع الأطراف الثلاثة على الإعلان، يعني الالتزام الثلاثي على المحاور المتفق عليها، أي أن تلتزم واشنطن بالاعتراف بمغربية الصحراء، ويلتزم المغرب وإسرائيل بتنفيذ الاتفاقات والمذكرات التفاهمية الموقع عليها، رغم أن الاتفاقيات الاقتصادية التجارية بين المغرب وإسرائيل، إلا أن جوهرها وكنهها، ثلاثية الأطراف وليست ثنائية".

وأكد "إدامين" أنه "إذا تخلى طرف من الأطراف على أحد المحاور، يقابله سقوط التزامات باقي الأطراف الأخرى، وهذا نوع من التحصين القبلي للإعلان الرئاسي لترامب بخصوص مغربية الصحراء أمام إدارة جو بايدن المقبلة، وهذه الأخيرة من الصعوبة -إذا لم نقل من المستحيل- أن تقوم بمبادرات تضر إسرائيل".

وشدد على أن "الإعلان لا يرقى إلى مستوى اتفاقية، وبالتالي تأكيد المغرب أنه ليس جزءا من اتفاقية إبراهيم كما تسوّق بذلك إسرائيل، وإنما علاقة اقتصادية وتجارية على مستوى مكاتب الاتصال بين البلدين، واستئناف كامل العلاقات الرسمية والدبلوماسية في هذا الإطار".

بدوره، ختم الإدريسي تصريحه لـ"الاستقلال" بالقول: "الرباط وقّعت إعلانا مشتركا وليس اتفاقية، وتم ذلك في الأراضي المغربية، وليس واشنطن مثل حالة الإمارات والبحرين، كما أن التوقيعات اقتصرت على الهرم الثاني في هيكلة الدولة، بغياب ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو".