في عهد الحوثي.. علماء اليمن يبيعون "القات" ويحملون الطوب

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن يعلم الأكاديميون والأساتذة الجامعيون الذين أفنوا عمرا طويلا في مسيرتهم العلمية، أن الحال سيؤول بهم إلى أن يعملوا بالأشغال والمهن الشاقة، من أجل تأمين لقمة العيش، فخمس سنوات من انقلاب الحوثي على الدولة كانت كفيلة بسحق المجتمع اليمني اقتصاديا وتغيير معالمه.

منذ سيطر الحوثيون على مؤسسات الدولة، أفرغوا البنك المركزي من الاحتياطي النقدي الذي يتعدى خمسة مليارات دولار، وسيطروا على موارد الدولة، والاستيلاء على العائدات المالية كالجمارك والضرائب، وفي المقابل امتنعوا عن دفع المرتبات لموظفي الدولة في المدن الخاضعة لسيطرتهم منذ سبتمبر/أيلول 2016، ما تسبب بحرمان نحو مليون موظف، هم قوام الجهاز الإداري للدولة، من مرتباتهم، وبالتالي حرمان ستة ملايين فرد من أسرهم من الحق في حياة كريمة في حدودها الدنيا.

أشغال شاقة

كان الأكاديميون وأساتذة الجامعات، أحد ضحايا ذلك التجويع، فبعد انقطاع مرتباتهم عمد بعضهم إلى بيع مدخراته ومقتنياته، ولجأ بعضهم لبيع سيارته، ثم ما تمتلكه أسرته من ذهب ومجوهرات، لكن في ظل استمرار انقطاع المرتبات، لم تكن تلك المقتنيات قادرة على الإيفاء بالالتزامات والمتطلبات المستمرة ، ما دفع بعضهم للبحث عن أعمال لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية.

وبحسب تحقيق لشبكة "زدني" التعليمية، فإن "ما حصل في اليمن في الآونة الأخيرة، جعل عددا كبيرا من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اليمنية الحكومية يقبلون بأعمال لا تتناسب مع مكانتهم العلمية والاجتماعية لتأمين لقمة العيش في ظل وضع اقتصادي صعب، كان له أثر سلبي على جميع القطاعات والشرائح المجتمعية، وبدأت تتكشف بعض الحقائق المريرة التي وصل إليها عدد من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اليمنية".

"اضطر الدكتور جميل عون، أستاذ الفلسفة بجامعة صنعاء، أن يعمل بأحد مصانع الطوب بأجر يومي، بينما لجأ الدكتور عبد النور عبد الخالق أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الحديدة (غرب اليمن) إلى العمل في أحد مخابز المدينة بالأجر اليومي، بعد انقطاع المرتبات عن الموظفين منذ منتصف العام 2016"، وفقا للشبكة.

رأسا على عقب

وقال الدكتور عون مبررا إقدامه على ذلك العمل: نحن موظفون، ونعتمد بشكل أساسي على الراتب الحكومي، وبعد أشهر من انعدام الدخل، استنفدنا كل الحلول، واستخدمنا مدّخراتنا، ووصل الأمر إلى بيع المجوهرات الخاصة بزوجاتنا. وكان الدكتور عون، قد ترك التدريس وانصرف للعمل في معمل للطوب المحلي، غير أن المعمل شهد ركودا كبيرا، متأثر بحالة الركود الاقتصادي في البلد، فخسر عمله في معمل الطوب أيضا.

ولئن كان الدكتور عون، قد خسر عمله كعامل في معمل للطوب، إلا أن زميله الدكتور عبد النور الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة مع مرتبه الشرف، تمكن من مواصلة العمل، لكن ليس في الجامعة، بل في أحد مخابز العاصمة صنعاء.

وكان وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان، قد خاطب الحوثيين معلقا على المهنة التي اضطر للعمل فيها الدكتور عبدالنور بقوله: "انقلابكم قلَبَ البلاد رأسا على عَقِب، العبقري مع مرتبة الشرف أصبح عجّانا في مخبز، والجاهل القاتل أصبح مشْرفا في جامعة، شعبٌ بلا رواتب، وهذه هي النتيجة"، ومع كل التقدير للمهنة، إلا أنها لا تتناسب مع ما سعى الدكتور عبد النور لتحقيقه في سياق أكاديمي علمي.

أكاديمي خبّاز

ليس الدكتور عبد النور الوحيد الذي يعمل في المخبز، فلديه زميل آخر اتجه للعمل في مخبز آخر، فقد دفعت الظروف الاقتصادية المتدهورة في البلاد، أكاديميا بارزا في أكاديمية الشرطة، إلى العمل في أحد المخابز، والتخلي عن عمله في أكاديمية الشرطة.

 ونقل "الموقع بوست" أن الدكتور عبد اللطيف العُسالي أستاذ علم الاجتماع وعلم النفس الجنائي بأكاديمية الشرطة، تخلى عن عمله في الأكاديمية ليلتحق للعمل بأحد المخابز بعد تدهور الوضع الاقتصادي وانقطاع الرواتب لأكثر من سنة. وأضاف الموقع، أن العُسالي صرح بأنه مجبر على توفير متطلبات أسرته وبيته وأولاده.

تجدر الإشارة إلى أن الدكتور العسالي، تخرّج على يديه مئات الضباط العسكريين، وكان كثير الظهور في برامج حوارية على قنوات تلفزيونية محلية، كأستاذ جامعي في علم الاجتماع ومتخصص في علم النفس الجنائي، قبل سيطرة الحوثيين على مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.

بيع القات

لم تقتصر الأعمال الذي امتهنها الأكاديميون على الأشغال الشاقة، فمهنة بيع  القات كانت إحدى المهن التي اتجه لها أستاذ علم الاجتماع والانثروبولوجي في جامعة صنعاء، الدكتور عبد الله الحكيمي، الذي أعلن توجهه لبيع القات بعد أن انقطع المرتب وضاقت به السبل، بمعية صديق له كان يعمل في هندسة النفط، خسر عمله أيضا خلال تلك الفترة.

وكان الدكتور الحكيمي قد كتب رسالة على صفحته في الفيس بوك خاطب فيها طلابه قائلا: "ثقوا أن مهنة بيع القات في الأسواق العامة، وإن كانت مستهجنة إلا أنها لا تنقص مني ومنكم مطلقا". وأضاف: "فأنا أجدها أشرف من مد اليد، أو غسلها بدماء الغير، فيدي لن تكون إلا طاهرة كما عرفتموها دائما، وعليكم أن تتذكروا جميعا ودوما بأني كنت أرفض احتساء كوب من الشاي على حساب أحدكم".

واعتذر الحكيمي عن إقدامه على هذا العمل بقوله: "لا أجد من هو أحق بالاعتذار والانحناء أمامه سواكم، من وهبتهم في يوم من الأيام عصارة ذهني".

طيار يبيع القات

ومثل الدكتور الحكيمي، امتهن الطيار مقبل الكوماني بيع القات، بعد أن توقفت المرتبات، يقول الكوماني في منشور له على "فيسبوك": "كنت في ظل الجمهورية أعانق السماء، أداعب وألامس تلك السحب التي لا يصل إليها أحد إلا من عشق السماء وعشقته، أداعب وألاعب تلك الغيوم وألامسها بطرف جناحي، انزل واعلو كما يحلو لي، انزل على مستوى أدنى ارتفاع لأزعج أهلي وأصدقائي بصوت طائرتي وامتعهم ببعض الألعاب الجوية".

وأضاف: ها أنا اليوم أصبحت أعانق علاقيات القات في دكان صغير لا تتجاوز مساحته متر مربع بعد أن كانت السماء متنزهي. نعم أصبح هذا هو حالنا وأصبحت هذه هي المخرجات التي يجب أن نؤمن بها في ظل مدخلات دولة تسيطر عليها سلالة كهنوتيه عنصرية، مثل ذلك الصحفي اليمني ونائب مدير تحرير صحيفة "الرياضة" الحكومية، علي الريمي الذي اتجه للعمل في محل لغسيل السيارات، بعد أن كان يعمل في الصحافة منذ 1984.

موت بصمت

من جهته، قال الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، علي المياسي، لـ"الاستقلال" إن "الكثير انقطعت بهم السبل وأعيتهم الحيل، بعد أن انقطعت مرتباتهم، إلى مستوى أن بعضهم لم يكن قادرا على تأمين رسوم المواصلات العامة التي لا تتجاوز ربع دولار للذهاب لإلقاء المحاضرات في الجامعة".

وكان نقيب أساتذة جامعة صنعاء الدكتور محمد الظاهري، قد كتب في منشور له على "فيسبوك" اعتذارا لطلابه عن عدم قدرته على إلقاء المحاضرات لعدم تمكنه من تأمين رسوم المواصلات، ليضطر لحذفه فيما بعد، ومثله الدكتور عبد الله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء.

 ويبدو أن حالة العوز الشديدة التي ضربت الأكاديميين قد جعلتهم أكثر انكفاء على أنفسهم، وحدت من قدرتهم على التواصل هاتفيا، الأمر الذي تسبب بعدم اكتشاف وفاة الدكتور عمر العمودي أستاذ التنمية السياسية في جامعة صنعاء، ورئيس قسم العلوم السياسية الأسبق، إلا بعد اثني عشر يوما من وفاته بعد أن انتشرت رائحة جثته في أرجاء المبنى الذي يقطن فيه.

لم تكن المطالبات بدفع الرواتب مجدية، كما لم تنفع الإضرابات التي نفذها الأساتذة والأكاديميون، قال الكاتب والصحفي أسامة عادل، لـ"الاستقلال" إن "الحوثيين يقابلون المطالبات بدفع الرواتب، بأذن من طين، وأذن من عجين، وليت الأمر يتوقف عند ذلك، فهم يقومون  بالاعتداء اللفظي والجسدي على كل من يطالب براتبه، ويتهمونه بالوقوف مع العدوان، يحصل كل هذا في وقت يقوم الحوثيون بتشييد العمارات، بينما يموت الموظفون والأكاديميون جوعا، والعجيب في الأمر أن الطيار في بلدنا أصبح بائع قات، بينما صار بائع القات محمد الحوثي رئيسا لليمن".