اتفاقيات مجابهة الهجرة مع تونس.. لماذا تتعمد إيطاليا حجب تفاصيلها؟

قسم الترجمة - الاستقلال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

انتقدت صحيفة إيطالية "الافتقار الخطير للشفافية الذي يميز إدارة تدفقات الهجرة بين روما وتونس"، في إشارة إلى تضارب المعلومات وشحها حول محتوى اتفاقية موقعة في أغسطس/آب 2020 تهدف إلى مجابهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بين البلدين. 

وقالت صحيفة "نيغريسيا": إنه بعد زيارة وفد إيطالي إلى تونس في 17 من أغسطس/آب، تناقلت وسائل الإعلام خبر توقيع اتفاقية تلزم روما بتحويل 11 مليون يورو للمساعدة في مناهضة ظاهرة الهجرة غير الشرعية. 

إلا أن وزارتي الداخلية والخارجية الإيطالية أعلنتا مؤخرا بعد طلبات للاطلاع عن محتوى هذه الاتفاقية تلقتها من جمعية الدراسات القانونية حول الهجرة، أنه لا يوجد أي اتفاق. 

بينما على الجانب التونسي، نشرت السلطات جدولا يوضح التبرعات دون تحديد الجهة المانحة مما يدل على الافتقار الخطير للشفافية الذي يميز إدارة تدفقات الهجرة بين البلدين. 

أشارت الصحيفة إلى أن موضوع هجرة التونسيين إلى إيطاليا عاد إلى إثارة النقاش العام في الأشهر الأخيرة. ومنذ الربيع الماضي، ظهرت مسائل عديدة ذات صلة، مثل توقف رحلات الترحيل بسبب وباء كورونا، زيادة الوافدين، نقص في الاستقبال وأيضا قضية الإرهاب. 

ويمكن أن تساعد ملاحظة كيفية معالجة الحكومات لهذه القضايا على فهم مدى تعقيد ظاهرة الهجرة التونسية وإدارتها في أوروبا، وفق الصحيفة.

ومنذ يوليو/تموز 2020، سافر ممثلون عن الحكومة الإيطالية، بدعم من المفوضية الأوروبية، مرارا وتكرارا إلى تونس للقاء نظرائهم. 

وأفادت وسائل الإعلام في البلدين عن التوصل إلى اتفاق في 17 أغسطس/آب بعد زيارة وزيري الخارجية والداخلية الإيطاليين برفقة المفوضين الأوروبيين إيلفا يوهانسون وأوليفر فاريلي. 

وبحسب التسريبات، ستخصص الحكومة الإيطالية 11 مليون يورو لتزويد تونس برادار وصيانة زوارق الدوريات وبرامج تدريب خفر السواحل بالإضافة إلى توفير نظام معلوماتي للمراقبة البحرية. 

عدد رحلات الترحيل

من جهتها، شددت وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشيانا لامورجيزي على أهمية الاتفاق الذي تم التوصل إليه في زيادة عدد رحلات ترحيل التونسيين غير النظاميين. 

وذكرت على وجه الخصوص، الحصول من الحكومة التونسية على "رحلات جوية إضافية سمحت لنا بالمضي قدما بشكل أسرع في عمليات الترحيل الضرورية لمن لا يملك مستندات".

ولفتت "نيغريسيا" إلى أن الضجة الإعلامية التي أثارتها  هذه الاتفاقية المعلنة دفعت كلا من جمعية الدراسات القانونية حول الهجرة والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وجمعية محامون بلا حدود، إلى إرسال طلبات إلى الجهات المعنية من أجل الاطلاع على محتواها.

وصفت الصحيفة الردود التي حصلت عليها هذه المنظمات بالمتضاربة تماما. إذ ذكرت وزارتا الداخلية والخارجية الإيطالية أنه لم يتم التوقيع على أي اتفاق وأن "التقييمات اللازمة لا تزال جارية بشأن المبادرات المحتملة التي سيتم تمويلها".

لكن، أرسلت وزارة الداخلية التونسية إلى هذه المنظمات جدولا يوضح التبرعات بإجمالي حوالي 10 ملايين يورو لشراء رادار وسفن عالية السرعة، مركبات وسيارات وصيانة القوارب، إضافة إلى قاربين سريعين طولهما 12 مترا، دون تحديد الجهة المانحة والسنة المرجعية.

وترى الصحيفة أنه يجب تحليل مبررات هذه الردود في ضوء الطلبات المتواصلة للحصول على المعلومات من قبل المنظمات المعنية. ومن "الممكن التشكيك في مبررات الحكومتين واقتراح بعض الفرضيات بحذر". 

وتابعت أن من الضروري التساؤل عن سبب نشر الصحافة لأخبار مفصلة للغاية حول محتوى الاتفاقية الموقعة خلال اجتماع 17 أغسطس/آب، لتقوم الوزارات الإيطالية بنفيها بشكل قاطع.

وأوضحت أن الحكومة الإيطالية تبدو حذرة للغاية في توفير المعلومات، خاصة فيما يتعلق بالالتزامات الاقتصادية المهمة. 

في المقابل، يبدو أن الحكومة التونسية تريد التأكيد على أنها تتصرف من أجل الحصول على تعويضات كبيرة. كما يلف الغموض أيضا الاتفاق الذي أكدته وزيرة الداخلية، أمام المؤسسات الإيطالية، في زيادة رحلات ترحيل المهاجرين. 

ويبرز هذا الوضع النقص الخطير في الشفافية الذي يميز إدارة تدفقات الهجرة بين البلدين، وفق الصحيفة.

الاتفاقيات السابقة

وقعت إيطاليا وتونس العديد من الاتفاقيات لإدارة مشتركة لظاهرة الهجرة ومراقبة الحدود وترحيل مواطني البلدين في ظروف غير قانونية وذلك في عام 1998، وأيضا في عام 2009، ومرة ​​أخرى في عامي 2011 و2017.   

بعض هذه الاتفاقيات لم يتم نشرها، ولا يزال مضمون اتفاقية 2009 غير معروف، في حين تم الحصول على اتفاقية 2017 من خلال النفاذ المدني إلى المعلومة. 

ولفتت "نيغريسيا" إلى أن اتفاقية الترحيل من بين الاتفاقيات القليلة التي سيتم تفعيلها، وتشكل رحلات ترحيل التونسيين نسبة كبيرة من إجمالي عمليات طرد المواطنين الأجانب المقيمين بشكل غير قانوني على التراب الإيطالي. 

علاوة على ذلك، كان يُنظر إلى الهجرة من تونس لعدة سنوات على أنها بغرض "اقتصادي"، وعموما، يُعتقد أن المواطنين التونسيين ليس لديهم الرغبة أو الحاجة لطلب الحماية الدولية. 

وبحسب الصحيفة، هذه الفكرة، على الرغم من التقارير المختلفة التي تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، متجذرة بعمق وأثرت بشدة على إجراءات وسياسات إدارة الهجرة من تونس، وآخرها قرار إدراج البلد في قائمة "البلدان الآمنة الأصلية" .

نوهت أيضا بأن تونس تحتل أيضا أهمية إستراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وهو ما أكده حضور نائب رئيس المفوضية الأوروبية مارغاريتيس سكيناس والمفوضة يوهانسون في اجتماع 17 أغسطس/آب. 

كما تحظى تونس أيضا بمكانة أساسية في إدارة المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الإفريقية والوافدين إلى البلاد برا من ليبيا والذين يُخشى أن ينطلقوا من هناك إلى أوروبا.

وأكد هذا الاهتمام، "برنامج الدعم المتكامل في إدارة الحدود للمغرب العربي" الذي تموله المفوضية من خلال صندوق الطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي المخصص لإفريقيا، والذي تم فيه تخصيص أكثر من 20 مليون يورو لتوريد المعدات وتكوين قوات خفر السواحل التونسية.

وأضافت الصحيفة أن المفوضية قدمت، في عام 2018، اقتراحا لإنشاء منصة هبوط إقليمية على الأراضي التونسية، وهي آلية كانت ستسمح باستقبال المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في المياه الدولية خارج الاتحاد الأوروبي وبدء إجراءات لمنحهم اللجوء. 

وعلى الرغم من أن تونس رفضت هذا الاقتراح تماما، فإن الالتزام المتزايد لوكالات الأمم المتحدة (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة) على أراضيها يبدو أنه يعمل في إطار هذا الهدف.

وفي ضوء الأحداث التي وقعت في الأشهر الأخيرة، من المنطقي توقع إعادة إطلاق المقترحات التي قدمتها إيطاليا والاتحاد الأوروبي. وفي هذا الصدد، تأتي زيارة الوزيرة لامورجيزي إلى تونس مرة أخرى في الأسابيع المقبلة برفقة المفوضة يوهانسون، وفق الصحيفة.

وأكدت الصحيفة أن اتفاقيات ترحيل المهاجرين ومكافحة الهجرة غير النظامية لها تأثير عميق على حياة المواطنين التونسيين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط ​​إلى إيطاليا. 

وبما أن هذه الاتفاقيات لها انعكاسات على الحقوق الأساسية، من الضروري أن تمر عبر عملية التفويض البرلماني والمصادقة عليها من قبل رئيس الدولة، وهي خطوات أساسية لضمان الديمقراطية والشفافية في تصرفات الحكومة.  وتقول الصحيفة: إنه "يجب أيضا نشرها حتى يتمكن المجتمع المدني من فهم مداها وتقييم شرعيتها".