حسن الشافعي.. رئيس مجمع اللغة الذي رفض انقلاب السيسي فعزله بعد سنوات

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يوم 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عقد مجمع اللغة العربية في مصر جلسة لانتخاب رئيسه، أسفرت عن فوز الدكتور حسن الشافعي لمدة 4 سنوات مقبلة، بعد حصوله على 17 صوتا، مقابل 9 أصوات فقط لمنافسه الدكتور صلاح فضل.

كانت الأمور تسير على ما يرام وفقا لنتيجة الانتخابات، والإجراءات الاعتيادية المترتبة عليها، بتمكين الشخصية المنتخبة، واستلامها زمام قيادة المؤسسة العريقة في مصر، خاصة وأن الشافعي يرأس المجمع منذ سنوات طويلة بالانتخاب.

في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أصدر وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار، قرارا بتولي الناقد والكاتب الدكتور صلاح فضل، منصب القائم بأعمال رئيس مجمع اللغة العربية، في إشارة لعدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات التي أسقطت فضل.

صلاح فضل معروف بمواقفه الموالية لرئيس النظام الانقلابي عبد الفتاح السيسي، على عكس الشافعي، صاحب المواقف الوطنية المشرفة، والذي أعلن رفضه للانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، وما تبعه من مجازر في الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة العدوية والنهضة، ما جعله يدفع الثمن طيلة سنوات حكم السيسي.

خلفية عسكرية

قرار الإطاحة بالشافعي، جاء صادما للأوساط السياسية والثقافية والشعبية أيضا، فالرجل معروف بمكانته داخل مصر وخارجها، ومن القامات العلمية الرائدة التي نشرت العلم والثقافة، وله آلاف التلامذة والمريدين.

عزل الشافعي من رئاسة مجمع اللغة العربية، أحدث ردة فعل غاضبة، إذ اعتبر الكثيرون أن الإجراء المتخذ ضد الشافعي، يعبر عن طبيعة المرحلة في مصر، التي غدت تدار بخلفية عسكرية في كثير من شؤونها.

"كيف يتخلص النظام الفاشي من رئيس المجمع بعد أن انتخبته أعظم نخبة في مصر، فكلهم علماء في جميع التخصصات المعرفية من طب وهندسة وزراعة وغيرها من العلوم؟". هكذا علق الشاعر المصري فتحي عبد الله، على قرار الإطاحة بالشافعي، من رئاسة مجمع اللغة العربية.

وهو ما أكده الصحفي المصري محمد طلبة رضوان، الذي كتب عبر صفحته بفيسبوك: "مجمع لغة.. بخلفية عسكرية، منذ قليل قرأت خبرا عن انتخابات مجمع اللغة العربية، فاز الدكتور حسن الشافعي طبعا، فهو الأجدر والأقدر والأقرب لقلوب آل المجمع من نخبة أهل اللغة والفكر".

وأضاف: "فإذا بمجلس الوزراء يرفض النتيجة ويلغيها، ويعين منافس الشيخ حسن الشافعي الخاسر أمامه في الانتخابات، تعسفيا، والخاسر هو الناقد الكبير صلاح فضل".

وتابع: "الشافعي هو صاحب البيان الشهير، والوحيد الذي صدر عن عمامة أزهرية ضد الانقلاب العسكري، أما فضل فهو، على علمه، طوال عمره، (بتاع) الدولة، وهو اليوم يختتم حياته بالجلوس على كرسي مسروق، بقوة السلاح".

أما الصحفي المصري وائل قنديل، فغرد قائلا: "فرمان أمني بمنح صلاح فضل رئاسة مجمع اللغة العربية، بدلا من رئيسه الفائز بالانتخابات الدكتور حسن الشافعي.. العار لمن أصدر القرار.. والعار الأكبر اسمه صلاح فضل الذي ارتضى لنفسه هذا الدور الكريه، ويبقى الدكتور الشافعي منارة شاهقة في أشد عصور الظلام".

  بمزيج من الألم والحسرة، دون الكاتب الصحفي عبد الله الطحاوي عبر فيسبوك، قائلا: "رسب في انتخابات مجمع اللغة فصدر قرار بإلقاء الانتخابات في أقرب سلة زبالة، وجيء بالخاسر ليرأس المجمع بقرار سلطوي علوي.. مشتاق يثرثر عن الحرية والتنوير.. كما يثرثر السكارى في الحانات عن هلاويسهم.. وعند أول إشارة ذهب كل ذلك إلى أدنى مرحاض.. مع أول نداء سال اللعاب.. وجلس الساقط مكان الناجح.. عادي أيام تعيسة قليلة القيمة".

ووجه رسالته إلى الشيخ حسن الشافعي: "شيخ الشيوخ.. فلا عليك.. خرجت فائزا محترما.. وحل مكانك أمين جائزة القذافي للآداب".

وأضاف مدير خزانة التراث الدرعمي، عبد الفتاح جمال: "اليوم نرى مجمع الخالدين (مجمع اللغة العربية) يجهز على البقية الباقية له في نفوس الناس، ويتجاوز أعرافه الخالدة للوثة أصابت أحد أعضائه ليقال له رئيس مجمع اللغة العربية، وإن لم يأته المنصب منقادا بانتخاب أعضاء المجمع له".

وقال: "حفظ الله شيخنا الدكتور حسن الشافعي وجزاه عن خدمته للعربية خير الجزاء".

الأزهري الجليل 

الشيخ الدكتور حسن الشافعي، هو عالم لغوي مصري، وأول أزهري يرأس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وله العديد من البحوث العلمية والفكرية، بالإضافة إلى كونه عضوا في عدد من الهيئات والمؤسسات العلمية الإسلامية داخل مصر وخارجها. 

ولد الشافعي في قرية بني ماضي بمحافظة بني سويف (صعيد مصر) عام 1938، وفيها حفظ القرآن الكريم في سنوات مهده، ثم التحق بمعهد القاهرة الديني الأزهري، وحصل على الابتدائية عام 1948، وعلى الثانوية الأزهرية عام 1953.

النبوغ العلمي للشافعي ظهر مبكرا، لا سيما وأن من فلتات حياته المثيرة للإعجاب، أنه في عام 1953 التحق بكلية دار العلوم جامعة القاهرة وكلية أصول الدين جامعة الأزهر في نفس الوقت، وتخصص في الفلسفة الإسلامية، وهو أمر صعب المراس إلا على رجل متمرس في العلم، له تطلعات وغايات كبيرة.

السلطة العسكرية وحدها كانت قادرة على إيقاف مسيرة الشاب النابه، عندما تم اعتقاله عام 1954، على يد النظام الناصري، بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبقي في سجون العسكر 6 سنوات كاملة.

ومع ذلك تخرج بمرتبة الشرف الأولى ليتم تعيينه معيدا في كلية دار العلوم، ولم يلبث أن اعتقل مرة أخرى ضمن اعتقالات عام 1965، ليمكث 4 سنوات، وفي عام 1969 حصل على درجة الماجستير، وبعدها بسنوات تلقى منحة من الدولة، ليسافر إلى كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، وحصل منها على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية سنة 1977.

مسيرة مشرفة 

بدأت شخصية الشافعي العلمية والعملية تتبلور، عقب عودته إلى مصر وشغله العديد من المناصب، فعمل أستاذا للعقيدة والفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وهو ما أهله أن يكون محاضرا في عديد من الجامعات العربية والإسلامية، مثل الجامعة الإسلامية العالمية بباكستان، وجامعة أم درمان بالسودان. 

شغل الشافعي عضوية كل من: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، ومركز الدراسات الإسلامية بجامعة القاهرة، والمجلس العلمي لكلية الدراسات العليا بمانشستر في بريطانيا، ومجلس أمناء الجامعة الإسلامية في إسلام أباد.

تميز الشافعي بإنتاج علمي غزير حيث أصدر عشرات الكتب العربية، في كثير من التخصصات، منها الفلسفة الإسلامية والتوحيد وعلم الكلام والتصوف، وكتب الكثير من الأبحاث العلمية التي نشرت في المجلات والدوريات داخل مصر وخارجها، بالإضافة إلى الإشراف والتحكيم للعشرات من الرسائل الجامعية في مصر والعالم العربي والإسلامي.

من أهم مؤلفاته: "تجديد الفكر الإسلامي.. المفهوم والدواعي والخطوات - علم الكلام بين ماضيه وحاضره - الإمام محمد عبده وتجديد علم الكلام - أبو حامد الغزالي.. دراسات في فكره وعصره وتأثيره". 

صدع بالحق

بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وفي فبراير/ شباط 2012، انتخب حسن الشافعي رئيسا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة بعد وفاة رئيس المجمع الدكتور محمود حافظ.

جمعت شخصية الشافعي، بين حمل أمانة العلم، وروح الثورة، وآيات البذل والتضحية، فلم يثنه المنصب عن واجباته الوطنية، ولم يكبح جماحه عن قول الحق، والجهر بالرأي وقت الشدة.

برز ذلك جليا عندما وقع الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، فكان الشافعي من أوائل الرافضين له، وأصدر بيانا قويا يستنكر فيه ما حدث، وكذلك أدان مذبحة المنصة، ثم مجزرتي رابعة العدوية والنهضة بحق المعتصمين السلميين من أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي.

تبرأ الشافعي من الانقلاب ومجازره في بيان سطره بيده وأذاعه عبر القنوات قائلا: "اللهم إني أبرأ إليك مما حدث، وأستنكره من كل قلبي، وأسأل الله لبني وطني العقل والحكمة، وأدعوهم إلى التوبة، وكل الحول والطول والقوة بيد الله رب العالمين".

ذلك الموقف دفع الشافعي ثمنه على مدار سنوات الانقلاب ففي عام 2015، تم فصله من عمله كأستاذ بجامعة القاهرة، وتعرض لموجات من هجوم الأذرع الإعلامية لنظام السيسي التي طالبت بعزله من منصبه وتنحيته وهو ما تم بالفعل عقب انتخابه مؤخرا.

ويعد حسن الشافعي بتاريخه الطويل، من الشخصيات المقربة من شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، الذي اتخذه مستشارا له، بالإضافة إلى عضويته في هيئة كبار العلماء.