برر جرائم السيسي.. لماذا يوجه إبراهيم عيسى سهامه نحو العقيدة؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دأب الصحفي المصري إبراهيم عيسى، وتحديدا منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، على نقل معاركه مع جماعة الإخوان المسلمين، وحكم الرئيس محمد مرسي، إلى التوغل نحو العقيدة الإسلامية بشموليتها.

دائما ما يثير عيسى الجدل بإشعاله قضايا دينية ذات حساسية لدى الشعب المصري، خاصة فيما يتعلق بثوابتهم العقائدية تجاه الصحابة الكرام والسنة النبوية الشريفة، فتارة يهاجم كبار الصحابة والخلفاء الراشدين، وتارة يهاجم الرموز الإسلامية المعاصرة مثل الشيخ الشعراوي.

يبدو أن عيسى يفضل الهروب من مجابهة النظام السياسي القائم بقيادة عبد الفتاح السيسي، وحجم الانتهاكات الحقوقية غير المسبوقة في تاريخ البلاد، بالإضافة للإخفاقات الاقتصادية والسياسية المستمرة، والتي لا يتطرق إليها عيسى شكلا ومضمونا.

 

البخاري وابن تيمية

في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وخلال حلقته على قناة "الحرة" الأميركية، شن إبراهيم عيسى هجوما لاذعا على الإمام ابن تيمية، متهما إياه بأنه برر قتل "الحلاج" عالم التصوف الذي عاش ومات قبل 1000 سنة في بغداد، وكان عيسى يتحدث عن دوره في مجابهة السلاطين والطغاة.

هجوم عيسى على الإمام ابن تيمية، ليس جديدا، فسبق وأثار جدلا صاخبا في أبريل/ نيسان 2015، بعدما قال عبر برنامجه على قناة (ontv): إن "شيخ الإسلام ابن تيمية، كما تُعرفه كتب التراث، منافق وكافر".

ثم عاد ووصفه في نفس الحلقة بـ "المكفراتي"، معتبرا أنه يدعو إلى إذلال المسيحيين، على حد ادعاء إبراهيم عيسى. 

تطور الأمر عند عيسى إلى الهجوم على أئمة الحديث وعلى رأسهم الإمام البخاري، وفي يوليو/ تموز 2019، أحدث أزمة مجددا، بعد اتهامه الإمام "البخاري" بأنه من نشر ثقافة القتل والتكفير وتشويه صورة الرسول صلى الله عليه وسلم.

عيسى قال في برنامج "مختلف عليه" على قناة "الحرة": إن "هناك حديثا في صحيح البخاري، ينص على إباحة الدم وإظهار رسالة العنف".

وفي مايو/ آيار 2020، تطور هجوم عيسى إلى المساس بالخلفاء الراشدين، الذين هم بحسب عقيدة أهل السنة والجماعة أفضل المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

وأضاف: "ما تعلمناه من رجال الدين هو أن فترة الخلافة الراشدة كانت مثالية وكأنها جنة الله على الأرض، لكن الحقيقة هي أن الصحابة حكموا كالملوك وأصابوا وأخطؤوا لأنهم بشر، والصراع الذي حدث بينهم ورثناه نحن حتى اليوم وهو ميراث لا ينتهي".

بعدها مباشرة شن عيسى هجوما على القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي، عندما قال: "سفك من دماء المسلمين أضعاف مضاعفة مما سفك من دماء الصليبيين".

منهجية إبراهيم عيسى المثيرة للجدل لم تجعله محل نقد فقط من شخصيات اعتبارية داخل المجتمع، بل محل تساؤل عن سر إثارته لتلك الأزمات داخل بلد يعاني كثيرا من المشكلات الحياتية، وهل عيسى من أهل العلم المتخصصين القادرين على طرح تلك المسائل وتفنيدها؟.

نقد اللاهوت لا الناسوت

الكاتب والصحفي المصري عبد الله الطحاوي، عبر عن السياق الذي يسير فيه إبراهيم عيسى، من خلال منشور له على فيسبوك في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قال فيه: "إبراهيم عيسى عندما ذهب إلى (الحرة) فقد كان ذهابه هروبا من نقد الناسوت أو الحاكم إلى رحابة نقد اللاهوت، من خلال تقديم برنامج ديني على القناة الأميركية، بعد أن تم حرمانه من السياسة والكلام في القنوات المصرية".

وأضاف: "أنا أعذر إبراهيم عيسى فالناسوت غضوب لا يغفر ولا يريد إلا التسليم والطاعة المطلقة بلا سؤال ولا جدال فسؤال الحاكم بدعة، ونقده يؤدي إلى السجن أو الجلوس في البيت بلا عمل.. أما اللاهوت فغفور رحيم.. ويوم القيامة يفصل بين الناس.. مهاجمة عذاب القبر أقل كلفة من نقد عذاب السجون". 

وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أكد الكاتب والسيناريست المصري بلال فضل، تحولات وأكاذيب إبراهيم عيسى، عندما دون على "فيسبوك" قائلا: "كثير من الأشخاص تأثروا بمناخ التخوين والتكفير الوطني، الذي ساهم في صنعه كثيرون خلال السنوات الماضية، وكان على رأسهم للأسف الأستاذ إبراهيم عيسى بمقالاته وبرامجه التلفزيونية والإذاعية".

وأضاف: "كان (عيسى) عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان في 2013 من أوائل من تبنوا وروجوا لاستخدام تعبير (الطابور الخامس) في وصف المعارضين لما جرى في مصر منذ لحظة التفويض اللعينة، وله في ذلك الصدد مقالات ومقولات مؤسفة يشق تذكرها على من يحبون كتابته ويعترفون بإنجازاته الصحفية والإعلامية".

وأردف: "وكم أتمنى على الله، وليس على الله بكثير، أن أرى الأستاذ إبراهيم عيسى وهو يراجع نفسه في شهادته المؤسفة في قضية قتل المتظاهرين، والتي كانت البند السادس في حيثيات حكم المحكمة بتبرئة مبارك من قتل المتظاهرين للأسف الشديد، وأن يراجع نفسه في تأييده المبالغ فيه لما جرى من قتل وقمع في السنوات الأخيرة، لدرجة أنه وصف محمد إبراهيم وزير الداخلية الذي تورط في مذبحة رابعة بأنه (أحسن وزير داخلية في تاريخ مصر)". 

 

زعزعة العقيدة

الدكتور محمد أبو زيد، الأستاذ بجامعة الأزهر، خلال حديثه "للاستقلال" حدد أزمة إبراهيم عيسى التي ما تلبث أن تخفت حتى تعود إلى الواجهة مرة أخرى، قائلا: "ما يفعله إبراهيم عيسى أمر مقصود ومخطط له منذ سنوات، لزعزعة عقيدة المصريين الدينية السنية الوسطية، التي كانت تتميز بها مصر على مدار سنوات طويلة، بلا إفراط ولا تفريط".

مضيفا: "المجتمع المصري مع حبه الشديد لآل البيت وتوقيره للصحابة الكرام، لم ينزو إلى التشيع، أو يذهب إلى مذاهب متشددة، أو يسقط في العلمانية المنفرة، التي تسعى إلى سلب مجتمعنا من هويته الراسخة، كما يسعى إبراهيم عيسى ومن على شاكلته".

وتساءل أبو زيد: "هل هناك ذنب بعد سب صحابة رسول الله وعلى رأسهم الكبار أبو بكر وعمر وعثمان، والتهكم على عذاب القبر، والخوض في سيرة خيار الخلق بعد الأنبياء".

وأضاف: "أذكر أن رئيس جامعة الأزهر السابق، عضو هيئة كبار العلماء الدكتور أحمد عمر هاشم، قد شن هجوما لاذعا على إبراهيم عيسى قبل سنوات، عندما هاجم الأخير الخلفاء الراشدين، ووصفهم بأنهم (أجرموا وأراقوا الدماء) وقتها قال الدكتور هاشم وصفا لاذعا، بأن من يفعل ذلك متطاول ومخالف لمنهاج النبي". 

وأردف  أستاذ الأزهر: "هناك سؤال مهم يطرح نفسه حول شخصية إبراهيم عيسى، بعيدا عن منهجه الديني إلى منهجه السياسي، لماذا خفت صوت إبراهيم عيسى أمام الحاكم، بعدما كان يصول ويجول خلال فترات سابقة؟ فهل تم حل مشكلات الشعب المصري؟ وهل أصبحت مشكلة المصريين في الهوية الإسلامية؟ وأين حديثه عن المشكلات السياسية والاقتصادية؟ وسقوط طبقات الشعب في الفقر والحاجة". 

وختم حديثه بالقول: "سياسة إبراهيم عيسى وأشباهه مثل إسلام البحيري وغيرهم، تهدف إلى التشويش على المواطنين، وخلق معارك جانبية تذهب فيها العقول والطاقات، بعيدا عن المشكلات الأساسية، فالآن من السهل أن يهاجم صلاح الدين في قبره، ولا يقول كلمة عن السلطان في قصره".